شعبان عبد الرحمن*
shaban1212@gmail.com
رسالة مزلزِلة أرسلها الشعب المصري للعالم مساء الجمعة 11/2/2011م يوم أعلن الرئيس السابق «حسني مبارك» تنحّيه عن السلطة؛ إذعاناً لمطالب الشعب على مدى ثمانية عشر يوماً (25/1 -11/2/2011م).. هي رسالة المظلوم إذا طفح به الكيل، ويا لها من رسالة!.. ورسالة الصابر المثابر دون كلل أو ملل حتى ظن الناس أنه تحوّل لجثة هامدة.. ورسالة الواعي الذي التمس للطغاة كل الأعذار؛ علهم يتراجعون عن طغيانهم؛ فكانت أعتى ثورة شعبية عرفها التاريخ المصري.. زلزلت كل أركان الدولة لتعيد بناءها من جديد، ولاشك أنها ستغير وجه المنطقة بأسرها بعد أن قلبت موازينها.
إن الدرس البليغ الذي لقنته تلك الثورة المعجزة للأنظمة الدكتاتورية؛ هو أن الظلم والجبروت وحكم الشعوب بالحديد والنار لا يمكن أن يصمد أمام هدير الجماهير الغاضبة، مهما تمترست تلك الأنظمة بكل أنواع القوة العسكرية والأمنية، ومهما تدثرت بالدعم السياسي الإقليمي والدولي، ومهما زيّفت الحقائق وضللت الشعوب بآلة إعلامية ساحرة في قدرتها على قلب الحقائق.. لكن كل ذلك لا يجدي نفعاً، فالنهاية المحتومة هي:
أن تلك الأنظمة إلى زوال والشعوب هي الباقية، وإن كانت تلك الحقيقة باتت واضحة جلية لا لبس فيها؛ فلماذا لا تسارع الأنظمة الجاثمة على أنفاس شعوبها لمراجعة سياساتها كاملة، والتحرك لإقرار الحقوق المشروعة للشعوب بكافة أنواعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحياتية، واتخاذ خطوات تصالحية جادة تصب في إزالة رواسب السنوات الماضية والاحتقانات المتضخمة في النفوس، وتقوي من روح الانتماء لدى الشعوب قبل فوات الأوان، وقبل وقوع الانفجار الثائر الذي لا يبقي ولا يذر؟..
إن الكَيّس من اتعظ بغيره، وإن ما جرى في تونس حيث كانت أعتى الدكتاتوريات، وفي مصر أعرق الدكتاتوريات؛ خير واعظ وأبلغ درس.
إن ثورة الشعب المصري التي سيحفرها التاريخ في أنصع صفحاته قد حققت بنجاح كبير الخطوة الأولى نحو التغيير الجذري للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومازالت هناك خطوات أهم وأكثر صعوبة في سبيل صناعة النهضة الكبرى، وسيكون مطلوباً من كل القوى الحية التي ساهمت في تفجيرها العمل بدأب وجهاد لحراسة تلك الثورة، حتى لا يتم الالتفاف عليها، أو القفز عليها من قبل قوى النظام السابق التي مازالت منتشرة في مراكز صناعة القرار، أو القوى التي رفعت يافطات المعارضة وكانت في حقيقتها لجاناً تابعة لـ«الحزب الوطني»، وعارضت ونالت من شباب الثورة في بدايتها، وتأرجحت مواقفها خلال فعاليات الثورة حسب الموجة.
إن الشعب الذي قدم نموذجاً حضارياً في صناعة وإدارة ثورته بصورة أذهلت العالم؛ مطالب باليقظة والتلاحم ليواصل المسيرة الطويلة نحو تحقيق كل أهدافها كاملة غير منقوصة.. عندها تكون مصر قد وضعت أقدامها ومن خلفها المنطقة بأسرها على أعتاب النهضة الكبرى.
(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق