صلاح سعيد أمين
لسنا بحاجة إلى أدلة ملموسة لكي نثبت أن كل ما جرى تحت اسم (المصالحة
الوطنية)، بعد الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003، أي طوال العقد الماضي، لم يضف شيئاً
باتجاهها، بل بقي الوضع المأزوم بين المكونات المتناحرة، وباختصار زاد الطين بلة، وإن
كان هناك من يشك في حقيقة ذلك، فليتابع ما يُقال اليوم بعد تشكيل الكابينة الحكومية
الجديدة، برئاسة الدكتور (حيدر العبادي)، عن محاولات باتجاه تحقيق (المصالحة الوطنية).
وهناك دليل على أن ما جرى في السابق، تحت هذا العنوان، لم يثمر شيئاً، ولم يكن سوى
تبادل للقبلات، والجلوس على موائد دسمة، على حساب المال العام.
وبعد محاولات ومبادرات فاشلة باتجاه تحقيق الوئام بين المكونات المتنازعة،
يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار أن فشل المحاولات السابقة، لتسوية المشكلات العالقة بين
الفرقاء المختلفين، وربما الاعتماد على مشاركة رمزية، أو غير شاملة، لكافة ممثلي طائفة
معينة في (العراق)، أصبح قياساًكافياً للمشرفين على مبادرات (المصالحة الوطنية) في
السابق. وينبغي التركيز بدقة على كل من عارض العملية السياسية، واختار مساراً آخر،
بما فيه اللجوء إلى العمل المسلح ضد الحكومة في (بغداد). وليس من مهام (المصالحة الوطنية)
أن تجتمع بالمشاركين في العملية السياسية على مائدة واحدة، وتنتهي ببلاغ مشترك بينهم،
بل المهمة الرئيسة لأي مبادرة من هذا النوع، هو أنها يجب أن تنبع من عمق الأزمة، وتدق
أبواب كل الفصائل المعارضة للعملية السياسية، وتستمع بجد وإخلاص إلى كل من أجبر على
اختيار مقاطعة العملية السياسية، إذ لا يُعقل أن يختار المواطن التمرد على السلطة،
والعصيان على من يحكمون بلاده، دون ذرائع معقولة. ومن مهام (المصالحة الوطنية) الحقيقية
أيضاً، أن تزيل كل الأسباب التي أدت الى التنازع والتناحر والتباعد بين المكونات المختلفة،
قبل أن ترسل دعوة المشاركة لأشخاص معينين من طائفة معينة، ربما يكونون موالين للحكومة،
وبالتالي فإن مشاركتهم لن تغير شيئاً من المعادلة. وعلى المشرفين على مثل هذه المبادرة،
أن يعلموا جيداً أن المصالحة لا تؤتي ثمارها في غياب أي حزب سياسي أو عشيرة أو مجموعة،
حتى داخل مكون واحد، وليست بالعملية الصعبة أن تجري محاولات للاتصال المباشر بكل من
هو خارج العملية السياسية، وأن تفتح قنوات الحوار المباشر مع المجموعات المسلحة، من
أجل تحقيق المصالحة.
نحن لا ننظر إلى (المصالحة الوطنية) باعتبارها العصا السحرية لحل المشكلات
العالقة بين المكونات المختلفة، ولكننا نعلم أيضاً أنها ستقلل من مساحات الاختلاف والنزاع
بين الفرقاء المتنازعين، وستوسع مساحات العيش المشترك والوئام بينهم، وهذا ما نؤمن
به، ونأمل أن يتحقق في العراق عاجلاً لا آجلاً.. إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق