01‏/01‏/2017

قراءة في كتاب (الإخوان المسلمون في أربيل.. نشأتهم وتطورهم 1946- 1994م)

قراءة: سعد الزيباري
صدر من مطبعة (ژيان) – أربيل، كتاب (الإخوان المسلمون في أربيل نشأتهم وتطورهم) للأستاذ (أحمد حمد أمين) الّذي عَمِلَ في مجالِ العملِ الإسلاميّ في أربيل منذ أواخر عام 1958م ولحدِّ إعلانِ الاتحادِ الإسلاميّ الكوردستاني في 2/ 6/ 1994م، وكان مِنَ المؤسِّسين للاتحادِ الإسلاميّ الكوردستانيّ ولا يزالُ عضواً فيهِ إلى الآن. وهذا الكتاب الذي صدر مؤخّراً يُؤرِّخ لحقبةٍ تاريخيّة فاصِلة تمتدُّ من سنة 1946 إلى سنة 1994م، أي ما يُعادِل (48) سنة مِنَ السنين الحافلة بالأحداثِ الجسام والنابضة بالذكريات. وقد استغرقت صفحاتُ هذا الكتاب التاريخيّ لتُسَلِّطَ الضوءَ على تاريخِ جماعةٍ إسلاميّة إصلاحيّة سلميّة أعادتِ المسلمينَ إلى جادة الصواب، ونفضت عن كاهلهم غبار الجهلِ والأمية، وهي - كما وصفها المؤلِّف - مِنَ أبرزِ الجماعاتِ التي كانت "تعملُ منذ تأسيسِها لإصلاحِ الأوضاعِ، وهدايةِ النّاسِ إلى طريق الحقّ،
وتبصيرِ الأُمّةِ بدينِها القويم وشريعتِها الغرّاء، وتدعُو للعودةِ إلى نبعِها الصّافي القرآن والسُنّة المطهّرة؛ مُستهدفةً بذلِكَ إعادةِ حُكمِ الله في أرضِه... وذلِكَ تمهيداً لإعادةِ الخَلافةِ الإسلاميّة العادِلة التي ترعى شؤُون الأمُةّ وتمخرُ بسفينتِها إلى شاطئ الأمان والعِزّة". وقدِ انتشرتْ هذهِ الدعوةُ الإصلاحيّة المباركةُ، وتوغّلت في مُعظمِ أنحاءِ العالَم الإسلاميّ، بفضلِ الدعاةِ المصلحين الّذين بذلُوا الغالي والنفيس مِنْ أجلِ هذهِ الدعوة الربّانيّة، وفرغُوا أنفسَهُم لرفدِ هذا العملِ الإسلاميّ وإثراءِ مجالاتهِ المتنوِّعة. وكان العراق من البلدان السبّاقة إلى احتضانِ هذهِ الدعوةِ الفتية، فهبّ رجالٌ مخلِصون للنهُوضِ بأعباءِ هذهِ المهمّة الشاقّة العسيرة، والعمل لها ليل نهار، من أجلِ إصلاح النّاس وإصلاحِ أوضاعِهم الفاسِدة التي خلفها الطغاة والمستبدّون. وكانت البدايةُ - كما يقولُ المؤلِّف - مِنَ مدينةِ الموصلِ الحدباء وبغداد العاصمة، "ثمّ انتشرت إلى الأنحاء الأُخرى، ومنها مدينة أربيل ذات التاريخ العريق والموغل في القِدَم، مدينة العِلْم والعُلماءِ والمدارِس الشرعيّة، موطن السلطان مظفر الدين كوكبوري، وابن المستوفي، وابن خلكان، وغيرهُم من فطاحِل العلماء، مؤرِّخين، ومُحدّثين، وفقهاء، وشعراء، وأدباء...".
الأستاذ أحمد حمد أمين
هذا، وقد ذكر الكاتِب أنّ هذهِ الدعوة قدِ انتشرتْ بفضلِ التلاميذ من أهلِ هذهِ المدينة الّذين كانوا يدرسُون في بغداد أوائِل عقد الأربعينيّات، وعادُوا إليها بعد إكمالِ دراستِهم الجامعيّة، يعملُون في حقلِ الدعوةِ ونشرِها بينَ النّاس مِنَ الأقرباءِ والمعارِف، وخاصّة الوسط المثقّف، حتّى أصبحتِ الدعوةُ فيها أواخِر الأربعينيّات قوةً يحسب لها حساب، فكانت تُوجِّه ولا تتوجَّه، وتؤثِّر ولا تتأثّر، حتّى أصبحَت مثار اهتمامِ الشّارِع السياسيّ في المدينة. ولمعرفةِ ماجرياتِ هذهِ الدعوة في هذهِ المدينة نهض الأستاذ أحمد حمد أمين - وهو واحدٌ من جيلِ الروّاد الّذين كانتْ لهم بصماتٌ واضِحة في تاريخِ هذهِ الدعوة الإسلاميّة في كوردستان، وخاصّة في مدينةِ أربيل – لتسجيلِ جزءٍ من تاريخ هذهِ المدينة الصّامدة عبر التاريخ، منذ أواسط الأربعينيّات، وتقييم وتقويمِ الدورِ الإصلاحيّ الّذي قامَ بهِ الدعاةُ المصلِحُون من أبناءِ هذهِ الجماعة. وفيما يتعلّق بالجذور التاريخيّة لهذهِ الجماعة في هذهِ المدينة، فإن الأستاذ المؤلِّف يؤرِّخ لها بقولِه: "بدأت دعوةُ الإخوان المسلمين تنتشرُ في أربيل منذ مُنتصف عام 1946م، بشكلِ تنظيمٍ بدائيّ، وقبلَها كانتْ هُناكَ أفكارٌ إخوانيّة لدى بعضِ الأشخاص؛ بفضلِ وجُودِ مكتباتٍ تبيعُ مجلاّتٍ وجرائِدَ تصدرُها جماعةُ الإخوان المسلمين في مصر منذ أوائِل عام 1944م، مثل مكتبة (الجهاد) لصاحبها عبدالوهّاب الصائِغ، ومكتبة (صلاح الدّين) لبيعِ الكُتُب القديمة والمستعملَة والتي كان يملكُها السيّد محمّد عبدالله العبّاسي الرّجُل الطيّب الوَقُور. فقد كان هو يجلبُ المجلاّت الإخوانيّة من بغداد أو تأتيهِ أحياناً مِنَ القاهِرة مُباشرةً بفضلِ وجُودِ عناصِر لها اتّصالات مع الجماعة هُناك مِنْ طُلاّبِ البعثاتِ التعليميّة. أمّا الفضلُ الأول لنشر فكرة الإخوان بأربيل فكان يعود - حسبما قالَهُ المؤلِّف - إلى بعضِ الطُلاّب الّذين كانُوا يدرسُون في الكُليّاتِ آنذاك ببغداد – قبلَ تأسيسَ جامعةِ بغداد – وعلى رأسِ هؤلاءِ عبدالوهّاب الحاج حسن، وإحسان شيرزاد من كُليّة الهندسة، ومحمّد صادِق المختار في كُليّةِ الحقُوق، والمرحُوم عبدالله الحاج سليم في دارِ العلُوم. وهؤلاءِ قَدْ تلقّوا الفكرةَ على أيدي أساتذةٍ مصريين – مِنَ الإخوان – منتدبين خصيصاً للتدريسِ في مُعظمِ الكُليّات والمدارِس الثانويّة ببغداد غالِباً. فكانوا إلى جانبِ وظيفتِهم العلميّة يدعُون تلاميذهُم إلى الأفكارِ الإسلاميّة وفقَ المنهجِ الّذي تسيرُ عليهِ جماعةُ الإخوان المسلمين. ويؤكّد المؤلِّف في كتابه أنّ النقلة التي حدثت في تاريخ الجماعة كانت على يدِ الشيخ محمّد محمُود الصوّاف الموصليّ (رحمه الله) الّذين كان مِنْ أوائِلِ مَنْ جلبُوا الفكرةَ إلى العراق أواخِر الثلاثينيّات وأوائِل الأربعينيّات مِنَ القرنِ العشرين، بدأ مِنَ الموصل ثمّ إلى بغداد، حيثُ كان المرحُوم الصوّاف طالِباً في بعثةٍ علميّة إلى جامعةِ الأزهرِ الشّريف، وتتلمذ على يدي مؤسّس الجماعة الإمام الشّهيد حسن البنّا (رحمه الله)، مُدّة مِنَ الزّمن، إلى جانبِ دراستِه في الأزهر، وتعهّد الشيخُ الصوّاف أمامَهُ بتحمُّلِ عبءِ الدعوةِ في العراق، فكان كما تعهّد. يقول الأستاذ المؤلِّف: كان هؤلاءِ الطُلاّب المذكُورون وغيرُهم كثير عندما يتواجدُون في أربيل خلال مواسِم العُطَل، يقومُون ببثِّ الدعوةِ، ويعرضُون الفكرةَ على معارفِهم وأصدقائِهم مِنَ الطُلاّبِ والمعلِّمين والموظّفين وأهلِ السُوق بجدٍّ ونشاط، فيعقدون جلساتٍ خاصّة في بيوتِهم، خاصّة في محلّة (خانقاه)؛ لدراسةِ الدعوةِ وتوجيهِ الحاضرِينَ للعملِ الإسلامي، وتبصيرِهم بفكرةِ (الإخوان المسلمين)، وما يدعُون إليهِ مِنْ التزامٍ بالشعائِر الدينيّة، والعِفّة الخلُقيّة، إضافةً إلى اللقاءاتِ اليوميّة في المدرسة ومواقِع العمل، والسُوق، وبعضِ المقاهِي الشعبيّة. هذا، ويشيرُ المؤلّف إلى أسماءٍ كثيرة كانت لها مواقِف مشهُودة في هذهِ الدعوة، وكانت لهما بصماتٌ واضحة في تاريخها الحافِل، وبفضلِ جهودِ هؤلاءِ توسّعتِ الدعوةُ وتسارع الكثيرُون للانضمامِ إليها، وبدأ القائِمون على العملِ الإسلاميّ يُفكِّرُون في تدشينِ نقلةٍ نوعيّة في الدعوةِ الإسلاميّة لكي تعمل بحريّة أكثر ومساحة أوسع، وبدأوا بالاتصالِ بالشيوخ والشخصيات الإسلاميّة المعروفة التي كان لها وزن واعتبار بينَ النّاس، كما جعلوا السوق أيضاً محوراً لنشاطاتهم الدعويّة، فانتشرت الدعوة في صفوفِ الكثيرِ من الفئاتِ الشعبيّة وصنوفهم، ولم يبخل الإخوان في المشاركةِ في القضايا الوطنيّة والقوميّة، بعد أن أحسُّوا بحكمِ وجودِهم المكثّف هذا بالحاجةِ إلى المشاركِة في مثل هذهِ القضايا المهمّة، فضلاً عن الاهتمامِ بأمورِ المسلمين في كُلِّ مكان، وكانوا إضافةً إلى ذلِكَ يقومُون بإحياءِ المناسباتِ التاريخيّة في الإسلام بالخُطب الحماسيّة، وكانوا يدعُون فيها إلى مُناصرةِ إخوانِهم المسلمين المضطهدين، ورفعِ الظلمِ عنهم خلال عام 1948م، حتّى وصلَ بهم الأمرُ – كما ذكر المؤلِّف – إلى القيامِ بمُظاهرةِ ضخمةٍ دعماً لقضيّةِ فلسطين وانتصاراً لشعبِها المظلُوم الّذي طُرِد مِنْ وطنِه على مرأى ومسمع مِنَ المنظّماتِ الدوليّة! فأُقيمت على أراضيهم دولة اليهود في (15) مايس 1948م، وقد تقرّر أنْ تنطلِقَ مظاهرةٌ مِنْ جامعِ الشيخ محمّد جولي بعد صلاةِ الجمعةِ مُباشرةً، إلاّ أنّ المظاهرة - كما يُؤرِّخ لها الأُستاذ في كتابِه بالتفصيل – لَمْ تكتمل، وذلِكَ بسبب بعضِ العناصِر اليساريّة وبعضِ القوميين مِمّن كانُوا يعادون نشاطَ الإخوانِ، ويعتبرونهم عقبةً كأداء في طريقِ نشرِ أفكارِهم، ولتحقيق هدفهم أحاطَ الشيوعيّون بالجامع، ودخل قسمٌ منهم فيهِ مُتظاهراً بالصّلاة، ووضعُوا خطّة لمنعِ خرُوجِ المظاهرة الإسلاميّة، وسدّوا عليهم جميع المنافِذ، وحاولُوا انتزاع اللافتاتِ والشِعاراتِ مِمّا أدّى إلى وقُوعِ مناوشاتٍ واشتباكاتٍ بالأيدي والعصي، ولكنّ المهاجمين لاذوا بالفرار، فلملم الإخوةُ صفوفَهم، ولكن الشرطةَ منعتهم، وهكذا شاع أمرُ الدعوةِ في أربيل وانتشرتْ أنباؤُها في مدينتي الموصل وبغداد اللّتينِ سبقتا أربيل في ذيوعِ الأفكارِ الإخوانيّة ونشرها.

هذهِ لمحات مختصرة مختزلة من هذا الكتاب الممتع الحافِل بالأحداث، ومن أراد التفصيلات فعليهِ بالكتاب؛ لأنّه خيرُ مُسعفٍ لِمَنْ يريدُ أن يقرأ التاريخ كما كتبه أحد الذين عاصروا الأحداث ودونوها كما هي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق