09‏/03‏/2014

العلاقة بين الأستاذ والطالب في الحضارة الإسلامية

الدكتور ناصر عبد الرزاق الملا جاسم
كلية الآداب/ جامعة الموصل
لعل من بين القضايا الأساسية، التي تشغل حيزاً مهماً من حياتنا الأكاديمية المعاصرة، هي بلورة علاقة سليمة بين الأستاذ والطالب، سواء أكان هذا الطالب في مراحل الدراسة الأولية، أو العليا، فغالباً ما نلمح شعوراً بالامتعاض أو الاستياء أو حتى الاستهجان لسلوكيات تبدر من هذا الطرف أو ذاك. ولطالما تتكرر إلى مسامعنا تعليقات أحد التدريسيين من الجحود، أو الإخلال بالسلوك القويم،
التي تبدر من طرف طلبته، أو ممن كانوا يوماً طلبة له. وبالمقابل تدور دائماً أحاديث في صفوف الطلبة عن قسوة هذا الأستاذ أو تكبر آخر، إلى نحو ذلك من الأحاديث التي تتكرر أمامنا يومياً.
ولعل جانباً كبيراً مما سبق يعود إلى غياب، أو ضعف، التقاليد العلمية في الحقل الأكاديمي، فيسلك الأستاذ أو الطالب سلوكيات من وحي اجتهادهما الشخصي، أو ما ألفوا عليه آباءهم أو إخوانهم أو حتى أساتذتهم السابقين.
وفي واقع الأمر إن (جامعة بغداد) هي من الجامعات الناشئة مقارنة بالجامعات العالمية العريقة، إذ لم يكد يتجاوز عمر أقدم كلياتها نصف قرن من الزمن. وبالكاد غادر الرعيل الأول من مؤسسي الجامعة مقاعدهم التدريسية، وبعضهم ما يزال يرفد الحياة العلمية في الجامعة بعطائه. بمعنى أن الجامعة لم تحقق تراكماً معرفياً وسلوكياً تقادم عليه العهد، فأصبح عرفاً ثابتاً يصطبغ به سلوك تدريسيها، وبالتالي يبسط مفاهيمه على طلبتها. 
فالجيل الأول، تأثر بالتقاليد التي تلقاها في الجامعات التي نال بها شهادته، سواء أكانت جامعات أجنبية أو عربية، وسعى إلى تطبيق تلك التقاليد عندما دشن التدريس للمرة الأولى، على الرغم من أن هذه التقاليد، بطبيعة الحال، تنتمي إلى جامعات أخرى، وبلدان أخرى، لديها تقاليدها ومفاهيمها الخاصة بها، والتي هي ليست بالضرورة تقاليدنا ومفاهيمنا التي درج عليها مجتمعنا. وسار الجيل التالي على التقاليد التي سلكها الجيل الأول، منصاعاً، أو مكرهاً، لا سيما وأن الجيل الأول قد بقي شاهداً على تطبيق الجيل الثاني لها.
ومن جهة أخرى، فإن الطلبة الذين وفدوا إلى (جامعة بغداد) كانوا متباينين في خلفياتهم الاجتماعية والفكرية والاقتصادية. ولم يكن ثمة صلة لأغلبهم بالحياة الجامعية وأعرافها، وبدا السلوك الاجتماعي والأكاديمي غريباً على الكثير منهم، فتقبلوه أو لم يفعلوا، وبين التقبل والرفض حدثت وتحدث التوترات.
لكن من المهم أن نقف أمام حقيقة مهمة، ألا وهي أن التقاليد الأكاديمية الغربية قد نبعت وصيغت لتلائم البيئة والمجتمع الغربي، وليس من المنطقي أن نزرع هذه التقاليد في بيئتنا، إذا قررنا أن نبقى محتفظين بقيم مجتمعنا الشرقي الإسلامي!
إن مجتمعنا الإسلامي له قيمه الخاصة، ويجدر أن نتمعن في إمكانية بلورة قيم أكاديمية تصدر عن هذا المجتمع، وتكون معبرة عنه، فلا يشعر لا الأستاذ ولا الطالب باغتراب اجتماعي وفكري، في جامعته هو، وفي سلوكياته الأكاديمية.
ويمكن الرجوع إلى التقاليد الأكاديمية الإسلامية العريقة لاستنباط السلوكيات المعبرة عن روح المجتمع وتقاليده وأعرافه، لا سيما وأن التقاليد الأكاديمية الإسلامية تطوي في عراقتها بمراحل التقاليد الأكاديمية الغربية، إذ يكفي أن نشير إلى أن النظام التعليمي الاحترافي الإسلامي يمتد بجذوره إلى نحو ألف سنة، منذ النشأة الأولى للمدارس في منتصف القرن الخامس الميلادي، والذي تواصل حتى تاريخ قريب. وإن نظام المدارس، التي هي بمثابة التعليم العالي الإسلامي، قد رسخ تقاليد أكاديمية تعبر عن المجتمع الذي صدرت عنه، وعن طبيعة المعرفة بمنظورها الإسلامي السليم. ثم تطور الأمر من تدريس العلوم، صوب التنظير العلمي والبحث في طرائق التعلم ووسائله وآلياته وأهدافه، والانتقال صوب ما يعرف بالابستمولوجيا. وكان للعلاقة بين الأستاذ والطالب حيزها من اهتمام القائمين على المعرفة الإسلامية على المستوى الجامعي بالمفهوم المعاصر. 
ويجدر بنا، ونحن نبحث في أخلاقيات البحث العلمي، وهو موضوع في غاية الأهمية والخطورة، أن نتوقف عند التراث الأكاديمي الإسلامي الذي تناول هذه العلاقة، وهو تراث غزير، وجدير بأن يبعث ويحتذى به، لأنه – قبل كل شيء – نابع من تقاليد وأعراف وقيم ما تزال تفعل فعلها المؤثر في صلب حياتنا المعاصرة، وإن هجر هذه القيم هو أساس الاضطراب الذي يعيشه المسلم المعاصر، ولا سيما المثقف والأكاديمي، عندما يتمزق بين عقيدة يؤمن بها وتقاليد متوارثة، وبين السلوك الذي يعايشه، والفكر والعلم الذي يدرُسه ويُدرّسه في أروقة الجامعة.

الإمام بدر الدين بن جماعة المفكر التعليمي
بين أيدينا في التراث الإسلامي عدد من المؤلفات التي تتناول الفكر التعليمي، من أهمها كتاب الإمام (بدر الدين بن جماعة)، أشهر فقهاء العصر المملوكي، الموسوم: "تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم".
ولد (ابن جماعة) في (حماة) عام 639هـ وتوفي بمصر عام 733هـ، بمعنى أنه عاش قرابة 94 عاماً، شهد فيها أحداثا جساما، أبرزها الغزو المغولي للبلاد الإسلامية، وما أحدثه من دمار، وقيام دولة المماليك التي ارتقى فيها (ابن جماعة) منزلة كبيرة لدى سلاطينها في المكانة العلمية والوظيفية.
لقد كتب (ابن جماعة) العشرات من المؤلفات، لكن يبقى تناوله لموضوع التعليم ذي أهمية كبرى، لأنه يستعرض فيه الجوانب المختلفة للسلوكيات المتعلقة بالعملية التعليمية، مما يجعل الكتاب بحق نقطة مضيئة في تناول موضوع أخلاقيات البحث العلمي الإسلامي. لكننا سنقتصر على تناول ما يخص العلاقة بين العالم والطالب، من منظور العالم، ومن ثم من منظور الطالب. ويجدر التنبيه إلى أنه إذا كان العلم المقصود في الغالب هو العلوم الشرعية من فقه وحديث، فإن كون الإسلام ديناً ودنيا، وأن الله (سبحانه وتعالى) قد بعث نبيه محمداً (صلى الله عليه وسلم) لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، فالتدريس وطلب العلم، سواء تعلق بأمور الدنيا أو الآخرة، فهو يدخل ضمن حياة المسلم وأفعاله التي جاء الإسلام لإصلاحها، وفرض فيها الأجر والحساب لما نعمل، فكل نفس بما كسبت رهينة، وإنما تجزون ما كنتم تعملون.

واجبات الأستاذ تجاه علمه وتجاه طلبته
قلنا إن الإمام (ابن جماعة) قد تناول جوانب مختلفة من العملية التعليمية، ومن بين الجوانب المهمة التي ركز عليها هي صفات العالم أو الأستاذ، من وجهة نظر الإسلام، وتتمثل بـ:
1- أن يكون طلبه العلم لوجه الله (سبحانه وتعالى) وليس لغرض دنيوي بحت، ويستشهد (ابن جماعة) بأحاديث للرسول (صلى الله عليه وسلم) ومنها:
لقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم): "من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو يكاثر به العلماء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار". أخرجه الترمذي.
وعنه (صلى الله عليه وسلم): "من تعلم علماً لغير الله، أو أراد به غير وجه الله، فليتبوأ مقعده من النار". رواه الترمذي.
2- معرفة أن الله قد أهَّله منصب العالم ليحمله أمانة واختباراً لأفعاله، فإنه أمين على ما أودع من العلوم، وما منح من الحواس والأفهام، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27].
3- إن جانباً من تحمل الأمانة هو صيانة علمه من الابتذال، وإبراز مكانة هذا العلم، وعدم الانتقاص من قيمته، عندما يتخذه وسيلة للتقرب إلى أهل السلطان والمناصب، أو يداهنهم ويتملق لهم.
4- أن يطهر باطنه وظاهره من الأخلاق الرديئة، ويعمره بالأخلاق المرضية، فيبتعد عن الغل والحسد والبغي والغضب لغير الله تعالى والغش والكبر والرياء والعجب والبخل والخبث والبطر والطمع والفخر والخيلاء والتنافس في الدنيا والمباهاة بها والمداهنة والتزين للناس، وحب المدح بما لم يفعل، والعمى عن عيوب النفس والاشتغال عنها بعيوب الخلق، والحمية والعصبية لغير الله، والرغبة والرهبة لغير الله، والغيبة والنميمة والبهتان والكذب والفحش في القول، واحتقار الناس، ولو كانوا دونه، فالحذر الحذر من هذه الصفات الخبيثة والأخلاق الرذيلة، فإنها باب كل شر، بل هي الشر كله.
هذه هي صفات العالم، التي يجب أن يحرص على أن تكون متصلة به، إكراماً لنفسه وحباً لأن يزينها بهذه الصفات. وقد يحتج البعض بأن الأستاذ بشر، ومن حقه أن يكون مثل بقية البشر في صفاته الدنيوية، فالرد على ذلك هو أن العالم لا يمثل نفسه فقط، وإنما يمثل علمه الذي يحمله، فاختياره طريق العلم حمّله مسؤولية خطيرة، لأن اسمه وشخصه أصبحا مقترنين بمنظور معين، عليه أن يجهد نفسه لكي يبقى متمسكاً به. ومن جانب آخر إنه أمام أنظار طلبته، وأي مسلك ينال من صورته لديهم، لن يهز صورته هو، وإنما صورة العلم الذي يحمل مسؤولية إيصاله للطلبة.
5- إذا توجه إلى المحاضرة تطهر وتنظف وتطيب، ولبس من أحسن ثيابه اللائقة به بين أهل زمانه، قاصداً بذلك تعظيم العلم. 
6- تواجه الأستاذ أنماط مختلفة من الطلبة، فمنهم من جاء من بيئة لا توقر العلم، وعيناه ترنوان إلى الدنيا، ومنهم من لم يعتد على المواظبة والدرس، ومنهم من لم يعرف كيف يوقر العلماء. فبالنسبة للصنف الأول، يقع واجب كبير على الأستاذ أن ينمي في طلبته البعد الروحي والقيمي والديني لطلب العلم، وتوجيههم تدريجياً لخير الدنيا والآخرة، بأن يرغبهم في العلم وطلبه في أكثر الأوقات، بذكر ما أعد الله تعالى للعلماء من منازل الكرامات، وأنهم ورثة الأنبياء، وأن طريق العلم سيكسب صاحبه المنزلة والمهابة التي يسبغها المولى (جل وعلا) على من يجعل نيته خالصة لوجهه.
أما الصنف الثاني، الذي لم يألف المواظبة على الدرس، فمهمة الأستاذ أن يرغبه بذلك تدريجياً، وأن يعد الطالب ليكون على غراره، فليحب لطالبه ما أحبه لنفسه، كما جاء في الحديث، ويكره له ما يكره لنفسه.
أما فيما يخص تدريب الطالب سلوكياً، فينبغي على الأستاذ أن يعتني بمصالح الطالب، ويعامله بما يعامل به أعز أولاده، من الحنو والشفقة عليه والإحسان إليه، والصبر على جفاءٍ ربما وقع منه، ونقص لا يكاد يخلو الإنسان عنه، وسوء أدب في بعض الأحيان، ويبسط عذره بحسب الإمكان. ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف، قاصداً بذلك حسن تربيته وتحسين خلقه وإصلاح شأنه، فإن عرف الطالب ذلك بالإشارة، فلا حاجة إلى صريح العبارة، وإن لم يفهم ذلك إلا بصريحها أتى العالم بها، وراعى التدريج في التلطف. ويؤدبه بالآداب السنية، ويحرضه على الأخلاق المرضية، ويوصيه بالأمور العرفية، على الأوضاع الشرعية.
7- أما فيما يخص الناحية العلمية، فينبغي على الأستاذ أن لا يحمّل الطالب فوق طاقته، فلا يلقي له من العلوم ما لم يكن مهيأ لذلك، ويتبع التدريج في إفهامه إياها. وأن يحرص على تعليمه وتفهيمه ببذل جهده وتقريب المعنى بما يحتمله ذهنه، ويتوسع عليه في الشرح، فلا يضبط حفظه. ويوضح المادة العلمية، ويعيد الشرح ويكرره بعبارة حسنة الأداء، بعيدة عن تنقيص أحد من زملائه من الأساتذة، ودون تعريض بضعف إمكانيات الطالب، وعجزه عن الاستيعاب.
8- إذا فرغ الأستاذ من شرح درس، فلا بأس بطرح مسائل تتعلق به على الطلبة، يمتحن بها فهمهم وضبطهم لما شرح، فمن رآه مصيباً في الجواب شكره وأثنى عليه بين أصحابه، ليبعثه وإياهم على الاجتهاد في طلب العلم، ومن رآه مقصراً، حرضه على علو الهمة ونيل المنزلة في طلب العلم، لا سيما إن كان ممن يزيده التعنيف نشاطاً، والشكر انبساطاً، ويعيد ما يقتضي الحال إعادته، ليفهمه الطالب فهماً راسخاً.
9 - أن لا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض في مودة أو اعتناء، مع تساويهم في الصفات من سن أو فضيلة أو تحصيل أو ديانة، فإن ذلك ربما يثير في نفوس الطلبة الوحشة منه وينفرهم عنه، فإن كان بعضهم أكثر تحصيلاً وأشد اجتهاداً أو أحسن أدباً، أظهر إكرامه وتفضيله، وبين سبب زيادة إلاكرام، فهذا ينشط ويبعث على الاتصاف بتلك الصفات.
10- ومما يثيره (ابن جماعة) أن الأستاذ ينبغي أن يتودد لحاضرهم، ويذكر غائبهم بخير وحسن ثناء، وينبغي أن يستعلم أسماءهم وأنسابهم ومواطنهم وأحوالهم، ويكثر الدعاء لهم بالصلاح.
11- وكذلك أن يراقب سلوكيات الطلبة في آدابهم وهديهم وأخلاقهم باطناً وظاهراً، فمن صدر منه من ذلك ما لا يليق من ارتكاب محرم أو مكروه ، نبهه إليه سراً، ويكتفي بالإشارة مع من يكتفي بها، فإن لم ينته نهاه عن ذلك جهراً، ويغلظ القول عليه إن اقتضاه الحال، لينزجر هو وغيره ويتأدب به كل سامع، فإن لم ينته فلا بأس حينئذ بطرده والإعراض عنه إلى أن يرجع، ولا سيما إذا خاف على بعض رفقائه وأصحابه من الطلبة موافقته.
12- وكذلك يشجع الطلبة على حسن السلوك فيما بينهم: من إفشاء السلام، وحسن التخاطب في الكلام، والتحابب، والتعاون على البر والتقوى. وبالجملة فكما يعلمهم مصالح دينهم لمعاملة الله تعالى، يعلمهم مصالح دنياهم لمعاملة الناس، لتكمل لهم فضيلة الحالتين.
13- أن يسعى في مصالح الطلبة وجمع قلوبهم ومساعدتهم بما تيسر عليه من جاه ومال، عند قدرته على ذلك، وسلامة دينه. وإذا غاب بعض الطلبة، بما هو غير مألوف، سأل عنه وعن أحواله وعن من يتعلق به، فإن لم يخبر عنه بشيء أرسل إليه، أو قصد منزله بنفسه، وهو أفضل. فإن كان مريضًا عاده، وإن كان في غم خفض عليه، وإن كان مسافرًا تفقد أهله، ومن يتعلق به، وسأل عنهم، وتعرض لحوائجهم، ووصلهم بما أمكن، وإن كان فيما يحتاج إليه فيه أعانه، وإن لم يكن شيء من ذلك تودد عليه ودعا له. 
ومن أجمل ما قاله (ابن جماعة) في موقف الأستاذ من الطالب: "واعلم أن الطالب الصالح أعود على العالم بخير الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه وأقرب أهله إليه." 
ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم، ومن بعدهم، ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينتفع الناس بعلمه وعمله وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب عند الله تعالى، فإنه لا يتصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
ومن الصفات المهمة التي نبه إليها (ابن جماعة) صفة التواضع مع الطالب، وكل من يسأله من علمه. ويضرب لنا من خطاب الله سبحانه وتعالى للنبي، وهو أشرف الخلق، بقوله تعالى لنبيه: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء:215]، 
وينبغي أن يخاطب الطلاب، ولا سيما الفاضل المتميز، بكنية ونحوها من أحب الأسماء إليه، وما فيه تعظيم له وتوقير، فعن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكني أصحابه إكرامًا لهم. وكذلك ينبغي أن يترحب بالطلبة إذا لقيهم، وعند إقبالهم عليه، ويكرمهم إذا جلسوا إليه، ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم، وأحوال من يتعلق بهم، بعد رد سلامهم، وليعاملهم بطلاقة الوجه وظهور البشر وحسن المودة وإعلام المحبة وإضمار الشفقة، لأن ذلك أشرح لصدره وأطلق لوجهه وأبسط لسؤاله، ويزيد في ذلك لمن يرجى فلاحه ويظهر صلاحه، وبالجملة فهم وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم. 
وبعد ذلك كله ليراجع كل منا سلوكه ليرى كم من هذه الصفات قد وقرت في نفسه، وطبعت في سلوكه، وليعرف أنها طريق الإسلام الحق، وأنها تقاليد علمائنا العظام، وهي أحق أن تتبع من أي تقليد تلقيناه في بلاد الغرب، أو بلاد الشرق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق