د. سعيد سليمان
مقدمة :
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد رسول الله، وعلى
آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:
ينبغي أن تكون من أولى أولوياتنا واهتماماتنا، المساهمة
الجادة في تحقيق الوعي الثقافي، وإعادة بناء عالم الأفكار، وإلقاء مزيد من الأضواء
على جوانب متعددة في عالم الثقافة والسياسة، للوصول إلى إعادة وصياغة وتشكيل العقل
المسلم من جديد، وكيفية تعامله مع مجتمعه وواقعه، مع تزويده بآليات ووسائل
للارتقاء بمستوى الخطاب، وعلى ضوء رؤية إسلامية ذات إخلاص وصواب، ودراية وفقه،
وذلك لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء، بعيداً عن المواقف
والتصرفات الانفعالية الخطابية، التي تحرّك العاطفة ولا ترشد العقل، وتعتمد التهويل
والمبالغة، ولا تخدم قضية الإسلام، بل على العكس قد تساهم مساهمة سلبية غير مقصودة
في
تخلّف وتأخر المسلمين، وتؤثر كذلك على المشروع الإسلامي بشكل خاص.
يعدُّ الخطاب الدعوي قضية مهمة، وذلك راجع إلى انتشار
الأميّة الدينية، إضافة إلى الغزو الفكري والثقافي والإعلامي، الذي يشنّ حملة
شعواء ضد كل ما له علاقة بالإسلام. وعند الحديث عن
الخطاب الدعوي تخطر على البال شخصية وصورة الدعاة الواعظين، وتتشكّل في الأذهان
صورة نمطية قائمة على أساس تجييش العاطفة، وتكرار القصص، وتمجيد الماضي، والاجترار
منه، دون الاهتمام بالواقع، أو الحديث عن مشكلاته، ناهيك عن الحديث عن الحلول
والمعالجات لمواجهتها. لذا ينبغي الاهتمام بهذا الخطاب، بهدف ترشيده وتقييمه،
وتحديد الجوانب الإيجابية والسلبية، وبيان نقاط القوة والضعف فيه، ثم الوصول إلى
السبل التي تعالج الموضوع بصورة واقعية.
وفي هذا البحث سيتم التطرّق إلى مفهوم الخطاب الدعوي،
وإلإشكاليات التي تعترض طريقه، وموقع وثقل الخطاب الدعوي للتيارات الإسلامية، مع
الحديث عن فوضى الخطاب الدعوي بين التساهل والتشدّد، وتعدّد قنوات التوجيه،
والفتاوى المتضادة، والإشارة إلى الخطاب الدعوي المطلوب، وذلك في مقدمة وستة فروع،
وكالآتي:
الفرع الأول: مفهوم الخطاب الدعوي، وأنواعه، وأقسامه .
الفرع الثاني: التحديات التي تواجه الخطاب الدعوي .
الفرع الثالث: الإشكاليات العامة في الخطاب الدعوي
الإسلامي .
الفرع الرابع: الإشكاليات الأساسية في الخطاب الدعوي لدى
(الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) على الخصوص.
الفرع الخامس: موقع وثقل الخطاب الدعوي للتيارات
الإسلامية الأخرى المتواجدة في الإقليم.
الفرع السادس: فوضى الخطاب الدعوي.
الفرع السابع: الخطاب الدعوي المطلوب .
الخاتمة
التوصيات
المصادر والمراجع
الفرع الأول
مفهوم الخطاب الدعوي، وأنواعه، وأقسامه
مفهوم الخطاب في اللغة والاصطلاح:
في اللغة، هو: الكلام الذي يُقصد به الإفهام. أمّا
المفهوم القرآني، كما في قوله تعالى: [وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب] }ص: 20{، فيرتقي باللفظ إلى مستوى أرفع، ملتصقاً بالحكمة، وهي
وضع الأمور في حاقِّ موضعها، وتدبيرها على ما ينبغي لها. والخطاب هو كلام نافع،
يسوق الحجج والبراهين، بغرض إفهام المخاطبين به، والتأثير فيهم تأثيراً يحملهم على
الالتزام به.
وحسب المفاهيم الحديثة أصبح مصطلح (الخطاب) يدلّ على
المنهاج في التفكير والتصوّر، وفي التعبير عن الأفكار والتصوّرات. ودخل هذا
المفهوم في الفكر السياسي المعاصر، فصار الخطاب السياسي، منطوياً على المنظومة
الفكرية، والمضمون الآيديولوجي، ممّا يجعل الخطاب السياسي لأيّ جماعة معبّراً عن
عقيدتها السياسية، واختياراتها الفكرية. فالخطاب، في هذا المقام، ليس مجرد أسلوب
للتبليغ، وطريقة للتعبير عن الرأي والموقف.. لكنه، أيضاً الوعاء المعبِّر عن
العقيدة والفلسفة والفكر ..
وإلى هذا المعنى تنصـرف الأذهان عند الحديث عن الخطاب
الدعوي، باعتبار أن المقصود هو الوسيلة التي يخاطب بها المسلم العالم، والمنهاج
الذي يصوغه من خلال فكره، ورأيه، وموقفه، الذي يريد إيصاله إلى القطاع الأوسع من
الرأي العام، وذلك عبر وسائط الإعلام والتواصل المختلفة، من المقروءة والمرئية
والمسموعة ([1]).
فالخطاب الدعوي: يُقصد به الكلام والمنهج الدعوي الملفوظ،
أو المكتوب.
والخطاب الدعوي، بمكوناته، هو نفسه منهج الدعوة
الإسلامية، الذي هو مجموعة الطرق والقواعد والإجراءات التي تحدّد السبل المثلى
لممارسة الدعوة إلى الإسلام، والضوابط الخاصة بكل عنصر من عناصر الاتصال الدعوي،
لضمان تحقيق الدعوة لأهدافها، بما يساعدها على الوصول إلى الحق، وتحقيق الفهم
السليم للإسلام، والتصدي للتحديات التي تواجهه.
والخطاب هو القاعدة الذهنية التي توجِّه الدعاة وعلماء
الدين والأحزاب الإسلامية والقنوات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة، بل
وأكثر من ذلك توجّه الفرد المسلم في جميع سلوكياته ونشاطاته ووجوده في المجتمع،
وتنظّم علاقاته بربه وبالناس أجمعين، لأن الخطاب نتاج الفكر والثقافة والبيئة التي
يعيش فيها الإنسان ([2]).
أهمية فقه الخطاب الدعوي:
إن أهمية فقه الخطاب الدعوي تنبع من أهمية الفقه نفسه،
لأن لكل عمل فقهه، ولأنه بدون الفقه لن تستقيم الخطى على المنهج القويم والصراط
المستقيم، فالذي يعمل بلا فقه قد يضرّ من حيث يريد أن ينفع، ويسيء وهو يعدّ نفسه
محسناً.
ومن الفقه تعرف فنون العرض، ومراتب الأعمال، وكيف يكون
الأمر بالمعروف؟ وكيف يكون النهي عن المنكر؟ وبالفقه تراعى مصالح الأمّة، ولا
تتشوه صورة الإسلام، ويتمّ تحديد الأولويات. ومن الفقه تحرير الخطاب من الركام
الذي حلّ به من عصور الانحطاط. ومن الفقه عدم التعجّل، فالتدرّج سنّة ماضية، ولا
داعي لمخالفة السنن([3]).
أنواع الخطاب الدعوي:
الخطاب الدعوي يدخل ضمنه عدة أنواع من الخطاب، منها:
-خطاب الترغيب والترهيب: خطاب يركِّز على الوعد والوعيد،
والجزاء والعقاب.
-الخطاب القصصي: خطاب يذكر قصص الأمم والأشخاص.
-الخطاب العقلاني: خطاب يركِّز على التفكير والتعقل، وذكر
الحجج والبراهين العقلية.
-الخطاب العاطفي: خطاب يركِّز على إثارة المشاعر
والأحاسيس، ودغدغة العواطف.
-الخطاب التشـريعي: خطاب يذكر التشـريعات، وأحكامها،
وتفصيلاتها، وأسرارها، وحِكمها.
-الخطاب التوجيهي: خطاب يركِّز على ما ينبغي فعله، وتجنُب
ما ينبغي تركه.
أقسام الخطاب الدعوي:
-الخطاب الدعوي الفردي. ومن سماته: (المرونة في التعامل –
التلقائية والعفوية – اتّساع رقعة النشاط – سهولة الخطاب، وبُعده عن التعقيد –
تربية الأفراد تربية متكاملة – نتائجه مرجوة وسريعة على مستوى السلوك – محدودة من
حيث الكم، عميقة من حيث الكيف).
-الخطاب الدعوي الجماهيري. ومن سماته: (الصعوبة والتعقيد؛
لتنوّع جمهور المخاطبين، واختلافهم – كثرة المتلقين والمخاطبين. مفتوحة من حيث
الكم، ولكنها ليست عميقة من حيث الكيف – الامتداد المكاني، وشمول جميع الأصناف
ومؤسسات المجتمع – تنوّع الأساليب، مع اتّساع
رقعة النشاطات).
مقاصد الخطاب الدعوي : هذه خلاصة جامعة لمقاصد الخطاب الدعوي الإسلامي الكبرى،
ذكرها أ. د. عصام البشير في كراسته الموسومة بـ(نحو خطاب إسلامي مرتبط بالأصل
ومتّصل بالعصر).
1) السعي لإقامة الدين، وتشييد أركانه، وبعث قيمه
وغاياته ومقاصده، وبسط الحرية لأداء فرائضه وهديه وشعائره.. عملاً بقوله تعالى:
{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}(الحج: 41)
2) العمل على تجديد الدين وحفظه، وتجريده مما علق به من
شوائب وموروثات وأعراف وسوء فهم، وتنقية أفكار المسلمين من كل ذلك، وإعادتهم للفهم
الصحيح للدين، وتبصيرهم بواقعهم، وإعادة الحيوية والفاعلية لهم.. بدفعهم للعمل
والحركة، واستعادة الدور الريادي، والتعلّق بالمعالي، والتجرّد، والتضحية،
والإخلاص، وإبعادهم عن السلبية والكسل والخمول والفتور.. عملاً بقوله تعالى: [هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا
مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ](الجمعة: 2)
3) الاجتهاد لتوفير الحقوق والحريات، وإقامة القسط
والعدل بين جميع البشـر.. عملاً بقوله تعالى: [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا
بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ
النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ
لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُـرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ
اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] (الحديد: 25)
4) ترسيخ نظام الشورى، وتعزيز المشاركة الواسعة للجميع
في صناعة القرار، عملاً بقوله تعالى: [وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا
الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ](الشورى:
38)
5) حماية المسلمين وغير المسلمين، وحفظ حرّية التدين
والعقيدة للجميع، دون إكراه أو عنف.. عملاً بقوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ
عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْـرِهِمْ
لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن
يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ
لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ
اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ] (الحج: 38 – 40)
6) مكافحة الفساد، واستئصال جذوره، وتجفيف منابعه، ونشـر
الإصلاح، وتأسيس قواعده وبنيانه.. عملاً بقوله تعالى: [قَالَ يَا قَوْمِ
أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا
حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ
أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ] (هود: 88)
7) توحيد أهل القبلة، والملّة، وحشد طاقاتهم، وتوجيهها
باتجاه خدمة القضايا الكبرى والغايات المشتركة، فالإسلام مبنيٌّ على كلمة التوحيد
وتوحيد الكلمة .
8) إقامة علاقات البرّ والحسنى، والمودة وحسن المعاشـرة،
والتسامح والعدالة، لتحقيق السلام والاستقرار المبني على أسس راسخة عادلة، وليشعر
الجميع بالانتماء والولاء.. عملاً بقوله تعالى: [لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ
الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ
أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] (الممتحنة:
8)
ويمكن تلخيص دور الخطاب الدعوي المعاصر، ومهمته، فيما
يلي:
أنه يجب عليه تقديم الإسلام منهجاً مرتبطاً بالزمان
والمكان والإنسان، موصولاً بالواقع، مشروحاً بلغة العصر، جامعاً بين النقل الصحيح
والعقل الصـريح، منفتحاً على الاجتهاد والتجديد، وَفقَ منهاج النظر والاستدلال
المعتَبر عند أهل العلم، ثابتاً في الكليات والأصول، مَرِناً في الجزئيات والفروع،
محافظاً في الأهداف، متطوراً في الوسائل، منتفعاً بكل قديم صالح، مرحباً بكل جديد
نافع، منفتحاً على الحضارات بلا ذوبان، مراعياً الخصوصيات بلا انكفاء، ملتمساً
الحكمة من أي وعاء خرجت، عاملاً على تعزيز المشترك الحضاري والإنساني.. مرتبطاً
بالأصل، ومتّصلاً بالعصر.([4])
الفرع الثاني
التحديات التي تواجه الخطاب الدعوي
التحدي: يُقصد به الأمر أو الظرف أو الواقع أو الحالة
التي تواجه الإنسان بشكل لا يستطيع تجاوزه إلا بصرف جهود وطاقات كبيرة .
هناك تحديات كثيرة تواجه الخطاب الدعوي في البلدان
المسلمة، وخاصة ما يتعلّق بنفسيات أفراد المجتمع وطبيعتها، وذلك لتعرّضها لأنواع
عديدة من التسلّط والتحكّم الدكتاتوري والأنظمة الاستبدادية، وحتى تحكّم الأعراف
والعادات والتقاليد، وكذلك التعامل السلبي عموماً؛ من الأسرة وإلى جميع مفاصل
المجتمع، وخاصة الرسمية.. عليه، نرى اتّصافها ببعض الصفات السلبية، والتي تعبّر عن
مدى تأثّرها بالواقع المرير الذي مرّت به.. فالمجتمعات التي تمرّ بهذه الظروف
والأحوال لفترة زمنية طويلة، تتشوّه طبيعتها، وتحتاج إلى ثورات فكرية وثقافية
واجتماعية، للتخلّص من ترّسبات الفترات المظلمة.. عليه يمكن القول بأن الخطاب
الدعوي يواجه تحديات عديدة، من أهمها ما يلي :
1)
مجتمع شخصيته منهزمة وضعيفة: مجتمع نفسيات أفراده منهزمة وضعيفة، تآكلت وتقلصت فيه
دور القيم والمثل والمبادىء. وهذا التحدي هو التحدي الذي يمثّل (الرقم واحد) أمام
التيار الإسلامي، والعمل الإسلامي السياسي خاصة، لأنه من غير الممكن أن يثمر وينتج
الحالة الصحيحة، أو يحوّل ويغيّر الواقع من حالته السلبية إلى الحالة الإيجابية،
بدون الإنسان السوي صاحب النفسية السليمة.
وعلينا أن ندرك بأن الأنظمة الاستبدادية الطاغوتية
العلمانية لها الدور الأساس والكبير في تحطيم النفسية الإنسانية، وضعف وتآكل القيم
والمثل والمبادىء في المجتمع، وسيطرة السلبية والانتهازية والنفعية على مجمل
علاقات الأفراد. ومن البديهي أن تموت القيم في ظلّ الحكم الاستبدادي الطاغوتي،
لأنها توجد وتخلق واقعاً مغشوشاً يستلزم تعاملاً نفاقياً، مما يؤدّي إلى الاتّصاف
بانفصام الشخصية والتعامل الازدواجي([5])،
وذلك بهدف التخلّص من قرارات النظام الجائرة، ومطالباتها المتكررة وغير المجدية،
والتي تهدف إلى قتل آدمية وكرامة هذا الإنسان، و تدمير إنسانيته، وجعله آلة صماء
لا دور لها في تغيير الحياة. وكما أن مدار البحث في الفقه هو فعل المكلف – الإنسان
-، فإن مدار البحث في الجماعة المسلمة هو الإنسان.
فالإنسان هو الهدف، ويهمُّ المشـروع الإسلامي الحضاري حرّيته،
وكرامته، وسعادته، وتقدّمه، ورفاهيته. وعليه، ينظر المشـروع إلى كل حالة أو واقع
يحدّ من إنسانية هذا الإنسان، وحرّيته، وتقدّمه، على أنها حالة سلبية مرفوضة،
تواجه المشـروع الحضاري الشامل.
ونتيجة للسياسة السلبية من قبل الأنظمة الاستبدادية، فإن
غالبية أفراد المجتمع لا تهتم بالأمور العامة، ومنها السياسة، وكأنّها غير معنيةّ
بها، ولا تبادر إلى العمل من أجل التغيير الإيجابي في مفاصل المجتمع والدولة،
وتنحصـر جُلّ اهتماماتها حول حياتها الشخصية.. اعتناءً بالمعيشة، وبأمنها
الاجتماعي، وبالمسائل التي تمسُّها وأفراد عائلتها.. فتراهم منغلقين، منطوين في
دائرة ضيقة، تتمثّل في الأسرة ومحيطها العائلي الضيّق.. هذا الإنسان هو الذي عملت
الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة على تهميشه، وتحجيم حركته في الحياة، وخاصة الحياة
العامة، ويعيش في حالة يأس وقنوط، فحالته النفسية مدمّرة ومقهورة، تصل به إلى حدّ
اللامبالاة، وفي بعض الأحايين إلى الانعزال، والإصابة بالعقد والأمراض النفسية .
والنفسية التي نتعامل معها أنواع، منها:
- النفسية التقليدية: وهي نفسية غير قابلة للتجديد والتطوير والتغيير، وترفض
الأفكار والطروحات المعاصرة والجديدة، وخاصة الحركية التغييرية. أو هي النفسية
التي تخاف من التغيير، وكل ماهو جديد، وتتصف – عموماً- بالنفعية الآنية، والمصلحية
البغيضة.
- النفسية الانتهازية المظاهرية: وهي النفسية الضعيفة، غير المبدئية، والتي تنبهر
بالمظاهر الخداعة، والشكليات، ولا تهتم بالأصالة، وهويتها الحضارية.
وعلينا أن ندرك بأن الأنظمة الاستبدادية الطاغوتية
العلمانية، لها الدور الأساس والكبير في تحطيم النفسية الإنسانية، وضعف وتآكل
القيم والمثل والمبادىء في المجتمع، وسيطرة السلبية والانتهازية والنفعية على مجمل
علاقات الأفراد.
2)
العادات والتقاليد والأعراف السلبية: والتي لها تأثير سلبي ومقيّد لحركة الأفراد، والحركات
التغييرية. وهذه الأعراف أبقت على سلطة وتأثير (العشيرة) السلبي، دون الإيجابي،
بشكل تحولّت هذه العادات إلى طوق وإطار يحدّ من حركة الداعية، لا سيّما حركة
المرأة المسلمة.
3)
الجهل والتخلف الفكري والثقافي، وسيطرة العقلية التقليدية النمطية. (مثلاً: نسبة
الأمّية في الإقليم في ازدياد – ترك الطلبة للدراسة الابتدائية والإعدادية..).
4)
التعصب القومي والطائفي (غلبة النزعة القومية): نتيجة لانعدام الثقة، وعقود من الظلم والاضطهاد
والحرمان والانغلاق على الذات، وعدم الانفتاح على الغير، استشرى في المجتمع الفكر
الشوفيني المتعصب، الذي يجعل القومية أو الطائفية إطاراً لتثبيت الوجود،
والاستعلاء على الغير، والعمل على إلغائه وتهميش دوره في الوجود، وسلب حرياته
وحقوقه، وعدم الاعتراف به، والتعامل السلبي مع الآخر، والتمييز والتحيّز والميل،
على أساس المعتقد والمذهب والعرق، لا على أساس المواطنة الحقة([6]).
عليه، ينبغي التأكيد على إدراك وفهم طبيعة المجتمع
أولاً، ومن ثَمَّ تحديد نوع الخطاب المطلوب اختياره في التعامل مع الواقع، ثانياً.
وعلى الداعية أن يدرك واقعه بشكل صحيح، حيث هناك أنظمة
استبدادية تحكم المنطقة، وهناك إعلام مسيّس وموجّه ضد الإسلام كدين، والتيارات
الإسلامية السياسية، وخاصة أصحاب التيار الوسطي المعتدل، وأن هناك نخباً مثقفة ذات
توجّه يساري ويميني علماني ولا ديني، مسيطرة على مراكز التوجيه والإعلام بشكل عام،
مع احتكار جميع مفاصل الدولة..
5)
مجتمع تغلب عليه العقلية العشائرية (القروية): فهو مجتمع لم يتخلص من العُرف العشائري والتقاليد،
لحد الآن.. (يحبّ الحقّ، ويقدّس
القوّة).
6)
غلبة النظرة النفعية المصلحية .
7)
غلبة التديّن التقليدي الشكلي (المتأثر بالعلمنة).
والمطلوب السعي لتجاوز التحديات الموجودة في الساحة، مع
العمل على حلّ الإشكاليات التي يعاني منها الخطاب الدعوي، والمذكورة في ثنايا
المبحث الثاني، مع التأكيد على الخصائص والسمات الإيجابية للخطاب الدعوي المعاصر،
وضرورة تجديده وتطويره.
ومن
الضروري أن نتحدّث في كلمات عن جوهر الإنسان، والذي هو بمثابة وضع اليد على موضوع
خطير، ألا وهو طبيعة الإنسان، وكيفية التعامل معه. وطبيعة المجتمع وما يتّصف به
أفراده، كالإنسانية، والغائية في الحياة، والتطوّر والترقّي والتجدّد، مع المبدئية
والثبات والصدق.. فإذا كان المجتمع يخلو من هذه الصفات، أو بعضها، فعلى المصلح أن
يدرك جيداً بأنه في مجتمع غير سوي، مجتمع تتقاذفه الأهواء والشهوات والمصالح،
مجتمع من الصعب تصحيح بوصلته إلا بعد عمليات كبيرة في التربية والإعداد، ونشـر
المبادئ والفضيلة فيه.. أو العمل على تغيير وجهته ونظرته إلى الحياة، وكيفية
تعامله معها.. فالمجتمع الذي لا يمتلك هذه الصفات مجتمع أقرب ما يكون إلى مجتمع
غابة، منه إلى مجتمع إنساني..
فهذه صفات أربع، وهي التي تعبّر بشكل صادق عن جوهر
الإنسان، أيّاً كان.. وبهذه الصفات يصبح الإنسان إنساناً في هذا الوجود، ويكون له
تأثيره الإيجابي. والإنسان إذا امتلك هذه الصفات الأربع، فهو الإنسان السوي المنتج
المثمر، وجوده خيرٌ في الدنيا، ونعمة للبشرية والمبادئ الإنسانية العليا:
1)
الإنسانية: وتكمن في النيّة الطيبة، والمشاعر، والأحاسيس الرقيقة،
والنظرة الصحيحة، والتعامل الحسن مع الآخرين.. إنسان لا يعيش لنفسه فقط، ويؤمن بأن
سعادته في سعادة الآخرين، ويدرك جيداً بأن سعادة الآخرين لن تأخذ من سعادته أيّ
شيء، وغناهم لن ينقص من رزقه شيئاً.. وهو يتمنّى الخير للجميع .. ليس بأناني، وغير
معجب بنفسه إلى درجة تحجب عن عينيه مشاعر الآخرين.
2)
الغائية في الحياة: أيْ أنْ يعيش الإنسان في هذه الحياة وله غاية وهدف
سامٍ.. فهناك من يعيش ليأكل، ويأكل ليعيش، ولا هدف ولا غاية له سوى أن يتنعّم
بالملذات والشهوات.. يعيش في دائرته الشخصية، لا يهمّه ما يحصل في محيطه، مادام هو
يتردّد بين النِعم، وأموره تسير بشكل سلس، غايته هي نفسه، وهدفه هو هو، ولا شيء
بعده..
3)
الطموح والترقّي والتطوّر والتجدّد: الإنسان يشعر بإنسانيته عندما يعتقد بأن كل بني آدم
يستحق الأفضل والأحسن ممّا هو فيه من الخير والتنعّم والحرية والمساواة والعدالة
والكرامة الإنسانية.. فالإنسان عزيز وكريم عند الله {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي
آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} }الاسراء: 70{. فالتطوّر الحاصل في البشرية هو نتيجة هذه
الصفة المغروسة في الإنسان السوي، الذي يتّصف بحبّ التجديد والتغيير والتطوير
والارتقاء بالجنس البشري نحو الأفضل. أمّا المجتمع الذي يعيش أفراده بعيدين عن هذه
الصفة، فهو مجتمع غير سوي، مجتمع يسير نحو الجمود والركود، ومن ثم الخراب والهلاك
والحياة الناقصة، التي لا يعرف أفراده مستقبلهم القريب، ناهيك عن البعيد..
4)
المبدئية والثبات والصدق: وموافقة القول للعمل، وموافقة العمل للقول.. ما أجمل أن
يعيش الإنسان لمبدأ يدور في دائرته، صادق في وعوده، وعهوده، ثابت على الطريق، لا
يهزّه ابتلاء، ولا تمنعه ابتلاءات من أن يعيش مستقيماً دون التواء؛ لا مال ولا
ثروات، لا مناصب ولا امتيازات، لا شهرة ولا وجاهات، تستطيع أن تحيده عن الطريق
الذي سلكه من أجل تحقيق غاياته وأهدافه التي تدور في دائرة إنسانيته..
عليه ينبغي التركيز في الخطاب الدعوي على المبادئ
والمعاني الإنسانية، وما جاء به الإسلام العظيم من المبادئ والأفكار والتعليمات
والتوجيهات التي تصب في خير البشـرية جمعاء.
الفرع الثالث
الإشكاليات العامة في الخطاب الدعوي الإسلامي
الإشكالية في اللغة: أشكَلَ إشكالاً (الأمر): التبس([7]).
وفي الاصطلاح: يُقصد بها أن هناك التباس وخلط في فهم وطرح موضوع ما. فالإشكالية
تكون في النظر والفكر.. فهي الأمر الذي لم يُحسم بعد في الذهن.. أي هناك خلط، وليس
هناك موقف حاسم وواضح تجاهه.
وهناك إشكاليات عديدة يعاني منها الخطاب الدعوي الإسلامي
العام (سواءً أكان حزبياً، أم شخصياً، أم كتيار عام غير منخرط في حزب سياسي،
كالمجامع الفقهية والمعاهد الفكرية والكليات والمدارس الشرعية...إلخ)، منها:
1.
إشكالية البديل-: خطاب لا يطرح البديل في مواجهة مشاريع
الآخرين، وإنّما يكتفي بنقدها.
2.
إشكالية الخطاب الإنشائي: خطاب لا يعتمد - في كثير من
الأحيان - على العلمية والموضوعية والوثائقية والرقمية.
3.
إشكالية الارتجالية والفوضوية: خطاب لا يعتمد على
الخططية والمنهجية في طرح القضايا، ووفق الأولويات.
4.
إشكالية التجريح: خطاب ينحرف أحياناً نحو التجريح الشخصـي،
والفئوي، والمذهبي، والطائفي.
5.
إشكالية الإثارة السلبية: خطاب يركّز على الخلافيات،
وينسـى المشتركات، يؤدّي أحياناً إلى إثارة النعرات والحساسيات، من دون الأخذ بنظر
الاعتبار المآلات والنتائج السلبية، مع كون المجتمع بغير حاجة إليها.
6.
إشكالية الطرح الجزئي: خطاب يغوص في الجزئيات، ومفرداتها،
بما يفقده أثره وواقعيته وشموليته، ولا يوازن بين العام والخاص، وما بين الكل
والجزء.
7.
إشكالية الماضوية: خطاب يركّز على الماضي، والتغنّي
بأمجاده، واجترار قصصه وبطولاته، بعيداً عن الواقع ومشكلاته ومتطلباته.
8.
إشكالية النخبوية: هو خطاب نخبوي أكثر من أن يكون
جماهيرياً.
9.
إشكالية البرمجة: خطاب وعظي أكثر من أن يكون خطاباً
تحليلياً علمياً مؤصَّلاً قائماً على المشاريع والبرامج التربوية والعلمية.
10. إشكالية العاطفية
المفرطة: أي عدم التوازن بين الخطاب العاطفي والعقلاني، فهو خطاب عاطفي غوغائي في
التفكير والسلوك، يتجاهل سنن الله في الكون والمجتمع.
11.
إشكالية عدم التوفيق والتوازن، بين الثوابت والمتغيرات.
12.
إشكالية عدم التوفيق بين الأصالة والمعاصرة.
13. إشكالية النقل
والفهم: ونقصد به عدم القدرة على التفاعل الواعي مع النصوص القرآنية والحديثية
(الصحيحة)، وقراءتها قراءة حرفية جامدة، بعيداً عن روح ومقاصد الإسلام الكلية، مع
عدم استحضار الواقع المتغيّر والمركب. وهذا المستوى غالباً ما يقع فيه ذوو البضاعة
المزجاة في الفقه الشرعي الكلي.
14. إشكالية خطاب منطق
الساحة، بدلاً من خطاب منطق الدعوة: ونقصد به طغيان التركيز على مجريات الساحة
السياسية، والمدافعة المثلية، على الدعوة، والإخلاص، والحرص على هداية الناس..
بمعنى آخر: تغليب المواجهات اليومية، وردود الأفعال، على المبادئ والأهداف العامة
للدعوة.
الفرع الثالث
الإشكاليات الأساسية في الخطاب الدعوي لدى (يه ككرتوو) على الخصوص
لكون الاتحاد الإسلامي الكوردستاني جزءاً من تيار الصحوة
الإسلامية في العالم الإسلامي، فإنه يعاني من نفس الإشكاليات التي تعاني منها
الصحوة، وذلك لتشابه الأسباب والدواعي، مع احتفاظه ببعض الخصائص والمميزات الخاصة
به كمجتمع كوردي. ولذا، نرى أن الخطاب الذي تميّز به (الاتحاد الإسلامي
الكوردستاني) هو خطاب منسجم مع العقل، ومع الواقع، يركّز على الوسطية والاعتدال
والتيسير، ويؤكّد على التعايش وتقبّل الآخر، والدعوة إلى الحريات العامة، والعدالة
الاجتماعية، والمساواة، والكرامة الإنسانية، والتأكيد على الشفافية المالية،
والمشاركة الفعالة، والتداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون. فهو خطاب يؤكّد على
الشكل، والأسلوب، والمضمون، وبذلك فهو مختلف عن خطاب الكثير من التيارات الإسلامية
السياسية، وغير السياسية.
فالخطاب الدعوي للاتحاد الإسلامي الكوردستاني له تأثيره
الواضح، وثقله، في الواقع الديني والاجتماعي.. فمضمون خطاب الحزب مضمون راقٍ، في
نظرته إلى القضايا المتنوعة والمثارة في الساحة، ومنها: قضية الديموقراطية،
والقضية القومية، وقضايا المرأة، والتوفيق بين الأصالة والمعاصرة، مع اتّصافه
باليسر واللين، بعيداً عن التشدّد والغلوّ.. وقد استطاع هذا الخطاب أن يغيّر
الكثير من نظرات وقناعات المجتمع، حول الكثير من القضايا العالقة في أذهانه، ولكن
الخلل في التسويق والتوظيف الإعلامي الواسع لهذا الخطاب المتميّز، المقبول،
والمطلوب في الساحة الكوردستانية. مع ما يعانيه هذا الخطاب من الإشكاليات والنواقص
والضعف والفتور، مع وجود بعض الإشكاليات (وخاصة في الخطاب المسموع) التي تحتاج إلى
المعالجة..
ومن الإشكاليات التي يعاني منها الخطاب الدعوي في الحزب،
ما يلي:
1.
إشكالية الخطاب الوعظي التوجيهي: في نظري بأن الإشكالية
الأكثر وضوحاً في الخطاب الدعوي للجماعة، يكمن في إشكالية كونه خطاباً وعظياً
(وخاصة الخطاب المسموع)، فلم يقم هذا الخطاب بطرح الإسلام كبرنامج ومشروع حضاري
شامل على العموم. وهذا إنْ كان له من وجود، ففي الخطاب المقروء، وداخل أروقة الحزب
(في الأسر التنظيمية، والتواصلات الحزبية)، أما بالنسبة للجماهير، والخطاب العام،
فلم نستطع إيصال هذا الطرح بالشكل المطلوب لهم !!.
2.
إشكالية الخطاب الإنشائي: نلمس بأن خطابنا الدعوي خطاب
إنشائي لا يعتمد في الكثير من الأحيان على العلمية والموضوعية والوثائقية والرقمية
(الإحصائيات)، أي فقدان الطرح الأكاديمي العلمي الموضوعي القائم على البيانات
والإحصائيات الرقمية!!
3.
إشكالية الخطاب العاطفي: خطاب يركِّز على إثارة المشاعر،
والأحاسيس، ودغدغة العواطف، أكثر من أن يكون خطاباً عقلانياً يقوم بالتركيز على
التفكير والتعقل، وذكر الحجج والبراهين العقلية.
4.
إشكالية الخطاب الشخصاني (الشخصنة): أرى بأن الأفراد القائمين
بالخطاب الدعوي (وهم في الواقع يمثّلون الجماعة، وفكرها، وبرنامجها الشامل) خطابهم
نابعٌ من وجهة نظرهم الشخصية، ومدى سعة ثقافتهم، أكثر من كونه خطاباً يمثّل خطاب
الحزب، ونظرته الشاملة للإسلام، وخطابه الدعوي الشمولي العام .
5.
إشكالية الخطاب
الجزئي غير الكلي: (فهو خطاب لا يطرح مواضيع الإسلام بشكل متوازن، وخاصة في
معالجته للمشاكل والتحديات التي تواجه البشـر)، أي إنه خطاب يغوص في الجزئيات،
ومفرداتها، بما يفقده أثره وواقعيته وشموليته. وهذا يصدق بشكل عام بالنسبة
لـ(الخطاب المسموع)، أمّا (الخطاب المقروء) فهو خطاب كلي متوازن في نظرته، وكيفية
معالجته للمشاكل والتحديات ..أي أن هناك ازدواجية في الخطاب للداخل وللخارج ما بين
الخطابين (المسموع والمقروء).
6.
إشكالية الخطاب الفئوي: الخطاب الدعوي في الجماعة خطاب
فئوي، يستهدف عوام الناس، دون نخبه السياسية والمثقفة والواعية.
7.
إشكالية الخطاب الفوضوي: فهو - إلى حدّ ما - خطاب بعيد
عن الخططية والبرمجة في طرح المفاهيم والأفكار، والتدرّج في ذلك، مع عدم الأخذ
بنظر الاعتبار الأولويات والأهم فالأهم من المبادئ والأفكار والمواضيع الواجب
طرحها وفق خطة محكمة وبرنامج دقيق هادف.
8.
إشكالية الخطاب العمومي الناقد: نرى بأن خطابنا الدعوي
خطاب عام، لا يتكلم عن البديل، ولا يطرحه، أمام مشاريع وبرنامج الآخرين. فهو خطاب
ينقد ويعرّي، أكثر مما يقوم بطرح البديل والتأكيد على البناء.
9.
إشكالية عدم التوازن ما بين الخطابين السياسي والدعوي.
الفرع الرابع
موقع وثقل الخطاب الدعوي للتيارات الإسلامية الأخرى المتواجدة في الإقليم
خطاب كل حزب أو مجموعة أو تيار يتأثر بالمدرسة الفكرية
التي ينتمي إليها، وهناك ثلاث مدارس فكرية رئيسة في الساحة، وهي: المدرسة الوسطية
الشاملة، والمدرسة التجزيئية، والمدرسة التقليدية..
ولكل مدرسة موقعها وثقلها وتأثيرها في الساحة، ولكل تيار
أو حزب أو مجموعة تابعة لهذه المدارس، مميزاتها وخصوصياتها وسماتها ..
عليه، يمكن القول بأن موقع وثقل الخطاب الدعوي للتيار
الوسطي الشامل، له تأثيره الواضح وثقله في الواقع الديني والاجتماعي في الساحة؛
وذلك باعتباره خطاباً وسطياً، معتدلاً، مع طرحه الواقعي والعقلاني.. فمضمون خطاب
المدرسة التي ينتمي إليها مضمون راقٍ في نظرته إلى القضايا المتنوعة، والمثارة في
الساحة، منها: قضية الديموقراطية والمرأة، والقضية القومية، والتوفيق بين الأصالة
والمعاصرة، مع اتّصافه باليسـر واللين، بعيداً عن التشدّد والغلوّ.. هذا الخطاب
استطاع أن يغيّر الكثير من نظرات وقناعات المجتمع حول الكثير من القضايا العالقة
في أذهانه، وخاصة المتعلّقة بالنظرة السلبية للدين عموماً، نتيجة لعوامل وأسباب
عديدة، ولكن الخلل في التسويق والتوظيف الإعلامي الواسع لهذا الخطاب المتميّز
المقبول والمطلوب في الساحة. مع ما يعانيه هذا الخطاب من الإشكاليات والنواقص
والضعف والفتور ..
أما الخطاب التابع للمدرسة التجزيئية، فإن موقعه ظاهر
على السطح، مع تأثّر مجاميع متفرقة به، وذلك نتيجة للاهتمام الإعلامي به، وتسليط
الأضواء البارز عليه، واستقدامه من قبل السلطات لمآرب معروفة([8])؛ منها: إحداث البلبلة في الخطاب الدعوي العام، وخاصة
أمام خطاب المدرسة الوسطية، واستخدامه للتشويش أكثر، لما له من آراء وفتاوى شاذة،
وغير مرتبطة بالواقع.. والمتتّبع لخطاب هذه المدرسة، وباتجاهاتها المتعددة، يلاحظ بأنه
يتّسم ببعض السمات، منها:
1.
خطاب يركّز على البعد العقدي، والالتزام بالسنن،
والتركيز على المظاهر .
2.
خطاب مجتزء يتّسم بعدم الشمول والانسجام.
3.
خطاب يركّز على المسائل الخلافية، مع التهجّم على التيار
الإسلامي السياسي. (يتهم التيارات الإسلامية بتهم كثيرة، في محاولة
لصدّ دعوتهم. وفي المقابل يهادن السلطة، ويصمت أمامها، بدواعٍ وحجج واهية غير
واقعية).
4.
خطاب يغوص في الجزئيات، بشكل يبعده عن الواقع، ومتطلباته.
5.
خطاب متشدّد، بعيد عن اليسر واللين المأمور بهما في
الدين.
6.
خطاب يركّز على الخطاب التوجيهي / الوعظي / الإنشائي .
7.
خطاب غوغائي، يتجاهل سنن الله في الكون والمجتمع .
8.
خطاب استفزازي، يقوم على إثارة الفتن والحساسيات .
9.
خطاب شخصاني، فئوي، مذهبي، منغلق، يتّجه وينحرف - في
أغلب الأحيان - نحو التجريح الشخصي والفئوي والمذهبي والطائفي.
10. خطاب فوضوي: فهو -
إلى حدّ ما - خطاب بعيد عن الخططية والبرمجة في طرح المفاهيم والأفكار والتدرج في
ذلك، ولا يهتم بالأولويات في الطرح.
11.
خطاب يتّسم بالغلوّ والتشدّد والتطرّف .
12.
خطاب ماضوي .
13.
خطاب يتّسم بالقراءة الحرفية للنصوص، بعيداً عن روح
ومقاصد الإسلام الكلية.
أمّا خطاب المدرسة التقليدية، فهو خطاب عام، تمثّله
الطرق الصوفية، والعلماء؛ من الأئمة والخطباء وطلبة الحجرات العلمية.. ويتّسم هذا
الخطاب باللين، والتلطّف، عموماً، مع التأكيد على الالتزام بالفتاوى والآراء
القديمة (المذهبية)، والتركيز على بعض العلوم الشرعية.. مع مسايرة السلطات العامة،
وتجنّب الأمور السياسية، والتأكيد على المظاهر والشعائر التعبدية.
أمّا خطاب المؤسسات الدينية الرسمية، فهو خطاب تابع
للسلطة الحاكمة، ويسير في ركابها.. مع الجمود والتصلّب في التعامل مع التيار
الإسلامي السياسي عموماً، والتيار الوسطي بالأخصّ، وإضمار العداء له، والتهجم عليه
بصورة مباشرة أحياناً، وبصورة غير مباشرة، في أغلب الأحيان..
الفرع الخامس
فوضى الخطاب الدعوي
الخطاب الدعوي بين التساهل والتشدّد، وبين تعدّد قنوات
التوجيه، والفتاوى المتضادة، وتأثيراتها السلبية على الفكر الديني..
يتأرجح الخطاب الدعوي، عموماً، بين التساهل والتشدّد،
بعيداً عن الطرح الوسطي الذي يتّسم به الإسلام. وكذلك نرى التشدّد الغالي،
والتركيز على المسائل الشخصية، والجزئية، وقضية المظاهر، والدوران في دائرة
التحريم والتبديع، مع التساهل في القضايا والمسائل العامة، والتي تخصّ المجتمع
ككل، مثل: الحديث عن الحريات العامة، والكرامة الإنسانية، وإقامة العدل والشورى،
ورفض الظلم والاستبداد.
أمّا بالنسبة إلى تعدّد منابر الخطاب الدعوي، وتعدّد
قنوات التوجيه، فهناك إيجابيات كثيرة، إنْ لم تكن هذه المنابر متضادة ومعادية
بعضها للبعض الآخر.. ولكن - مع الأسف - فإن تعدّد منابر الخطاب في إلإقليم، بين
التيارات الإسلامية السياسية، والتيار السلفي، والطرق الصوفية (الإسلام التقليدي)،
والمؤسسة الدينية التابعة لحزبي السلطة، أدّى إلى نوع من التشويش على المخاطبين..
ناهيك عن استغلال ذلك من قبل التيارات المخالفة، لا سيّما العلمانية الإقصائية،
واليساريين، واللادينيين، لضرب الدين، وتشويهه، والسعي لعدم توحيد الخطاب الإسلامي
بشكل عام، خاصة من قبل المؤسسة الدينية المحسوبة على الحزبين الحاكمين. فيما تراعي
في توحيد الخطاب، بما يحقّق مآرب السلطة، الإكثار من الحديث عن التسامح، والتعايش
السلمي، إلى حدّ التخمة، وكذلك أعياد ومناسبات غير المسلمين،
على سبيل المثال وليس الحصر..
وأمّا بالنسبة للفتاوى المتضادة، فقد وقعت التيارات
الإسلامية السياسية في الكثير من المطبات والتناقضات بين الحل والتحريم، والجواز
والإباحة، فيما يخص مواضيع عديدة.. فهناك فرق واضح بين ما يتبناه التيار
المدخلي، والتيار العام الإسلامي، فمن سمات فتاوى التيار المدخلي: التشدّد،
والتجريح، والتبديع، والتكفير، والجرأة في التحريم.. ممّا يؤدي إلى التضاد
والاختلاف في الفتاوى، ممّا يؤول إلى التشويش على الخطاب والفكر الديني عموماً..
ومن الفتاوى والرؤى المتنوعة المختلفة (المتناقضة) التي
وقع فيها التيار الإسلامي السياسي، كنماذج، ما يلي:
- الوقوف ضد الحزبية في البداية (تيار عام) ـــــ إعلان الحزب، والدخول في المعترك السياسي.
-
عدم استخدام الموسيقى ـــــ استخدامها،
وفي بعض الأحيان بشكل مقزّز
-
عدم الاحتفال بالمولد النبوي ـــــ الاحتفال بالمولد، والدعاية له
- قلّة وضعف مساحة الخطاب القومي ـــــ الإكثار من الخطاب
القومي إلى حدّ التخمة
- التركيز على الجانب التربوي والدعوي ـــــ التركيز على الجانب السياسي
-
التشدّد في الالتزام بالسنن والمظاهر ـــــ
التساهل والتسيب في الالتزام
وهناك فتاوى فقهية مختلفة حول بعض المسائل التي تتجدّد
كل عام، منها:
- زكاة الفطر.
- تهنئة غير المسلمين في أعيادهم ومناسباتهم الدينية.
- المشاركة في المناسبات الوطنية والقومية، والموقف من النشيد
القومي.
- مصافحة المرأة.
- الموقف من الجهاد (القتالي).. والجماعات المسلحة.
- الموقف من الديموقراطية والانتخابات.
وعملياً كان هناك إشكالية في التعامل مع بعض المفردات
العملية، مع سرعة التحوّل والتغيير المفاجئ غير المتدرّج، ممّا كان له التأثير
السلبي على نظرة المجتمع:
- الالتزام بمظاهر التديّن من اللحى والحجاب ـــــ الضعف
في الالتزام بمظاهر التديّن، واختفائها
- التواجد المكثّف في المساجد ــــ قلّة التواجد، بل انعدامه إلى حدّ ما
- التشدّد في الشروط والمواصفات ـــــ التهاون فيها إلى
حدّ التميّع
-التعمّق في الحزبية والانتماء ـــــ التساهل، والضعف فيها
- العزوف عن المناصب وتسلّم المسؤوليات ــــ المنافسة على
تولّي المسؤوليات
- الزهد في الدنيا، وعدم الاهتمام بزخارفها، والمسائل
المادية ـــــ الانغماس في الماديات إلى حدّ الوقوع في الشبهات .
السمات والحالات التي يثمرها الفوضى في الخطاب الدعوي،
وأسبابها:
من السمات والحالات التي يثمرها فوضى الخطاب الدعوي:
1)
التعصب والانغلاق،
2)
نشر العاطفية والغوغائية،
3)
ظهور الجدل والكلام فيما لا ينفع،
4)
الانحلال والبعد عن الرسالة الصحيحة، ومقاصدها، وروحها،
5)
إثارة النعرات والحساسيات الطائفية والمذهبية والحزبية،
6)
عدم تقبّل الاختلاف والتنوّع.
7)
تشويه الصورة، والتشويش، وخاصة بالنسبة لعامة الناس
وأنصاف المثقفين.
وهناك أسباب
وعوامل لهذه الفوضى، منها:
1.
ضعف الوازع الديني.
2.
ضعف العلم الشرعي.
3.
غلبة حظوظ النفس.
4.
الاستسلام للواقع والتأثّر به.
5.
اتّباع الأهواء.
6.
فقدان القدوة الحسنة.
7.
مهادنة الظلمة والانقياد والانصياع لهم.
8.
التوجه الحزبي الضيق.
9.
الإعلام المضاد.
10.
حملات الدّس والتشويه من قبل المجاميع المنحرفة عن
الإسلام الصحيح.
الفرع السادس
الخطاب الدعوي المطلوب
لكي يثمر الخطاب الدعوي الإسلامي، ويؤثِّر في الساحة
ينبغي أن يتّسم ويتّصف ببعض السمات والخصائص، منها:
1.
خطاب يراعي واقع الناس، وأحوالهم، وبما لا يخالف أصول
الدين.. (الواجب على الداعية أن يغوص في واقع المجتمع، وأن يعايش أهله، وأن ينشغل
بهمومهم ومشاكلهم، وأن يعمل على إيجاد الحلول والمعالجات لها، وطرحها لهم..)
2.
خطاب تجديدي غير متصلّب، يراعي متغيّرات الزمن
ومستجداته.. (ينبغي على الداعية أن يكون على وعي ودراية كاملة بالواقع ومتغيّراته
ومستجداته).
3.
خطاب يتّسم بالتلّطف والطيّب من القول، ويستخدم اللين
والمرونة، بدلاً من التشدّد والغلظة.
4.
خطاب يقف ضدّ التسيّب والانحراف، ويواجه الغلوّ والتطرّف.
5.
خطاب يركّز على الأصالة والمعاصرة. (خطاب لا يقتلع
المجتمع من جذوره، ولا يبعده عن مستجدات ومتطلبات عصره).
6.
خطاب يعتمد على العلمية والموضوعية والوثائقية والرقمية.
(وهو الخطاب الذي يركِّز على الإقناع بالحجج والبراهين والأدلّة، بعيداً عن فرض
الرأي والعموميات والإنشائيات).
7.
خطاب يأخذ بمبدأ الوسطية والتيسير، وليس التعسير .
8.
خطاب يؤكّد على الأدلّة الصحيحة، ويتجنّب الأحاديث
الموضوعة والضعيفة. (في الصحيح ما يغني عن الضعيف والموضوع).
9.
خطاب يستخدم النصوص الواضحة، والطرح المنطقي الواقعي،
بعيداً عن الخرافات والقصص الوهمية. (خطاب يعتمد بدرجة أساسية على القرآن والسنة
الصحيحة، بدلاً من الاعتماد على التراث والفقه، وما خلّفه التاريخ من معطيات ..)
10. خطاب يعطي الجانب
الروحي حقّه، ويؤكّد على إحياء القيم الإيمانية العليا ذات الطابع الروحي، لأن
الإنسان المعاصر يعيش أزمة روحية، وبإمكان هذا الخطاب إعادة التوازن بعد غلبة
الجانب المادي في مفاصل حياة الفرد والمجتمع، وذلك عن طريق طرح وسائل وأساليب وطرق
تزكية النفس؛ من الدعاء وصلاة التهجد والأذكار وتلاوة القرآن وصوم النوافل.. والاطّلاع
على أمراض القلوب، وكيفية معالجتها، والتخلّص منها.
11.
خطاب يطرح البديل، بدلاً من التركيز والانشغال بنقد
مشاريع الآخرين .
12.
خطاب يؤكّد ويهتم بطرح القضايا وفق الأولويات والأهمّ
فالأهمّ .
13.
خطاب يتجنّب إثارة النعرات والحساسيات، ويبتعد عن
التجريح الشخصـي والفئوي والمذهبي والطائفي.
14.
خطاب يؤكّد على الكليات والأصول والمبادئ والقواعد
العامة؛ من شريعة الإسلام، والمشتركات الإنسانية .
15.
خطاب عام موجّه لجميع فئات المجتمع. (خطاب جماهيري عام)
16.
خطاب ينطق بلسان مشـروع مجتمعي بنائي تغييري، ومطروح وفق
برنامج ومشروع حضاري شامل ومتوازن.
17.
خطاب يأخذ بنظر الاعتبار التدرّج وقوانين وسنن التغيير
في المجتمعات (خطاب يدرك سنن الله في الكون والمجتمع).
18. خطاب يطرح موضوع
العبادات، ويوازن في الحديث عن الفعل العبادي اللازم، والفعل العبادي المتعدّي،
والعبادات البدنية والمالية، والعبادات القلبية، إلى جانب الكلام عن الإيمان
المبني على الأدلّة والقناعات. ويؤكّد على الأخلاقيات والسلوكيات في التعامل .
19. خطاب واضح ومسؤول:
الخطاب الدعوي في أصله هو تأويل وتفسير بشـري لمنطوق ومفهوم ونصوص الوحي، فإذا لم
يكن واضحاً مفهوماً، وذا مفردات محدّدة المعاني، وتصوّرات واضحة، فإن الناقلين
والمقلّدين والأتباع سيغرقون في تأويل التأويل، وتفسير المبهم، ويتعرّض الخطاب برمّته
إلى عملية تشويهية.. وأن يكون الخطاب مسؤولاً بأن يصدر من جهة مسؤولة، أو شخص
مسؤول عن كلامه، بحيث يعبّر خطابه عن اجتهاد صاحبه فقط، أو الطائفة، أو المدرسة،
أو الجماعة التي يمثّلها، وهذا يزيل الكثير من الغبش، وبالتالي نتجنّب الإطلاقية
في الأحكام والتفسيرات .
20. خطاب يجمع في
أساليبه بين الإنذار والبشارة، بين الترغيب والترهيب، بين الاستنهاض والزجر، بين
التحريض العاطفي والتنوير العقلي والمشروع العلمي .
21. خطاب منفتح على
الثقافات والأديان الأخرى، يتجنّب منطق التجاهل والانغلاق، بل يتعامل بمنطق الحكمة
والدراية، من أجل النفع العام.. يعاصر الحدث، دون أن يتأثر بالمضمون، ودون أن يخاف
من الأفكار المستوردة.
22. خطاب يركّز على فقه
الإئتلاف الذي يعمل على تعميق المشترك، وتعزيز الجوامع، وتوسيع قاعدة المتّفق
عليه.. تحقيقاً لموجبات الوحدة، والتضامن الاجتماعي، والوئام المدني، والسِّلم
الأهلي.
23. خطاب يؤكّد على أدب
الاختلاف.. انطلاقاً من مبدأ إقرار حقِّ كلِّ صاحب مذهبٍ، أو رأيٍ معتبرٍ، في
تبنِّيه والدعوة إليه – وفق الأصول العلمية والعملية - ، مع رعاية رحم الأخوّة،
وحفظ الحرمات، ومراعاة أن الحقّ يُقبل من كلّ من تكلّم به.. ولا يحلّ التشنيع على
المخالف، والإرجاف، بسبب مسائل تحتمل وجوهاً في الفهم، ومتَّسعاً من الرأي.. سواءٌ
أكان في المسائل النظرية العلمية، أم المسائل الفروعية العملية([10]).
وهناك مسائل وقضايا أخرى متنوعة، على الخطاب الدعوي
أخذها بنظر الاعتبار، منها أن يكون:
-خطاباً جريئاً في تقديم الحلول والمعالجات للمشاكل
والأزمات.
-خطاباً عالمياً شاملاً للمبادئ والمسائل الإنسانية.
- خطاباً لا يقتصر على التذكير بعالم الآخرة، بل يستثمر كل ما يسهم في تحسين
حال الإنسان في الدنيا.
-خطاباً ينوّع الأساليب ويختار المضمون المناسب لكل فئة
من المخاطبين
-خطاباً يتّسم بمحاولة إفهام المسلمين حقيقة الإسلام
والعبادة والمعاملة والأخلاق، وتجاوز الجانب الظاهري الشكلي للالتزام بالشريعة.
-خطاباً يركِّز على الإصلاح الاجتماعي، مع التأكيد على
تربية وبناء الإنسان، والعمل على مواجهة الإفساد الممنهج الذي يستهدف الدين بشكل
عام، والتيار الإسلامي بشكل خاص.
-خطاباً يؤكّد على الحفاظ على الهوية الإسلامية للمجتمع،
مع احترام الآخر، والحفاظ على السلم الاجتماعي، والوئام بين شرائحه، بدلاً من
الصدام والتفرقة ([11]).
- خطاباً يراعي متطلبات كل مرحلة على حدة . (على سبيل المثال: التأكيد على رفض الظلم الموجود في المجتمع من
قبل السلطات، وبيان حكم الإسلام في ذلك، وتأكيده على العدل ..)
- خطاباً يؤكّد على تماسك النسيج الاجتماعي للمجتمع، وعدم
محاولة تمزيقه، والمساس به، باعتباره من ضرورات الأمن القومي.
.
التوصيات :
1.
التأكيد على الدراسات الأكاديمية، وخاصة المتعلّقة
بمعرفة طبيعة المجتمع، وكيفية التعامل معها، لأنه من المهم إدراك وفهم طبيعة
المجتمع أولاً، ومن ثَمَّ تحديد نوع الخطاب المطلوب اختياره في التعامل مع الواقع.
2.
العمل على حلّ إلإشكاليات الموجودة في الخطاب الدعوي.
3.
الاستفادة من المؤتمرات واللقاءات العلمية للمجامع
الفقهية، والجامعات، والمراكز البحثية، حول تطوير الخطاب الدعوي.
4.
العمل على تجديد الخطاب الدعوي.
المصادر والمراجع :
1)
إحياء الخطاب الديني، محمد عبد الله الخاوري، ط1، دار
النشـر للجامعات، القاهرة، 2013م.
2)
مقالة: تحديات تواجه الصحوة (الرمـــز وتشخيص الحالة)،
بدون اسم المؤلف .
3)
نحو خطاب إسلامي مرتبط بالأصل ومتّصل بالعصـر، عصام أحمد
البشير، ط2، 2015، منتدى النهضة والتراث الحضاري – الخرطوم.
4)
ملخص نتائج ورشة عمل: عناصر الخطاب الإسلامي في
كوردستان.. تحليل وتقويم، مركز الزهاوي للدراسات الفكرية في السليمانية، 27/6/
2015 .
5)
الرائد، معجم ألفبائي في اللغة والأعلام، جبران مسعود،
ط1، 2003، دار العلم للملايين، بيروت – لبنان.
[1]
) ينظر: نحو خطاب إسلامي مرتبط بالأصل ومتصل بالعصر، عصام أحمد
البشير، ط2، 2015م، منتدى النهضة والتراث الحضاري – الخرطوم، ص 9 – 11 .
[2]
) ينظر: ملخص نتائج ورشة عمل: عناصر الخطاب الإسلامي في كوردستان..
تحليل وتقويم: مركز الزهاوي للدراسات الفكرية في السليمانية، 27/6/ 2015، ص 13 .
[3]
) ينظر: إحياء الخطاب الديني، محمد عبد الله الخاوري، ط1، دار
النشر للجامعات – القاهرة، 2013. ص: 20 – 23 .
[5]
) انفصام الشخصية: مرض نفسي، يضطرب معه
العقل والمشاعر والسلوك، فلا يدرك صاحبه فرقاً بين الواقع وما يصوّره له خياله من
أوهام. ينظر: الرائد، معجم ألفبائي في اللغة والأعلام، جبران مسعود، دار العلم
للملايين، ط1، شباط- 2003م، بيروت – لبنان، ص168.
[7]
) ينظر: الرائد، معجم ألفبائي في اللغة والأعلام، جبران مسعود، ط1،
2003، دار العلم للملايين، بيروت – لبنان، ص 95 .
[8]
) التيار التجزيئي في الإقليم كان متواجداً قبل الانتفاضة على شكل
أفراد قلّة.. وبعد الانتفاضة تمثّلت في مجاميع متعددة متأثرة بالتيارات الوافدة من
الخارج، وخاصة تيار المدرسة العلمية، وبمرور الزمن انتشرت فكرة التيار بين بعض
الشباب المهتمين بالعلوم الشرعية، ولأسباب عديدة، منها: مهادنة عموم أفراد التيار
للسلطات، وقيامه بالتهجّم على التيارات الإسلامية السياسية، وجعله شغله الشاغل،
مما أدى إلى إفساح المجال له في المساجد، والسيطرة عليها.. وظهرت أفكار (المدرسة
الجاميّة - المدخلية) فيما بعد، ويعد أتباع هذه المدرسة أكثرهم عدداً اليوم
.. ومع الدعم الموجود لا يُرى لهذا
التيار التأثير الملموس الواضح على الواقع الاجتماعي أو السياسي، إلا في مساحات
ضيقة جداً؛ وذلك لكون هذا التيار المتشدّد المستورد من البيئة السعودية، الذي يدعو
إلى منهج الإسلام وفق التصوّر السعودي، وبمنهج غير منسجم مع البيئة المحلية في
كوردستان، مع تميّزه بالسذاجة السياسية، وعدم الانسجام، وعدم الواقعية، والتصلّب
في المواقف، والتضارب والتناقض في الفتاوى، مع الدوران في تمجيد الماضي، والتبعية
الواضحة.
[9]
) ينظر: ملخص نتائج ورشة عمل: عناصر الخطاب الإسلامي في كوردستان..
تحليل وتقويم، مركز الزهاوي للدراسات الفكرية، 10/رمضان/1436هـ الموافق لـ
27/6/2015 . ص: 15 .
[10]
) ينظر: نحو خطاب إسلامي مرتبط بالأصل ومتصل بالعصر، مصدر سابق، ص
28 – 29 . ملخص نتائج ورشة عمل: عناصر الخطاب الإسلامي في كوردستان.. تحليل
وتقويم، مصدر سابق، ص 16 – 17.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق