09‏/03‏/2014

الإقليم بين رهانات الداخل وتهميش الخارج!!

زيرفان سليمان برواري
إن إدارة العملية السياسية في إقليم كوردستان العراق لم تكن عملية سهلة ومرنة، ابتداءًا من بدايات تسعينيات القرن الماضي، امتدادًا من احتلال العراق، مرورًا بتشكيل النظام السياسي الجديد في العراق. فالتغيير السياسي الكبير الذي حصل في العراق، وتغير على إثره النظام السياسي في بلاد الرافدين، من رئاسة شمولية قائمة على أساس الطغيان، والاحتكار السياسي، إلى نظام برلماني هش، ومتذبذب بين خليط من الكيانات السياسية، التي لم يجمعها غير النفوذ السياسي، وتقسيم الثروات بين بعضها البعض، إن الانتقال من حالة الفوضى الأمنية إلى دولة المؤسسات منذ 2003، لم يشهد النور، لأن التغيير لم يكن قائمًا على أساس استراتيجي وعقلاني، مثلما حدث في كل من ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ونظرًا لسياسة المجاملات وتقسيم الثروات، فقد تكوّن في العراق نظام سياسي ضعيف لا يستجيب للمعطيات والتهديدات الداخلية والخارجية، ففي البعد الإداري ظلت
الأيديولوجية، هي المقياس الذي تقاس على أساسه كل المعطيات، ولم نصل بعد إلى مفهوم دولة المواطن، أو الإدارة البيروقراطية، التي تخدم الجميع بغض النظر عن الخلفيات الدينية والسياسية والأيديولوجية للمواطنين، وهذا ما انعكس على العملية السياسية برمتها، فالحملات الانتخابية في العراق لم تتحرر بعد من الانتهاكات وتوزيع التهم والمزايدات والشعارات التي لا تغني عن الحق شيئًا، ومن المفروض أن تكون العملية الانتخابية والسياسية محكومة بتقديم المشاريع الخدمية والعلمية وغيرها، وليست الأوراق الشائكة والأجندة الخفية. 
إن الحالة السياسية في العراق قد أثرت سلبا على الإقليم، كون الإقليم شريكا في العملية السياسية، خاصة وأن للكورد نوعا من الشراكة السياسية مع الشيعة، وذلك لما للطرفين من تاريخ مشترك في مواجهة شمولية النظام السابق، إلا أن الشراكة السياسية مع الشيعة لم تكن يوما شراكة استراتيجية قائمة على أساس المصالح الوطنية المشتركة، بل على العكس كانت شراكة قائمة على مصالح فئوية وحزبية لم تفرز الاستقرار والمؤسساتية في العلاقات السياسية بين الإقليم والطرف السياسي الحاكم في بغداد، فالأزمات بدأت بالظهور في عهد (الجعفري)، وظن الكورد أن شخصية (الجعفري) هي العلة وراء أزمات المركز والإقليم، وبدأت الدعوات تعلو باتجاه تغيير (الجعفري)، إلا أن تغيير الوجوه لا يعد المقياس في اللعبة السياسية، وإن شخصنة المصالح السياسية، هي التي تؤدي بنهاية المطاف إلى تجديد الأزمات وتعميقها وتطورها إلى أزمات جوهرية، قد تنعكس آثارها سلبا على التجربة الكوردية برمتها.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل الأزمة بين بغداد والإقليم أزمة دستورية، أم سياسية؟ أو أن ما يجري عبارة عن مناورة بين الطرفين لكسب صوت الشعب في الانتخابات القادمة، خاصة وأن الجو السياسي لدى الطرفين لا يبشر بكثير من الخير؟ 
إن الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالمناخ السياسي العراقي تعبر عن خلفية دستورية تعمق من الأزمة الراهنة، وتغذي أزمات لاحقة وفق المقاييس السياسية والمعطيات بين الإقليم وبغداد. إن العراق يعيش أزمة دستورية بكل المقاييس، ليس فقط بين الكورد وبغداد، ولكن في النظام السياسي العراقي برمته، فالدستور الجامد الذي صوت عليه الشعب العراقي في 2005 يحمل في طياته الكثير من الثغرات والفقرات المطاطية التي تحمل أكثر من معنى، ويسهل استخدام بنود هذا الدستور من قبل الأطراف السياسية في إدارة اللعبة السياسية بين الكيانات المتابينة، فالانتخابات التي جرت في 2010 والتلاعب بالنتائج والتفسيرات المضحكة لفقرات الدستور، قد أدى إلى إبعاد الطرف الفائز، وتشكيل الحكومة من قبل الطرف الخاسر، تحت ضغط إقليمي وإصرار داخلي . إذن إن الأزمة الدستورية في العراق هي التي تخلق الأزمات الأخرى، فعلى سبيل المثال الحملات العسكرية التي يقوم بها الجيش العراقي في (الأنبار)، هل تجري وفق إطار دستوري، بحيث تستخدم الجيش بمهنية في التعامل مع الجماعات الإرهابية، أم أن ذلك يجري وفق لعبة سياسية يتم من خلالها التلاعب بحياة المدنيين العزل في المناطق المنكوبة ضمن المربع السني، وفي نفس الوقت يجري الآن التلاعب بقوت الناس من خلال افتعال أزمة مالية مع الإقليم، الأمر الذي أدى إلى خلق حالة من اللااستقرار الاقتصادي المزمن في الإقليم، فالأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق، في الوقت الراهن، هي مجرد إفرازات للأزمة الدستورية وعدم سير السلطة السياسية على الأساس الدستوري الذي قام عليه العراق ما بعد صدام. ونظرا لتكرار الأزمات بين فترة وأخرى، فإن المشهد السياسي يعبر عن تبني سياسة خلق الأزمات من قبل الحكومة العراقية، لأن الانتكاسات السياسية والاقتصادية في العراق تظهر حجم الفشل السياسي، الأمر الذي يفتح الباب أمام الأساليب غير الصحية في إدارة العملية السياسية. 
إن الإقليم تحمل جزءا من المسؤوليات السياسية والاقتصادية في التعاطي مع الأزمات، وكذلك طبيعة العلاقات السياسية بين بغداد والإقليم، فالسلطة الكوردية قد اقتنعت بالحلول المرحلية، ولم تفهم اللعبة السياسية إلا بعد فوات الأوان، إن (المالكي) يتحرك وفق أجندة خارجية، ووفق معطيات وأوراق تفوق قدرة الإقليم، وكذلك يصعب التقليل من الأوراق التي يستخدمها (المالكي) في سبيل احتكار السلطة والنفوذ السياسي، فالإقليم لا بد وأن يغير العقلية السياسية في التعامل مع المركز، ولا بد من وجود رؤية سياسية كوردية واضحة للتعامل مع الأزمات التي تعصف بالإقليم جراء السياسات الشمولية التي يتبناها المركز، ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من مأسسة العلاقات الكوردية مع بغداد، والتحرر من العلاقات الحزبية مع المركز، فلا يخفى على المواطن الكوردي تقسيم الأحزاب بين المحاور في الشرق الأوسط، وتأثير تلك المحاور على الداخل العراقي. إذن الإقليم بين رهانات الداخل وتهميش الخارج يعبر عن حالة الأزمة الحقيقية، خاصة وأن الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية رفضت تقديم يد العون للكورد، واستمرت تلك الأطراف الدولية باحترام ما يسمى بالمواثيق والأعراف الدبلوماسية، من خلال التعامل مع المركز، واعتبار الإقليم جزءا من العراق، وأن المسالة برمتها داخلية لا شأن لأحد فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق