محمود وليد
هكذا كانت عبارات نازحي مخيّم (بحركة)،
تتطاير في السماء بأصوات مبحوحة تفتقد لمن يسمعها، لتتوحل مطالبهم البسيطة بطينٍ
ممزوج بالمياه الراكدة، وسط ضريبة الوطنية الواحدة التي أبت أن تمنح وطناً يُعتمد
عليه.
الصورة هنا تكمن بـ ٥٠٠٠ نازح عراقي في
مخيم (بحركة)، الواقع شمال غرب مدينة أربيل، والذي دُمرت فيه الخيم الشحيحة إثر
الأمطار الغزيرة بنسبة ٧٠%، لتبقى الخيم الأخرى مستعدة لسباق الهبوط الأخير
كأقرانها.
لم تنته قصة
التنازلات، فهذه الأطراف كشفت عن رواياتها وفلسفاتها، وبقي الشخص غير المناسب في
المكان الذي لا يستحقه، الممثل برئيس لجنة الهجرة والمهجرين (صالح المطلك)، صامتا
ً في حجرته السيادية، كالمتفرج الدقيق على الأحداث دون حراك، في ظل اجتماعات طويلة
غير مفيدة، يرجى منها استحصال أموال يُعرف منبعها، ولا يُعرف أين مصبها، علما ً أن
هذه اللجنة هي المسؤول الأول -حسب الدستور العراقي، وتنظيمات ووظائف التشكيلة
البرلمانية- لرعاية المهجرين والنازحين... ولكن أسمعت لو ناديت حيا
.
لم يكن مخيم (بحركة) محور الأزمة، بل
اشتركت المحافظات الأخرى، باختلاف آهاتها، فكانت مخيمات (دهوك)، هي الأخرى، سيدة
الموقف: ففي (مخيم شاريا) اضطرت (٢٠٠٠) عائلة أن تنام في العراء، بسبب عدم مقدرة
خيمها المتواضعة على مقاومة الأمطار، والنتيجة مقتل (١٥٠٠) طفل، إثر تفشي الأمراض
المعدية، والفتاكة بطفولتهم، التي لم تتعد حدود الـ ١٢ عاماً. أما محافظة (كركوك)،
فكانت القطب الآخر في حكاية النازحين، فقد حدثني من أثق به أثناء زيارته لمخيم
(ليلان)، أنه سمع قصصا ً تشيب لها الوِلدان، حيث أخبره أحد الآباء بعدم تحمله عيشة
المخيم لبُنيات كان يرعاهن، فقام باستئجار بيت صغير للسكن، ظناً منه أن أمره لن
يطول، ومع تزايد الشهور وقساوة أيامه، صار الأب غارقا ً في الديون، وهنا جاء دور
ضعاف النفوس، أي صاحب البيت، والذي أخذ يبتز الأب، حتى باعه إحدى بناته ليزوجها
له، رغما ً عنها، وعنه، ليتمكن من دفع الإيجار، الأمر الذي أدى إلى بقاء العوائل
داخل الخيم، وتحمل الغرق في بحار الأمطار، على أن يتحملوا بيع بناتهم! والسؤال
هنا: من يتحمل مسؤولية هذا الضياع؟؟ أليس كل من روج للطائفية والعنصرية، ولعب على
أوتارها، من أجل المناصب، كان سببا ً لولادة هذه الآلام؟!..
صرخات تصول وتجول في المخيمات
المتفرقة، وهياكل البنايات المفتوحة، وفي المدارس التعليمية، وعلى الأرصفة، وفي
الشوارع، في محافظات عدة، لن تكفي الأوراق لتحصي عناوينها، وأرقامها، وحكاياتها
الحزينة
"ما ذنبنا؟!"....
كانت هذه آخر كلمة استفهامية نطقها
النازحون هنا وهناك، فهل سيعيشون يوما بائساًجديداً، أم سينتظرون اللحظات القليلة
القادمة، لتضعهم في الأكفان، وتقول لهم: رحمكم الله، إذ لم يرحمكم البشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق