03‏/01‏/2016

كتاب العلاقات الـمصرية الهندية في العصر المملوكي 648 - 923 هـ /1250 - 1517 م

عرض: محمد نزار الدباغ
مما لا شك فيه أن دراسة العلاقات السلمية بين البلدان والشعوب أسهمت بصورة كبيرة في إغناء الحضارة والتراث وتطويرهما في مختلف العصور التاريخية. فقد اتصل سكان (مصر) القديمة مع شعوب شبه القارة الهندية منذ مدد قديمة قبل الميلاد، وكان لذلك الاتصال أثره المهم في إنضاج المعرفة ومختلف جوانب الحضارة القديمة وتطويرها.
منذ الربع الأول من القرن الأول للهجرة/ السابع للميلاد وصل الدين الإسلامي إلى (مصر) إذ أصبحت إقليماً تابعاً للدولة العربية الإسلامية واستمر ذلك لغاية خضوع (مصر) لحكم الفاطميين (358هـ/968م)، ومن ثم الأيوبيين (567هـ/1171م)، في حين تمّ فتح الأجزاء الغربية من الهند (السند)
قبيل نهاية القرن المذكور أعلاه، وبذلك أصبح كل منهما إقليماً تابعاً للدولة العربية الإسلامية.
وتكمن أهمية الموضوع (العلاقات المصرية الهندية في العصر المملوكي) في أنه يؤشر مرحلة جديدة في كل من (مصر) و(الهند)، فقد ظهرت في (الهند) السلطنة الإسلامية (602هـ/1206م)، والتي تعد أول نظام حكم إسلامي يحمل هذا اللقب من داخل (الهند)، حيث امتد نفوذ الإسلام وحكمه تدريجياً إلى مختلف أقاليم (الهند)، وكان سلاطين الهند على علاقة ودية مع الخلافة العباسية في بغداد أولاً، ثم تابعوها بعد انتقالها إلى القاهرة.
أما (مصر) فقد حكمتها أسر من المماليك سنة (648هـ/1250م)، وقدم إليها عدد من أبناء الخلفاء العباسيين (بعد احتلال المغول لبغداد)، الأمر الذي أضفى عليها أهمية خاصة.
ومن الواضح أن مصلحة (مصر) و(الهند) حتّمت عليهما تطوير العلاقات بينهما في مختلف الجوانب وإدامتها، واستمر ذلك لغاية اكتشاف طريق (رأس الرجاء الصالح)، وبداية ظهور (البرتغاليين) في مياه المحيط الهندي، ثم بداية ظهور (العثمانيين) في الوطن العربي، وصولاً إلى (مصر) بعد معركة (مرج دابق) (923هـ/1517م)، إذ تدهورت العلاقات المصرية الهندية للأسباب أعلاه.
وعليه، فإن المدة التي أشّرها الكتاب، شهدت أفضل أنواع العلاقات بين (مصر) و(الهند)، وأشملها، ولذلك يمكن عدّها من الدراسات النادرة والمهمة التي لم تحظ بالاهتمام والعناية الكافية في مجال الدراسات العربية الإسلامية، بما أفرزته من جوانب إيجابية كثيرة، أسهمت في إغناء الحضارة والتراث العربي الإسلامي؛ وعليه فان هذا الكتاب هو محاولة متواضعة على هذا الطريق، بهدف إلقاء الضوء على تلك الجوانب والمجالات من جهة، ولإبراز الدور الريادي العربي من جهة أخرى.
اشتمل الكتاب على أربعة فصول وخاتمة، تضمن الفصل الأول (الخلفية التاريخية للعلاقات المصرية الهندية)، فتطرق إلى الموقع الجغرافي، والحدود، لكل من (مصر) و(الهند)، ثم استعراض أقدم الصلات بينهما. وقد انتهى الفصل بالإشارة إلى تطور العلاقات بينهما، منذ ظهور الإسلام، ولغاية ظهور حكم المماليك في البلدين.
أما الفصل الثاني (العلاقات السياسية والعسكرية)، فتناول التعرف على الأسر الحاكمة في البلدين، وظروفها السياسية، مع التركيز على مظاهر العلاقات السياسية بينهما، كتبادل الوفود والسفارات ورسائل التفويض بالحكم من الخليفة، وغيرها، ومن ثم تطورها إلى الجانب العسكري.
في حين تطرق الفصل الثالث (العلاقات التجارية)، إلى التعرف على الإمكانات الاقتصادية لكلا البلدين، فضلاً عن الطريق البحري الواصل بينهما، وما كان عليه من موانئ، مع الإشارة إلى أنواع السفن التجارية، وأوقات إبحارها، وما كانت تحمله من مواد (صادرات وواردات)، فضلاً عن وسائل البيع والشراء والضرائب، مع التعرف على دور تجار الكارم في تطوير العلاقات المصرية الهندية.
وجاء الفصل الرابع (الصلات الثقافية)، ليعرّف بطبيعة العلوم لدى (مصر) و(الهند)، ومراكز التعليم فيهما، وتتبع حركة العلماء وطلاب العلم بين البلدين، ومن ثم إبراز دور المصريين، الثقافي والديني، في (الهند).
وفي خاتمة الكتاب، ذكر المُؤَلِف أبرز النتائج التي توصل إليها، فضلاً عن وجود عدد من الملاحق والخرائط ذات الصلة.
اعتمد الكتاب على عدد غير قليل من المصادر والمراجع، تنوعت ما بين مصنفات التواريخ العامة، والتواريخ المحلية، وكتب الرحلات، ومصنفات التراجم، والمصادر البلدانية، وغيرها، وبحسب أهميتها للبحث، ويأتي في مقدمتها: (تحقيق ما للهند من مقولة، مقبولة في العقل أو مرذولة)، للعلامة (أبي الريحان البيروني) (ت 440هـ)، والذي عدّ وفوده إلى الهند، وإقامته فيها لأكثر من أربعين سنة، من أهم مظاهر الثقافة العربية الإسلامية في الهند، حتى العهد الغزنوي. ويعد كتابه المذكور مصدراً أساسياً لدراسة العلوم العربية الإسلامية في الهند، وتعريف القارئ بما لدى الهنود من عقائد وتقاليد اجتماعية متعددة.
أما عن تاريخ (مصر)، فلعل أبرز المصادر التي استفاد منها البحث هي مؤلفات (تقي الدين أحمد بن علي المقريزي) (ت 845هـ/1449م)، إذ توافرت في كتبه الخاصة بـ(مصر)، صدق الرواية والمشاهدة المباشرة على عدد من الحوادث، فضلاً عمّا اعتمد عليه (المقريزي) نفسه من مصادر موثوقة، أثناء حديثه عن الوقائع التي سبقت فترته. ومن أهم مصنفات المقريزي المعتمدة: (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار)، أو(الخطط المقريزية)، الذي وصف فيه حال مدينة القاهرة أثناء حكم المماليك لها، فضلاً عن وصفه واستعراضه لمدن (مصر)، وتسمياتها، وخططها.    
كما قدم في مصنفه الآخر: (السلوك لمعرفة دول الملوك)، تفصيلات ومعلومات مهمة عن النواحي الاقتصادية للمماليك، وعلاقتهم مع (الهند)، بشكل مباشر أحياناً، فضلاً عن توسعه بذكر واردات التجارة الهندية، واستيفائها في الموانئ المصرية.
ومن بين المصادر المهمة الأخرى التي أفادت البحث: (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة) للمؤرخ (جمال الدين أبو المحاسن بن تغري بردي) (ت 874هـ/1469م)، حيث أورد فيه نصوصاً في سياسة المماليك، واستعرض أغلب السفارات السياسية الواردة من والى (مصر)، ثم (الهند).
وتعد كتب الرحلات مصدراً مهماً، لما فيها من صدق الرواية، ومعاينة الحدث، ومنها كتاب (رحلة ابن بطوطة) لأبي عبدالله محمد بن إبراهيم (ت 779هـ/1377م)، والذي يعد مصدراً مهماً آخر للتعريف بأحوال الهند في تلك الفترة، فقد كان (ابن بطوطة) يعنى بمتابعة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في رحلته، فقد ذكر أهم ما تمتاز به المدن الهندية التي زارها من منتجات وزروع، كما أتيح له أن يظفر بمكانة كبيرة عند سلطان دلهي (محمد تغلق شاه)، وأن يدون في سيرته الكثير من المعلومات المتعلقة بالعلماء، وعلاقته بالخلافة العباسية في القاهرة.
كما وقدم المُصنف الكبير (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) للمؤرخ (أحمد بن علي القلقشندي) (ت 821هـ/1418م) الكثير من التفاصيل في شتى المجالات، فقد وصف مميزات أرباب السيوف وأرباب الأقلام في الديار المصرية، واستعرض أيضاً المكاتبات والتفاويض الجارية بين سلاطين الهند الإسلامية، وسلاطين المماليك والخلفاء العباسيين في القاهرة، من أجل الحصول على تفاويض الحكم. و(القلقشندي) وإن كان قد نقل عن المؤرخ (ابن فضل الله العمري) (ت 749هـ/1348م) في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار)، إلا أن معلوماته جاءت منسقة وواضحة ومبوبة بشكل لائق، بعد أن فصّلها، وعلّق عليها.
أما ما يتعلق بكتب التراجم للأشخاص، فقد استفاد البحث منها لمعرفة تراجم الشخصيات المهمة التي لها دور كبير في العلاقات بين (مصر) و(الهند)، لا سيما: السلاطين، والتجار، والعلماء، وغيرهم. ومن أبرز هذه المصادر كتاب (أنباء الغمر بأبناء العمر)، لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ/1448م)، وكتاب (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع) للمؤرخ (محمد بن عبدالرحمن السخاوي) (ت 902هـ/1497م)، إذ ضم المصدران الكثير من السير والتراجم للشخصيات ذات الصلة بالبحث. ومن الطبيعي أن مثل هذه المصادر لا تغفل ذكر الأحداث المهمة والإنجازات الحضارية عند ذكرها واستعراضها لسير الشخصيات.
أما المراجع، فهي الأخرى قد أغنت البحث بما حوته من آراء وتحليلات مهمة، ويقع في مقدمتها مرجع أساسي يتعلق بتاريخ الهند، وهو (تاريخ الصلات بين الهند والبلاد العربية)، للمؤرخ (محمد إسماعيل الندوي)، أحد مؤرخي الأسرة الندوية الهندية المشهورة في (الهند)، إذ دونّ فيه عمق الصلات بين (مصر) و(الهند) في المجالات السياسية والتجارية والثقافية والفكرية وغيرها.
كما وتمت الاستفادة من مرجع آخر، يتعلق بتاريخ الهند الثقافي، وهو (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)، للمؤرخ الهندي (عبد الحي الحسني)، إذ تعرض المؤلف لحال الثقافة الإسلامية في الهند منذ دخول الإسلام وحتى العصور الحديثة.
أما ما يتعلق بتاريخ مصر، فأبرز كتاب يصادفنا هو (الدولة المملوكية، التاريخ السياسي والعسكري والاقتصادي)، لـ(انطوان خليل ضومط)، إذ توافرت فيه تحليلات عامة عن طبيعة الأوضاع كافة في دولة المماليك. كما استفاد البحث من عدد من دراسات المستشرقين المتعلقة بتاريخ (مصر) و(الهند)، ومن بينها (Egypt in the Middle Age) للمستشرق (Lane Poole)، إذ استعرض سيرة القاهرة والمدن المصرية الأخرى طيلة العصور الوسطى، وركّز على الجوانب السياسية فيها. وكذلك كتاب (A mediterranean Society) للمستشرق S.D. Goitein حيث سلط الضوء على الجوانب الاقتصادية والتجارية، وما يتعلق بتجارة الكارم، من خلال استقرائه لوثائق الجنيزة القاهرية.
كما ولم يغفل البحث من الاستفادة من الرسائل الجامعية، التي تناولت عدداً من المواضيع ذات الصلة بالبحث، ومن بينها (مظاهر الثقافة العربية الإسلامية في الهند)، للدكتور (حسين علي الطحطوح)، حيث غطت العديد من الثغرات المتعلقة بالنواحي الثقافية. كما وكان للدوريات، وما تضمنته من بحوث ومقالات علمية، أثرها وأهميتها الواضحة في عدد من جوانب البحث، ومن بينها مجلة (ثقافة الهند)، و(المجلة التاريخية المصرية)، وغيرهما.
وقام المؤلف بمراسلة عدد غير قليل من المكتبات والمؤسسات والجامعات والمتخصصين من العرب والأجانب في مصر، والهند، والأردن، وتونس، والمغرب، وبريطانيا، والولايات المتحدة، وغيرها، بهدف الحصول على ما يمكن أن يفيد الكتاب، ويعززه، كما هو الحال في ردود مجموعة من المراسلات المثمرة. أما أغلب تلك المراسلات، فلم تلبّ أجوبتها طموح الباحث، أو أنها لم تجب أساساً على المراسلة، كما حصل بخصوص مصر والهند.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الكتاب هو في الأصل (رسالة ماجستير)، أعدت في جامعة الموصل سنة 2000م، بإشراف الأستاذ الدكتور (حسين علي الطحطوح)، ونالت تقدير (امتياز)، وابتغى المُؤَلِّف من وراء نشرها إبراز عدد من الجوانب المتعلقة بالحضارة العربية الإسلامية، ودور العرب الرائد فيها، آملاً أن يسد هذا الكتاب جزءاً مما تحتاجه المكتبة العربية في هذا الجانب.
الموضوع
الصفحة
الموضوع
الصفحة

المقدمة

أ - د
أولاً : طرق التجارة وموانئها
49

الفصل الأول : الخلفية التاريخية للعلاقات المصرية الهندية

1 -16
ثانياً : أسلوب التعامل التجاري
53
الموقع الجغرافي والحدود
1
ثالثاً : السفن
54
المبحث الأول : العلاقات المصرية الهندية قبل الإسلام
3
رابعاً : أهم الصادرات والواردات
56
المبحث الثاني : العلاقات المصرية الهندية في ظل الإسلام
10
المبحث الثالث : دور تجار الكارم في العلاقات المصرية الهندية
61

الفصل الثاني : العلاقات السياسية والعسكرية

17-40
الكارمية
61
المبحث الأول : الأسر الحاكمة وظروفها السياسية
17
عوامل ضعف التجارة المصرية الهندية
68
أولاً : مصر . دولة المماليك
17

الفصل الرابع : الصلات الثقافية والدينية

73-94
ثانياً : الهند . سلطنة دلهي
22
عوامل الصلات الثقافية
73
المبحث الثاني : مظاهر العلاقات السياسية
25
المبحث الأول : طبيعة العلوم ومراكز التعليم
74
أولاً : السفارات
25
الاهتمام بالأماكن الإسلامية المقدسة
83
ثانياً : رسائل التفويض بالحكم
28
المبحث الثاني : حركة العلماء وطلاب العلم
85
المبحث الثالث : العلاقات العسكرية
37
المبحث الثالث : أثر المصريين الثقافي والديني
90

الفصل الثالث : العلاقات التجارية

41-72
أولاً : في مجال اللغة العربية
90
المبحث الأول : السياسة التجارية
41

ثانياً : في مجال التصوف

92
أولاً : مصر
41

ثالثاً : فن العمارة العربية الإسلامية

93
عوامل ازدهار تجارة المماليك
41

الخاتمة والاستنتاجات

95-96
سياسة المماليك التجارية
42

المصادر والمراجع

97-114
ثانياً : الهند . سياسة الهنود التجارية
48

الملاحق والخرائط

115-123
المبحث الثاني : الثوابت التجارية
49

 


تعريف بالمؤلف
المُؤَلِف من مواليـــد مدينة الموصل/ العراق سنة 1975م، وهو عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ بكلية التربية/ جامعة الموصل، ونال  شهادة  البكالوريوس آداب/ تاريخ 1998م جامعة الموصل، وشهادة  ماجستير تاريخ إسلامي من كلية التربية/ جامعة الموصل سنة 2000، وحصل على الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من كلية التربية/ جامعة الموصل سنة 2005. وتخصص في تاريخ الإسلام في الهند وجنوب شرق آسيا عن رسالته للماجستير:  "العلاقات المصرية – الهندية"، وأطروحته للدكتوراه: (الهند من خلال رحلة ابن بطوطة)، وله ثلاثة كتب  منشورة، هي: (تاريخ الدول الإسلامية في آسيا)، عن (دار الفكر) (عمان – 2010)، و(الهند من خلال رحلة ابن بطوطة)، عن (دار نشر المعرفة) (الرباط – 2011)، و(تاريخ اليونان والرومان في الشرق الأدنى)، مشترك، عن (دار الفكر) (عمان – 2012)، فضلاً عن ثمانية بحوث منشورة، وشارك في واحد وعشرين مؤتمراً محلياً وعربياً وعالمياً، وله خمسة عشر مقالاً منشوراً في مجلات وصحف مختلفة، فضلاً عن الانترنت.

وعمل المؤلف مقرراً في قسم التاريخ/ كلية التربية/ جامعة الموصل، للسنوات بين (2010-2013)، وهو عضو مشارك في إنجاز موسوعة علماء العرب والمسلمين (تونس منظمة الايسسكو،  بنحو 170 ترجمة)، وعضو اللجنتين الامتحانية والمالية بقسم التاريخ منذ 2004. وقد أشرف على رسالتين جامعيتين، وناقش خمساً، كما ألقى محاضرة عن الهند في الدراسات الاستشراقية في (وحدة الدراسات الاستشراقية – كلية الآداب، جامعة الموصل)، في  أيار 2013.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق