من
وجهة نظري الشخصية، فإن حزب الـ(ب ي د)،
الذي يمثل الحركة الكوردية غرب كوردستان، اتخذ المسار الخطأ منذ البداية. فتاريخ
هذا التيار -بصورة عامة- اتخذ مسار التحالف مع النظام الأسدي منذ الثمانينيات،
واستخدم النظام البعثي هذا التيار كقوة داعمة لنظامه، وكقوة ضد الحكومة التركية.
وكانت المصلحة بالمقابل هي تقوية التيار الكوردي في الجانب العسكري فقط، دون أي
تقدم بشأن الحقوق الكوردية، داخل الدولة السورية، سوى الانخراطات الأمنية! وكانت
الدولة تسهل له الحرية في الالتحاق بالقوات الساكنة في جبال جنوب كوردستان - شمال
العراق - والدوران حول فلك مصالحها، حتى قيل إن (حافظ الأسد) قد استخدمهم بخباثته
السياسية في مجزرة (حماة)، في بداية الثمانينيات، لكي يحدث شرخاً تاريخياً عميقاً
بين قوميتين وحركتين، يكون المستفيد منه نظامه البعثي فقط! ويستمر هذا العمق إلى
عقود طويلة! بل حتى أن الكورد السوريين، كمواطنين يعيشون في وطن، حرموا من أدنى
حقوقهم، وهو امتلاك جنسية هذا البلد، أي اعتبارهم أجانب، ولم نر أية مطالب ملموسة
لهم، أو أي حراك سياسي داخل الحدود السورية، كما كان موجوداً في الدولة العراقية،
رغم امتلاكهم حقوق المواطنة والجنسية، شأنهم شأن غيرهم.
واستمر هذا التزاوج غير
الشرعي لغاية قيام الثورة الشعبية السورية، ولكن رغم ذلك ظل التيار المحرك للكورد
في (سوريا) ملتزماً بروابطه مع النظام الأسدي، وهو بدوره استفاد منهم، بالسماح لهم
أن يستفردوا في مناطقهم، وأعطاهم حركة شبه مستقلة، لكي يعمقوا جذورهم القومية
وآيديولوجيتهم المعروفة، كما هو حال حزب ( پ ك ك) الناشط في الجانب التركي، والذي يمتلك
نفس الآيدولوجية، بل هما ذا توجه واحد، ولا يفرقهم إلا الاسم فقط، لأغراض سياسية،
لا سيما وأن الجناح العسكري لحزب الـ (پ ك ك) داخل في لائحة الإرهاب عالمياً،
بينما الجناح العسكري لـ(حزب الاتحاد الديموقراطي)، الذي يمثل التيار الكوردي
السوري ( ي پ ج)، غير داخل في لائحة الإرهاب، مما جعل كثير من قيادات وجنود
(البككة) تقوم بالتسلل إلى الجناح العسكري في (ي پ ج)، وملخص عقائدهم الديموغرافية
والجيو سياسية هو عدم إيمانهم بالحدود المرسومة، والإيمان بالدولة الكوردية
الكبرى، غير معلومة الحدود! أي أن لهم عقيدة توسعية، شأنهم شأن عقائد (تنظيم دولة
الإسلام) التوسعية طبعاً، كل حسب خلفيته الآيديولوجية. وهذا ما عقد مسألتهم، كون
من الصعوبة بمكان التفاهم معهم دولياً، وتزامن مع دخول الثورة السورية في صراع
إقليمي، بل عالمي، تدخلت فيه دولة إيران الكبرى مباشرة، كعمق استراتيجي لا يمكن
الاستغناء عنه، وذلك لعدم ترجيح كفة الدولة السورية لصالح منافسها في المنطقة، ألا
وهي دولة تركيا.
ومن هنا تدخل البعد الطائفي في الميدان، وأصبح
الشعب الكوردي في سوريا، بقياداته، في فخاخ وألغام سياسية لا نهاية لها، كونها:
1- تمتلك نزعة قومية وآيديولوجية يسارية، مع كونها
تحتسب من الطائفة السنية، فالشعب الثائر لم ينس تحالفات هذا التيار الكوردي
السابقة مع النظام، ولم يكن هو أيضاً منفتحاً على العالم الخارجي، بسبب القمع
الأسدي المتمثل بسياسة الانغلاق والتقوقع على الفكر الأوحد، ومن ثم تكوين عقلية
مغلقة لا تستوعب مفاهيم ومناورات وتجاذبات ومرونة السياسة، أضف إلى ذلك القمع الدموي
والمتسارع من جانب النظام الأسدي.
2- تشبث التيار الكوردي بالحلف القديم، وأكله لقمة
التحالف مع نظام بعثي قمعي ودموي، من جانب نظام علوي شيعي.
3- دخوله كتحصيل حاصل في الحلف الإيراني، واستغلال
إيران ورقة الكورد كقوة لا يستهان بها، لبقاء النظام الأسدي من جهة، واستخدامها
كورقة ضغط وكشوكة في خاصرة تركيا، بحيث تمنع تدخل تركيا لإسقاط النظام البعثي من
جهة أخرى، وكذلك لمنع استخدام الأراضي الكوردية كبؤر للتمدد من جانب الدولة التركية،
لا سيما وأن مدينة (كوباني) مثلاً تخترق الأراضي التركية، وكذلك تؤثر في العراق من
ناحية معبر (اليعربية)، بحيث تصبح ورقة ضغط على الإثنين، وكذلك تؤثر في العمق
السوري، باعتبارها تسيطر على شبكة المواصلات بين (الرقة) و(حلب). أضف إلى ذلك أن
مدينة (كوباني) تتمتع بموقع جغرافي مهم وحساس بالنسبة لتركيا، وقد تكون ممراً
مستقبلياً لمرور أنابيب النفط العراقية إلى تركيا، ومنها إلى ميناء جيهان!
كل هذه الأمور أدت إلى
عدم سكوت الدولة التركية، بحيث تقوم إيران عن طريق مشروعها وحلفها بقص أظافر تركيا
في عمقها السني، من حيث السكان الموجودين والديموغرافية السياسية لها، وتأثيراتها
التاريخية في هذا العمق الذي لن تتنازل عنه، خاصة بعد التقدم الاقتصادي الملحوظ في
تركيا، مع مكانة دولية متمثلة في (حلف الناتو)، الذي كان باباً منيعاً للنفوذ
السوفياتي نحو غرب أوروبا، ومنها نحو
الشرق، بل امتلاكها ثاني أقوى جيش في هذا الحلف، ومشاركاتها الفعالة في أفغانستان،
وغيرها، وكذلك تصدرها لحماية الوجود السني كقوة وحيدة باقية، بعد انهيار الهايكل
السنية في البلدان العربية، وبقاء دول خليجية تمتلك البترو دولار فقط، وهي مرتعبة
من الأخطبوط الإيراني الشيعي، الذي يحوم حولها، بل تم حصر كل هذه الدول القبلية في
اليمن، وعلى طول الخليج، ناهيك عن لبنان، مروراً بسوريا إلى العراق، لذلك:
1- لا شك أنها بدأت تحرك أوراقها، وبامتلاكها
الموقع الاستراتيجي العالمي، فإنها تستطيع تمرير آلاف المقاتلين من الشيشان وجبال
القوقاز، هذا عدا الدماء العربية السنية الثائرة جراء التهميش والتشتيت، بعد
الثورات العربية المضادة، ونحر الديموقراطية الوليدة في أهم دولة محورية يقتدى بها
في الشرق، وخاصة العرب، وهي مصر.
2- وأنها لا تقبل أن تكون حليفة إيران مغروسة في
خاصرها، وستجبر أمريكا على إعادة النظر في
أوراقها، وقد بدأت بالفعل!
3- أما سياسة الإقليم، بقيادة البارزاني - رئيس الإقليم - فأظن أنه يفهم المعادلات
الدولية جيداً، وقد دخلها منذ زمن بعيد، لذلك كفة الموازين ستكون من نصيب هذا
التوجه في المستقبل. لذا فإننا نرى أن التوجهات التي تكون نحو العمق التركي، ومنه
نحو أوروبا، هي الطريق الأصوب لمستقبل إقليم كوردستان، والحقوق الكوردية بصورة
عامة، والتي تكون على أسس وشراكة اقتصادية نفعية متبادلة، يستطيع من خلالها الحصول
على الاستقرار، والتقدم الداخلي، والكيان الدائم، الذي لا يمثل تخويفاً للآخرين،
ولهذا صرح رئيس الوزراء التركي، في إحدى لقاءاته مع قيادة غرب كوردستان، أنه لا
مانع لدينا من قيام كيان كوردي في سوريا ينتهج منهج إقليم كوردستان العراق!
أما إيران، فهي ممر مظلم
شائك غير سالم العواقب، وأي حقوق ملموسة لتلك الشعوب، وانظر إلى المناطق التي تسيطر
عليها، غالباً ما تجد تشتتاً مجتمعياً يعاني من تجاذبات طائفية تعمد إلى تمزيق
المجتمع، وتفكيك أواصره، دون أدنى تقدم ملموس للبنية الداخلية لهم، وتأمل الكيانات
الموالية لها طائفياً، وفي أي مستوى هي، فما بالك بالطوائف والإثنيات الأخرى؟! لذى
أرى أن يقوم التيار الكوردي، المتمثل في (حزب الاتحاد الديموقراطي الكوردستاني) في
سوريا (غرب كوردستان) بتغيير مساراته السياسية، وتعديل خلفياته الآيديولوجية، حتى
ننعم باستقرار شعب مناضل من حقه أن يعيش، لا أن يكون الموت والشهادة، أو
المجازر-لا سمح الله- من نصيبه. خاصة وأن مدينة مثل (كوباني) تتمتع بموقع جغرافي
حساس جداً، متمثلاً بعمقها الاستراتيجي مع تركيا شمالاً، وقد تكون ممراً لمرور
أنابيب النفط والغاز إلى (ميناء جيهان)، من شرق إقليم كوردستان العراق، وهو ما يجب
أن يحظى بالأولوية لديها، وأن يبنى ذلك على أساس علاقات وثيقة، وبرامج موحدة، بينهما،
لاسيما أن الكوردايةتي تجمعهم. وليعلم أن الصداقات الغربية المتمثلة في أوروبا
مثلاً، والتي تجاملها فقط، والدول البعيدة عنها جغرافياً وآيدولوجياً ومذهبياً،
متمثلة في دولة إيران، لن تنفعها، لأنها ليست علاقات دائمة إلى الأبدr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق