16‏/10‏/2010

أعظم وأعجب محاكمة
 سمعت بها أذن التاريخ!!!



الشيخ  على الطنطاوى
 يرحمه الله



نادى الغلام : ياقتيبة (هكذا بلا لقب ).
فجاء قتيبة وجلس هو مع كبير الكهنة أمام القاضي (جُميْع).
ثم قال القاضي : ما دعواك يا سمرقندي؟.
قال: اجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا .
ألتفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما تقول في هذا يا قتيبة؟.
قال قتيبة: الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية ...
قال القاضي: يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية  أو الحرب؟.
قال قتيبة: لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك ...
قال القاضي: أراك قد أقررت، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب  الغدر وإقامة العدل .
ثم قال: قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من  حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين  والدور، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد، على أنْ ينذرهم  المسلمون بعد ذلك!!.
لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه، فلا شهود ولا أدلة ولم  تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعورا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم، وبعد ساعات قليلة سمع أهل  سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ  وأنَّ الجيش قد انسحب، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به ..وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم أكثر من ساعات، حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله ..
فيا لله ما أعظمها من قصة، وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق، أريتم جيشاً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة، فيحكم قضاؤها على الجيش  الظافر بالخروج؟.
والله لا نعلم شبه لهذا الموقف لأمة من الأمم .
بقي أن تعرف أن هذه الحادثة كانت في عهد الخليفة الصالح (عمر بن عبدالعزيز) حيث أرسل أهل سمرقند رسولهم إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة فكتب مع رسولهم للقاضي أن احكم بينهم فكانت هذه القصة التي تعتبر من الأساطير .
-------
من كتاب (قصص من التاريخ) للشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله  وأصلها التاريخي في الصفحة 411 من ( فتوح البلدان )  للبلاذري - طبعة مصر سنة 1932م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق