14‏/10‏/2010

استراتيجية الهروب من الفشل

يكتبها: زيرفان البرواري 
النموذج الذي أراد الغرب ان يطبقه في أفغانستان لم يؤت أكله، فقد ضرب بنظريات بناء الدولة عرض الحائط، اراد الغرب بناء دولة مركزية قوية في افغانستان، بالاعتماد على نظرية بناء الدول""State Building ولكن طبيعة أفغانستان التاريخية والثقافية حالت دون وصول الغرب والولايات المتحدة الى صيغة معينة لمعالجة الازمة الافغانية والخروج من المستنقع الافغاني بأقل الخسائر، إننا على وشك الدخول في العقد الثاني من الاحتلال الامريكي لافغانستان وما تزال الاهداف التي من اجلها احتلت أفغانستان بعيدة حتى عن الخطط والاستراتيجيات المعتمدة في ذلك البلد. انقسم الشارع الامريكي حول مؤيد ومعارض للبقاء الامريكي في افغانستان، فالمواطن الامريكي ادرك بأن الحرب اتت بنتائج عكسية وان المأزق الامريكي يزداد عمقا وتعقيدا، وقد أدى هذا الانطباع الى تأثر الإدارة الامريكية بالرأي العام وبدأت تفكر في استراتيجية الخروج بدلا من استراتيجة البقاء. إن ادارة كابول تعد من المهمات الصعبة التي لا يمكن لا لقوات الاحتلال ولا للإدارة الافغانية تحقيقها، فلا يوجد هناك تنسيق وتفاهم بين الشعب الافغاني وحكومة كرزاي الذي فشل في معالجة الازمات المحورية التي يعاني منها المواطن الافغاني.الادارة الامريكية بدأت بالحديث عن استراتيجية للانسحاب من افغانستان، وادى الجدل بين المؤسسة العسكرية والسياسية الى نقطة بحيث تدخل العسكر في سياسة البيت الابيض الامر الذي لا يمكن السكوت عنه من قبل الحكومة الامريكية، فالقيادة العسكرية لديها الحق في المشورة وإبداء الاقتراحات لشخص الرئيس فقط ولا يحق لها الحديث الى الاعلام حول المسائل الاستراتيجية ولا التدخل في القرارات التي تصدرها الحكومة بشأن الحرب والعمليات العسكرية.ان البيت الابيض فشل في وضع اساسيات الحكم الصالح في افغانستان، ونظريات بناء الدول والتحول الديمقراطي التي نجحت مع النموذج الياباني والالماني من المستبعد ان تنجح مع النموذجين الافغاني والعراقي"ليس لكون البلدين ليس لديهما البنية الثقافية لتحقيق الحكم الصالح" وإنما بسبب الضعف في الإرادة الامريكية حيث لم تنخرط في اي جهود ايجابية نحو مأسسة البلدين باعتبار أن البيت الأبيض هو المسؤول عن امن وسلامة الشعبين ما دام الاحتلال قائما ويسيطر على القرار السياسي في البلدين.فالحديث عن استراتيجية للهروب من الفشل، او بعبارة اكثر دبلوماسية "استراتيجية الانسحاب التدريجي من الاراضي الافغانية" اصبح الشغل الشاغل لدى الاعلام الامريكي، وبدأ الشعب الامريكي يتساءل عن الفترة الزمنية لبقاء ابنائهم في المستنقع الافغاني، وكذلك السؤال عن نوع الاستراتيجية التي طالما كانت غائبة عن الرأي العام الامريكي ايام الجمهوريين، والتي تلفها الضبابية في الوقت الراهن. واجه إدارة اوباما ضغوطات داخلية من قبل جماعات الضغط التي اصطدمت مصالحها بالقرارت والسياسات التي تبنتها الادارة الديمقراطية. ان الحديث عن العجز الامريكي في افغانستان وانسحاب حلفاء واشنطن واحدًا تلو الاخر جعل واشنطن امام خيارات أحلاها مُر، فالحرب التي أعلنها بوش الابن قد تدفع ضريبتها اكثر من إدارة بغض النظر عن من يكون على رأس هذه الادارة، فالمأزق الأمريكي الذي لا يحل بخطابات اوباما ولا يحل بالتطرف الجمهوري، إذ لابد من تبني خيار ثالث طالما كان مستبعدا على طاولة صناع السياسة في البيت الابيض الا وهو التفاوض مع حركة طالبان الافغانية. فالحركة في تطور مستمر من حيث القدرات العسكرية والدعم الشعبي، وبدأت الحركة تبتعد تدريجيا عن سيطرة القاعدة ما يعطيها نوعا من الاستقلالية والقبول لدى الشعب الافغاني، فالمعادلة العكسية في افغانستان جعلت من طالبان خيارا استراتيجياً للحكومة الافغانية وقوات التحالف، فالفساد في مؤسسات حكومة كرزاي اثر سلبا على الدعم الغربي للحكومة الافغانية وأصبح التغيير والاصلاح من المفردات المستعصية على الساحة الافغانية.الهدف الامريكي بالقضاء على اسامة بن لادن وإنشاء دولة افغانية قوية تكون بمثابة عين امريكية على المنطقة خصوصا إيران وروسيا لا يزال مجرد حلم اثقل كاهل الساسة الامريكان.كما ان الحديث عن المفاوضات غير المباشرة مع طالبان يعبر عن عجز امريكي واضح في الاستمرار في الحالة الراهنة، فالإدارة الحالية طوت صفحة إدارة بوش الابن التي نادت باستحالة المفاوضات مع طالبان ومقاومة اي جهود باتجاه ذلك الهدف، إلا أن المتغيرات والمعطيات السياسية على الساحة الافغانية غيرت الكثير من الأجندات، وبات الحديث عن مفاوضات غير مباشرة او دعم جهود حكومة كرزاي في التفاوض مع طالبان شيئا مألوفا ولا يخفيه الساسة في البيت الابيض، فقد صرح احد المتحدثين الرسميين لمجلة نيوزويك الامريكية بان الإدارة الامريكية سوف تدعم جهود الحكومة الافغانية في التفاوض مع حركة طالبان.واخيرا لابد من الاعتراف بأن افغانستان لم تحكمها حكومة مركزية قوية من قبل، ولم تتمكن الدول التي احتلتها من فرض نموذج معين على شعبها، فالبريطانيون في القرن التاسع عشر اعطوا ادارة افغانستان للقبائل ولوردات الحرب، واخفق الروس في وضع إدارة مساندة لهم، والان يعاني الأمريكان من سيناريو تكرار الفشل، وخير حل هو استراتيجية الهروب من الفشل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق