صلاح سعيد أمين
قبل 28 عاماً، انتفض شعب كوردستان، وكذلك جنوب العراق ووسطه، ضد
الدكتاتورية والقمع وكبت الحرّيات، التي مارسها النظام البعثي البائد إزاء الإنسان
العراقي.. ولا يخفى على أحد، أن النظام السابق قمع الانتفاضة في الجنوب، على أشرس
وجه، وأحرق الأخضـر واليابس، ولولا الدعم الدولي لما انتصـرت الانتفاضة في إقليم
كوردستان، وما تحرّر شبر من تراب أرضنا من دنس مهيني كرامة الإنسان، ومنتهكي
حقوقه.
والسؤال الوجيه هنا: هل تحقّقت - بالفعل - الأهداف التي انتفض
شعبنا من أجلها؟ وهل وصل إلى ما يتمناه من الحرية، والعيش الكريم اللائق به في كل
نواحي الحياة؟
لم يصل المواطن - لا في إقليم كوردستان، ولا في باقي
أجزاء العراق (بعد سقوط الصنم في 2003) - إلى ما كان يرجو أن يصل إليه بعد غياب
جبروت السلطة البعثية.. فالمواطن لم ينتفض من أجل استبدال الوجوه، وإيصال
البعض إلى
كراسي السلطة والحكم، دون تغيير أيّ شيء من حياته.
ولسنا بحاجة إلى دليل لكي نثبت أن الانتفاضة لم تحدث
تغييراً جذرياً في تركيبة المجتمع، ولم تصنع نظاماً يقوم على أساس العدالة واحترام
الآخر المختلف فكرياً ومذهبيّاً وسياسياً، ولم تمهد الأرضية لأن يكون الحكم في
خدمة الشعب، وتقديم أفضل الخدمات لأبنائه المغدورين.
للأسف الشديد، حكامنا لم يقصّروا لحظة في تكرار ما فعله
النظام البعثي إبّان حكمه الظالم؛ نهبوا ثروات البلد، واغتالوا علماء الدين
والصحفيين، وأحرقوا مقار الأحزاب المعارضة، واستولوا على كراسي الحكم، وأطلقوا
رصاصهم الحيّ باتجاه صدور المتظاهرين، وزوّروا نتائج الانتخابات، وعملوا على البقاء
في السلطة إلى أبد الآبدين، قسراً وكرهاً.
من جهة أخرى، لم ينجحوا في تقديم الخدمات الأساسية
للمواطنين، مثل: الماء الصالح للشرب، والكهرباء، وتبليط الطرق، وحلّ أزمة السكن، وهلّم
جرّاً.. ولم يستطيعوا أن يقيموا حكماً رشيداً، بعيداً عن الفساد والروتين، ولا يميّز
بين مواطن وآخر، ويجتث مفهوم مواطني الدرجة الثانية..
ما أشرنا إليه، لا يقتصر على الإقليم فحسب، بل ينسحب على العراق ككل، الذي
لم نتصور يوماً أن معارضي نظام حكمه سيحكمونه بهذا الشكل الذي هم أنفسهم يعترفون
بأنه أسوأ ممّا تصوره الجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق