09‏/03‏/2014

النهضة وتجديد الفكر الديني

هفال برواري
من يقرأ التاريخ يجد أن سقوط الخلافة العثمانية، سبقه استنزاف طاقاتها، وتشتيت وحدتها من الداخل، عن طريق أهل الحجاز، عندما استطاع ما يسمى بـ(لورانس العرب/ توماس إدوارد لورانس) الجاسوس البريطاني، والذي استطاع أن يقنع الشريف حسين بن علي أن يقف مع بريطانيا والحلفاء ضد العثمانيين، مقابل تحقيق حلمه بدولة عربية موحدة تحت إمرته، حيث كان من مهامه دعم ثورة عربية كبرى، يقطعون بها أوصال الدولة العثمانية، ويوقعون الخلاف بين العرب والترك، ويفتحون الطريق أمام الصهيوينة إلى فلسطين ..واستطاعت القبائل العربية، بمساعدة ضباط المخابرات البريطانية، تفجير سكة قطارات الحجاز، التي كانت تغذي الجيش التركي في الحجاز، وطردوا الأتراك من الجزيرة العربية، ومن دمشق وحلب عام 1919 .. هذه التعهدات كانت تغطية للخداع البريطاني على العرب، فقد كانت لبريطانيا مخططات مع حليفتها فرنسا لاقتسام المنطقة، وأيضا" إقامة وطن يهودي على الأراضي العربية آنذاك،
لضمها إلى الممتلكات الاستعمارية، عن طريق اتفاقية (سايكس بيكو)، على أرض فلسطين، تحت الحماية البريطانية.. ومعروف أن الأتراك حاولوا جذب الشريف حسين بعد افتضاح الاتفاقيات السرية بين بريطانيا وفرنسا، لكنه استمر في التعاون مع بريطانيا والحلفاء، الذين كانوا يمولون جيشه من الخزينة المصرية، ويزودونه بالسلاح والخبراء أمثال (لورانس العرب). وقد كشف (لورانس) عن هذه الخدعة التي قام بها، في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة)، وفضح نفسه، حين قال: لو قيض للحلفاء أن ينتصروا، فإن وعود بريطانيا للعرب لن تكون سوى حبر على ورق ، ولو كنت رجلاً شريفاً وناصحاً أميناً، لصارحتهم بذلك، وسرحت جيوشهم، وجنبتهم التضحية بأرواحهم في سبيل أناس لا يحفظون لهم إلاً ولا ذمة!! وقوله : أما الشرف، فقد فقدته يوم أكدت للعرب بأن بريطانيا ستحافظ على وعودهم ، وقوله : لقد جازفت بخديعة العرب، لاعتقادي أن مساعدتهم ضرورية لانتصارنا القليل الثمن في الشرق، ولاعتقادي أن كسبنا للعرب مع الحنث بوعودنا أفضل من عدم الانتصار! ومن ذلك قوله : إني أكثر ما أكون فخراً أن الدم الإنكليزي لم يسفك في المعارك التي خضتها، لأن جميع الأقطار الخاضعة لنا لم تكن تساوي في نظري موت إنكليزي واحد، لقد جازفت بخديعة العرب لأنني كنت أرى أن كسبنا للحرب مع الحنث بوعودنا أفضل من عدم الانتصار!! نعم لم يفوا بكل عهودهم، وخانوا الشريف، بل استبدلوه بآل سعود المدعوم منهم أيضا، والذي يتربع على العرش منذ قرن من الزمان، ولم يكن للشريف إلا: (الملك فيصل)، الذي سحله أهل العراق، ومن كان في المملكة الأردنية، التي تعتبر دولة تعيش على المساعدات، وخطا أمنيا عازلا لأي قوة تهدد أمن إسرائيل، أو مهجرا للبقية الباقية من من عرب فلسطين! وهذه الحكومة الجديدة، التي تربعت على منطقة الحجاز، كونت لها دولة بعد التقسيمات، وسميت باسم قبيلة واحدة، بل عائلة واحدة، وهي آل سعود ( وما دولة السعودية إلا اسم قبيلة !)، الذين قاموا بتحالف استراتيجي خارجي، مع الغرب، يضمن لها النفط المكتشف في حدودها، مقابل استتباب حكمها، وتحالف استراتيجي داخلي، مع فكر أسلامي بدوي، ادعى (السلفية) في التفكير والاعتقاد، مقابل حمايتها "شرعا" من أي مخالف كان، وهي بدورها تضمن لها الدعوة في ديارها، وإزاحة كل منافس لها في الميدان! وقد عانى العرب قرنا من الزمان، تحت ظل حكومات دكتاتورية، تقمع كل من يخالف هواها وتطلعاتها، والتي كانت كثمرة للبذرة المغروسة من قبل التيار البدوي، المتجذر في عقول مسلمي الشرق، والتي حصدت استعمارا "غربيا"، ثم هذه الحكومات المدعومة منها بالأدلة الشرعية! وما أن قامت الشعوب - بعد هذه المدة من الزمان- بالثورة على هذه السلطات القابعة على رقابها، بصورة أرعبت الغرب، فما كان له إلا أن يستنجد بالأصدقاء القدمى، الذين كان لهم عليهم الفضل في استتباب سلطتهم، و نشر فكرهم، فما كان منهم الا أن يلبوا طلباتهم لطمس أي بوادر تتحرر فيها الشعوب، فكانت مليارات الدولارات تتدفق إلى الدولة الجارة (مصر)، والتي تعتبر مصدر النهضة في تلك المنطقة، لكي يعيدوا العهد االشوفيني القديم، ويقف العوام من السلف الموالين حيارى أمام تحالف أعتى نظام قمعا تجاه أي مشروع إسلامي، مع أعتى نظام إسلامي (سلفي) متشدد، تشددا يصل إلى تحريم حلق اللحى، لتقربهم الشديد إلى الله، حسب معتقدهم المشبوه؟؟ واستطاعوا بماكنتهم المالية الجبارة، أن يسقطوا هذه الثورة لشعوب كانت تأن لرغيف خبز .. وقاموا بقطع أواصر النهضة لتاريخ الأمة، والتي كانت شفرة نهضتها بالتحالف والتكاتف مع القوة القابعة في (تركيا)، كمركز استراتيجي حيوي، وكقوة لا يستهان بها، مع أكبر موقع استراتيجي حيوي لنهوض أمة كاملة بعينها، ألا وهي (مصـــر) .. نعم كانت الحجاز منذ ما يقارب القرن، وحتى الآن، هي الورقة الرابحة للغرب لشل أي حركة نهضوية في المنطقة، والغريب أن ذلك يتم من دون أي مردود يعود إليهم بالنفع، إلا مصالح شرذمة من أبنائهم وبني عمومتهم! 
ويبدو أن عقليتهم البدوية القائمة على هذه الرؤية لم تتغير، لهذا فمطامحهم رخيصة جدا.. وكل مقارب للأحداث، يجد أن هذا التيار قد تم تفعيله قبل عقود من الزمان في كل بلد، بعد نجاح فكرتهم في تمزيق البلدان، وتشتيت أفكار المسلمين، بسبل، منها: 1- كفكر جهادي مشبوه، وما رأيناه فيما حصل في بلدان أواسط آسيا، خير دليل، فعمت الفكرة على كل دولة تريد التخلص من ظلم الحكومات الدكتاتورية الظالمة، وهاهم الآن قد أصبحت أوراقهم بيد الغرب، ومن لف لفهم مثل (إيران)، فـ(القاعدة) أصبحت أغلب أوراقها بيدهم، وما يسمى الآن بـ(داعش) قد تصدرت الإعلام، وهي التي تمرر مشاريع المستعمرين الجدد بكل دقة، واستطاعت إنقاذ النظام السوري القابع على رقاب الناس من السقوط حتى الآن، وأدخلت النظام في قائمة أن بديله هو الإرهاب!.. ثم تحولوا إلى مناطق السنة في العراق، بعد مظاهرات مدنية سلمية في (الرمادي) و(الأنبار)، ما يقارب العام، وقاموا بتحويلها إلى مرمى لنيران المالكي، ومن ورائه نفوذ إيران! وهاهم الآن يزحفون حسب المخطط إلى حدود (كركوك)، وأطرافها، كما يريده صاحب المقام وآل البيت الكرام !! ومن ورائهم نفوذ الغرب، ومن بعده، فجنوده يزحفون للتخلص من بؤر الإرهاب والسيطرة على مناطق تابعة لإقليم كوردستان! 2 - أو كفكر سلفي مدني، مهمته فقط هو الصد لكل تيار إسلامي نهضوي، يؤمن بتغيير سلمي في البلاد، وما نجده من جماعات مدعومة من قبل آل سعود، وبتنسيق مع حكومات تلك البلدان، يقومون بتنشيط حركتهم بكل دولة، وبدون منع، بل كل الأبواب تفتح لهم بالمجان، وهذه الحالة موجودة في كل بلاد، من أواسط آسيا، إلى بلداننا، وكل حركة إسلامية تأنّ من عائق تشتيت الأفكار من قبلهم، باسم اتباع سنة خير الأنام!! هذا ما جنيناه من فكر البداوة، ومن نهج ما يسمونه بـ(السلف).. سقوط الخلافة، خلف بعده استعمار، ثم حكومات ظالمة، ثم تشتيت الشعوب الثائرة بعد عقود من الظلم، بحجة التقرب من الله، وتطبيق السنة النبوية المطهرة، التي أنكرت الثورة، وجعلت المظاهرات السلمية بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، والأحزاب بدعة مضلة في البلاد، حتى يبقى صاحب الجاه والحكم متربعا على حكمه يعيث في الأرض الفساد .. أو .. جهاد علني .. لكن لكل منطقة يريد الغرب أن يدخلها، بحجة محاربـــــة الإرهـــــاب!! أليست هي وراء كل إجهاض نهضة للأمة، وهي الورقة الرابحة للقوى العالمية المهيمنة؟! لذلك ينبغي لنا أن نعيد صياغة جديدة لتراثنا الموروث، حتى لا نقع في منزلقات فكر البداوة، بحجة أنه أصل الدين، وما تسويقاتهم إلا مبررات لهدم الدين باسم الدين !.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق