أندره عيد
قره
لا شكّ أنّ
المجلاّت التي تقوم بنشر سلاسل الكتب بشكل دوري، تُساهم بقدر كبير في إعلاء شأن المعرفة
والثقافة عموماً، فكيف بها إذا قامت باختيار كتابٍ تفسيريّ، يتعلّق بالعبادة والدين!
لروائي له أعمال روائية هامة، سيما وأنّ التفسير هو للـقرآن الكريم.. إنّه لَفِعلٌ
تستحقّ عليه كل الثناء والتشجيع، والشّكر أيضاً، لما له من آثارٍ تنويريّة تحمل الكثير
من المعاني الإيجابيّة.
فهذا يعني
أن هذا العمل القرآني سيُكتب بأسلوب روائي مشوّق، وبما يتمتع به الروائي الكبير من
حساسية مرهفة، تجلّت في أعماله الروائية، مثل: (إمام الحكمة، دين، خلف الجدار، الآخرون
أيضاً،
روهات، بروين، جسد وجسد، هولير حبيبتي)، وهذا بذاته يضفي على الكتاب ميزة متفرّدة
في مكتبة التفسير القرآني.
وما باكورة
سلسلة كتب (مجلّة الحوار) هذه، إلاّ خطوّة مدروسة بعناية، وفق اعتقادنا، في الظروف
الرّاهنة التي تمر بها منطقتنا العربيّة والإسلامية، على وجه الخصوص، من حروب وكوارث،
ونزاعات أُشعلت باسم الدين.
كتاب ( الارتقاء
في درجات تلقي معاني القرآن )، للأديب والروائي السّوري (عبد الباقي يوسف)، يأتي في
300 صفحة، وقد أُنجز في تسع سنوات، من العمل الجّاد، ونستطيع القول الشّاق أيضاً، الذي
بدأ بكتابته في سوريا، وأنهاه في أربيل العراق، معتمداً لغة سهلة جذّابة، وسبك صحيح
شيّق، لكلّ من تناوله، للاستزادة أو الاطلاع .
لن أخوض
في تقسيمات الكتاب، والعناوين الفرعيّة – حيث أرى بأنّ أغلب الكتّاب سيتناولون هذه
التفاصيل في قراءاتهم –، ولكني سأتناول عباراتٍ لامستني، كقارئة لكتابٍ تفسيريّ دينيّ،
ربما يختلف عن معتقدي كمسيحية، ولكنّه يتوافق
وتنشئتي وثقافتي وفكري.
وهذا ما
شدّني إلى قراءة الكتاب، بل والكتابة عنه، فهو جعلني أنظر إلى الإسلام نظرة جديدة،
واستطاع أن يقنعني، خاصة في هذا الميقات الحرج، الذي تسعى وسائل إعلام عالمية وإقليمية
ضخمة للنيل من الإسلام، وإعطاء صورة مشوّهة عنه. فتعالوا جميعاً إلى متن هذا الكتاب،
كي يعلمنا كيف نتجاوز تلك الصور المشوّهة غير الصحيحة، ونرتقي عن ذلك كله في تلقي معاني
القرآن كما أنزله الله، وليس كما استغله المستغلون لغايات شتّى.
عبارات ومعان
أوقفتني ساعات طويلة، وستوقفني لساعات طويلة:
لا أغالي
إن قلت إن الكتاب كله، بكل حروفه وسطوره وصفحاته، أوقفني، وسيبقى يوقفني، ويبقى مرجعاً
وحجة لي في حياتي القادمة، بيد أنني أختار جملة من ذلك، ولعلي أقدم دراسة مستفيضة في
مناسبة أخرى عن هذا العمل الفذ .
يقول الكاتب:
-
" ... الإنسان الذي في الأرض، ليس لديه شيء يقدّمه لربّه الذي في السّماء، لأنّه
لا يملك خزائن كلّ شيء، ولا يملك الجديد، الذي يمكن أن يهديه إلى ربّه "،
" فكلّ شيء أتاه من السماء"(1).
إنّها نصوع
الحقيقة، فلا إهداءات يمكن للإنسان أن يقدّمها لله عزّ وجلّ، فالنِعم والعطايا هي التي
يمنحنا إيّاها الله، وبالمجّان، وما تضرّعاتنا وصلواتنا إلاّ فروض تخولنا أن نكون نحن
الرابحين دوماً.
-
" علاقة الإنسان بربّه هي كعلاقة الأرض بالسماء، السماء التي لا تحتاج الأرض حتّى
تكون سماء، بيد أن الأرض تحتاج السماء حتّى تكون أرضاً " (2).
هي فكرة
توضّح احتياج المخلوق للخالق دوماً، فالإنسان دائم التطلّع للسماء، التي فيها عرش الله،
وكم يثمر هذا الإنسان حين تكون علاقته متينة بربّه، لا تشوبها شائبة، وثماره تلك تكون
واضحة جليّة ناضجة، يجنيها أيضاً، ويتقاسمها مع بني جنسه، من محبّة وتسامح وتقى.
-
" إنّه كتاب التحوّلات الكبرى في حياة الإنسان (أيّ القرآن)، إلى جانب أنّه كتاب
التحوّلات الكبرى في سلسل المنجزات البشريّة، على مختلف الصعد"(3).
ولو أنّ
القرآن لم يكن يمتلك تلك التحوّلات، والإحاطة بكل جوانبها، ربما كان الله (جل جلاله)،
قد أنزل المزيد من الكتب، ففيه جواب لكل سؤال، لأن لا كتاب من بعده، وأن كل اكتشاف،
وكل جواب على سؤال، سوف يأتي في زمانه ومكانه، وبذلك يغتني القرآن، ويمتلك مستقبل الإنسان.
-
" إنّ كلّ قراءة للقرآن الكريم، تقدّم للقارئ ما لم تقدّمه قراءة سابقة، وتبثّ
إليه أنواراً لم تبثّها قراءة سابقة" (4).
حالة صحيّحة
تماماً، حيث أن كلام الله وآياته، لم تكن موجهة لأناسٍ معيّنين، أو تناسب فترة أو حقبة
معيّنة، إنّما هي صالحة لكل زمان، ولكل فرد وجماعة، لكلّ مجتمع وأمّة، إنّها كما المورد
المعطاء، فكلما نهلت منه، كلّما أغدق عليك بوافر عطائه ونعمه، لتروي ظمأك، فتهدي بصرك
وبصيرتك.
-
" ... يبقى الإسلام كبيراً، واسعاً، ومستوعباً الناس كافة، على مختلف معتقداتهم
وميولاتهم ونزعاتهم، وبذلك يحقق سمات العالمية الإنسانيّة بامتياز"(5).
استوقفتني
هذه العبارة كثيراً، وأعدتُ قراءتها كثيراً، وسوف أعيد -كما يعيد غيري- قراءتها كثيراً،
فما كنت يوماً مقتنعة إلاّ بهذه الفكرة، وخاصّة في بلادنا، حيث يستظل تحت عباءة الإسلام،
العديد من الطوائف والأديان، في جوّ من السماحة والتسامح والتآخي، تكاد تنعدم فيه كلمة
( الآخر ) بمعنى الاختلاف.
-
" حياة لا إله فيها، أرض خالية من نفحات الله " (6).
إنّها عبارة
تحريضيّة لكلّ إنسان قد خلا قلبه من الإيمان بالله، وكيف تكون حياته جرداء خاوية، كأرض
قاحلة، لا زرع فيها، ولا خصوبة.
-
" مع قراءة القرآن الكريم يعترينا إحساس عميق بمسؤولية ورهبة القراءة. إننا نشعر
بعظمة الكلمة إرسالاً وتلقياً، ونكون قد تهيأنا جيداً حتى نتلقّى الكلمة "
(7).
إنّها الروحانيّة
التي يلمسها المؤمن بشفافيتها، عندما يكون في تماس مباشر وتواصل مع كلام الله، فالإحساس
برهبة القراءة، وورعها، تقرب المؤمن من مناجاة خالقه.
-
" إنّ بعض القراءات غير المتدبّرة للقرآن الكريم، قد تجعل من قارئها متشدّداً،
وقامعاً لنفسه إلى درجة الكبت "(8):
وكم رأينا بيننا أمثلة حية من البشر، بنماذج لا تعدّ
ولا تحصى، قد حفظت كل ما هو مكتوب فقط، فتشدّدت وتعصّبت وتعنتت، وأغرقت في الغلو.
وهنا لا
بد لي من القول بأنني تمنّيت على الكاتب لو أنّه تناول القرآن الكريم كاملاً، في كتب
قادمة، وفق هذا المنهج التحليلي البارع، المالك لكل مقومات وحجج الإقناع، فتطرّق لجميع
آياته، شارحاً لنا ومفسراً، بطريقته الناجحة هذه، ما شُرح عند بعض المفسرين بكثيرٍ
من التعصّب، وبالتطرّف، وعند آخرين بكثير من التعقيد والإبهام، حيث كدنا نحتاج لشارحٍ،
يشرح لنا ما قيل بأنّه قد شُرح.
مرتبــة
الارتقاء القرآني
إنّ الأديب
(عبد الباقي يوسف)، لَهو غنيّ عن التعريف، حيث اشتهر بأعماله الروائية والقصصيّة أيضاً،
والتي تصف -في معظمها- الحياة الكورديّة - السوريّة، حيث أن قضيّة شعبه حاضرة دوماً
بكل إخلاص ووفاء منه، في كل ما تمثله، وما كُتُبِه التي قد جاوزت العشرين كتاباً، صادرة
عن وزارات، ومؤسسات، واتحادات ثقافية وعلمية، في مختلف البلاد العربية والإسلامية،
إلاّ غيضاً من فيض عطائه. ولعل ذلك هو الدافع خلف الكثير من الدول لتدريس أدبه في المناهج
الدراسية، وما الجوائز الكثيرة التي حصدتها تلك المؤلفات، من سائر الدول العربية، إلاّ
نتيجة مواظبته، وفهمه وإدراكه، وسعة أفقه، ووعيه لكلمة إبداع، وإحاطته بأصولها، وامتلاكه
لمفاتيحها.
إنّ قراءة
هذا الكتاب، لَهي محاولة للوصول بنا لاتخاذ موقف وسطيّ،كي نجيد العلاقة مع ذاتنا والآخرين،
ونحسّن علاقتنا مع الله الخالق، فتجعلنا قادرين على فهم القرآن الكريم بانفتاح، بعيدين
عن التشّدد والعصبيّة، وفي الوقت ذاته بعيدين عن التراخي، فقراءة القرآن تحتاج إلى
قراءة بالشكل الصحيح، لتلقّي مفاهيمه، والوصول لمراميها، بكل أبعادها، وما كان مضمون
هذا الكتاب إلاّ مرتبة من مراتب الارتقاء حقاً، في درجات تلقي معاني القرآن الكريم.
وهنا أقول:
لا أقليّات في بلدي، فكلّنا أكثرية في ظلّ وطن، نهبه كلّ قدراتنا النفسية والمعنويّة،
والفكريّة أولاً، بحسب مشيئة رب العالمين (جل جلاله).
------------
سيرة ذاتية
أندره عيد
قره، من مواليد (دمشق)، عام 1973. إجازة في الإعلام – جامعة دمشق. عضو عامل في اتحاد
الصحفيين السوريين من تاريخ 15/ 2/ 2010.
- عملت في
مجلّة وجريدة (الثقافة) لمدة ثلاثة عشر عاماً، منذ 1997 حتى 2010، كمحررة.
- عملت في
مجلّة (الاقتصاد العالمي) اللبنانية، بتوصيف وظيفي (أمينة التحرير) بين عامي 2010-
2011.
-------------
هوامش:
1 - الارتقاء
في درجات تلقي معاني القرآن، عبد الباقي يوسف، من منشورات مجلة الحوار العراقيّة،
2014 م، ص 12.
2 - المرجع
السابق نفسه، ص 13.
3 - المرجع
السابق نفسه، ص 16.
4 - المرجع
السابق نفسه، ص 18.
5 - المرجع
السابق نفسه، ص 22.
6 - المرجع
السابق نفسه، ص 45.
7 - المرجع
السّابق نفسه، ص 92.
8 - المرجع
السابق نفسه، ص 122.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق