08‏/03‏/2014

مطارحات ثقافية/ منظمات المجتمع المدني في العراق (الديمقراطي)

محمد صادق أمين
من المفترض أن عراق ما بعد عام 2003 قد أقيمت فيه جمهورية ديمقراطية على أنقاض الجمهوريات القومية الاشتراكية الثورية، بعد أن سعت القوى المعارضة لهذه الأنظمة، لتأسيس دولة ديمقراطية مدنية عصرية (كما كانت تؤكد أدبياتها) بالاستعانة بالعامل الدولي، الذي أدى إلى حرب شاملة، ترتب عليها دمار، ولدت من رحمه الديمقراطية.
المجتمع المدني ومنظماته الأهلية، هو نواة الدولة المدنية الديمقراطية، نظرا لقيام هذه المنظمات بالدفاع عن مصالح المجتمع المدني، دون الأخذ بنظر الاعتبار عوامل الدين، والقوم، والعرق، والانتساب.. إلخ، فهو عبارة عن مجموعة أو مجاميع مستقلة من الناس، لا تخضع لأي سلطة، دينية، أو عسكرية، أو سياسية، يجمعها هدف مشترك هو النضال من أجل العدالة الاجتماعية، وتحقيق السلام الاجتماعي. 
وإذا نظرنا في عوامل قوة المجتمع المدني، في الدول المتقدمة، نجد أن الحالة جاءت بسبب رقي الممارسة
الديمقراطية ونضج المجتمعات معا، وارتفاع درجة التفاعل والتواصل بين الدولة والمجتمع، فالدولة هي التي شجعت المجتمع على المبادرة واحتلال مواقع بقيت تحتلها منذ فترة طويلة، وسهلت قانونيا وتنظيميا نشوء مؤسسات مدنية، وقدمت لها ولا تزال تقدم لها الدعم المالي والتنظيمي والقانوني لتقوم بهذا الدور.
المجتمع المدني وهيمنة السلطة في منطقتنا.
ما يميز الدولة في منطقتنا بعد انتهاء حقبة الاحتلال، هو طغيانها الكلي على مجموع المجتمع المدني، بواسطة نظام حكم شديد المركزية، يهيمن عليه حزب سياسي ذي طبيعة شمولية، اكتسب شرعيته السياسية من خلال ملكيات وراثية أقرها المحتل، أو من خلال الشرعية الثورية (الانقلابات)، التي قادها مجاميع من قادة العسكر تحت شعار التحرر من ربقة الاحتلال ومخلفاته، فأسست جمهوريات اشتراكية سرعان ما تحولت إلى ملكيات، تقوم على نظرية الحاكم الإله الذي لا يموت، نظرا لاستمرار الحكم عبر الوريث، الذي يقود مؤسسات ذات طابع يشبه الطابع الكهنوتي الذي يمد الحاكم بالشرعية ويستمد منه الامتيازات! وبهذه الشرعية اكتسبت هذه الأنظمة أيديولوجيا شمولية إقصائية . 
لذلك، فإن المشروع الذي أسست عليه دولة ما بعد التحرر (النسبي) مارس الوصاية على المجتمع المدني، وتم تأسيس مجتمع مدني ظاهريا، سلطوي فعليا، يتبع أحزاب الحكم القوية التي سيطرت على مقدرات الدولة باسم الشرعية الثورية، ثم وضفتها في الصراع السياسي لتكريس مزيد من هيمنة الحزب والفرد! الأمر الذي أدى إلى تعميق التبعية الثقافية والسياسية للخارج، وفاقم التناقضات الاجتماعية والطبقية في الداخل.
هنا نجد أنفسنا أمام سؤال مهم وخطير: هل تمكن المجتمع المدني في الجمهورية الديمقراطية العراقية بعد عام 2003؟.
المراقب عن كثب، ومن خاض غمار العمل في المجتمع المدني ومنظماته، أو بالقرب منه، يجد أن مؤسسسات مجتمع مدني كثيرة قامت وتأسست، توصف شكليا بأنها مؤسسات مستقلة، وفعليا هي أذرع لأحزاب نافذة! فبنى هذه المؤسسات البشرية يقوم على أطر حزبية صرفة 100% وعناصر التوظيف والترقية والتمويل تقوم على هذا الأساس.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الدول الكبرى مولت بشكل مباشر، وغير مباشر، بناء وتأسيس منظمات مجتمع مدني في العراق، بعد عام 2003، من خلال منظمات كبرى دولية غير حكومية، وقد سعت الأحزاب النافذة إلى اختراق هذه المنظمات، من خلال علاقاتها الدولية، ونجحت في توظيف قدر لا يستهان به من كوادرها في قلب هذه المنظمات، وبعضهم في دوائر القرار العليا لهذه المنظمات، ومن هنا وظفت أنشطتها بشكل غير مباشر في خدمة أغراض هذه الأطراف، وفي دعم وتمويل مؤسسات مجتمع مدني تدين بالولاء لها.
هذا الواقع يجعلني أدق ناقوس الخطر، لأني أرى الدولة المدنية في طريقها لتكون في خبر كان، ولا عزاء في الديمقراطية التي لم تنتج نظاما عادلا يقدم حق المواطنة على مخلفات الثأر، والانتقام، والتبعية السياسية، والطائفية المقيتة، لذلك على العقلاء والحكماء وأهل الرأي الأخذ بزمام المبادرة لإنقاذ واقع منظمات المجتمع المدني، من خلال التقنين، والدفع بالطاقات البشرية إلى ميدان العمل بناء على الخبرة والكفاءة فقط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق