عبد المجيد إبراهيم قاسم
يشهد العالم تغيرات عديدة تشمل جميع نواحي الحياة ومجالاتها،
تحوّل خلالها إلى قرية صغيرة، أبرز سماتها: الثورة العلمية والتفجُّر المعرفي، والتطوّر
الهائل في تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال. وقد أفرزت هذه المعطيات تغيرات هائلة
في طبيعة التعليم، والعملية التعليمية برمتها، وتبدلات جذرية في وسائط الثقافة وتقنياتها
وأساليبها.
وكما فرضت هذه التطورات فكراً جديداً، فإنها فرضت كذلك الحاجة
إلى مهارات جديدة، وآليات عمل جديدة للتعامل معها. والأطفال -هؤلاء البراعم الإنسانية-
يتميزون - بطبيعتهم- بخصائص متفرِّدة، لعل أهمها: شغفهم بالمعرفة والاكتشاف، وسرعة
تأثُّرهم وتفاعلهم مع ما يتلقّون من مؤثرات. وطفل اليوم لم يعد كطفل الأمس، إنه يعيش
عصراً مختلفاً، وبمعطيات مختلفة، حتى إن
بعض تساؤلاته تفاجئ الكبار، فتطول الزمان والمستقل
والمجهول، والكون والعوالم الأخرى، وإلى أبعد ما قد يتخيله الراشد، مما يتطلب تربية
مختلفة عن تلك التي لا تزال سائدة في أغلب مجتمعاتنا، وتفرض تعاملاً جديداً، يواكب
المنجزات الحديثة، ويساير تأثيراتها المختلفة.
يقول د. (نبيل علي)(1): "إن التقدّم الذي نشهده حالياً
في جميع المجالات؛ قد ضيّق المسافة بين الطفل وبين العلم والتكنولوجيا، بصورة تستوجب
تربية جديدة، مغايرة تماماً للتربية القائمة حالياً". كما أن هذه التحوّلات أثبتت
للقائمين على تربية الطفل، بأن التربية والتعليم والتثقيف لم تعد قاصرة على الأسرة
والمدرسة فحسب، بل أصبح للتكنولوجيا الحديثة، وتقنياتها المتطورة؛ دورٌ مهم فيها. وإذا
أردنا أن نفهم طفل اليوم، فعلينا أن نعرف أنه قد أصبح مشاهد تلفزيون قبل أن يكون تلميذاً،
كما قالت عالمة النفس (ليليان لورسا)(2).
لقد أصبح استخدام التكنولوجيا المعرفية -اليوم- ضرورة حياتية
للطفل، إذ يسهم في تعليم الطفل أساليب الحياة الجديدة، واستكشاف علاقاتها، وتزوّيده
بالحقائق عن الكون والطبيعة، وفي تنمية عمليات تفكيره المنطقي، كالاستقراء، والاستنتاج،
والقدرة على النقد والمحاكمة، وتأمين الوسائل والأساليب المناسبة لتنمية الإبداع وتشجيع
البحث والاستكشاف.
وحتى تستطيع النخبة المربية، مواكبة كلّ تلك التغييرات والتطورات،
وتعمل على تأهيل الطفل تأهيلاً يمنحه المقدرة على التعاطي الأمثل معها، فإن عليها أن
تبدأ بالسعي لتغيير أساليب التعليم، عوضاً عن أساليب التلقين والحفظ وتأطير العقول
في قوالب جاهزة تقتل الإبداع، وتلغي المحاكمة والتقويم، أولاً. وأن تقرّ - ثانياً- بسيادة المفاهيم الثقافية الحديثة، واختلاف
أشكالها وأساليبها ووسائلها، إذ إنها لم تعد قاصرة على القصص والأغاني والحكايات، بل
إن كثيراً من المكتسبات المسايرة للتطوّر التكنولوجي، والمواكبة للأبعاد المعرفية،
ظهرت في مجال ثقافة الأطفال، بل فرضت نفسها، من قبيل الأشكال الجديدة لكتبهم ومكتباتهم،
والأقراص المدمجة، وشبكات المعلومات، والألعاب الإلكترونية. بالإضافة إلى الإنترنت،
وما يرافقه من آفاق تعليمية واكتشافية جديدة، وفرص للتواصل وإنماء المهارات والمواهب.
كما أن من أهم المتطلبات: إغناء محيطهم بالمؤثرات الثقافية،
ومساعدتهم في تطوير قدراتهم الذاتية، وتزويدهم بالثقافة العلمية، التي أصبحت -اليوم-
أكثر من ضرورية، وغرس القيم والاتجاهات والمفاهيم، التي تتماشى مع المعطيات الحديثة
في نفوسهم. ويضيف د. (سمر روحي الفيصل)، من جملة الأساليب في هذا المجال(3):
"تشجيع الألعاب الابتكارية، والنموذجات التخييلية، والتعبير الحرّ، والتدقيق في
الخيال العلمي، وفي النصوص التي تُحرِّض مخيّلة الطفل، وتبني الخبرة الخيالية السليمة
لديه، والابتعاد عن تقييد خياله بالواقع".
إن أدب الأطفال، كأحد أهم المداخل لتكوين الوعي الثقافي للطفل،
يسهم -إسهاماً مفيداً- في إعداد الأطفال للمستقبل، إذ يسعى للارتقاء بمشاعرهم، وسلوكياتهم،
وإطلاق قدراتهم إلى آفاق واسعة، في إطار إعداد شخصيات من شأنها التفاعل الإيجابي مع
المستقبل. لذا وجب العمل على تطوير وسائل بثّ الأشكال المختلفة لهذا النوع من الأدب،
والارتقاء بها. فإن الطفل يعيش اليوم في زمنٍ تضاءل فيه تأثير حكايات الأمهات والجدّات،
بشكل كبير، والتي كانت مصدراً شبه وحيد لأدبه فيما مضى.
تقول الكاتبة (سناء العطاري)(4): "يمكن لأدب الأطفال
أن يعدَّهم للحياة في عالم الغد، بمتغيراته وتكنولوجياته المتقدمة. وأدب الأطفال، العام
والخاص، بألوانه المختلفة، يقدَّم هنا لخدمة الحياة في مناخ المستقبل: المادة المعرفية،
والمعلومات، والمهارات، والقيم، ما يعين الأطفال على التكيف مع المستقبل، والتحلّي
بالمرونة، والتفكير العلمي، والقدرات الابتكارية والإبداعية اللازمة لمواجهة المتغيرات
الجديدة".
كما أن خيال الطفل يؤدي دوراً مهماً في تطوير شخصيته، فكراً
وتعبيراً وإثراءً للمشاعر، فإن المقدرة على التخيُّل تعدُّ من أهم سمات شخصية الطفل.
وأدب الخيال العلمي - كأحد أهم الأشكال الأدبية المعاصرة، فضلاً عن كونه مجالاً حيوياً
من مجالات أدب الأطفال - يشكّل الصيغة الأسهل، والوسيلة الأنسب، لتمهيد دروب المستقبل
لهم، وإعدادهم إعداداً واعياً وسليماً. يعرِّفه د. (عماد زكي) بقوله: "قصص أو
أساطير انطلقت من وقائع ومعطيات علمية محدَّدة، لتعبِّر عن طموح الإنسان في تحقيق المزيد
من الاكتشافات والإنجازات".
ولعل أهمّ وظائف أدب الخيال العلمي تكمن في إثراء معارف الأطفال
العلمية، وتهيئة نبوغ ملكاتهم الفكرية، وتنمية قدراتهم العقلية والإبداعية. يتابع
(د. زكي) بالقول: "ليس هناك شكٌّ في أن تعميق الثقافة العلمية، وتحريض التفكير
العلمي، وتشجيع الخيال العلمي، لدى أطفالنا، أصبح مهمة عاجلة ومقدسة؛ لا يجوز التواني
عنها، أو تأجيلها، لأن ذلك يعدُّ خيانة لمستقبل الأجيال القادمة".
إن ما يحتاجه طفلنا، لكي لا يكون خارج دائرة الزمن، وأكثر
فهماً وإدراكاً لمقتضيات الواقع، هو مساعدته على التكيُّف مع المستجدات العلمية الحاصلة،
وعلى تطوير قدراته في اكتساب المعرفة، واكتشاف طاقاته الكامنة. فالطفل إذ نمكِّنه مفاتيح
المعرفة، فإننا نمكِّنه من أهم سلاح يستطيع به مواجهة المستقبل. ونحن إذ نتحدَّث عن
العلم وأساليب التكنولوجيا، فإننا لا نعني الأمور المتعلّقة بالكمبيوتر والانترنت فحسب،
بل نعني التطبيق والممارسة والقدرة على التوظيف أيضاً.
ولا ننسى، في خضم هذه التطورات المتنامية، أن نقرَّ بأن نتاجات
الثورة العلمية والمعرفية الحديثة، إنما هي سلاحٌ ذو حدين، لها مساوئها، كما لها فوائدها.
وأن ما يمكن للثقافة الإلكترونية الجديدة أن تحمله من خطورة على أبنائنا، لا بدَّ أن
يدفعنا لتجنيبهم سلبياتها وأضرارها. فالنجاح في استخدام التكنولوجيا يتوقف على حسن
استغلالنا وتوظيفنا لها.
ومن واجباتنا تجاه أطفالنا: إتاحة فرص الانفتاح على الثقافات
العالمية، والتأكيد على الأبعاد الإنسانية في الحياة، وتدريبهم على لغة الحوار والمشاركة
وتفهّم الرأي الآخر، لكي ينشأوا مؤمنين بتعدُّد الثقافات، وقادرين على التكيُّف مع
الأهداف الإنسانية المشتركة. "اجتمعت الآراء على أن مصير المجتمعات، في عصر المعلومات،
رهن بنوعية البشر التي يمكن أن تنتجها، من خلال تضافر مؤسساتها التعليمية والإعلامية
والعلمية والثقافية. وهذه النوعية -بدورها- تتوقف بصورة أساسية على مدى نجاح هذه المجتمعات
في تربية الطفل، بحيث يمكنه مواجهة تحديات الحياة في مجتمع المعلومات.. وبالتالي، دراسة
متأنية ومتعمِّقة لعلاقة هذه التربية بتكنولوجية المعلومات، لتحديد الغايات، واستحداث
الوسائل، من خلال التعرّف على التحدّيات المرتقبة، والفرص المتاحة".(5)
الهوامش
1)
كتاب العربي الشهري، الكتاب 50، تشرين الأول/ أكتوبر 2002 ، ثقافة الطفل العربي، مجموعة
من الكتّاب. الطفل العربي وتكنولوجيا المعلومات، ص 218.
2)
كتاب العربي الشهري، الكتاب 50، مصدر سابق. الطفل العربي ومأزق المستقبل، د. سليمان
إبراهيم العسكري، ص 8.
3)
أدب الأطفال وثقافتهم قراءة نقدية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، عام 1998. تأليف: سمر
روحي الفيصل، ص 138.
4)
القصة السورية، موقع مهتم بالقصة العربية، قسم: دراسات في أدب الطفل، أدب الأطفال والتربية
الإبداعية.
5)
كتاب العربي الشهري، الكتاب 50، مصدر سابق. الطفل العربي وتكنولوجيا المعلومات، د.
نبيل علي، ص 196.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق