د. فرست مرعي
مقدمة
كانت (سوريا)
واقعة ضمن أراضي دولة الخلافة العثمانية، وعندما دخلت الأخيرة مع شركائها: دول
المحور (ألمانيا، وحلفائها)، الحرب ضد دول الحلفاء: (بريطانيا، وفرنسا، وروسيا)،
فإنها خسرت الحرب. وكان من نتائجها، أن حدّد مصير ولاية (سوريا)، كغيرها من ولايات
الدولة العثمانية، بموجب اتفاقية (سايكس بيكو)، عام 1916م، التي قسّمت أراضي
الدولة العثمانية (البلاد العربية، وكوردستان، تحديداً) بين الدول المتحالفة
المنتصرة (بريطانيا، وفرنسا، وروسيا).
وكان
الثوار العرب، بقيادة نجلي الشريف حسين: (عبدالله، وفيصل)، قد تعاونوا مع الجيش
البريطاني، في الحرب العالمية الأولى، ضد الدولة العثمانية، بناء على اتفاقية (الشريف
حسين) مع المندوب السياسي البريطاني في مصر: (هنري مكماهون)، ابتداءً من شهر
حزيران عام 1916م، انطلاقاً من (مكة) المكرّمة.
وكان هذا
الدعم العربي! أحد أسباب سقوط (فلسطين) بيد المحتل البريطاني عام 1917م، بقيادة
المارشال البريطاني (اللنبـي)، ومن ثم إصدار (وعد بلفور)، بواسطة وزير خارجية
بريطانيا (=آرثر بلفور) الخاص بتسليم فلسطين إلى اليهود. وبهذه الطريقة تمكّن
الثوار العرب من تحرير (دمشق) من العثمانيين، بحلول عام 1918م، وأنشأت أول حكومة
عربية في (دمشق)، عام 1918م، بزعامة الأمير (فيصل بن الحسين).
نبذة تاريخية
كانت (بريطانيا) قد استطاعت، بذكاء دبلوماسييها،
أن تخدع (فرنسا)، عندما سلّمتها ولاية الموصل (=كوردستان الجنوبية – العراق) إليها
(= بريطانيا) مقابل حصة للنفط لها في الشركة الألمانية. وهذا ما أدى إلى تصغير هام
لمنطقة النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط، حسب رأي أحد الباحثين الفرنسيين.
لذلك طلب الفرنسيون من الملك (فيصل بن الحسين)،
وحكومته، تسليم السلطة فوراً إلى الحكومة الفرنسية، طبقاً لاتفاقية (سايكس – بيكو)
سيئة الصيت. وعندما رفض الملك (فيصل) ذلك، تقدّمت الجيوش الفرنسية من (بيروت)،
بقيادة الجنرال (غورو)، وتمكّنت من احتلال (دمشق)، في شهر تموز 1920م، بعد أن
استشهد ( يوسف العظمة)، وزير دفاع حكومة الملك فيصل، على أبواب (دمشق)، وهرب الملك
(فيصل)، وأركان حكومته، ملتجئين إلى حليفهم الإنكليزي .
وحاولت
الدبلوماسية الفرنسية، منذ خريف 1920م، فكرة إعادة النظر بـ(معاهدة سيفر) (=1920م
التي اعترفت بحق الكورد في إنشاء كيان سياسي)، في مصلحة (تركيا). حيث عقدت (اتفاقية
أنقرة)، 1921 في 11 آذار، التي أبرمتها سلطات الانتداب الفرنسي، ممثلة بـ(هنري
فرانكلان)، مع (كمال يوسف)، وزير خارجية تركيا آنذاك، ينص على تحريك الحدود
التركية - السورية جنوباً، على مستوى خط سكة حديد بغداد تماماً، والتخلي لـ(تركيا)
عن مدن: كليس، وبيردجيك، وأورفا، وعينتاب، مقابل الحصول على مصالح اقتصادية.
ولم يبق
تابعاً لـ(سوريا)، من إقليم (كيليكيا)، سوى سنجق (الأسكندرونة)، وقد تعهدت (فرنسا)
بـ"إقامة نظام إداري خاص فيه"، نظراً لوجود أقلية تركية كبيرة. وقد
سلمته فيما بعد إلى (تركيا)، عام 1939م، نظير دعمها لـ(فرنسا) في المحافل الدولية.
وبموجبها تمّ إلحاق ثلاث مناطق كردية بـ(سوريا)،
وهذه المناطق هي: الجزيرة العليا(=محافظة الحسكة)، وكورد داغ (=محافظة حلب)، وعين
العرب- كوباني(= القريبة من مدينة جرابلس- محافظة حلب).
ولما كانت سورية من حصة المستعمر الفرنسي، أصبح
السكان الكورد خاضعين للانتداب الفرنسي في ثلاث مناطق ضيقة، ومنفصلة عن بعضها، على
طول الحدود التركية. لذلك لا يمكن الكلام عن (كوردستان سورية)، بل عن (مناطق كوردية
في سوريا). بيد أن هذه الأراضي الكوردية الحبيسة، تشكّل امتداداً طبيعياً لكوردستان
التركية، والعراقية، طبقاً للباحث الفرنسي(جوردي غورغاس)، في كتابه (الحركة الكوردية
في المنفى).
الأولى،
في الجزيرة العليا، بين نهر دجلة، والضفاف الغربية لحوض الخابور، طولها 250 كم،
وعرضها في بعض الأمكنة 30 كم. وهي شمال سهل الجزيرة، ويحدّها (جبل نور الدين)، وفي
الجنوب مرتفعات (جبل عبد العزيز). وسلسلة الجبال الوحيدة، التي تغيّر هذا المنظر
الرتيب، هي (قراجوج داغ) (769) متراً، الممتدة غرباً، من (ليلك داغ)(710). وهذه
المنطقة سمّاها المستعمر الفرنسي بـ(منقار البط) السوري، وهي منطقة زراعية
بامتياز، فضلاً أنها تنتج كامل النفط السوري، منذ عام 1956م.
الثانية،
على ضفاف الفرات، طولها ستون كم، وعرضها أربعون كم.
الثالثة،
في (كورد داغ) (جبل الأكراد)، وفي (ليجي)، غرب حلب، طولها أربعون
كم، وعرضها أكثر قليلاً، وهي منطقة جبلية، يبلغ ارتفاع بعضها إلى 1200متراً. ويتصل
(كورد داغ)، من جهة الشمال، بالسلسلة المقابلة لـ(جبال طوروس)، في كوردستان تركيا،
وهذه المنطقة هي الأكثر اكتظاظاً بالسكان، في المناطق الكوردية الثلاث في شمال (سوريا).
لقد قدّر
للجزيرة الفراتية (=شمال شرق سوريا) أن تكون ساحة التوتر العربي- الكوردي
الرئيسية. فقبل الحرب العالمية الأولى، كانت الجزيرة خالية إلى حد بعيد، والحياة
لم تكن آمنة. فكانت هناك قبائل رعوية، كوردية، موسمية، منذ قرون، وبشكل خاص
اتحادات قبائل (ملان) و(ميران) الكورديتان.
كانتا تقضيان فصل الشتاء البارد في سهول الجزيرة، قبل أن تصعدان إلى سفوج الجبال
الكوردية (=زوزان)، في كوردستان تركيا، في الصيف. بينما كانت قبيلة (شمّر) العربية
(=كانت قبيلة مللي الكوردية تدفع لها الأتاوة) تشغل هذه الأراضي في أشهر الصيف،
فيما كانت قبيلة (طي) العربية، تشغل
مساحات أخرى من أرض الجزيرة. وقد مددت مواطنها إلى شمال الجزيرة، بسب قيظ
الصحراء.
وبناءً عليه، كانت المنطقة مشتركة بين نظامين
رعويين، موسميين: كوردي وعربي. وقد شهدت هذه المنطقة، في أواخر القرن التاسع عشر، هجرة
بعض القبائل الكوردية إليها، تاركة مراعيها في كوردستان تركيا وراءها، من أجل الزراعة
والاستقرار في إقليم الجزيرة، بسبب خصوبة أراضيه. لذلك - بنهاية الحرب العالمية الأولى-
فإن عدد الكورد كان يفوق عدد العرب بقليل، ولكن اعتباراً من عام 1920م، فصاعداً،
وصل الكثير من الكورد القبليين، هرباً من القوات التركية، وبشكل خاص في أعقاب ثورة
عام 1925م. قدّرها أحد الباحثين، بحوالي (25) ألفاً. وهذا ما أدى إلى زيادة التواجد الكوردي فيها بصورة
ملحوظة .
في الوقت
نفسه، وصلت أعداد أكبر من المسيحيين، من: الأرمن، والسريان، والكلدان، بل وحتى الأرثوذكسيين
الشرقيين، إلى (منطقة الجزيرة)، هاربين من تركيا، بسبب تعاونهم مع دول الحلفاء
الغربيين ضد الدولة العثمانية. وفي عام 1933م، وفي أعقاب المشكلة الآثورية في
العراق، طلب 8000 نسطوري- آشوري اللجوء من العراق إلى (سوريا)، واستقرت غالبيتهم
في وادي الخابور في الجزيرة الفراتية.
لقد
تجمعت الآن عوامل عديدة، لتجعل من الجزيرة الفراتية منطقة معقدة ومضطربة، فبُعْدها
عن الداخل السوري، والهجرات الكثيرة إليها، من مختلف الأعراق والطوائف، عقّد
تركيبتها الإثنية، مع عدم انشغالها بالدول السورية الجديدة: (دولة العلويين، والدروز،
والسنّة في دمشق وحلب)، التي أقامها الفرنسيون، من أجل تشتيت الأغلبية العربية
السنية، وهو ما جعل الاندماج صعباً بين هذه المكوّنات، لذلك استمرت هجرة القبائل
الكوردية إليها، عبر الحدود، من أجل الانتقام من تركيا.
في عام
1937م وصف التقرير السنوي الفرنسي، المقدّم إلى عصبة الأمم، سكان الجزيرة الفراتية،
وفقاً لما يلي:
42.000
من العرب المسلمين، أغلبهم كانوا رعاة، بشكل رئيسي، مع أقليّة متزايدة من
المتمركزين في القرى.
82.000
من الكورد، وكلهم قرويون تقريباً.
32.000
من المسيحيين، سكان مدن، بالدرجة الأولى، يعملون في مختلف صنوف التجارة والأعمال،
في (القامشلي)، و(الحسكة)، ومراكز صغيرة أخرى.
لم تشكّل
أيّ من هذه الجماعات وحدة متكاملة. وبحسب المستشرق اللبناني – البريطاني: (ألبرت
حوراني)، بعد عقد من ذلك: فإن" الجزيرة المقسّمة بين عدد كبير من الشعوب
والطوائف، والتي لا يستطيع أي واحد فرض سيطرته على البقية، والافتقار إلى عناصر
الاستقرار، التي لا يستطيع توفيرها إلا المستقرون منذ وقت طويل، تمثّل مشكلة معقدة،
والتي يزيدها حدّة عدّة عوامل: التوتر بين المسلمين والمسيحيين من جهة، وبين الكورد
والعرب من جهة أخرى، بالإضافة إلى العداوة الدائمة بين البدو والحضر، وتأثير رجال الدين المسيحيين،
والبعثات الدينية الفرنسية (=الدومنيكان، وغيرهم)، بشكل خاص، وتدخل تركيا عبر
الحدود".
حتى
أواسط الثلاثينات، كان القوميون العرب السوريون مشغولين بقضايا أخرى، ولم تكن
الجزيرة موضع اهتمامهم. كذلك كان للضباط الفرنسيين المحليين يد في استغلال
إلاقليمية، وتشجيعها، وخلال عام 1933م بدأ المسيحيون في (الحسكة) يثيرون مسألة
مزيد من (الحكم الذاتي).
وفي أيلول
1938م، عقد مؤتمر الجزيرة العام، برئاسة (حاجو آغا)(أحد قياديي منظمة خويبون)،
الذي ناشد (فرنسا) إعطاءه حكماً ذاتياً تاماً. وقد وعده المندوب السامي الفرنسي،
بنظام خاص للجزيرة. وبالفعل، وفي السنة التالية 1939م، فصلت الجزيرة، بأغلبيتها
الكوردية (=مثل جبل الدروز في جنوبي (سوريا)، و(اللاذقية)، بعلوييها، في المناطق
النائية عن أراضي (سوريا)، ذات الأغلبية العربية السنية، ووضعت تحت السيطرة
الفرنسية المباشرة.
وفي (دمشق)،
نشر العضو البارز في منظمة (خويبون-الاستقلال): الأمير (جلادت عالي بدرخان) - وهو
منفيّ من العائلة الأميرية، التي حكمت لفترة ما (إمارة بوطان)(=المنطقة المتمّركزة
في (جزيرة ابن عمر)، داخل الأراضي التركية)- مجلة (هاوار – النداء)، باللهجة
الكرمانجية، في شهر مايو/أيار عام 1932م. وطوّر استعمال الأبجدية اللاتينية، على
غرار الأبجدية التركية الجديدة، التي وضعها (أتاتورك)، باعتبارها أكثرَ مناسبةٍ للغةٍ
هندو – أوروبية، كالكوردية.
وعلى السياق نفسه، قامت المنظمات والأحزاب الكوردية
بفتح دورات سرّية لتعليم اللغة الكوردية، قراءة وكتابة، بالحروف اللاتينية، أسوة بأكراد
تركيا، الأكثر ملاءمة مع اللغة الكوردية. يدعم ذلك قول الباحث الفرنسي الدومنيكاني
(توماس بوا):" إن الكتابة باللاتينية، التي تطمح بأن تصبح شاملة، تشجّع
التبادل الثقافي والتقني والتجاري، كما يصير بإمكان الشرقيين تعلم اللغات الغربية
بسهولة، لينضموا إلى ركب العالم المتمدن. وبالمقابل يصير في وسع الغربيين تعلم
اللغة الكوردية بسهولة". بينما يقول باحث فرنسي آخر (بيير روندو): "أن
واقع اختيار المثقفين الأكراد للأحرف اللاتينية، جعلهم يبتعدون عن الأوساط
الثقافية العربية والإيرانية... ليتموضعوا بوضوح في حقل علماني". وبالمقابل
دافع البعض، من مؤيدي آل بدرخان، من الملالي والشيوخ، المنخرطين في القضية القومية،
مثل: الشيخ (عبدالرحمن غريزي)، عن ألفباء آل بدرخان، بقوله: "لم ينّزل الله
علينا تعاليمه بأحرف وصور، بل بالكلام". فقرّر الأخوان (جلادت بدرخان)، و(كاميران
بدرخان)، عقب ذلك - رغم ميولهما العلمانية- ترجمة القرآن الكريم بأحرف لاتينية.
وقد
أثارت الألفباء الكوردية، التي وضعت في (سوريا)، ردّات فعل متنوعة، ليس في العراق
وحده، فالقوميون العرب رأوا في مسار اللَتننة اتجاهاً خطيراً، لا سيّما تلك التي
بدأها العقيد الكوردي العراقي (توفيق وهبـي)، في العراق، بالتعاون مع المستشار
البريطاني (أدموندز). أما الفرنسيون، فقد داوموا على تشجيع آل بدرخان على اللتننة،
من خلال المستشرق والضابط الفرنسي (روجيه لسكوت)، بوصفها مظهر تقدّم ومدنية، وذلك
حتى نهاية الانتداب عام 1946م.
في
الجانب الكوردي، رأى المنضوين تحت راية (خويبون)، والحلقات القريبة منه، في هذه
العملية، خطوة إلى الأمام على طريق التقدم. في حين أثارت الأوساط الإسلامية
المحافظة، أحكامها المسبقة ضد هذا التغيير، الذي رأته مساساً بالقرآن الكريم،
وبالدين الإسلامي، وبوحدة المجتمع الإسلامي.
وفي
الوقت الحاضر، فإن النخبة الثقافية الكوردية، وغالبية قيادات وكوادر الأحزاب الكوردية
العلمانية، في جميع أجزاء كوردستان، يكنّون احتراماً وتقديراً لآل بدرخان، على ما
بذلوا من جهود في خدمة القضية الكوردية، من النواحي السياسية والثقافية، وبأنهم
كانوا الرواد نحو نقل المجتمع الكوردي إلى مضمار التقدم والمدنية والحداثة.
استقلال (سوريا)
في عام 1946م نالت (سوريا) استقلالها من المستعمر
الفرنسي، وأصبح بلداً مستقلاً، بعد أن كان الفرنسيون قد مزقوه إلى عدة دويلات. وقد
ساند العديد من الكورد الدمشقيين، والحلبيين، الحكومة العربية الجديدة، ولكن
التململ ساد بعض الأطراف الدرزية، والكوردية، في أقصى جنوبي البلاد، وشمال شرقييها،
على التوالي. وبهذا الصدد يذكر المؤرخ البريطاني (ديفيد مكدول)، في كتابه (تاريخ
الأكراد الحديث/ الصفحة 699-700): "ومن الواضح أن البدرخانيين لم يتخلوا عن
توقهم إلى الاستقلال الكوردي. فبينما تورطت سورية العربية في الحرب العربية - الإسرائيلية
الأولى، عام1948، كان (كاميران عالي بدرخان)، شقيق (جلادت)، في (باريس)، كممثل
للحركة القومية الكوردية في أوروبا. ولكنه كان في قائمة من يتقاضون رواتب من
الاستخبارات الإسرائيلية. في تموز 1948 أرسله الإسرائيليون إلى ما وراء (الأردن) و(سورية)
و(لبنان)، بقصد معرفة كيفية إعاقة الجهود الحربية للدول العربية. فرّد بتقرير
جوابي، مقترحاً أن تساعد (إسرائيل) تنظيم انتفاضة من الأقليّات الساخطة، بمن فيهم
الكورد. لم تسفر هذه المقترحات عن شيء، إذ كانت (إسرائيل) مشغولة جداً عن تخصيص
موارد لخطط (بدرخان). ولكن ربما تكون الاستخبارات السورية قد سمعت بتقرّبه من الإسرائيليين.
هذا يشرح بالتأكيد خوف (سوريا) المتزايد من أن الجالية السورية (=كورد سوريا) غير
جديرة بالثقة، وأنها قد تتحول إلى (حصان طروادة).
بعد
استقلال (سوريا)، عام 1946م، وفي الفترة التي سادت فيها الديمقراطية في الحياة
السياسية في (سوريا)، لم يكن هناك تمييز قومي واسع تجاه الكورد. وقد ساهم الشعب
الكوردي، بشكل واسع، في بناء (سوريا). وفي (دمشق) ذاتها، كان الكورد يلعبون دوراً
سياسياً واجتماعياً هاماً. غير أنه مع بدء مرحلة الانقلابات، ومجيء الديكتاتوريات،
وتحديداً منذ الوحدة المصرية السورية، أصبح الكورد يتعرضون للاضطهاد القومي بشكل
واسع، وأصبح هناك تمايز قومي شديد.
وفي
النصف الثاني من الخمسينيات، اجتاحت الحماسة القومية العربية كل العالم العربي،
التي ألهمها صعود (عبد الناصر) إلى سدّة الحكم في (مصر). وقد ولّدت شعوراً مفعماً
بالأمل، والقوة، من خلال وحدة عربية شاملة، من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.
لذا بدأت الأقليات غير العربية تشعر بالقلق. ففي عام 1975م، وفي حادثة خطيرة، يبدو
أن الحقد القومي وراءها، قضى 250 فتى من طلاب المدارس نحبهم، في حريق متعّمد
لسينما مدينة (عامودا)، ذات الأغلبية الكوردية، في شمال (سوريا). كما أن التسامح
الكبير مع المطبوعات الكوردية، منذ عام 1946م، قد مُنع في عام 1958م. في تلك السنة
شكّلت (سوريا) اتحاداً مع (مصر)، باسم (الجمهورية العربية المتحدة). ولكن احتكار (مصر)
للسلطة، دفع السوريين للانفصال عن (مصر)، في عام 1961م.
وكان (الحزب
الديمقراطي الكوردي)، السوريّ، الذي تشكّل قبل أشهر من الوحدة المصرية – السورية،
دعا في برنامجه إلى الاعتراف بالكورد كقومية متميزة، وبحقوقهم الثقافية، وإلى
حكومة ديمقراطية في (دمشق). فضلاً عن ذلك، فإنه عارض الوحدة العربية في عام 1960م،
فسجن العديد من أنصاره.
في
الدستور المؤقت، الذي تمّت صياغته بعد انهيار الوحدة المصرية السورية عام1961م،
اطلق على (سوريا) - لأول مرة- اسم (الجمهورية العربية السورية)، وهو نذير بالإقصاء
إلاثني للكورد، وغيرهم. وفي شهر آذار/ مارس1963م، استولى (حزب البعث) على السلطة.
أي بعد شهر من استيلاء (حزب البعث)، في العراق، عليها.
ومن
اللافت للنظر، أن القوميين العرب لم يفسحوا المجال أمام الهوية الكوردية، سواء في (العراق)،
أو في (سوريا). لذلك انخرطت غالبية النخبة الكوردية المثقفة في الأيديولوجيات التي
أخضعت المشاعر (الإثنو - قومية) للنضال
الطبقي (=الأحزاب الشيوعية واليسارية). وليس من قبييل المصادفة، أن الحزبين
الشيوعيين في (العراق) و(سوريا)، يضمّان بين صفوفه نسبة كبيرة غير متكافئة من الكورد،
وخاصة في المراكز القيادية، وبات ينظر إلى (الحزب الشيوعي السوري) على أنه حزب كوردي،
بسبب قيادته من قبل شخص كوردي (=خالد بكداش)، وارتباطه الكبير بالمجتمع الكوردي.
والأمر ينطبق إلى حد ما بالنسبة لـ(الحزب الشيوعي العراقي).
لقد باشر
(حزب البعث) – مباشرة، تقريباً- بحملة لاحتواء الكورد في منطقة الجزيرة، تحت شعار:
(أنقذوا الجزيرة، لئلا تصبح إسرائيل ثانية). كما أنه أرسل (لواء اليرموك)، بقيادة
العقيد (فهد الشاعر) إلى شمال العراق، عام 1963م، لدعم المجهود الحربي العراقي، ضد
الحركة الكوردية، بقيادة (ملا مصطفى البارزاني).
وكان
البعثيون السوريون يتوجّسون خوفاً من وجود المكونات السكانية غير العربية، في شمال
شرق (سوريا)، بشكل خاص في محافظة (الحسكة)، وتعتبرها خطراً على الأمن القومي
العربي. حيث يورد الباحث (ماكدول)، تقريراً منسوباً إلى الحكومة السورية، تتخوّف
فيه من الزيادة السكانية الكوردية المتسارعة في محافظة (الحسكة):
"في
بداية 1945م بدأ الأكراد يتسللون إلى محافظة الحسكة، بشكل فردي أو جماعي، من الدول
المجاورة، وبشكل خاص من تركيا. حيث يعبرون بشكل غير شرعي، على طول الحدود من (رأس
العين) إلى (المالكية) (= ديرك). لقد بدأوا تدريجياً، وبشكل غير قانوني، يستقرون
في المنطقة، على طول الحدود، في المراكز السكانية، كـ(الدرباسية وعامودا،
والمالكية). وقد استطاع الكثير من هؤلاء الأكراد، تسجيل أنفسهم، بأساليب غير شرعية،
في السجلات المدنية السورية. كما أنهم استطاعوا الحصول على البطاقات الشخصية
السورية، بطرق مختلفة، وبمساعدة من أقربائهم، وأفراد قبائلهم. لقد فعلوا ذلك بهدف
الحصول على الملكية، وخاصة بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي، للاستفادة من إعادة
توزيعها".
مهما كان
الأمر، فقد أصدرت الحكومة السورية المرسوم (رقم93)، القاضي بإجراء إحصاء سكاني
استثنائي للسكان، في محافظة الحسكة، حيث كان الهدف المعلن هو إثبات من دخل إلى
البلد من تركيا، بشكل غير شرعي. وفي الخامس عشر من شهر تشرين الأول/اكتوبر، طلب من
كل السكان غير العرب (=الكورد)، أن يبرهنوا بالوثائق أنهم كانوا مقيمين في سورية
قبل عام1945م. فكان الكثيرون منهم غير قادرين على ذلك. والنتيجة: تمّ تجريد 120 ألف
كوردي من جنسيتهم، بالإضافة إلى ذريتهم، وأحفادهم، من الذكور غير المواطنين، حتى
وإن كانت الأم مواطنة سورية.
لذلك
أعلنت الحكومة السورية بأن كل هؤلاء متسللون غير شرعيين، ويؤثرون على التركيب السكاني. وقد
استطاعت قلة منهم تقديم الوثائق اللازمة، وأعيدت إليهم جنسيتهم. وقد اعترفت
الحكومة السورية بأن الكثير من الأخطاء شابت هذه العملية. ومن بين الذين جرّدوا من
جنسيتهم (عثمان صبري)، وهو قومي كوردي، وأحد مؤسسي (الحزب الديمقراطي الكوردي).
ولد في محافظة (الحسكة)، عام1906م. فضلاً عن ذلك، تمّ تجريد جنسية كل من الأخوين: (نظام
الدين)، الذي كان وزيراً بين عامي1949و1957م، و(توفيق) الذي شغل منصب رئيس أركان
الجيش السوري، في عامي1956-1957م. إن اعتبار هؤلاء الاثنين، اللذين صعدا إلى قمة
الحياة العامة في (سوريا)، من المتسللين، جلبا العار والخزي على تلك العملية برّمتها.
ترافق مع
هذه العملية، شنّ حملة شعبية شعواء ضد الشعور القومي الكوردي، ولمح إلى الارتباط
بين الحركة القومية الكوردية، والمؤامرات الصهيونية والغربية. ويؤكد الباحث
البريطاني (مكدول) بأنه "ارتباط صحيح، بكل تأكيد، في حالة (كاميران عالي
بدرخان)، الذي استمر في العمل لصالح (إسرائيل)، في الخمسينيات والستينيات".
وفي شهر
تشرين الثاني/نوفمبر1962م، نشر الملازم أول (محمد طالب هلال)، رئيس شعبة الأمن
السياسي بـ(الحسكة)، كراساً بعنوان: (دراسة عن محافظة الجزيرة، من النواحي القومية
والاجتماعية والسياسية)، وفي هذا التقريرالسري، طرح المشكلة بعبارات عنصرية صارخة:
"إن
الجزيرة تدق ناقوس الخطر، مستصرخة الضمير العربي الحي، لإنقاذها وتطهيرها من كل
الشوائب والزبد التاريخي، لتعود مساهمة فعالة، كأخواتها من محافظات هذا القطر
العربي. فالمشكلة الكوردية الآن، وقد أخذت في تنظيم نفسها، ليست سوى انتفاخ ورمي
خبيث، نشأ - أو أُنشيء- في ناحية من جسم هذه الأمة العربية، وليس له أي علاج سوى
البتر".
وقد
اقترح (هلال) خطة، من اثني عشر بنداً، لتحطيم
تماسك المجتمع الكوردي، وهي:
تهجير الكورد
من أراضيهم.
سياسة
التجهيل، حرمانهم من التعليم.
إعادة الكورد
(المطلوبين) إلى تركيا.
سدّ باب
العمل.
شنّ حملة
من الدعاية الواسعة، بين العناصر العربية، مضادة للكورد.
نزع
الصفة الدينية عن علماء الدين الكورد(=الملالي)، وإرسال علماء دين عرب (=شيوخ)، بدلاً
عنهم.
سياسة
ضرب الكورد بعضهم ببعض، ضمن المجتمع الكوردي.
إنشاء
حزام أمني عربي، على طول الحدود مع تركيا.
إسكان
عناصر عربية، في المناطق الكوردية على الحدود.
إنشاء
مزارع جماعية للمستوطنين العرب.
عدم
السماح لمن لا يتكلم اللغة العربية، بأن يمارس حق الانتخاب والترشيح في المناطق
المذكورة.
منع
إعطاء الجنسية السورية مطلقاً، لمن يريد السكن في تلك المنطقة، مهما كانت جنسيته
الأصلية (عدا الجنسية العربية).
رغم
التصديق عليه في عام 1965م، فإن الحكومة باشرت، في عام 1973م، في عهد (حافظ الأسد)،
بتنفيذ خطة (هلال)، لإقامة حزام أمني عربي، بطول 375 كم، وبعرض 10-15 كم، من
الحدود العراقية، شرقيّ مدينة (ديريك)، إلى نقطة تقع على بعد 10كم، غربيّ مدينة (رأس
العين)، على طول الحدود التركية. وتمّ تهجير نحو 140 ألف مزارع كوردي، بعائلاتهم،
من القرى التي كانوا يعيشون فيها، والبالغ عددها نحو 332 قرية، والعمل على إحلال
مزارعين من بدو الفرات، الذين نزحوا بعد إنشاء (بحيرة الاسد)، في أعقاب إقامة (سد
الطبقة)، محلّ الكورد الذين تم تهجيرهم. وقد أخذت الأمور تتصاعد ضد الكورد، منذ
عهد الرئيس الأسبق (أمين الحافظ). في نفس الوقت، تبنّت الحكومة حملة تعريب، واسعة
النطاق، لأسماء القرى والمدن.
وبعد
بناء سدّ (الطبقة)، على نهر الفرات، وغمر المياه لأراضي السكان العرب، كانت الحجة
جاهزة لتوطين هؤلاء في الأراضي الكوردية. ففي 24 حزيران، عام 1974، وفي اجتماع
القيادة القطرية لحزب البعث، بقيادة حافظ الأسد، تمّ إصدار القرار رقم (521)،
والمتضمّن إعطاء الأوامر بتنفيذ مشروع الحزام العربي. وخلال عامي 1974-1975م، بدأت
قوافل البدو العرب تصل إلى المناطق الكوردية، قادمة من منطقة (دير الزور). وشرعت
الدولة في بناء تجمعات سكنية للمهاجرين العرب، مع تأمين الحماية لهم.
وإثر ذلك،
بدأ الكورد المهجّرون يبحثون عن لقمة عيشهم في محافظة (دمشق)، والمحافظات الداخلية،
عموماً. وسبق أن هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى مختلف الدول الأوروبية، وخاصة (ألمانيا)،
اعتباراً من عام 1962م، بسبب السياسات الشوفينية المارّة الذكر، وبحثاً عن لقمة
العيش. علماً بأن الوجود الكوردي، في محافظات: دمشق وحماه وحمص واللاذقية، يعود في
قسم كبير منه إلى أيام الدولة الأيوبية،
التي أسسها القائد الكوردي (صلاح الدين الأيوبي). أي: إلى أكثر من 800 سنة مضت.
مناطق انتشار
الكورد
وعلى أية
حال، فقد أصبح الكورد جزءاً من النسيج الاجتماعي السوري. وبالتالي، فهم أحد المكّونات الأساسية للشعب السوري.
ويقطنون في مناطقهم الرئيسية: في شمال شرقيّ (سوريا)، في الجزيرة السورية (مدينة
القامشلي، وأطرافها)، ومنطقة كوباني- جرابلس (عين العرب)، ومدينة عفرين، وأطرافها
في شمال حلب. كما تسكن أعداد كبيرة منهم في مدينة حلب (حي الشيخ مقصود)، ومدينة
دمشق (حي الأكراد- حي ركن الدين)، وفي محافظات: حماه، وحمص، والرقة، واللاذقية،
ومنطقة حوران.
يتكلم
معظم كورد (سوريا) اللغة الكوردية، وتحديداً اللهجة الكرمانجية - اللهجة الكوردية
الشمالية الرئيسية، التي يتكلمها على نطاق واسع كورد تركيا، والقسم الشمالي من كوردستان
العراق، وكوردستان إيران. ولا توجد موانع لغوية في تفاهمهم، إلا أن الكورد
المقيمين في (دمشق) منذ القديم، وكذلك كورد اللاذقية، وحوران، وحماه، يتكلمون
العربية، ونسيت أجيالهم الجديدة اللغة الكوردية. وبالنظر إلى أن الدولة تمنع تعلم
اللغة الكوردية، كما تمنع تعليمها رسمياً، فإن تعلم الكورد للغتهم الكوردية يتم
داخل أسرهم.
وبخصوص
عدد الكورد في (سوريا)، فلا توجد إحصائيات رسمية حول عددهم، بالنظر إلى أن السلطة
في (سوريا) تعتبر جميع المقيمين على الأرض السورية عرباً. وهذه التقديرات تتفاوت
ما بين المصادر الكوردية، وغيرها. فبينما تشير تقديرات الأحزاب الكوردية، إلى أن الكورد
السوريين يشكّلون حوالي 15% من سكان (سوريا)، أي: حوالي ثلاثة ملايين ونصف نسمة.
تشير تقديرات أخرى، إلى أن عدد الكورد في (سوريا)، ربما يكون بحدود المليونين، أو
أنهم لا يزيدون على مليون شخص فقط. أي: حوالي 5%. وإن كان الباحثون الغربيون يقدّرون
عدد الكورد، ما بين 8% إلى 10% من سكان (سوريا) (ديفيد ماكدول- تاريخ الأكراد
الحديث)؛ (جوردي غورفاس: الحركة الكوردية التركية في المنفى).
وأهم
المدن، في المناطق الكوردية السورية، هي مدينة (القامشلي)، التي تقع على الحدود
السورية التركية، والمتاخمة لمدينة (نصيبين) التاريخية في تركيا. وهي مدينة حديثة،
أقامها الفرنسيون حوالي سنة 1924م، على خطّ السكة الحديدية، مقابل مدينة (نصيبين)
التركية. حيث سكنها الكورد الذين هربوا من البطش التركي، بعيد فشل ثورة الشيخ (سعيد
بيران)، عام1925م، التي قمعها النظام التركي بكل قسوة. بالإضافة إلى المهجرين
المسيحيين، من الأرمن والسريان، الذين غادروا الأراضي العثمانية- التركية إلى (سوريا)،
هرباً من جحيم الحرب. ومدينة (ديريك)، التي تمّ تعريب اسمها إلى مدينة (المالكية).
ومدينة (تربه سثـيي)، عرّبت إلى (القبور البيض)، ثم غيّر اسمها إلى (القحطانية).
وبلدة (ضل آغا)، التي تمّ تعريب اسمها إلى (الجوادية). ومدينة (عامودا)، ومدينة (الدرباسية)،
ومدينة (رأس العين). وهذه المدن كلها تقع في الجزيرة السورية. ومدن: (عفرين)، و(كوباني)،
و(راجو)، وغيرها، وتقع في محافظة (حلب).
ومن
الناحية الدينية، فإن الأغلبية الساحقة من الكورد السوريين هم من المسلمين السنة،
ومن أتباع المذهب الشافعي تحديداً. وتوجد بينهم فئة صغيرة من أبناء الطائفة
اليزيدية، يقدّر عددها بحوالي 25000 نسمة، تشكّل 1% فقط، تسكن في مجموعة من قرى
الجزيرة (شمال شرق سوريا)، ومنطقة جبل سمعان، ووادي عفرين (جبل الأكراد). إلى جانب
فئة أصغر منها، من أبناء الطائفة النصيرية (= العلوية)، التي يتركّز وجودها فقط في
قرية (معبطلي)، التابعة لمدينة (عفرين).
وتنتشر
بين كورد (سوريا) طريقتان صوفيتان، هما: القادرية، والنقشبندية. وغالبية شيوخ
الطريقتين جاؤا إليها قادمين من تركيا، لا سيّما بعد منع الحكومة التركية للطرق
الصوفية فيها، بعد إلغاء الخلافة عام 1924م. ويذكر الباحث الهولندي (بروينسن) في
كتابه (الآغا والشيخ والدولة)، أن "بلدة عامودا (=السورية، الواقعة على
الحدود التركية) وحدها، كانت خلال ثلاثينات(=القرن العشرين) موطناً لأكثر من
ثلاثين شيخاً(=صوفياً)، وكانت الغالبية العظمى من السكان، في تلك الأيام، مريدي
شيخ ما، أو سواه".
وعلى أية
حال، فقد أسهم الكورد، بقوة، في طرد المستعمر الفرنسي. إذ من المعروف أن (يوسف
العظمة)، الكوردي، وزير الحربية السوري، كان أول من واجه الحملة الفرنسية بقيادة
الجنرال (غورو)، واستشهد على أبواب (دمشق) عام1920م. وأحد القواد الثلاثة للثورة
السورية الكبرى، كان المجاهد (إبراهيم هنانو) الكوردي، قائد ثورة (جبال الزاوية)، إلى
جانب الشيخ (صالح العلي)، و(سلطان باشا الأطرش). وكان (محو بشاشو) الكوردي، أول من
أطلق الرصاص على الجيش الفرنسي في (حلب). وفي (الجزيرة) كانت هناك (انتفاضة عامودا)
الكوردية ضد قوات الاحتلال الفرنسي، الذين دعموا المسيحيين، الذين ثاروا ضد الكورد.
وقد اضطرت القوات الفرنسية إلى استعمال المدفعية، والطيران، لإخمادها. وقاد الكورد
ثورة بياندور، شرق مدينة القامشلي، عام1923م، وقتلوا قائد الحملة الفرنسية على
الجزيرة الكولونيل (روغان)، ومساعده. وبشكل عام قاسى الوطنيون الكورد من الاعتقال،
والنفي، بسبب كفاحهم للمستعمر الفرنسي، كما خاضوا كل الحروب السورية ضد (إسرائيل).
ويتشكّل
المجتمع الكوردي من مجموعة من العشائر، هي امتداد للعشائر الكوردية في كوردستان
تركيا، وكوردستان العراق. ومن العشائر الكوردية، على سبيل المثال لا الحصر: كيكان، ملان، الميران، الدقورية، كابارا، كوجر،
آشيتي، البرازية، شيخان، بارافا، هارونا، هسنان، شكاكا، الميرسينية، بادلي، وغيرها
الكثير من العشائر. والحقيقة أن دور العشيرة في المجتمع الكوردي في تضاؤل مستمر،
لمجموعة من الأسباب الموضوعية، منها التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الحاصل
في الساحة السورية عموماً، ونمو الوعي القومي، ونشاط الأحزاب السياسية الكوردية،
والتطور الثقافي بين الكورد. أكثرية الكورد في (سوريا) من المزارعين، ويقبل شبابهم
على العلم، وتلتحق أعداد متزايدة منه بالجامعات والمعاهد. ويقيم أكثرية الكورد في
الريف، ويعملون بشكل رئيسي في الزراعة، كما يعمل قسم منهم في تربية الماشية والبقر.
وأهم الزراعات في المناطق الكوردية، هي زراعة الحبوب، بكافة أصنافها، والقطن،
والخضروات. وتعتبر منطقة (عفرين) الجبلية من أهم مناطق زراعة الزيتون، وصناعتها،
في (سوريا). ويقبل الشباب الكوردي على العلم بشكل واسع، حيث تلتحق أعداد كبيرة
ومتزايدة منه بالجامعات السورية، بالرغم من ضآلة حصولهم على فرص عمل. بينما تشكل
العمالة الكوردية جزءاً هاماً من العمالة الفنية الخبيرة على مستوى البلاد، وبشكل
خاص في قطاع البناء والصناعة. إضافة إلى أن أعداداً كبيرة منهم، يعملون كأجراء في
مهن الخدمات، وبخاصة في المطاعم، وغيرها، في معظم المدن السورية. كما أن التجارة
أصبحت من المهن التي يتقدم فيها الكورد بشكل ملحوظ.
وبخصوص
وضع المرأة، فمن المعروف تاريخياً أن المرأة تحتل مكانة هامة في المجتمع الكوردي،
وتحتفظ بقدر من الحرية أوسع من المرأة في المجتمع العربي، والتركي، والفارسي.
ويؤكد ذلك المستشرقان الروسيان: (مينورسكي)، و(باسيل نيكيتين)، في كتاباتهما حول الكورد.
حيث يستندان إلى مشاهداتهما الشخصية، أثناء تجوالهما في المناطق الكوردية. وهذا ما
كان مصدر فخر للنخبة المثقفة العلمانية، على أساس أنها تقرّبهم أكثر من المجتمعات
الأوروبية التي تنادي بحرية المرأة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق