09‏/03‏/2014

بين السويد وأمريكا والكويت: خواطر كوردستانية لا تنسى

محسن جوامير
يبدو أن العلاقة بين الكويت وكوردستان قديمة، حيث هاجرت إليها عوائل كوردية منذ الستينات، وسكنت هناك، واستقرت، وعايشت أهل الكويت على الحب والمودة، ولكن الأكثرية كانت تزور أهلها بين الفينة والفينة، وعدد منها كان يشتغل في التجارة في كلا الجانبين. كان عندنا في (هـه ولير / أربيل ) عاصمة كوردستان رجل اسمه (حجي علي الكويتي)، كان صاحب معمل في الكويت، وفي الصيف كان يعود إلى (هـه ولير) ليشرف على أعماله في المكوى البخاري.. والكويتيون كانوا يسمونه عندهم بـ(حجي علي الكوردي).. وبعد غزو الكويت التقينا بعدد كبير من الكوردستانيين الكويتيين في البلدان الاسكندنافية، حيث حصلوا على اللجوء، وكانوا مازالوا محتفظين باللغة الكوردية.
من العنوان أعلاە، لا بد من المرور بمحطة سابقة، وهي أنه في ديسمبر من عام ١٩٨٨، وبعد قصف مدينة (حلبجة) الكوردية بالأسلحة الكيمياوية المحرمة، واقتراف جريمة الأنفالات والإبادة الجماعية
والتطهير العرقي ضد الكورد الفيليين، والآخرين، وتدمير القرى، وطرد الكورد من (كركوك)، وأخواتها، دعتني (رابطة الشباب العربي المسلم) في (أمريكا)، وعن طريق (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) في (واشنطن)، وشخص الدكتور (جمال البرزنجي)، مسؤول المعهد آنذاك، والذي زارني في (السويد) بعدة أسابيع قبيل انعقاده، لإلقاء محاضرة عن القضية الكوردية في مؤتمرها في مدينة (أوكلاهوما) الأمريكية.. هذا وقد حضر المؤتمر كورد آخرون أيضا، منهم الدكتور (صلاح). وقد أعجبني هناك دور المحاضر الجزائري الأستاذ الراحل (محفوظ النحناح)، رئيس (حزب مجتمع السلم) لاحقا، والذي صعدت إلى شفته آلام مهجته، وفي يده صور ضحايا (حلبجة)، التي كانت تفتت أكباد الحاضرين، وكان يصيح بملء فمه على رؤوس الملأ : يا ناس ! ماذا فعل هؤلاء من جريمة حتى يفعل بهم النظام العراقي هذه الجريمة الحمقاء ؟!.. وكان رئيس العراق آنذاك في أوج عظمته وشعبيته، وقد تحول تماما إلى صنم كاد يَسجد له من في أرض العرب، إلى أن ( يقول الإنسان يومَئذٍ أين المفر )!
وبعد انتهاء المؤتمر عدت إلى (واشنطن)، ضيفا على (المعهد العالمي للفكر الاسلامي)، وقد كُلِّفت من بعض مسؤولي مسجد (جامعة جورج واشنطن) بإلقاء خطبة الجمعة.. تناولت فيها مظالم صدام، وما اقترفه في كوردستان من جرائم. وبعد انتهاء الصلاة تجمع حولي مجموعة من الطلبة الخليجيين الجامعيين، وعاتبوني بتجاوز الحد، والمبالغة في الهجوم على النظام العراقي، لكونه المدافع عن شرق الأمة العربية من تجاوزات ومخاطر الفرس المجوس! 
ودارت الأيام، وغرّت الطاغية الأماني، ولا بدّ مما ليس منه بدُّ، واحتل جيش أصحاب الفيل (الكويت)، وتفرق الشعب الكويتي شذر مذر، بين عشية وضحاها، على يد من استبد وتجبّر وتكبّر.. وفي شهر نوفمبر من عام ١٩٩٠ دعاني الاتحادان الوطنيان الكويتي والأماراتي، وعن طريق الدكتور (أحمد التوتونجي) الهوليري، عضو (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) في (واشنطن)، لتقديم محاضرة عن المجازر التي حصلت للكورد على يد النظام العراقي، وكان الدكتور (مظفر برتوما)، من شرق كوردستان مدعوا أيضا. وفي الحقيقة صارت القضيتان الكويتية والكوردستانية توأمين هناك في (الشارقة).. الكثير من الكتاب والمحاضرين، سواء من الكويتيين أو غيرهم، أشاروا إلى قضية شعب كوردستان، وعلى الخصوص الشيخ (حامد الباكستاني)، والأستاذ الكاتب (مصطفى الطحان) ـ أمدّ الله في عمره ـ الذي طالما عاش مع محنة الكورد، وشجع شباب كوردستان، في الخارج، من أجل الدفاع عن قضيتهم، لا بل كان يعاتبهم ويتهمهم بالقعود. 
هذا وقد خرج المؤتمر ببيان ساند فيه الكورد، وتعاطف مع محنة شعب كوردستان أيضا. ويمكن القول بأن الشعبين الكوردستاني والكويتي أصبحا يتعانقان هناك.. ومن المفارقات، التي صارت طريفة بعدئذ، أنه وخلال المؤتمر، جاءني أحد الشباب الكويتيين، وقال لي بالحرف الواحد : هل تذكرني يا أخي حينما عاتبتك بعد خطبة الجمعة في واشنطن عام ١٩٨٨، لأنك هاجمت النظام العراقي، والآن حصل لنا ما حصل لكم ؟!.. وقد علمت من بعد بأن ذلك الأخ تسنم وكالة إحدى الوزارات بعد التحرير، وفرحت. 
هذا، وقد تخلل المؤتمر تقديم قصائد وخواطر جياشة وجميلة.. منها قصيدة قدمت من بنت صغيرة، واسمها (نجلاء)، لم يتجاوز عمرها آنئذ عشر سنوات، وكانت رقيقة وفياضة أبكت الكثير، وزلزلت العديد، وكنت أنا واحدا منهم. وأثناء القائها أصبحت المشاعر عندي واحدة: كويتية كوردستانية، أو كوردستانية كويتية، فتمخضت عنها هذه الأحاسيس السريعة التي كتبتها، ووزعتها في الحال، وتلقفتها الأيدي والقلوب والأبصار، وطلب مني التوقيع عليها، للذكرى التي تنفع المؤمنين، وكانت: 
يا ابْنَتي يا نجلاء ! لا تبكي ولا تحزني، ما أنتِ ضيعتِ الكويت، ولا أنا ضيعتُ وطني 
دعي الطواغيتَ يفعلوا ما يشاؤونَ، فنحن أبناءُ محمدٍ، وهم أبناءُ الوثنِ 
ستعود حلبجةُ زاهرة، وتعود الكويتُ أقوى من المِحَنِ، وستزورينَ عمّكِ في كوردستان، وتغنين مع ابنتي أحلى اللََحَنِ 
أجل.. تلكم الخواطر كانت غيضا من فيض، المحطات التي توقفنا خلالها نحن الكوردستانيين والكويتيين معا، في أيام المحنة والآهات، وبتنا سوية ندعو جهارا: لا إله سوى الذي صنع الوجود و قدر الأقدارَا، للخروج من ذلك الجحيم الذي أوقعَنا فيه ذلك الرئيس المغرور.! وقد تحرر شعب الكويت في نهاية تلك المحطات، وأفرغ الله صبراً على الكورد، وصاروا - لأكثر من عقدين - بمنأى عن التعرض لهادم اللذات، من الغازات السامات، ولازالوا أقرب إلى الاستقلال منه إلى الإلحاق. 
فهل تتحرر كوردستان إلى الأبد، كما تحررت الكويت، وتزورنا بنتنا (نجلاء) ــ لعلها مع زوجها، وقد كبرت ــ لتنشد مع ابنتي ــ التي كبرت أيضا، وتزوجت ــ النشيدين الوطنيين الرائعين ( الكويتي والكوردستاني )، في برلمان كوردستان، في هه ولير ( أربيل ) العاصمة، ويتحقق بذلك أيضا أمل الكورد، شقيق الشعب الكويتي في تلك الأيام الحالكات ؟ 
عسى أن يكون ذلك اليوم قريبا!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق