16‏/10‏/2010



تنـقيــة النفــس وتهذيبـهــا
لا يستوجب الخلـوة

تعقيبا على مقال

خلوات الدعاة .. سفن النجاة

بقلم: شيخ فائق نامق


نشرت مجلة الحوار الغراء في عددها 93 الصادر بتاريخ 2\10\2010 مقالا تحت عنوان (خلوات الدعاة .. سفن النجاة)  في عمود (كلام من القلب) للزميل محمد صادق أمين .وأنا أعلم من معاشرتي للزميل (محمد صادق) أنه كتب مقاله من وحي  حرصه على دينه وأبناء أمته الإسلامية؛ وهو موضوع حيوي وذو فاعلية لمساسه بواقع حياة الدعوة والدعاة اليومية، إلا أنني أريد أن أختلف معه في بعض جزئيات ما طرحه في مقاله من خلال هذا التعقيب على الموضوع .في البداية لابد أن أشير إلى أن الأنبياء عموما عليهم الصلاة والسلام؛ ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) خصوصا مسيرتهم وأعمالهم ودعوتهم وحتى خطاهم تأتي بتوجيه رباني والهام من الله سبحانه وتعالى بهدف تعزيز الرسالة ودعم استمرارها  وبلوغها على الوجه الأتم الأكمل، فينزل الملك جبرائيل بالوحي ليبلغ ما يأمر به الخالق سبحانه من توجيه وأوامر تتطلب التنفيذ، فيأخذ نبينا الكريم أوامر ربه على محمل الجد وبالتشاور مع صحابته الكرام يطبقونها نقطة بنقطة لما فيه مصلحة الدين والبلاد والعباد.أما مسألة خلوه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة العظمى الذي تتعلق به مصير البشرية فهي كانت قبل البعثة، بينما نجده بعد البعثة يخطط ليل نهار كيف يبلغ رسالة ربه وينقذ البشرية ويصل بها إلى شاطئ السلامة، فا لعمر الدعوي لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حافلا بالعطاء والعمل. أما صحابته الكرام رضوان الله عليهم فقد امنوا وترعرعوا في المدرسة المحمدية، وكان سبيلهم للاستعانة على مشوار الدعوة هو التذاكر والتناصح مستهدين بقول الله تعالى: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} فكان احدهم يقول لصاحبه تعال نؤمن ساعة؛ وهنا سؤال يستحق أن يطرح الم يكن هذا الصحابي صاحب إيمان؟ نعم قد آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولكن كلا منهم يطلب من الآخر أن يعين صاحبه على الإيمان حتى يترسخ ويستقر في القلب ويتواصل العمل به  والعطاء من خلاله، من هذا المنطلق يتذاكرون ويتشاورون ويتناصحون للتعاون على البر  والتقوى، ولم يكونوا في تقديري بحاجة إلى الخلوة الصوفية التي تمثل الانقطاع عن الدنيا كما هي معروفة عندنا اليوم.هناك بدائل أخرى لو اتبعناها لأغنتنا عن الخلوة لحفظ القلوب من الصدأ، على سبيل المثال قبل أن ينام المسلم يجب أن يحاسب نفسه ويعرض أعماله كشؤيط سينمائي أمامه، فان كانت حسنة يشكر الله على توفيقه، وان كانت غير ذلك يستغفر ربه ويتوب إليه.أما الخلوة التي اقترحها كاتب المقال في رمضان فهي من الأعمال التي كان يتطوع بها المتصوفون؛ فمن بداية الشهر إلى صباح العيد يعتكفون في التكايا او المساجد  في  القرن الماضي، فكانوا لا يخرجون إلى الناس ولاينامون من الليل إلا قليلا، ولا يأكلون المنتوج الحيواني كاللحوم والدهون، وينامون في النهار إلا قليلا، هذه الحالة أصبحت غير موجودة في زماننا هذا؛ وغير مطلوبة للدعاة، لأنهم اليوم يقومون بعمل عبادي منهجي جماعي من خلال القيام بواجبات الدعوة، ومن خلال العبادات الجماعية التي تؤدى ليلال مثل قيام الليل والصلاة والأذكار وقراءة القرآن، وفي النهار الصيام  والسعي وراء الرزق، وهم  بذلك يقومون بعمل منظم يشرف عليه إخوة وأخوات من أهل الدعوة والسبق.طريقة القيام الجماعي ومنهجته وأسلوبه شيء عبادي مهم وجيد في التربية وتنقية الروح، خصوصا إذا تتخله إلقاء المحاضرات والدروس،  ففيه إحياء للقلوب، وهو اعتكاف تتخلله بين الحين والحين عباده فرديه من دعاء واستغفار وتوبة وتواصل مع الباري عزوجل .وبخصوص ما تفضل به الأستاذ محمد صادق حول المشاغل والواجبات والالتزامات الكثيرة وأنها من أسباب قسوة القلب فهذا كلام وجيه وصحيح، وتمليه الظروف الدعوية، فحينما تكون الدعوة سرية ومؤسساتها وآليات عملها غير معلنة يتحجم مستوى الأعمال وتقل الواجبات، وتصبح العبادات والطاعات محور عمل وحياة الداعية كما كان الأمر في دعوه الرسول صلى الله عليه وسلم في المرحلة السرية. وعندما خرجت الدعوة من طور السرية إلى العلنية كان الرسول وصحابته الكرام مشغولون ليل نهار ليس في الجزيرة العربية وحسب بل وصلت فتوحاتهم إلى أقاصي الدنيا، وكان الفاتحون يبقون اشهرا وأياما وليالي عديدة بعيدين عن أهلهم وذويهم، فهذه طبيعة عمل الدعوة في الماضي والحاضر .أما الإنسان المسلم الموفق الناجح فهو الذي يوفق بين أعماله الدعوية ومتطلبات حياته في بيته ومسجده ومعيشته ودعوته إلى الله تعالى، الى جانب حقوق الأهل والأقرباء ثم نفسه في غذائه الروحي والبدني.السبيل إلى التوفيق في هذه الأمور والنجاح في ذلك هو قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أعطى كل ذي حق حقه.ختاما أقول؛ إن الدعاة إلى الله بحاجة ملحة إلى مراجعة الذات وتنقية النفس والأخلاق والروح والوجدان حتى تصفو الدعوة من المكدرات كما ذكر الزميل (محمد صادق) ولكنني أختلف معه في السبيل للوصول إلى هذه النتيجة، فهو يقترح أن يكون للدعاة خلوات للمحاسبة والمراجعة، وأنا أرى أن يبقى الداعية في رباطه وعمله ودعوته، ثم يراجع نفسه في أثناء العمل ويحاسبها ويزن عليها أعمالها قبل أن توزن عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق