رولا عبد الرؤوف الحسينات- الأردن
سبيل الارتقاء القرآني في مواجهة التطرف
بهذا المدخل، أتحدّث عن هذا الكتاب الجديد الذي بين يَدي، لأقول بأن الناظر
للخريطة العامة للمعمورة بأهليها، على اتساع الرقعة الامتدادية للوجود الإسلامي، يجد
الشخصية المسلمة، التي أثبتت وجودها من قبل ألف وأربعمائة عام، حيث ولجت إلى دين الرحمة
السماوية، لتدفع عنها أعباء المادية .. العبودية.. الظلم والفجور.. على الرغم من تباين
العوامل الأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتفاوتة لصقلهم معا، ولكنها
بولوجها إلى بؤرة الإسلام شكلت الشخصية المسلمة،
بإحداثيات ثابتة تميز الدين الإلهي،
خاتم الأديان السماوية للسلام والطمأنينة، الحوار والتبادل الثقافي، التسامح والعدالة
والمساواة..
غير أن تشتت نهج السلوكيات الفردية، الذي ما لبث أن غذى سلوكيات جماعية
حملت مسمى (إسلام)، وساهمت بفرز نوعي لأجيال متباينة: جيلاً من القائمين على التفرد
النوعي المميز للفرد، ضمن المنظور الوسطي، وجيلاً حمل المنظور التطرفي، وقد أشرب من
نوازع ظالمة، لتسمى فيما بعد بـ(الإرهاب الإسلامي).
فالتطرف في اللغة: هو الوقوف في الطرف، وهو عكس التوسط والاعتدال، ومن
ثم فقد يقصد به التسيب أو المغالاة، وإن شاع استخدامه في المغالاة والإفراط فقط. والتطرف
كذلك يعني: الغلو، وهو ارتفاع الشيء، ومجاوزة الحد فيه. وفي (المصباح المنير): غلا
في الدين غلوا، من باب: تعد، أي تعصب وتشدد حتى جاوز الحد. فالتطرف هو الميل عن المقصد،
الذي هو الطريق الميسر للسلوك فيه، والمتطرف هو الذي يميل إلى أحد الطرفين.
التطرف في الاصطلاح: يرتبط بأفكار بعيدة عن ما هو متعارف عليه سياسياً
واجتماعياً ودينياً، دون أن ترتبط تلك المعتقدات بسلوكيات مادية متطرفة، أو عنيفة،
في مواجهة المجتمع أو الدولة. ويرى البعض أن التطرف يحمل في جوهره حركة في اتجاه القاعدة
الاجتماعية أو القانونية أو الأخلاقية، يتجاوز مداها (أي الحركة) الحدود التي وصلت
إليها القاعدة، وارتضاها المجتمع.
إن التفريق بين الإرهاب والتطرف هو مسألة جد شائكة، وذلك لشيوع التطرف
والإرهاب كوجهين لعملة واحدة، ومع ذلك فالتفرقة ضرورية. ويمكن رسم أوجه الاختلاف بينهما
من خلال النقاط التالية:
التطرف يرتبط بالفكر، والإرهاب يرتبط بالفعل، كيف ذلك؟
قلنا إن التطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتعارف عليه
سياسياً واجتماعياً ودينياً، دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة
في مواجهة المجتمع أو الدولة. أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي، أو التهديد بالعنف،
فإنه يتحول إلى إرهاب. فالتطرف دائماً في دائرة الفكر، أما عندما يتحول الفكر المتطرف
إلى أنماط عنيفة من السلوك، من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح، أو تشكيل
التنظيمات المسلحة، التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة، فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب.
التطرف لا يعاقب عليه القانون، ولا يعتبر جريمة، بينما الإرهاب هو جريمة
يعاقب عليها القانون. فالتطرف هو حركة تجاه القاعدة الاجتماعية والقانونية، ومن ثم
يصعب تجريمه. فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون، باعتبار هذا الأخير لا يعاقب على
النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي المجرم، هو حركة عكس القاعدة القانونية،
ومن ثم يتم تجريمه.
يختلف التطرف عن الإرهاب أيضاً من خلال طرق معالجته، فالتطرف في الفكر،
تكون وسيلة علاجه هي الفكر والحوار. أما إذا تحول التطرف إلى تصادم، فهو يخرج عن حدود
الفكر إلى نطاق الجريمة، مما يستلزم تغيير مدخل المعاملة وأسلوبها..
الإرهاب بذاته تهيئة منطقية لمفاضلة السلوك، التي تتبنى تصوراً منطقياً
في أجندتها عديمة الرحمة، في إنهاء وجود المسلم بذاته، بتقتيل المسلمين علانية في أرض
الله، ثم غيرهم، في أطر ضيقة من الحكم والقضاء في التطهير العرقي، وهي أبعد ما تكون
عن الرسالة السماوية التي عمت البشرية، بالسعادة والخير والإنجاز والإبداع.
وهنا نجد أننا أحوج بأن نعود للقرآن الكريم كحكم في تشكيل الشخصية الإسلامية،
بعلاقاتها المتداخلة مع غيرها من الأمم والعالم الإسلامي، على اعتبارية {لا إكراه في
الدين}.. بالعودة إلى القرآن الكريم، والتمعن فيه، والتدبر بآياته، لإحلال روح السكينة
والألفة، وتوسيع قاعدة الفهم العامة، المترابطة مع العولمة بأوجهها المختلفة..
وقد ناقشتْ عدد من الكتب فكرة التلقي والرقي بطرائقها، وقد تنوعت بأساليب
عرضها للدارس، وفق معايير متباينة بين السهولة والتعقيد، ومن بين هذه الكتب التي فصلت
فكرة التلقي: (نعت الدرجات لتلقي القرآن والقراءات)، للكاتب (صالح بن عبد الله بن حمد
العصيمي)، ويحمل الكاتب في مضمونه ما يجب أن يتصف به الطالب والدارس في أدب القرآن
الكريم، وتلقيه، والحرص على الرقي في تقانة التجويد، ومخارج الحروف. وتعرض للقراءات
العشر، وغيرها من القراءات.
ومنها: الحضور القرآني والصوفي في (مواقف الألف) للشاعر (أديب كمال الدين) لـ (فاضل عبود التميمي).. وكذلك كتاب (كيف نفهم
القرآن الكريم؟ للكاتب (عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين)، وهي دراسة في كيفية
فهم المتلقي للقرآن الكريم. وقد تعرض بطريقة سلسة لأساليب الإقناع في القرآن الكريم،
ووسائل وأساليب الإقناع في الرسالة الاتصالية.
للمتفحص في ماهية الطرح لمجموع هذه الكتب، التي وقفت على قضية المتلقي،
وآلية تلقي النص القرآني بوسائط ناقلة، تتباين في الأسلوب والنمطية والانبعاثات العاطفية
أو القلبية، نجد أنها أسهبت بشكل مستفيض بقضية بحثية، تمايزت، وكيفية طرح الكاتب السوري
(عبد الباقي يوسف)، وهو تشكيل لقضية خصص لها كتاباً مفصلاً، محكماً في طرحه وغايته،
ليس منوطاً بكيفية التلقي، بل والارتقاء في تلقي معاني القرآن الكريم، بسلاسة تفقهية
مقربة، بل محببة للقلب.. حيث لم يعمد الكاتب إلى تعقيد الصورة في الطرح بل تبسيطها،
ليصل إلى أكبر شريحة، مسلمة كانت أم غير ذلك..
بأسلوب دعوي لمتشوق عاشق للقرآن، سابح بترتيله آناء الليل وأطراف النهار،
وما جنح لرخامة اللفظ والتعقيد، بل انسيابية مريحة من الملقي للمتلقي، ليعتلي درجة
متقدمة من التقييم، من حيث القبول والقراءة، بل وإعادة قراءة الكتاب لأكثر من مرة،
بعيداً عن الملل..
كيف لا، وهو يمحص بحذاقة آيات
الله ليفرد تلامسها الحياتي مع كل مفردة سلوكية كاستجابة أو كسلوك فطري.. (عبد الباقي
يوسف) روائي وكاتب سوري، تفرد بأسلوبه الروائي بطرحه الكتاب، وسهولة التبحر في عبابه،
والانتشاء بقيمه.. له العديد من المؤلفات الروائية، والناقدة، والكتب الإسلامية، مبرزاً
لنا حصيلة فكرية متقدة، مبسطة في منهجية التلقي ذاتها، بين أصول البنية التكوينية للتواصل
بين الملقي والمتلقي، وماهية الكتاب، الذي يتداول فيه موضع الإلقاء، بطرائق لم تكن
عبثية في اختيار أوجه البحث، ليحمل هكذا عنوان، يناقش فيه النص القرآني من منظور موضوعي عقلاني.. وعرض ذلك من خلال بابين: (نور السـماء
إلـى ظلمة الأرض) و(فضل القران على الإنسان).. لعلني أستفيض وروح الكاتب بدلالته وطرحه
من روح معطاءة عميقة، في الدلالة والاستدلال على واقع الصلة بين القرآن والمتلقي، وهو
ليس كأي كتاب يُملُّ ويهجر، إنما كتاب متطور في الطرح، متوافق بين كل معتركات الحياة،
بشرائع ونصوص وآليات تفكريّة.. وهو الكتاب المتجلي إنسانه فيه، من حيث النوعية القرائية،
أو المغزى من التدبر والدعاء والغاية الاستدلالية، التي تنمي تلكم العلائق العميقة
بين القرآن ومرتله.
وقد تعددت القراءات لتتوافق واحتياجات الفهم والإدراك لجميع المسلمين
حول العالم، من حكمة يقينية من الخليفة (عثمان بن عفان)، ثالث الخلفاء الراشدين (رضي
الله عنهم) وأرضاهم، وفق منهجية السلاسة في النطق اللغوي، ليتوافق ومخارج الحروف، وليكون
القرآن سلسلاً في التعايش اليومي..
وهو الكتاب السماوي الذي ما كان نزوله على سيد المرسلين وخاتم النبيين
إلا هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فيفرض الطريق اللاحبة ظلاله على حامله، ليرقى
به إلى حالة من التوازن العاطفي والعقلي، في جميع مجالات الحياة.
لقد قدم لنا الكتاب مقومات التشويق المحاكي لنسيج الحياة، متغلغلاً في
شعفات لفائف متراكمة من التلقي النوعي المعرفي..
فهو الإنسان المنوط به المسؤولية، المستخلف في الأرض، مذللة له بالكيفية
التي يرضاها بفطرته السليمة، ليقدم قرابين الشكر لله تعالى على هذه الهبة، مستقرئاً
النصوص، متدبراً أحكامها، لينفذ هبة الله له على أكمل وجه، وعلى أحسن صورة، وليستقر
أمره بالعبادة، حمداً وشكراً لرب السماء والأرض..
التحوّلات الكبرى
استقبلنا الكتاب بالتحولات الكبرى، بمفردة القدرية: وما كان لينفعك ما
كان ليضرك، فكل بأمره، بيده الأمر كله، عالم الغيب، الرحمن الرحيم.. ليعجل علينا يقين
الرحمة الإلهية، وهي الفاتحة، ومن ثم ليختتم بسورة البقرة، وهما هبتا الرحمن من تحت
العرش، منتان من الرحمة.. تلكم السبع المثاني والقرآن العظيم.. لنتبتل وإياه في التفحص
الدقيق لآياتهما، كل على حدة، بالمعنى والمقصود، لينطق طاقة العقل المكبوتة المصفدة
بغيبية الغاية، إنها ليست مجرد آيات بقدر ما تقوم به من النطق الأجوف للآيات، لكنه
أسلوبه العقلي في المخاطبة، للتقرب لمنابت الرحمة: رحمة الخالق بالعبد الفقير الذي
ليس له ملجأ ومنجى منه إلا إليه، وإن بلغ هذا الإنسان أعلى المراتب، فسيبقى صغيراً
أمام عظمة الخالق.
فالرحمة استأثر بها الخالق، وجعل للخلق جزءا بسيطاً منها، ليتوب إليه
مسيء الليل، ومسيء النهار.. يبتغون رضوان الله.. إنها المصالحة مع الذات لتحقيق التوازن،
لتحيل الذنوب إلى نعم بالحسنات.. ووصل بنا الكاتب لمفردات لم تتجاوز تصرفاتنا الذاتية،
ليعيد إلى أذهاننا أهمية البسملة في كل حال، وفي كل زمان، ومع أي أمر، لتغير كل مكونات
الموجود بقيمته، وكونه من التهذيب الذاتي.
وهيأ لنا هذا الكتاب مرجعية تفسيرية للولوج للنص القرآني، من وجهة تفسيرية
تقويمية للسلوك الفردي، بتهيئة الجو العام، والخلق الكريم في السلوك القويم، وأوجد
النقيض، ليتنبه العقل بخطأ التضادية السلوكية..
وعليه فقد بنى لنا بنياناً من التهيئة الحسية السلوكية، القائمة على العقلانية
المنطقية في ضرورة التواجد المتوازن للشخصية التكاملية، بالسلوك المتعبد في الصلاة
أو الصيام وغيرها، وأهمية الغاية منها بثورة التفسير..
فقه حدود الله في التلقي القرآني
ودرج بنا الكاتب في تبيان تقسيم آيات القرآن الكريم، التي ما يدرك حصافتها
إلا متعمق دارس.. وقد نهل من جل وقته معرفة خالصة، بيّنها ببضع سطور، نغتنم فيها الرؤية
المتكاملة للنص القرآني، وأنواع الطرح فيه، ليرقى بنا ليس من مجرد قارئ أو مسترسل بعينيه،
بعلم أم بغيره، ليُعدَّنا لنتفقه بأمور ديننا، وإن لم نصل لمراتب المرتلين..
"انحصرت سور القرآن وآياته في ستة أنواع: ثلاثة منها هي السوابق،
والأصول المهمة، وثلاثة هي الروادف والتوابع المغنية المتمة. أما الثلاثة المهمة، فهي:
1 تعريف المدعو إليه.
2 وتعريف الصراط المستقيم، الذي
تجب ملازمته في السلوك إليه.
3 وتعريف الحال، عند الوصول إليه.
وأما الثلاثة المغنية المتمة – فأحدها: تعريف أحوال المجيبين للدعوة،
ولطائف صنع الله فيهم، وسره ومقصوده: التشويق والترغيب. وتعريف أحوال الناكبين والناكلين
عن الإجابة، وكيفية قمع الله لهم، وتنكيله بهم، وسره ومقصوده: الاعتبار، والترهي.
وثانيها: حكاية أحوال الجاحدين، وكشف فضائحهم، وجهلهم بالمجادلة والمحاجة
على الحق، وسره ومقصوده، في جنب الباطل: الفضح والتنفير، وفي جنب الحق: الإيضاح والتثبيت
والتقهير.
وثالثها: تعريف عمارة منازل الطريق، وكيفية أخذ الزاد والأهبة والاستعداد.
مفصلة السوابق والروادف والتوابع المغنية المتمة..
لقد أوجد الأديب اليوسف في كتابه القيّم، بطريقة ما مدخلاً لبوابة زمنية
تفصلنا عن ترهات حياتنا، الحدود.. ومن منا لا تشكل له الحدود هاجساً.. غاية.. عبئاً..؟
أيا كان ما تشكله الحدود لنا، فهي موجودة بواقع جغرافي متأصل الجذور،
وإن كان أمرنا مصغراً في البيت الواحد، المكتب الواحد.. بل السيارة أو الوسيلة التي
تنقلنا، توجد لنا حدوداً، بل وللآخرين.. تلك الحدود التي لا نؤذي بها أنفسنا والآخرين..
فليست لله الحدود وحسب، فله ملك السموات والأرض.. يا من هو في السموات إله، وفي الأرض
إله.. إنه تأدبنا في حواريتنا مع الخالق بأدبية الحوار، العلاقة التي توصلنا إلى أبواب
رحمته، أليست هي مقصدنا ونحن مسافرون نحمل حقائبنا، وما كدنا نتبلغ رشفة الماء؟.
سمو العلاقة بين الإرسال الإلهي والتلقي البشري
ليستنير في ظلال قرآنية، حصيف في عمله وإنجازه.. ليقيم الفرد من خلاله
هويته، مهارته وإتقانه، عبثيته واستهانته، أم ازدواجيته وإفراطه، توحده جنونه وبلهه،
وضاعته وإسفافه.. ليثيرنا الكاتب بخاصية جديدة، وهي الإبحار في المرئي والمسموع وإعمال
الحواس.. ليوظفها ضمن منهجية تأدبية، تتأبى على أزقة الظلام والضلالة.. ليعرِّفنا بالقليل
والكثير.. أعطانا بشفافية مطلقة النتيجة، وارتحل بنا إلى تبيان معاني العقل .. ولم
يكتف بذلك فقد انبرى يتساءل عن اللسان، وهو إدراك المضمون العقلي بترجمة نصية من الحواس،
وعلى رأسها اللسان، لندرك أنه ما يوقعنا في غياهب الجحيم، لنكف عنا ألسنتنا، صنائع
أعمالنا، ومذهب حسناتنا، ليحفظه بالسرد علمياً ودينياً، ويبقى العقل، ومكانة القلب،
بأسلوب مقارب للمخيلة البشرية..
يقول الله تعالى: [ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد] (ق: 18).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تُكَفِّر
اللسان (تذل له وتخضع) تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن
اعوَجَجْتَ اعوَجَجْنَا" (الترمذي). وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيمُ
إيمان عبد حتى يستقيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه" (أحمد). وقال
ابن مسعود: "والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان".
وما يقع من أمراض اللسان، من: النميمة والغيبة والكذب واللغو في الحديث
والسباب والفجور والمكر والخديعة، وغيرها، موغر في الصدر.
إنه الصوم عن كل رذيلة، إذ ربط (عز وجل) الصوم بأن يكون بلا فسق أو فجور،
والحج كذلك، بل الإيمان ذاته: المؤمن من أمن المسلمون من يده ولسانه.
لم يكتف الكاتب بالمأثور من القول، وترجمان القرآن، وتأييده بالسنة الشريفة،
وأقوال الصحابة، وما مر من التاريخ، لكنه ربطه بالتطور التكنولوجي، من وسائط متطورة،
تفتح قنوات الاتصال على رحابتها، فجعلت لغة التخاطب متنوعة موجهة، لترد مساحات فضفاضة
في الخطاب،إذ إن القرآن الكريم، بكيفية الإلقاء والتلقين، هو متكيف متجدد بالقيمة والمنطق.
المقارنة كأسلوب تتبعي للنص القرآني المتمثل فيه ذات الأسلوب، من التوجيه
الإلهي، ليعتبر أولوالإبصار. فأصحاب النار قبيلهم أصحاب الجنة. وأصحاب الدسائس والغدر،
يقابلهم أصحاب العلم والدراية والحكمة والإبداع، بكافة صوره، في شتى مناحي الحياة.
المتلقي لمعاني القرآن الكريم ليس ذلك النص المفرغ جمود الصخر وتخلف الأيام،
إنما هو نص مرن شمولي: بلاغة وحصافة وقصداً ومدلولاً ومعنى، كلٌّ متكامل منهجاً ونصاً..
كيف لا وهو الرسالة الإلهية، خاتمة الكتب السماوية، ليستمتع فيه في كل حين، وكأنه يرتل
لأول مرة، بكل زمن، وكأنه في غيره المكان.
ومن خلال جلِّ كتابه، نأى الكاتب إلى ظلال من تشابيه، ومحسنات لفظية،
ودلالات قلبية وعقلية، وبلاغة، وكناية، وتشبيه تمثيلي، والتي هي بمجملها صور فنية بأسلوب
سلس متسلسل شيق، نابع من خالص التفقه اللغوي، ببراعة المعلم للمتلقي، والشارح للدارس،
والمتضادات في قنوات الحياة: الماء والحياة، سنبلة الصدقـة..
قارئ القرآن وفقـــه الموقف
(أم سليم الأنصارية) والبنية القصصية المفصلة لجدلية الصورة بمفردات شاخصة
في التاريخ، لتبرز الفكرة العامة التي أوردها في بداية النص، ثم أتبعها بمناقشة الخصائص..
للمرأة والرجل على حد سواء، مبرزاً دورين متساوين متوازيين، ليضرب لنا المثل القدوة
في الحياة السلوكية، زوجية كانت أم عملية، في مناحي الحياة المختلفة. وقد أبرز مدى
تحرر المرأة المسلمة، في البحث العلمي والأدبي والفقهي، والعمل والإنجاز، والمبادرة
والقوة، العنفوان لدى المرأة كلاعب أساسي في مغارب الحياة ومشارقها.. قالت (أم سليم)
قولتها الشهيرة: يا رسول الله أقتل من بعدنا من الطلقاء، انهزموا بك. فقال رسول الله:
"يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن ". إنها نقطة البداية التي أوردنا الكاتب
إليها، لنستبق الزمن، ولو لساعة، نتساءل فيها: من نحن؟؟ وما أنت أيتها المرأة: كائن
الجمال، أم كائن معجون من عجينة العطاء والصبر؟؟ ماذا قدمت كل منا لنفسها، أو لبيتها
وأسرتها؟؟ ما هي نصوص الرسالة المثلى التي تنادي بها، كأرضية لرقيها، لقيم وجودها؟؟
لقد حفظ الله المرأة، بل عنون لها أبواب حياتها، ورسم منهجية الوصل الآمن في معتركات
الحياة. لقد كانت المرأة متاعاً يوماً، فأمن
لها الله تعالى حقها في الحياة، والاختيار، والتعلم، والشخصية الاعتبارية، والتصرف
المالي، والميراث، وحقها الدعوي التفقهي، ومنحها كل مقومات أن تبلغ فيها عنان الإنجاز
والإبداع، مصونة معززة مكرمة، في أطر تحفظها من نفسها أولاً، ثم الآخرين، لتكون ثمينة،
كما لؤلؤة في جوف محارة، ما ينالها إلا الصياد الحصيف. إنها المرأة، التي أفردها الله
تعالى بنصوص قرآنية، لها دون سواها، بل كرمها بسورة حملت اسمها.. ومن غيرها يعين على
فواجع الزمان.. إنها الكفة المتوازنة، بل هي التي ترجح بعقلها ورزانتها.. وهل تقل عن
أن تكون كائناً مصوناً، كما نبتة سحرية ما يبين منها إلا عطر فواح؟!
[كل نفس بما كسبت رهينة].
[هل جزاء الإحسان إلا الإحسان].
[واهجرهم هجرا جميلاً] .
فليكن المرء فينا صاحب الموقف، هي الدعوة الصريحة للإيجابية، للمنح، للعطاء،
للبناء، وللثبات على الفطرة السليمة، المتيقنة بقدرة الله وإرادته، التي يفرزها عميق
إسلامه وإيمانه، في الأفعال، والأقوال، وغيرها، واستنهاض القوة في إيجاد الخطوة المناسبة،
وتيقن الخطوة المقبلة، التي يفيد منها الفرد ذاته، والمجتمع..
معالم الطريق ومنعرجات الفوضى
أوقفت يوماً عند الإشارة الضوئية؟! وانتظرت لدقائق طويلة في الزحام؟!
لتنير بأضوائها الثلاثة، التي كل منها تعني الكثير لنجاتك، ووصولك الآمن لمبتغاك..
أرأيت لو كنت غير قادر على رؤية الطريق، وعيناك معصوبتان.. أو لسبب ما، ألمّ بك، ولم
تستطع الوصول للضفة الأخرى من الطريق، دون أن تمد لك يد لتساعدك، لتميل عليها ميلة
واحدة، وأنت كامل الثقة بأنها ستوصلك إلى حيث تريد دون أن تلحق بك الآذى، إنه الطريق
الإيماني الذي يبين لك منهج الحياة كلها، بخيرها وشرها.. بل يبدع في تصويرها، تصنيفها..
طرق وعثاء، قفراء، مليئة بالأشواك، فيها مجون الدنيا ولهوها، وكل شقوتها، وإن كانت
تمنحك سعادة الخروج عن المألوف، لكنه ملك الساعة، ومنتهاه التهلكة: نار تلظى.. وطريق
مليء بالخير والعطاء والمنح والأخوة، من غير ظلم ولا تظالم.. بفطرة سليمة، ونهاية في
جنة عالية، سقوفها دانية، فيها كل ما اشتهيت، وكل ما امتنعت عنه في الدنيا، لتناله
في الآخرة، وهي دونك.. أو ليس هذا الصديق مبدع حقا في منحك الصورة الكاملة لنواتج سلوكك!!؟؟
النهاية، كل ما يسعى إليه كل منا معرفة الغيب، وما سيحصل معه غدا، وإن
أتتك النهاية على طبق من ذهب، بل جعلت لك استراتيجيات واضحة لتسلك أي الطريقين..
فقد زيّن الله لك متاع الحياة الدنيا بقوله: [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ
الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ]آل عمران14.
ويخاطب الله نبيه قائلاً : [وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ
الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا]القصص77.
إنه منهج الترويض للأهواء المجنحة للنفس البشرية، ليكون الإنسان سيد الساعة،
لا عبدها، وبالترويض تتمكن من الأناة والخبرة
في التقول والقول ذاته..
إنه الدين الحنيف الذي يرتقي بنا، مفصلاً كل جوانب حياتنا.. فهو الذي
يفسرنا كمرآة، وكصفحة ماء: ميولنا، تركيبنا، مزايانا.. تلكم النزعات الصغيرة والروح
فينا.
خاتمة المبحث
وجاء هذا الكتاب ليوصلنا إلى هذا الرقي بتهيئتنا لبداية جديدة، لم يتصف
نصه بالسرد المفزع بملله، بل بيقينه القائم على الروية، متميزاً بجدلية الحوار مع الإنسان،
كحالة في كل مفردات وجوده، وليس كجملة لم تمهد لتفصل.. بشحنات من التشويق والإثارة،
وتفسير المفرد، ليس بعفوية تامة، بل بعفوية زاوج فيها التفسير المنطقي للمفرد، الذي
قدر ليكون تفسيراً شرعياً، لمجموعة من السلوكيات الواجبة.. القسط والاعتدال كتوجيه
للسلوك.. فقد أكد على الإقساط، وجعل له جزءاً بارزاً في الحدث، في المآكل، والمشرب،
والإنفاق.. الغلو في الشيء..
لقد جعلنا، بسلاسة، طوافين مرتحلين في فيضه، كيف لا وهو كتاب معمق البحث
في النهج القرآني القويم.. لقد أوردنا الكاتب لتشرأب ضلوعنا في حلاوة موئلها، الروح
حلوة ندية حرة لترتوي من نجيع المعرفة.. ألفاظه الجزلة.. لغة العرض المبسطة، في أبعاد
النور المتوهج للنص القرآني على المتلقي، من كافة المراحل العمرية، ولجميع المتلقين
.. ليبقى القرآن الكريم هو منهج الحياة، ببنية مترابطة مع كل مناحي الحياة الواقع والأمل..
لعلي أختتم قولي بقول نشرته السيدة (جليلة مهدي) عن هذا الكتاب، الذي
تقول بأنه بعد قراءتها له، قد غيّر حياتها من حال إلى حال، وقد تداولت وسائل الإعلام
مقالتها، ومنها:
"لم أكن أعلم أن مصادفة غريبة من نوعها سوف تتسبب في هذا المنعطف
الأكبر الذي زلزل لي أركان حياتي كلها، حياة شارفت على الثلاثين، مضت وفق نمط معيّن…
لم أكن فيها آبهة كثيراً بقضايا الدين، وأحياناً كنتُ أراني منفصمة عنه، خاصة في الفترة
الأخيرة، التي شاهدتُ فيها أناساً يرفعون راية الإسلام، ويتسببون بإلحاق كل هذا الأذى
بالناس، وهم الذين تسببوا في تركي لبيتي في (الموصل)، واللجوء مع زوجي وأبنائي إلى
الشتات، لقد أحدث ذلك شرخاً كبيراً في نفسي، وفي نفوس الكثيرين ممن أعرفهم عن قرب.
هكذا إذن... كما تعصف السماء فجأة، وتنهمر منها الأمطار، لتغسل كل شيء،
وتؤسس لربيع هذه الطبيعة... بعد ثلاثة أيام من ذلك، اقتنيتُ لأول مرة في بيتي القرآن،
وبدأتُ أقرأه للمرة الأولى، إذ لم يسبق لي أن أمسكتُ بالقرآن وقرأته، رغم أنني مسلمة،
ثم بدأتُ أتعلم الصلاة وأصلي، وهي المرة الأولى التي أصلي فيها.. وعلى رأي المثل، فـ(رب
ضارة نافعة).. فقد هربنا من رعب المسلمين هناك، لندخل باب الهداية إلى الإسلام هنا...
لا أقول بأنني الآن أختار أجمل ما في هذا الكتاب.. ولو كان الأمر بيدي لكتبته كله حرفاً
حرفاً ونشرته.. لكنني في الآن ذاته أقتبس بعض عباراته، التي كان لها الأثر الشديد إلى
هذا التحول المفصلي في حياتي، وأنا أرى بأن هذا الكتاب تحول بالنسبة لي إلى صيدلية
روحية، لا يمكنني بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها.. القرآن الكريم هو دعوة للإنسان،
كي تستيقظ حواسه على مدركات الحياة، فيشعر بجدية وحميمية ومسؤولية العلاقة بينه وبين
مقومات حياته، وبذات الوقت يحافظ على حياة الآخرين..".
-----------------
السـيرة الذاتيـة
رولا عبدالرؤوف الحسينات، كاتبة من مواليد الأردن، 1976، حاصلة على بكالوريوس
في إدارة الأعمال من جامعة اليرموك.
لها قصة بعنوان (المهاجر)، وقصة بالإنجليزية، لويب الحياة (The valuable treasure)، وهي عضوة في تجمع (ناشرون)، وهو تجمع أدبي عربي، فضلاً عن كونها
عضوة في رابطة الأدباء والمبدعين 2014.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق