د. سعد سعيد الديوه جي
يقول الروائي العربي احمد إبراهيم الفقيه: الأول خائف من الثاني، والثاني خائف من الثالث، والثالث خائف من الأول، والخائف خائف من الخوف.
هذا الواقع المؤلم إنعكاس واضح لكل جوانب التخلف النفسي الذي يعيشه العرب والمسلمون عموماً من جراء غياب القانون في مجتمعاتنا عموماً، وحلول النرجسية والتسلط ومحاربة النزعة الفوقية في معظم شؤوننا.
تحت وطأة الخوف فقدنا معالم الشخصية المتزنة والهادئة والتي تستطيع الكلام بروية وتعقل، والتي كان من آثارها أن اصطبغت تصرفاتنا عموماً بالمداهنة والانتهازية لإرضاء المقابل وبأي ثمن.
والخوف عندما لا يكون مبرراً يصبح ذلاً وعاراً على شخص كان، والخوف في مجتمعنا لم ينشأ من الفراغ وإنما نشأ من ممارسة الظلم بصورة لا يصدقها عقل ابتداء من سلطة الدولة العليا إلى أصغر موظف فيها.
نشأ عندنا الخوف من تجاوز الإنسان لصلاحياته الاجتماعية والقانونية فصار عنده الاعتقاد بأنه يستطيع أن يشتم ويضرب ويأخذ ويمتلك ولا يحاسبه أحد.
هذا تجاوز قسم المجتمع إلى فئة الأسياد التي تخاف من السيد الأكبر خوفاً لا حدود له لمواهبه النفسية في القتل والتشريد والمصادرة وفئة العبيد التي تخاف من الأسياد الصغار ومن بعضها.
لقد وصل حد الخوف عندنا حتى من الكلام أمام طفل صغير لئلا ينقل الكلام إلى ابن الجيران ثم ..... ثم ..... ثم إلى مهاوي الردى؛ هذا الخوف حول نفسية الفرد في مجتمعاتنا إلى ركام لا يدري ما يريد، كانت مجتمعاتنا تعرف أن السيد الأكبر هو الشر بعينه فيحقدون عليه وتسيطر عليهم الرغبة في الانتقام ويشلهم الخوف، هذا الشكل أو العجز أطلقنا عليه اسماءاً عديدة (كالصبر) و (التواضع) و (الطاعة) وهو كله في الحقيقة ذل وعار وامتهانة، مع الخوف الشديد غابت الشفقة والعفو وتنامى كل ما يعارض قوانين الطبيعة والتطور.
إن التحرر من الخوف سيحول الجميع إلى سادة أنفسهم، وهذا التحرر هو في الحقيقة ثورة على الأخلاق الانتهازية التي استشرت كالنار في الهشيم، هذا التحرر هو نزوع نحو الأفضل وصراع إجتماعي ضد التخلف النفسي الذي ابتليت به مجتمعاتنا بجانب الجوانب الأخرى من التخلف.
في بعض الأحيان يكون الخوف مبرراً وأحيانا أخرى شرا لا بد منه، ولكنه في حياتنا صار كالماء والهواء والخبز، كميزة أساسية في تصرفاتنا وأعمالنا وخلجاتنا حتى صرنا نخاف من نوع خاص من الأحلام، وصارت لنا طرائق ومناهج في إبراز مواهبنا في الخوف وصرنا أساتذة في النفاق والانتهازية والكذب.
أمامنا طريق طويل للتحرر من الخوف لعل أهمه عدم ممارسة الإرهاب في التفكير والعمل؛ وابتداءاً من السلطة إلى اصغر موظف في الدولة .
لقد كنا نعتقد أن الخوف قد شلنا وقضّ مضاجعنا، وها هي الانتفاضات في بلادنا تجتاحها من المحيط إلى الخليج لتعيد إلى الأذهان ذلك الانقلاب الذي صاحب سقوط الشيوعية أواخر الثمانينات من القرن الماضي، ولترسم حدوداً تاريخية لا يمكن تقييمها إلا بعد أجيال، وربما ستكون هذه الثورات رسالة للعالم جميعاً من امة حملت أعظم رسالة في العالم.
إن بوادر هذا اليوم قد بدأت طلائعه تبدو في الطريق، كضوء شمعة في نهاية النفق، فكم سيستمر بنا الوقت لنقطع هذا النفق المظلم قبل أن تنطفئ شمعة الخوف فينا؟..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق