08‏/03‏/2014

ضحــايـــا الشـتــاء

تقرير: محمود وليد البوزيني
لم تكف المعاناة المفتتة بقسوتها طموحات هذا الشعب، من سياسات القمع والقتل والتشريد والتهجير، وأدوات التعذيب، وانتهاك الأعراض، وتهديم البيوت، لإجبار الناس ليعيشوا في آهات أخرى، حتى جاءت الموجة الثانية المؤلمة، لتُدخل هؤلاء الناس في حجرة أخرى من العذاب، لتعصر حياتهم، وتدفن آمالهم، رغماً عنهم.
سوريا الأبية... موطنٌ يبكي منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولا وجود لاستجابةٍ تحتضن نداء أبنائه، ورغم جميع الظروف القاهرة التي تواجه هذا البلد النازف دماً، جاءت موجةٌ أخرى، لتسفك آمال العودة، بطقس بارد جداً، يحمل خشونة العواصف الثلجية شديدة البرودة، في خيم (تل سرحان) في البلد المجاور (لبنان)، حيث يعيش أكثر من (835,000)لاجئ في مخيمات ومبان غير مستخدمة، أو مع أصدقاء، أو أقارب، وفقاً لما أوردته وكالة "رويترز" في أخبارها عن تساقط الثلوج، للمرة الأولى هذا الشتاء، على أجزاء من (لبنان)، فانتهز الأطفال اللاجئون، الذين فروامن الحرب في سوريا، الفرصة ليتقاذفوا بكرات الثلج خارج خيامهم، علَّهم ينسون ضياع طفولتهم.

ووصفت (رويترز) أن سوريا في حالة لا تُحسد عليه أبداً، وأن الثلوج أشاعت الفوضى في أنحاء المنطقة، وأوقفت أيضاً الجسر الجوي الإنساني الآخر، الذي كان وسيلة بديلة لمد يد العون، والذي كان من المفترض أن يبدأ في جلب الإمدادات من العراق إلى المناطق الكوردية بشمال شرق سوريا، لكن لا يمكن الوصول براً لعشرات الآلاف من الأشخاص، لتزداد الأحزان التي أعطت الدور هذه المرة للعواصف الثلجية قارصة البرودة، التي غطت ببياضها المساكن المحطمة أساساً بصواريخ النظام الحاكم، فملأ الرجال أكياساً بالتراب ليثبوا بها الخيام، ووضعوا إطارات السيارات والطوب فوق الهياكل الخشبية الضعيفة، حتى لا تعصف بها الرياح وتدمر خيمهم ومساكنهم الهشيشة.
هذه العواصف كانت سبباً لإصابة الأهالي بالأمراض وقتل الأطفال، حتى ارتفعت حصيلة ضحايا موجة البرد في المناطق السورية المحاصرة في الداخل، وفي مخيمات الخارج، إلى 12 طفلاً، 10 في الداخل، واثنان في لبنان والأردن، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. أما فيما يتعلق بأساليب التعذيب المستمر من قبل الجيش النظامي وأعوانه، فقد كانت سبباً آخر لهلاك الشيوخ، وإرهاق الشبان، فمأساتهم كانت دافعاً لصمتهم.
الفقر والجوع والظلم وسفك الدماء، والطقس غير الرحيم، الذي شلَّ حركة الطائرات، وشحنات المساعدات، وحال دون وصولها، قد أصبح جديرا بأن يحمل لقب "الموت البطيء"، والذي أدى إلى قول أحد اللاجئين المتضررين: "العاصفة ستجهز علينا".
شبح الموت الخطير يرتع في أحشاء سوريا، في حين كثر الكلام في البلدان العربية من قبل عشاق الكراسي الذهبية، الذين بقوا جالسين يتفرجون دون حراك، أما رجال الأعمال الذين لا يستطيعون أن يحركوا جيوبهم، ويدفعوا دولاراً واحداً، ليُسكِنوا هؤلاء البشر في بيوت آمنة ودافئة، وكأنما أعينهم عُميت عن رؤية الأطفال وهم يتجمدون فيموتون.
هكذا أصبحت حالة الشعب السوري، الذي لا يسعه أن يحظى بفرصة ليعيش يوماً جديداً، وتقف ضده الصعوبات الجارحة، لتحرمه البسمة البريئة التي يحلم بوضعها على وجنتيه، منذ زمن، ولو لفترة قصيرة، لتمنعه وتجبره على أن يبقى في دوامة الألم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق