هيلينبراند |
ترجمة وتعليق: أ. د. ناصر عبد الرزاق الملا جاسم
كلية الآداب/ جامعة الموصل
تعليقات استهلالية(1)
يعد تطور أسطورة (صلاح الدين) في أوروبا، مثالاً نادراً واستثنائياً لتحول
محارب مسلم من العصور الوسطى إلى بطل أوروبي. وهذا المثال للانتقال الثقافي بالغ الأهمية،
طالما أن (صلاح الدين الأيوبي) كان الخصم الرئيس للغرب المسيحي، في زمن الحروب الصليبية.
(صلاح الدين) كما يظهر في مرآة معاصريه الصليبيين
تستند معلوماتنا عن وجهات نظر الصليبيين عن (صلاح الدين)، خلال حياته،
أساساً، على التاريخ المفصل الذي
صلاح الدين الأيوبي |
كتبه رئيس الأساقفة (وليم الصوري)، الذي كان مستشاراً
للمملكة اللاتينية في (القدس) 1170-1184. وشهادة (وليم) لا تقدر بثمن، عند إجراء أي
تقييم سليم لإنجازات (صلاح الدين الأيوبي)؛ فالإمكانيات الفكرية لـ(وليم) مؤثرة جداً،
فضلاً عن مركزه المرموق في دوائر الحكم الفرنجية، وبالتالي يمكن أن يتكلم بحجية وببصيرة
عن مواقف ومعتقدات النخبة السياسية الصليبية.
ولد (وليم) في الشرق الأدنى، وأجهد نفسه لتعلم اللغة العربية، وكذلك اللاتينية،
واليونانية، والفرنسية. وكان مشاركاً فاعلاً في الأحداث السياسية، ولا سيما في زمن
ظهور وارتقاء (صلاح الدين)، حتى عام 1184. ولـ(الصوري) كتاب تاريخ عظيم، هو: (تاريخ
الأعمال التي تمت ما وراء البحار)، الذي كتبه باللاتينية، والذي بقي مصدراً رائعاً
لهذه السنوات الحاسمة. من المؤسف أن (الصوري) - ونتيجة لأسباب شخصية - أجبر على مغادرة
(القدس)، وتوفي قبل سنتين من معركة (حطين)*. ومع ذلك، فإن تلك الظروف هي التي جعلت
تقييمه لـ(صلاح الدين) ذا قيمة تنبؤية خارقة. وتعليقاً على ارتقاء (صلاح الدين) للسلطة،
بعد وفاة (شيركوه) في عام 1169، وصف (وليم الصوري) (صلاح الدين الأيوبي) على النحو
التالي: رجل حاد الذهن، نشط في الحرب، وسخي دونما حد(2).
ومع ذلك، فإن صورة (وليم) لـ(صلاح الدين) لا تخلو من الانتقادات وعدم
الدقة، فهو يورد - على سبيل المثال - أن (صلاح الدين) قتل بنفسه الخليفة الفاطمي، وأبنائه،
قبل الاستيلاء على ثروات الخزينة في (مصر)، وأفسد عسكرها بالذهب(3). وفي وقت لاحق،
وبعد وفاة (نور الدين)، يلوم (وليم) (صلاح الدين) لنكرانه الجميل تجاه سيده السابق،
بقوله: إزدرى (صلاح الدين الأيوبي) قوانين الإنسانية، وتغافل عن أصله (المتواضع)، وتنكر
للأفضال التي أسبغها عليه والد الصبـي من قبل، فقام بالتالي ضد ابن سيده، الذي لم يبلغ
بعد الحلم(4).
هذه الانتقادات الصارخة لـ(صلاح الدين) من قبل (وليم)، لا تنال، مع ذلك،
من احترامه الثابت، وإعجابه به، وخوفه منه. فهو لم يقلل في أي موضع من كتابه من شأن
العدو، أو الخطر الذي تمثله قوة (صلاح الدين) المتنامية تجاه مملكة القدس. في الواقع،
إنه كان يدرك تماماً طموح (صلاح الدين)، ومزاياه القيادية، حينما يقول: إنه من دواعي
سرور جميع الحاضرين... أننا ينبغي أن نبذل كل جهد لمقاومة هذا الرجل العظيم، المندفع
من انتصار إلى آخر، إلى أعلى القمم(5).
يتوقف وصف (وليم الصوري) لتاريخ الحروب الصليبية فجأة في عام 1184. كما
أنه يضع قلمه، وهو في حالة من اليأس، من النتيجة الحتمية التي كان يتوقعها للصراع مع
(صلاح الدين). ومن حسن حظه أنه لم يعش ليرى انتصار (صلاح الدين) في (حطين) و(القدس).
لذا فإن حكم (وليم) على (صلاح الدين) نابع من الخوف والإعجاب، لكنه كان قادراً أيضاً
على انتقاد أخطائه، ولا سيما طموحه الذي لا حد له.
فيما يخص الرأي الصليبـي لأسمى لحظتين من لحظات دور (صلاح الدين)، وهما:
النصر في (حطين)، وفتح القدس عام 1187، نعتمد على رواية مصادر أدنى مرتبة من (وليم)،
تتمثل بالمذيلين على كتابه**؛ وأحدهم، هو: (أرنولد) سائس (باليان أبلين)***، وكان قادراً
على تقديم صورة إيجابية لـ(صلاح الدين)، حتى في ساعة مريرة من الهزيمة، بعد فقدان
(القدس)(6)، فنراه يشيد بسلوك (صلاح الدين) في (القدس)، بعد الفتح، مشيراً إلى شفقته
وعطفه تجاه السكان المسيحيين الذين هزمهم. وتحدث عن شهامته تجاه زوجات وبنات الفرسان
في (القدس)، فيكتب أنه أعطاهم الكثير، حتى أنهم شكروا الرب، ونشروا في العالم اللطف
والشرف الذي أنعم به (صلاح الدين) عليهم(7). في وقت لاحق، في عام 1192، وبعد الهدنة
مع (ريتشارد)، يُظهر (صلاح الدين) - في هذا المصدر - شفقته نحو القادة الصليبيين(8).
مثل هذه الأقوال كلها أكثر من رائعة، طالما أنها صادرة عن مصادر العدو، وأنها كتبت
في أعقاب أعظم هزيمة سياسية ومعنوية للصليبيين.
ونحن نعرض صورة (صلاح الدين)، التي يمكن استخلاصها من الكُتاب الصليبيين،
ذوي التجربة الشخصية في القتال والحياة في الشرق الأدنى، في القرن الثاني عشر، نجد
أن (صلاح الدين) حتى في حياته، عندما كان العدو الرئيس للصليبيين، ينتزع من هذه المصادر
الإعجاب تجاه شخصيته وإنجازاته. ويمكن الاحتجاج بالقول إن هؤلاء الكتاب قد يكونوا،
تحت إلحاح الرغبة في تخفيف مرارة الهزيمة، قدموا المنتصر في ضوء إيجابي مبالغ به. وهذه
مسألة ستتم مناقشتها لاحقاً في هذا البحث، لكن التفاصيل التي تبرز فروسية (صلاح الدين)
الشخصية، وشفقته، وعطفه، لا تنسجم مع هذه النظرية، إذ يبدو أنه لم يكن هناك دافع لتمجيد
(صلاح الدين) بهذه الطريقة، غير الرغبة في تقديم الوصف الحقيقي لما حدث، فشهادتهم المتوهجة
تتماثل مع مديح كُتاب سيرة (صلاح الدين) العرب.
تطور أسطورة (صلاح الدين) في غرب أوروبا
لم يكد يمر بعض الوقت حتى دخلت شهرة (صلاح الدين) الأساطير والأدبيات
الرومانسية الأوروبية، فإذا كان (وليم الصوري) المعاصر تماماً لـ(صلاح الدين)، قد خشى
كثيراً هذا الأمير "الأقوى"، وسلط الضوء على كبريائه، فإن هذه الصورة تحولت
في بحر جيل واحد إلى صورة الزعيم الشهم والنبيل، والشخصية المحورية، والنموذج الذي
تقتدي به الفروسية المسيحية، وذلك في نص لمؤلف مجهول، ذيّل فيه على النسخة التي كتبت
بالفرنسية القديمة لكتاب (وليم الصوري): (تاريخ الأعمال)، في العقود الأولى من القرن
الثالث عشر، وحملت عنوان (تاريخ هرقل)(9).
ثم أصبح (صلاح الدين)، في مصدر آخر من القرن الثالث عشر، كُتب بالفرنسية
القديمة، وحمل عنوان (تاريخ ما وراء البحار، وأصل صلاح الدين)، موضوعاً لأسطورة بطولية(10).
يطلق المؤلف المجهول، صاحب هذا الكتاب، على (صلاح الدين): "(صلاح الدين) التركي،
الفارس، الذي كان باسلاً جداً، وحكيماً"(11). وفي حكاية طويلة، بعنوان (ابن الكونت
بونتيو)(12)، يظهر (صلاح الدين) سليل عائلة (بونتيو) الفرنسية النبيلة، ويورد حكايات
متسلسلة، تناولت حرب (صلاح الدين) مع ملكة تركيا، وحلفائها: الملك الايكسلن ملك النوبة،
وخليفة بغداد(13). ويقص هذا المصدر أيضاً، في القسم المعنون: (نظام الفروسية)(14)،
أن (صلاح الدين) يطلب من سجينه (هيو)، صاحب (طبرية)، تعليمه كيف يصبح فارساً مسيحياً(15).
ويمكن أن نجد ما يثبت الدافع الأسطوري المتعلق بـ(صلاح الدين) في قصة
الديانات الثلاث، التي يرمز لها بثلاث خواتم، قد وجدت بالفعل في شكل جنيني في كتاب
(تاريخ ما وراء البحار)، المشار إليه أعلاه. ووفقاً لهذه القصة، نرى (صلاح الدين)،
وهو على فراش الموت، يطلب من ممثلي الديانات
السماوية الثلاث إجراء مناقشة حول مسألة أي من هذه الديانات هو الأفضل، فيقول الكاتب:
أرسل (صلاح الدين) الأيوبي، قبيل وفاته، إلى خليفة بغداد، وبطريرك القدس، وأحكم من
وجد من اليهود في منطقة القدس بأكملها، لأنه كان يرغب في معرفة أي شريعة هي الأفضل(16).
وبعد انتهاء المناقشة، لم يعرف (صلاح الدين) أي دين يختار، لذلك قسم مملكته
إلى ثلاثة أقسام، وأعطى الأفضل للمسيحيين، والثاني للمسلمين، والثالث لليهود(17).
تظهر صورة مماثلة (صلاح الدين) كبطل شهم، في العديد من الرومانسيات الفرنسية
في القرون الوسطى. والمثال النموذجي هو عمل القرن الثالث عشر، بعنوان (أغنيات المطرب
الجوال من مدينة ريمس)(18)، الذي يربط (صلاح الدين) بـ(إليانور) صاحبة (بوردو)، زوجة
لويس الوسيم (السابع) ملك فرنسا. هذه الملكة الفرنسية الشهيرة، التي استبد بها الضجر
في (صور)، في شتاء عام 1148-1149، وفي حالة من اليأس تاقت إلى (صلاح الدين)، الذي تأثرت
كثيراً بمآثره. وهنا لا تهم الدقة التاريخية، على الرغم من أنه ينبغي أن نتذكر أن
(صلاح الدين) لم يكن سوى طفل في هذا الوقت****.
لا نعرف الكثير عن مؤلف قصيدة، تعود إلى بداية القرن الثالث عشر، بعنوان
(نظام الفروسية)(19)، وتظهر صورة (صلاح الدين) من خلالها رائعة للغاية: فهو الملك الذي
كان في ذلك الوقت أعظم سيد في الأرض الوثنية، والمسلم الأكثر ولاء(20).
وتتحدث القصيدة عن دفع (صلاح الدين) لتعلم طقوس الفروسية، من قبل شخص
(هيو/ صاحب طبرية)، الذي أسر من قبل (صلاح الدين) قرب (قلعة الشقيف)، ثم أطلق سراحه(21).
فهو يخبرنا أن (صلاح الدين الأيوبي) كان يتحدث مع (هيو) باللاتينية، التي كان
"يعرفها بشكل جيد جداً"(22). وهذا يسبق بوقت طويل نسبة (بوكاشيو) لـ(صلاح
الدين) القدرة على الحديث بلهجة أهل (لومبارديا)(23).
لذلك، فمن الواضح أنه في غضون جيل واحد فقط، أو اثنين، أصبح (صلاح الدين
الأيوبي) يتمتع بشهرة واسعة النطاق في الغرب، في القرون الوسطى، بوصفه رجل شجاعة كبيرة،
وتهذيبٍ عال. وكانت بعض المصادر تبتهج لمجرد أنها تمتدح فضائله، وبعضها الآخر ذهب أبعد
من ذلك، للإشارة إلى أنه اعتنق الدين المسيحي(24).
(دانتي) (ت 1321) و(صلاح الدين)
أضافت معالجة (دانتي) لـ(صلاح الدين الأيوبي) الكثير إلى مكانته في أوروبا،
في القرون الوسطى. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن (دانتي) وضع (صلاح الدين) في الجحيم،
ولكن في الحلقة الأولى، بين فضلاء الوثنية وأبطالها في الماضي الغابر(25)، ومع أن
(صلاح الدين) قد وضع لوحده، إلا أنه لم يكن على مبعدة عن رموز، مثل: سقراط، وأفلاطون،
وأقليدس، وجالينوس. كما تمتع (صلاح الدين) بقرب اثنين من عظماء الفلاسفة المسلمين:
ابن سينا، وابن رشد. وبعزل (دانتي) لـ(صلاح الدين) قليلاً، فإنه كما يبدو أراد أن يخصه
بعناية خاصة واستحسان: ومنعزلاً على جانب، رأيت (صلاح الدين)(26). ويلهم (دانتي)، من
خلال رؤية هذه الشخصيات، فيصفهم بأنهم: أرواح عظيمة، امتلأت أوداجي بالفخر لمجرد رؤيتهم(27).
إن إدراج (صلاح الدين) ضمن هذه الجماعة، يدل على ثبات شهرته بالفضائل
في أوروبا القرن الرابع عشر، على الرغم من انتشار الأحكام المسبقة المعادية للمسلمين
بين المسيحيين في العصور الوسطى. ومع ذلك، من خلال وضعه وحده، أكد (دانتي) على أن
(صلاح الدين) هو استثناء. وبالطبع، إن تمثيل (دانتي) للنبـي كان عدائياً للغاية، عندما
وضعه في أعماق الجحيم، بين صفوف أولئك الذين قد خلقوا الانشقاق، وهو أمر معروف جداً(28).
(صلاح الدين) و(بوكاتشيو) (ت 1375)
حظي (صلاح الدين) أيضاً بالأهمية في (ديكاميرون)***** حيث أورد (بوكاتشيو)
حكايتين عنه. الحكاية الأولى ترتيبها الثالثة من حكايات اليوم الأول، وهي تقص القصة
السابقة عن الخواتم الثلاثة. البطل الرئيس للقصة يهودي، إسمه ميلكياديس، من الإسكندرية،
والذي سعى (صلاح الدين)، نتيجة إسرافه المعتاد، أن يقترض منه المال في حالة الطوارئ.
وفي نفس الصورة التي ذكرها (وليم الصوري)، أشاد (بوكاتشيو) بـ(صلاح الدين): لم تقتصر
بسالة (صلاح الدين) على أنه أصبح سلطان (مصر)، مع أنه من أصل متواضع، لكنه أيضاً حقق
العديد من الانتصارات على الملوك المسلمين والمسيحيين(29). كما هو الحال في (تاريخ
ما وراء البحار) يقول (صلاح الدين) لميلكياديس: لهذا السبب أود بكل سرور أن أعرف منك
أي من الشرائع الثلاثة باعتقادك صحيح: اليهودية أو الاسلام أو المسيحية؟
وبعد أن يقدم (ميلكياديس) رده المخضرم والحكيم، يعطيه (صلاح الدين) أكثر،
أعطاه (صلاح الدين) هدايا نفسية جداً، "وجعله مقرباً منه، وأبقاه في مركز مرموق
ومشرف، وجعله من المقربين"(30).
في القصة الثانية، التي ألقيت في اليوم العاشر، وكان ترتيبها التاسعة
في ذلك اليوم، يخوض (بوكاتشيو) في مخزن غني من فولكلور القرون الوسطى حول أبطال الحروب
الصليبية، ويروي فيها كيف "أن الأمير الأكثر بسالة، (صلاح الدين)"(31)، تنقل
برفقة بعض قادته وخدمه، متنكراً في زي تاجر قبرصي على طريق (لومبارديا)، والتقى هناك
برجل يدعى (توريللو)، الذي يستضيفه بحفاوة بالغة، على مدى عدة أيام. ولم يكن الحوار
بينهم يمثل مشكلة، لطالما أن "(صلاح الدين) ورفاقه وخدمه يعلمون جميعاً اللاتينية"(32).
لقد صوروا بوصفهم سادة بالغي التهذيب: في الواقع، يصيح توريللو: أرجو من الله أن تنجب
بلادنا سادة نبلاء على شاكلة ما أراه في تجار قبرص(33).
ويذهب (توريللو)، في وقت لاحق، إلى الأراضي المقدسة، للمشاركة في الحملة
الصليبية، لكنه يقع في الأسر، ويُجلب إلى (الاسكندرية)، فيجعله (صلاح الدين) مدرباً
لصقوره(34)، ثم يتعرف عليه فعلاً، ثم يُعرف نفسه لـ(توريللو)، ويعامله بأبلغ درجات
التكريم(35). وأخيراً يتم نقل (توريللو) إلى (لومبارديا)، حيث يقر لـ(صلاح الدين) الأيوبي
بالصداقة والتبعية. وهكذا فإن الصورة التي يقدمها (بوكاتشيو) عن (صلاح الدين) تبني
على شهرته الثابتة، بوصفه بطلاً للفروسية، ونموذجاً للتسامح الديني.
(صلاح الدين) و(ليسنغ) ( ت 1781)
يمثل (ليسنغ) أحد الرموز البارزة في عصر التنوير الألماني. وقد اختار
(صلاح الدين) ليكون ممثلاً للإسلام في مسرحيته (ناثان الحكيم)، التي أكملها عام
1779. وهذه المسرحية مشبعة بروح العصر – من قبيل التشكيك والتسامح الديني – فتظهر أن
كل التصورات عن الحقيقة نسبية. وبعض جوانب
شخصية (صلاح الدين) كما صورها (ليسنغ) تكشف عن تصوير (المستشرق) لـ (الآخر)، فيظهر
متسرعاً، مستبداً، وحشياً، يحكم بإرادة النزوة والتعسف. ومع ذلك، يبذل (ليسنغ) عناء
شديداً وهو يصف (صلاح الدين) في ضوء متعاطف، مع تطور أحداث المسرحية(36). وتدور أحداث
المسرحية في بيئة شرقية، مما يتيح لـ(ليسنغ) الإفلات من العقاب، لنقده اللاذع للدين
القائم في أوروبا. اختياره (القدس) موقعاً لمسرحيته، لذلك، موفق بدرجة كبيرة، لا سيما
وأن هذه المدينة المقدسة، مقدسة للأديان التوحيدية الإبراهيمية الثلاثة، التي وضعها
تحت المجهر في المسرحية. إن اختيار العمل ليكون في الشرق، في (القدس)، يمنح المسرحية
رسالة من القبول العالمي.
ولكن لماذا اختار (صلاح الدين الأيوبي) لتمثيل المسلم الأصيل؟ مما لا
شك فيه أن (ليسنغ) كان على دراية بالتراث الأسطوري الغني، الذي كان قد نشأ في أوروبا
عن (صلاح الدين). وإن التركيز على اختيار بطل مسلم، علاوة على ذلك، ينتمي للحروب الصليبية،
مكّنه من إثارة ذكريات الصراعات الدموية بين الأديان، ويحمل رسالة بأن هذا الصراع يجب
أن لا يتكرر. إن (صلاح الدين)، وليس فرسان الداوية، هو المحرك الرئيس للمسيحية، فقد
ظهر منفتحاً ذهنياً بما فيه الكفاية ليسأل (ناثان) اليهودي السؤال الرئيس في المسرحية:
أي دين، الذي تضيء لك شريعته أكثر؟(37).
ثم يتم استخدام (صلاح الدين الأيوبي) لسان حال موقف ما قبل التنوير، الذي
يؤكد على أن ديناً واحداً فقط، من الديانات السماوية الثلاث، يمكن أن يكون على حق،
وعلى الرغم من رغبته في معرفة الجواب على سؤاله، يظهر جوابه كوهم مفاجئ من جانبه: يمكن
أن أكون أنا حقاً السلطان الأول، الذي لديه مثل هذه النزوة(38).
قصة الخواتم الثلاثة، التي استخدمت بالفعل من قبل (بوكاتشيو)، وغيره قبله،
أصبحت بقلم (ليسنغ)، وسيلة إرشادية يستخدمها (ناثان) اليهودي للدعوة إلى التسامح الديني.
(صلاح الدين) دافئ القلب وحساس بما يكفي لاحتضان رسالة (ناثان). في الواقع، وفي تعليمات
مطولة بشكل غير عادي، وصريحة، كتب (ليسنغ) أن "(صلاح الدين) اندفع إلى (ناثان)،
وأخذ بيده، ولم يطلقها حتى نهاية القصة"(39).
وتحدث (ناثان) بالخير عن (صلاح الدين) حتى قبل أن يلتقي به، مؤكداً أن
الرأي العام يقدره عالياً(40)، وأن أحد الداوية قد أطرى شهامة (صلاح الدين) في إنقاذ
حياته. كما أنه يعلن: إن الحياة التي أحياها هي منحة منه(41).
ذلك هو، بطبيعة الحال، حق الكاتب المسرحي لتشويه التاريخ، أو حتى تحويله
إلى أسطورة. وهنا يسمح (ليسنغ) لنفسه بالتأكيد على مثل هذه الحرية. في الواقع، أسطورة
كرم (صلاح الدين)، ورحمته، تجاه من هزم في المعركة، لم تمتد نحو فرسان الداوية، الذين
كان يكرههم، والذين لم يسمح لهم بالبقاء بأي بقعة بعد معركة (حطين)(42). ولعله من الممكن
أن يكون فارس الداوية، الذي ذكره (ليسنغ)، هو صدى قصة (جيرارد ريدفورد)، سيد الداوية
الفارس الشهير، الذي نجح بالهروب من الإعدام بعد (حطين)(43).
ولكن ما الذي كان يعرفه (ليسنغ) عن (صلاح الدين) "التاريخي"؟
اثنين من التفاصيل الصغيرة تظهر محاولة من جانبه لاستحضار سياق بلاط (صلاح الدين)،
فنجده هو وأخته (ستَّ) (الكلمة العربية لـ "سيدة") يلعبان الشطرنج معاً(44)،
والقول بأن (صلاح الدين) كان بحاجة لاقتراض المال من (ناثان)، ربما هو صدى لخزينة
(صلاح الدين) الخاوية، كما هو معروف(45).
(صلاح الدين) والسير (والتر سكوت) (ت 1832)
أثبتت الظاهرة الصليبية أنها كانت مصدراً غنياً للإلهام للخيال الأدبي
والفني، في القرن التاسع عشر في أوروبا. وأسوة بكتاب مشهورين آخرين من القرن التاسع
عشر، مثل: (دزرائيلي) و(مارك توين)(46)، افتتن السير (والتر سكوت) بالحروب الصليبية،
وهي الظاهرة التي استخدمها في أربع روايات له(47)، لتكون خلفية للحكايات الغرائبية،
وكتعبير عن المثاليات النبيلة.
لم يمتلك (سكوت) معلومات مباشرة عن العالم الإسلامي، لكن ذلك لم يمنعه
من الكتابة عن مآثر الصليبيين في الشرق الأوسط. لقد قرأ على نطاق واسع في المصادر الأولية
الأوروبية عن الحروب الصليبية، ولكن هو نفسه يعترف بأن المعلومات التي يمتلكها ثانوية.
فكما يقر في مقدمة روايته (الطلسم) (بتاريخ 1 يوليو 1832)، أي قبل شهرين من وفاته:
أدركت صعوبة إعطاء صورة حية لجزء من العالم، الذي كنت تقريباً غير ملم به تماماً، إلا
من الذكريات المبكرة لألف ليلة وليلة(48). ويواصل (سكوت)، مبدياً ملاحظته بهذا الشأن،
قائلاً: تحت عجز الجهل بالطباع الشرقية، الذي طوقني بغيومه الكثيفة، إحاطة الغيوم بالمصري(49).
في غياب الخبرة المباشرة استعان (سكوت)، في استعادته لشخصية (صلاح الدين)،
مزيجاً من الخيال الاستشراقي، وأساطير الفروسية. والعنصر الأساسي الذي استخدمه (سكوت)،
في تصوير (صلاح الدين)، هو المقارنة بينه وبين (ريتشارد قلب الأسد). فقد وضعت شخصية
(ريتشارد)، الميالة للحرب، "المتوحش السخي، مثال الفروسية، بكل ما فيها من إسراف
الفضائل، والرذائل، التي لا تقل عنها إسرافاً"(50). وتميل كفة المقارنة لصالح
(صلاح الدين). ومع ذلك، فإن هذه المقارنة، المرجحة لـ(صلاح الدين)، إنما صيغت بلغة
التفوق الأوروبي والتعالي تجاه الشرق. في الواقع، "أظهر الملك المسيحي الإنجليزي
كل قسوة السلطان الشرقي، بينما عبر (صلاح الدين)، من ناحية أخرى، عن السياسة العميقة
والحكمة، التي هي من صفات الملك الأوروبي"(51). ويرى (سكوت) هذا "التباين
الفريد"(52) بين الحاكمين، ثيمة أدبية مفيدة لروايته. وهما، فضلاً عن ذلك، سيتنافسان
مع بعضها البعض على التفوق "في الصفات الفروسية، من الشجاعة والسخاء"(53).
في داخل الرواية نفسها، يقتفي (سكوت) التقليد الغربي في العصور الوسطى،
الذي عزا إلى (صلاح الدين الأيوبي) صفات "العدو السخي والباسل"(54)، فظهر
السلطان "طيب القلب مخلص أمين، إن صح أن تطلق هذه الصفات على كافر أعمى البصيرة"(55)،
وبدا (صلاح الدين) في نظر (ريتشارد)، مثالاً لقيم الفروسية الأوروبية: ما أجدرنا...
أن نطبق ذلك على كرم (صلاح الدين)، منذ ذلك الحين، فهو إن يكن وثنياً كما هو، إلا أنني
لم أعرف فارسا مثله يتوفر فيه النبل، ونستطيع أن نركن بأمرنا إلى عدله وكرمه ليقطع
فيه(56).
وتردد (الطلسم) أصداء أخرى من ذخيرة
المواضيع الأوروبية، المرتبطة بـ"أسطورة" (صلاح الدين)، بما في ذلك
رغبة (ريتشارد) بتحويل (صلاح الدين) إلى المسيحية(57)، والمشروع المزعوم لتزويج (صلاح
الدين) بقريبة (ريتشارد)، وهي سيدة من أسرة (بلانتجنت) المالكة، تدعى (ايديث)(58).
وكما جرت العادة، يصور (صلاح الدين الأيوبي) فخماً في عطاياه: تقبض اليد اليمنى للسلطان
على كنوز الشرق، وهذا هو فيض سخائه(59).
وتبلغ الصورة المثالية، التي رسمها (سكوت) لـ(صلاح الدين)، ذروتها الرومانسية،
في لقائه مع (ريتشارد)، وهو الاجتماع الذي عقد مع أروع أبهة واحتفال: وتتمثل، في الحقيقة،
بين ثنايا مظهر (صلاح الدين)، بوادر صورة (رودولف فالنتينو): (الشيخ العربي)******:
ارتدى (صلاح الدين) نوعاً من القناع معلق بعمامته، حجب جانباً من ملامحه النبيلة. وكان
يمتطي جواداً عربياً، أبيضاً، يحمله وكأنه يحس ويفكر براكبه النبيل(60).
وتعانق كلا الحاكمين "كأخوين وندين"(61). ومع ذلك، لا يستطيع
(سكوت) مقاومة الرغبة لإجراء المزيد من المقارنة بينهما. عندما قطع سيف (ريتشارد)،
القوي ذي المقبضين، "في امتحان سليم للقوة"، صولجان من الحديد إلى قطعتين،
رد (صلاح الدين) بأن أخذ السيف ذي، "الشفرة المنحنية والضيقة"، وبحساسية
غير عادية، قطع وسادة الحرير إلى شطرين(62). ولعل من المستغرب، مع ذلك، ونظراً للتهويمات
الخيالية التي أظهرها (سكوت)، في اللقاء المطول بين (ريتشارد) و(صلاح الدين)، أن نجد
أساساً تاريخياً صلباً لكلمات (صلاح الدين) على الصفحة الأخيرة من الرواية، حيث يردد
ما ذكره المصدر العربي المعاصر لـ(صلاح الدين)، والذي فيه السلطان هاتفاً: أنا لا أسلم
لك القدس، الذي تتحرق شوقا للاستيلاء عليه. فهو لنا – كما هو لكم – بلد مقدس(63).
وخلاصة القول، بالتالي، كان (سكوت) ابن زمنه، قد قبض على العناصر الرومانسية
في أسطورة (صلاح الدين). وقد امتلك (صلاح الدين الأيوبي)، بوصفه مثال الفروسية والشهامة،
قلب (سكوت) ومخيلته. ومثل معاصريه، قدّر (سكوت) في اسكتلندا البعيدة، أن الحروب الصليبية
لم تكن ذلك المشروع النبيل، كما يعتقد البعض، وأنه قدم التحية لـ(صلاح الدين) والثقافة
الإسلامية التي مثلها بطله(64).
(صلاح الدين) في الدراسات البحثية في القرن العشرين
ظهرت بعد سنوات عديدة على زمن السير (والتر سكوت)، سلسلة من السير عن
(صلاح الدين الأيوبي)، كتب بعضها متحمسون، مثل: (روزبولت)، وأخرى لمستشرقين غربيين، مثل: (لين بول)، و(هاملتون كب). وقد
حافظ كُتاب مثل هؤلاء على الصورة المتوهجة لـ(صلاح الدين) سليمة لا تشوبها شائبة. لقد
وصف (روزبولت) (صلاح الدين) بأنه "بطل متجذر في أسمى مبادئ الفروسية"(65)،
و"فارس لجميع الأزمنة، كامل في مظهره، كامل في سلوكه؛ عظيم في السخاء والتهذيب
الأخاذ، كما لو أنه قد ولد بالتأكيد ليرتدي الأرجواني"(66). تحدث (لين بول) عن
(صلاح الدين الأيوبي) كـ" رفيق مألوف، وأنيس، يحمل اسماً محبباً"(67)*******
أما (جاكسون)، و(ليونز)، من ناحية أخرى، فلديهما نهج أكثر توازناً، فهما "جردا
(صلاح الدين) من صورته الأسطورية، إلى حد ما، لكنهما لم يضرا بالخطوط العريضة الأساسية
لدوره التاريخي، وسمات شخصيته، وحجم إنجازاته(68). إلا أن الصوت المنشق كان (اهرنكروتز)،
الذي كتب في عام 1972، سيرة مثيرة للجدل عن (صلاح الدين)، حاول فيها إنزال (صلاح الدين)
من عليائه(69). يقول (اهرنكروتز): إن شهرة (صلاح الدين) تأسست نتيجة تحريره (القدس)،
ولولا ذلك لم يكن له أن يتباهى بأي إنجاز بارز. وحتى انتصار (صلاح الدين) الكبير في
(حطين)، بزعم (اهرنكروتز)، سببه الأخطاء التكتيكية الأساسية، من جانب الصليبيين، بدلاً
من التخطيط الإيجابي لـ(صلاح الدين) نفسه. في تلخيصه لدور (صلاح الدين)، يرى (اهرنكروتز)، بسبب المدائح التي
ساقها كتاب السيرة المعاصرين لـ(صلاح الدين)، وهما: (عماد الدين الأصفهاني)، و(ابن
شداد)، "ارتفعت شهرة (صلاح الدين)، بعد وفاته، إلى مستوى العظمة الأسطورية، والقداسة
المبرأة من كل عيب"(70)********.
لماذا (صلاح الدين)؟
ولكن لا تزال هناك مسألة واحدة، يمكن تلخيص ذلك في عبارة: "لماذا
(صلاح الدين الأيوبي)؟" لماذا اجتذب (صلاح الدين)، وليس القادة المسلمين الآخرين،
ممن قاتلوا الصليبيين، لا سيما، (عماد الدين زنكي)، و(نور الدين)، أو (بيبرس)، من اجتذب
مديح الأجيال القادمة؟ يمكن استبعاد (زنكي)،
طالما أن من الواضح أن عملياته تدخل في نطاق سياسة القوة فقط، وأن شخصيته، حتى
في المصادر الإسلامية، تظهر غير جذابة. لكن ابنه (نور الدين)، كان حالة مختلفة تماماً.
فقد حظي بالكثير من الإعجاب والاحترام، في حياته، من جانب المسلمين والمسيحيين على
حد سواء. وقد وصفه (وليم الصوري) بأنه "أمير عادل، وحازم، وحكيم، ومتدين وفقاً
لتقاليد بني جنسه"(71). إن (نور الدين)
كان بحق السلف الحقيقي لـ(صلاح الدين الأيوبي)، فما الذي جعل (صلاح الدين) أكثر الزعماء
المسلمين تكريماً في عيون الغرب؟
ومن الواضح أن (صلاح الدين) كان يمتلك أصدقاء حميمين بين الفرسان الصليبيين،
مثل (باليان ابلين)، وأنه حظى باحترام كبير من قبل (ريتشارد قلب الأسد)، و(ريموند)
صاحب (طرابلس). وإن الكرم الذي أظهره، عقب الانتصار في (حطين)، ومن بعدها في (القدس)،
قد نال إعجاب المصادر الصليبية. وعموماً إن هذه حقائق جلية، تسربت إلى الصورة الأسطورية
اللاحقة، التي أظهرته رجلا متحضرا، شريفا وعطوفا. ولكن هذا لا يفسر لماذا أصبح (صلاح
الدين) أكثر المسلمين شهرة في الغرب، باستثناء النبـي (محمد) نفسه. قد يكون ذلك لأن
(صلاح الدين) هو من استولى على (القدس)، فبات مادة أسطورية. وقد تشوق المسيحيون لاستعادة
السيطرة على المدينة الأعظم قداسة لمدة خمسة قرون.. الآن وبعد أن انتزعوها من أيدي
المسلمين، بفضل جهد فوق طاقة البشر، وتمكنوا من التمسك بها لفترة وجيزة، وقعت بأيدي
لمسلمين مرة أخرى. لقد كان سقوط (القدس) بالتأكيد أمرا لا يمكن أن يتحمله النصارى،
سواء في شرق المتوسط، أو لمن عاد إلى موطنه في الغرب. وكان من الدفاع الطبيعي بالنسبة
لهم، التأكيد بأن الرجل الذي هزمهم لم يكن رجلاً عادي الصفات. الإيمان بأنهم خسروها
أمام خصم استثنائي، وغالباً خارق للمألوف، لا بد أن يكون وسيلة لاحتمال ذل الهزيمة.
وإن عملية من هذا النوع أمر يعرفه علماء النفس.
وأياً كان السبب وراء شهرة (صلاح الدين)، فمن الحق القول إنه لم يحدث
أن تعلقت مخيلة الأوروبيين بشخص مسلم قدر تعلقها بـ(صلاح الدين). إن تفوقه على معاصريه،
من مسلمين ونصارى، أقر به أعداؤه الصليبيون، إبان حياته. وإن صورته، حتى في ظل التعصب
الأعمى للعصور الوسطى، قد بقيت نقية، لا بل أضفي عليها عناصر رومانسية، في وقت كان
فيه موقف أوروبا من الإسلام مزيجاً مؤسفاً من الجهل والعداء.
تعليقات ختامية
إن انبهار أوروبا بـ(صلاح الدين) عميق الجذور. لقد بدأ بعد وفاته عام
1193 بفترة قصيرة، وتواصل منذ ذلك الوقت. بالتأكيد إن نمو أسطورة (صلاح الدين) قد حدث
في الغرب، وليس في الشرق الأوسط، فالصورة التي رسمها له (ليسنغ)، كعنصر من عناصر التنوير
في مسرحيته (ناتان الحكيم)، و(والتر سكوت)، في (الطلسم)، ليست إلا لحظتين بارزتين من
تقليد عريق عن رومانسية (صلاح الدين).
والمفارقة المثيرة للفضول، أن الشرق الأوسط المسلم اكتشف، أو أعاد اكتشاف
(صلاح الدين)، بتاريخ متأخر نسبياً، وعبر طريق دائري، إذ عرف المسلمون عن هذا البطل،
في القرن التاسع عشر، ومع حلول عصر الاستعمار، عندما قام النصارى العرب بترجمة الكتابات
الأوروبية عن الحروب الصليبية، وعادوا فأخبروا بني قومهم من المسلمين عن مآثر (صلاح
الدين). فأقبل عليه العالم الإسلامي. وبالنتيجة أعاد صياغة صورته بهيئة البطل الكاريزمي،
الذي سوف يوحد الشرق الأوسط ضد قوى العدوان الخارجي. وتطلع العديد من الزعماء العرب
في العصر الحديث لأن يكونوا (صلاح الدين) جديدا.
المعلومات النشرية لهذا البحث هي:
Carole Hillenbrand, "The Evolution of the Legend of Saladin
in the West" Mélanges de l'Université Saint-Joseph 58 (2005).
---------------
- كارول هيلينبراند: مستشرقة بريطانية متخصصة في دراسة المصادر العربية
في زمن الحروب الصليبية، حصلت على الدكتوراه عام 1979 بأطروحة عن تاريخ ابن الأزرق
الفارقي، وأصبحت أستاذة للتاريخ الإسلامي في (جامعة أدنبرة) بأسكتلندا في عام
2000. لديها مؤلفات متعددة في مجالات التاريخ الإسلامي. حصلت في عام 2005 على (جائزة
الملك فيصل) عن كتابها (الحروب الصليبية من منظور إسلامي)، وكانت أول شخص غير مسلم
يحصل على هذه الجائزة.
---------------
- الهوامش التي تحمل العلامة (*) هي للمترجم، بينما الهوامش التي تتصدرها
أرقام فهي للمؤلفة.
الهوامش والتعليقات:
(1) قامت الباحثة بترجمة النصوص الأصلية بنفسها، ولم تستند إلى الترجمات
الإنكليزية المتوفرة.
(*) من الثابت أن (وليم) كان مرشحاً لتولي بطريركية القدس، لكن الملكة
الصليبية فضلت عليه شاباً وسيماً هو أسقف قيسارية، مما أثار استياء (وليم) ومغادرته
المملكة، متوقعاً خرابها على أيدي (صلاح الدين).
(2) WILLIAM OF TYRE (1844),
Historia Rerum in Partibus Transmarinis Gestarum, éd. BEUGNOT A. et LANGLOIS
A., 2 vol., (Recueil des Historiens des Croisades, Historiens Occidentaux, 1)
Imprimerie Royale, Paris, p. 958.
(3) Ibid.,p.958.
(4) Ibid.
(5) Ibid.,1016.
(**) من
فرط المكانة والشهرة التي حازها (وليم الصوري) في الغرب، حملت المؤلفات التي كتبت بعده
تسمية الذيل أو المذيل على تاريخه.
(***) باليان ابلين هو أحد القادة الصليبيين، وتولى الدفاع عن القدس عندما
حاصرها (صلاح الدين)، وفاوضه على شروط تسليم المدينة. وكان سائسه (أرنول) شاهداً على
عملية الحصار، وعلى كرم (صلاح الدين)، وسماحته، التي أذهلت الصليبيين.
(6) DE MAS LATRIE L. (ed.)
(1871), Chronique dʼErnoul et de Bernard le Trésorier, Renouard, Paris.
(7) DE MAS LATRIE, Chronique dʼErnoul et de Bernard
le Trésorier, p. 230.
(8) Ibid., p. 293.
(9) PHILLIPS J. (2002), The Crusades, 1095-1197, Harlow
– Longman, London/ New York, p. 150.
(10) JUBB M. A. (ed.) (1990), A Critical Edition of
the “Estoires dʼOutremer et de la naissance Salehadin”,
(WestfieldPublicationsinMedievalStudies,4) Queen Mary and Westfield College –
University of London ,London
(11) JUBB, A Critical Edition of the “Estoires
dʼOutremer”, p. 88-9: “Courtois Turc Salehadin, ki tant fu preus et sages”.
(12) Ibid., p. 59-89
(13) Ibid., p. 137-40, 148-52, 157-62, 172-4.
(14) Ibid., p. 109-14.
(15) Ibid., p. 110: “Vous mʼensaigniés comment on
fait chevalier a la loi crestienne et ke vous le me mostrés”.
(16) Ibid., p. 235.
(17) Ibid.
(18) DE WAILLY N. (ed.) (1876), Chronique de Rains.
Récits dʼun ménestrel de Reims au treizième siècle, (Société de lʼHistoire de
France, 179) Renouard, Paris.
نوقش هذا العمل في الكتاب الآتي:
LANE-POOLE S. (1898), Saladin and the Fall of the Kingdom of
Jerusalem, G. P. Putnamʼs Sons, New York/ London, p. 380-2
(****)
سبق لمترجم هذا الكتاب أن نشر بحثاً بعنوان: (صلاح الدين في القصص الرومانسية الفرنسية
والإنكليزية) العدد 8، عام 1996 في مجلة مركز الوثائق والدراسات في (جامعة قطر)، تناول
فيه بالتفصيل القصص المتعلقة بجوال مدينة ريمس.
(19) يحتج محقق الكتاب بأن المؤلف قد يكون من السلك الكهنوتي، ويحدد تاريخه
تقريباً 1220 قارن:
BUSBY K. (ed.) (tr.) (1983), Raoul de Hodenc, Le Roman des Eles.
The Anonymous Ordène de Chevalerie, Jean
Benjamin's Publishing Company, Amsterdam/ Philadelphia, p. 86-7.
(20)BUSBY, Raoul de Hodenc, Le Roman des Eles, p.
105: “(D)ʼun roi quʼen terre paienie, Fu jadis de grant seignorie, Et fu molt
loiaus Sarrasins”, and p. 170.
(21) لمناقشة
الهوية المحتملة للمؤلف، انظر: المصدر السابق، ص 86.
(22) Ibid.,
p. 106,”.
(23) قارن
ص74 من هذه المقالة.
(24) للاطلاع على المناقشة الكاملة لهذا، راجع:
PARIS G. (1893), “La légende de Saladin”, Journal des Savants,
May, p. 284-99, especially p. 289.
(25) (آسين
بالاسيوس) يتخذ موقفاً سلبياً من صورة (صلاح الدين) لدى (دانتي)، والمكان الرفيع الذي
اختاره له في الجحيم: "لا الخلال العسكرية، ولا شهامة (صلاح الدين الأيوبي)، عدت
من الفضائل الطبيعية في حد ذاتها، لتبرير إعفائه من العقوبة الأبدية، لرجل أوقع مثل
هذا الأذى البلغ بدين المسيح".
ASÌN PALACIOS M. (1968), Islam and the Divine
Comedy, tr. SHUTERLAND H., Cassel, London, p. 262.
(26) DANTE, La Divina Commedia, annotated by MALAGOLI
L., 3 vol., La Prora, Milan [1961-1962], vol. 1: Inferno, canto 4, 54.
(27) ibid., 53.
(28) Ibid., canto 28, 355-6.
(*****)
(دي كاميرون) هي من أمهات الأعمال القصصية الأوروبية التي أسست لعصر النهضة، كتبها
الإنساني (بوكاشيو). وتتضمن مجموعة من 100 قصة، رويت على لسان عشرة شباب وشابات، فروا
من (فلورنسا) بسبب الطاعون، والتجأوا إلى فيلا خارجها، ولتزجية الوقت The Renaissance قص كل منهم عشر قصص، وأهميتها أنها أسست للأدب الإنساني، الذي كان عماد
النهضة الأوروبية.
(29) BOCCACCIO G., Decameron, ed. MARTI M., 2 vol.,
Rizzoli, Milan, [1974], p. 44-7.
(30) Ibid., p. 47.
(31) Ibid., p. 707.
(32) Ibid., p. 709.
(33) Ibid.
(34) BOCCACCIO G., Decameron, ed. MARTI, p. 713.
(35) Ibid., p. 714.
(36) LESSING G. E. (1988), Nathan der Weise, ed. HILL
D., (New German Studies Texts & Monographs, 9) University of Hull, Hull.
(37) Ibid., p. 117-8: “Was für ein Glaube, was für
ein Gesetz hat dir am meisten eingeleuchtet?”
(38) LESSING, Nathan der Weise, ed. HILL, p. 118:
“Kann wohl sein, dass ich der erste Sultan bin, der eine solche Grille hat.”
(39) Ibid., p. 124.
(40) Ibid., p. 99.
(41) Ibid.
(42) للأدلة
من المصادر الإسلامية، ينظر:
HILLENBRAND C. (1999), The Crusades: Islamic Perspectives,
Routledge, Edinburgh, p. 421, n. 23-6.
(43) وفقاً
لـ(باربر) نحن لا نعرف السبب الذي جعله "الفارس الوحيد الذي أبقي على حياته بعد
حطين". ويمضي (باربر) لتعليل ذلك بسبب أن (صلاح الدين) قد أدرك قيمته كصفقة للمبادلة.
BARBER M. (1994), The New Knighthood. A History of the Order of
the Temple, Cambridge University Press, Cambridge, p. 116.
(44) LESSING, Nathan der Weise, ed. HILL, p. 79.
(45) Ibid., p. 89:
لم نستطع الحصول على مستلزمات جنازته، على رخصها، إلا من خلال اقتراض
المال
”. See IBN SHADDĀD Bahāʼu
al-Dīn Abū al-Ma˛āsin (2001), The Rare and Excellent History of Saladin or
Al-nawādir al-sultāniyya wa qa-ma˛āsin al-Yūsufiyya, tr. RICHARDS D. S.,
Ashgate, Burlington, p. 244.
(46) كتب
دزرائيلي كتاب (تانكرد الصليبي الجديد) في عام 1847، وزار الروائي (مارك توين) أرض
(معركة حطين)، وكتب كتاب (أبرياء في الخارج) عام 1869.
(47) Ivanhoe
(1819), The Talisman and The Betrothed (1825) and Count Robert of Paris (1831);
for an extended discussion) of Scott and the Crusades cf. SIBERRY E. (2000),
The New Crusaders. Images of the Crusades in the 19th and early 20th centuries,
Ashgate, Aldershot, p. 112-30.
(48) SCOTT W. (n.d.), The Talisman, London and
Glasgow, p. 3.
(49) Ibid.
(50) Ibid., p. 4
(51) Ibid., p. 4-5
(52) Ibid., p. 5
(53) SCOTT, The Talisman.
(54) Ibid., p. 115.
(55) Ibid., p. 117.
(56) Ibid., p. 387.
(57) Ibid., p. 131.
(58) Ibid., p. 228-9;450-1.
(59) Ibid., p. 231.
(******)
لعل القارئ على دراية بالصورة الهوليودية المبكرة لشخصية الشيخ العربي الرومانسية،
التي مثلها الفنان (رودلف فالنتينو) في العشرينات في فلميه: (الشيخ)1921، و(ابن الشيخ)
1926 .
(60) Ibid.491.
(61) Ibid.
(62) Ibid., p. 422-4
(63) SCOTT, The Talisman, p. 461.
(64) يقتبس
(سيبيري) آراء (إدوارد دانييل كلارك)، الذي يعجب بالمسلمين: "إن الاهتمام الواجب
للتاريخ يظهر أن السراسين، كما كان يطلق عليهم، كانوا في الواقع أكثر استنارة من غزاتهم".
انظر:
CLARKE E. D. (1812), Travels in Various Countries of Europe, Asia
and Africa, printed for T. Cadell and W. Davis, London,
منقولاً عن:
SIBERRY E. (1995), “Images of the Crusades in the Nineteenth and
Twentieth Centuries”, in RILEY-SMITH J. (ed.), The Oxford Illustrated History
of the Crusades, Oxford University Press, Oxford, p. 366
(65) ROSEBAULT C. J. (1930), Saladin Prince of
Chivalry, Cassel, London, p. xiii.
(66) Ibid., p. xi-xii.
(67) LANE-POOLE, Saladin and the Fall of the Kingdom
of Jerusalem, p. iii. See also ALI T. (1998), The Book of Saladin, Verso,
London and New York.
(*******)
يقصد (لين بول) استخدام الأوروبيين صيغة (Saladin) لـ(صلاح
الدين) لتقربه إلى القارئ الأوروبي، وتواصل استخدام هذه الصيغة حتى الآن.
(68) LYONS
M. C. and JACKSON D. E. P. (1995), Saladin: The Politics of the Holy War,
Cambridge University Press, Cambridge
(69) EHRENKREUTZ A. S. (1972), Saladin, State Univ.
of NY Press, Albany.
(70) EHRENKREUTZ, Saladin, p. 238.
(********)
لم تذكر الباحثة شيئاً عن النقد الذي وجهه الكتاب الغربيون لـ(اهرنكروتز)، ومن بينهم
المؤرخ الشهير (ستيفن رنسيمان)، هذا النقد الذي لخصه المستشرق (بيتر هولت) بأن (اهرنكروتز)
لم يسد الحاجة إلى سيرة لـ(صلاح الدين)، هذا النقص الذي سعى لتغطيته كل من (مالكولم
ليونز) و(ديفيد جاكسون)، في سيرتهما المشار إليها أعلاه.
(71) WILLIAM
OF TYRE, Historia Rerum in Partibus Transmarinis Gestarum, p. 1000.
(*********)
كلام الباحثة لا أساس له من الصحة، فقد بقيت شخصية (صلاح الدين) حية في نفوس المسلمين،
منذ أيام الحروب الصليبية، وحتى الوقت الحاضر، والأمثلة على ذلك أكبر من أن تحصى. وما
أغفلت الباحثة أن إحياء شخصية (صلاح الدين) في العالم الإسلامي كان مرتبطاً بحقبة الاستعمار
الأوروبي، الذي كان يبعث دائماً ذكرى الغزو الأوروبي في العصور الوسطى، والذي كان
(صلاح الدين) أحد أبرز من تصدى له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق