01‏/01‏/2017

عبق الكلمات/ "مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ"

عبد الباقـي يوسف
يبيّن الله تعالى ذكره، غِناه في تنوّع أصناف الطعام للناس، إذ يقول في سورة الأنعام: [وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] سورة الأنعام، الآية 99.
فإن كنتم ترون الأرزاق وافرة بينكم بوفرة الماء، فاعلموا أن هذا الماء أنزله الله مطراً [مِنَ السَّمَاءِ] وأن [نَبَاتَ كُلِّ] صنف، ما كان ليخرج دون أن يُخرجه الله، حتى لو جاءه الماء، فالله هو الذي أخرج [بِهِ] بالماء [نَبَاتَ] أصل [كُلِّ شَيْءٍ] ينبت [فَأَخْرَجْنَا] بعد ذلك [مِنْهُ] من الأصل [خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً]. فكما أن الله [أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ]، أخرج أصل كل نباتٍ، ومن هذا النبات الأصل أخرج [خَضِراً] ما هو
رطب أخضر، ويُخرج من هذا الخضر [حَبّاً مُّتَرَاكِباً] مثل حبّات السنبلة المتراكبة على بعضها البعض.
[وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ] صورة متلألئة بديعة الجمالية: [وَمِنَ النَّخْلِ] شجر التمر [مِن طَلْعِهَا]، الطلعُ مِن الطلوعِ [قِنْوَانٌ] جمع قِنْوٍ، وهو عنقود النخلة [دَانِيَةٌ]. الدنو هو القرب، وتدنو من الشيء، أي تقترب منه، فثمار النخلة قريبة من مُتناول اليد، كما أنها متقاربة إلى بعضها البعض، بحيث يمكن للمرء أحياناً أن يقطفها حتى وهو جالس. وتتميّز النخلة بصِغَرِ حَجمها واكتنازها بالثَمَر، ويُعَدّ ثمرها من المصادر الغذائية الهامة التي تمدّ الجسد بالطاقة، كونها غنية بنسبة جيدة من السكر الطبيعي، وهي مُتاحة لفقراء الناس وأغنيائهم، كونها مُتعدّدة الأصناف والجودة، فمِن أصنافها ما هو باهض الثمن، وما هو متوسط، وما هو منخفض، إضافة إلى هذا كله فالنخلة تتمتّع بلمسات جمالية، وبطلعة بهية [وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ] ق 10، ولذلك تُزرَع على امتداد بعض الطرقات في بعض المدن والمناطق، حتى تضفي لمسات جمالية إلى المظهر العام للمكان.
[وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ] [وَ] - كذلك تخرج منه -: [جَنَّاتٍ] بساتين [مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ]، ثلاثة أنواع من ثمار الشجر [مُشْتَبِهاً]، ثمار هذه الأنواع تشبه بعضها البعض إلى درجة قد يشتبه الأمر على المرء إن لم يتفحّصها جيداً، أو يتذوّقها. فحبّة العِنَب الصغيرة تكون متشابهة مع حبّة الزيتون، وحبّة الرمان الكبيرة تتشابه مع حبّتَي العِنَب والزيتون إلى درجة قد يلتبس فيها الأمر على المرء. واعلم أن الاشتباه هنا، غير الشَبَه، فالمرء يُصبح في حالة اشتباه من كثر الشبه الظاهري، أمّا الباطني فهو [غَيْرَ مُتَشَابِهٍ]، فلو كنتَ في ظلمة، ومددتَ يدكَ إلى طَبَقٍ يحتوي على الأصناف الثلاثة، فمن خلال الطعم، وكذلك من حيث الخواص والمزايا. ويمكن أن يكون [مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ] في ذات الصنف من الثمر، فتأتي ببعض الرمان، تكسر واحدة، فتكون حلوة، وتكسر أخرى، فتكون حامضة، وتكسر أخرى، فتكون متوسطة، وواحدة تكون حباتها حمراء، والأخرى بيضاء، والأخرى متوسطة. والأمر يكون أيضاً للعنب، فقد يكون حلواً، وقد يكون حامضاً، وقد يكون متوسطاً، وكذلك الأمر بالنسبة للزيتون. ثم إنك لو أتيتَ إلى خواص كل حبة، فقد تطفحُ حبةُ الرمان بما تحتويه من ماء حتى يسيل وأنت تأكلها، وقد تكون رمّانة جافة قليلة الماء، كذلك الأمر بالنسبة لحبة العنب، ويمكن أن تكون حبّة الزيتون مكتنزة بالزيت، ويمكن أن تحتوي على نسبة ضئيلة منه. وفي كل ذلك يكون الاشتباه، وهذا الاشتباه هو الذي يجعل الناس في حالة اشتباه من بيان ما تحتويه حبات الثمار الثلاث المذكورة في الآية الكريمة، فهي غير متشابهة الطعم كأصناف، وغير متشابهة الطعم حتى بالنسبة للصنف الواحد، ذلك أن الله تعالى قد جعل بها اشتباهاً، وهذا الاشتباه يُغنيها ويبيّن آيات الله فيها كما سيأتي في مختتم الآية.
[انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ]، تأمّلوا الثمر في مراحل نضجه: [إِنَّ فِي ذَلِكُمْ] الإبداع الإلهي [لآيَاتٍ] دلائل مادّية في قلب الطبيعة المرئية والملموسة [لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ]، سواء أكانت لديهم رغبة ونيّة في الإيمان مع شيء من التردّد، فإن مضمون [ذَلِكُمْ]، يُزيح التردّد عن كاهلهم فيؤمنوا، أو كانوا مؤمنين، فيزدادون في درجات الرسوخ في الإيمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق