د. عمر عبد العزيز
? تحدثنا في مقالات سابقة عن رؤية العلامة ناصـر سبحاني حول (التصوّرات والقيم الدينية)، فذكرنا: رؤيته حول المذاهب الفكرية والكلامية والفلسفة والفلاسفة، ونظريته تجاه أسس القيم الدينية، ودورها في الحياة الاجتماعية، وكذلك أقسام القيم والأحكام، وكيفيّة تلقّيها من قبل الإنسان ومصادر المعرفة لدى الإنسان.
وبذلك أنهينا الحديث عن موضوع التصورات
والقيم الدينية.
ومن هذا العدد ـ فصاعداًـ سنخصص ـ بإذن الله ـ مقالات للحديث عن باقة أخرى من آرائه حول: (أركان الإيمان الأساسية): بدءاً بمعرفة الله والإيمان به، ثم تحليله لأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، ثم كلامه في حقيقة
التوحيد وآثاره، والشـرك وأنواعه، وكذلك كلامه في النبوة والرسالة، وأخيرا منهجه في التربية الإيمانية وتزكية النفس.أولاً/ منهجه في معرفة الله والإيمان به:
أولاً/ معرفة الله هي المنطلق الأول:
يُعتبر العلامة ناصر سبحاني من أبرز العلماء
الإصلاحيين المعاصرين الذين اتخذوا من مباحث الإيمان ومعرفة الله منطلقا أولياًّ
في تفكيره، ثم البناء عليه في دراساته الإسلامية الوسيعة في جميع المجالات
الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية. ولكن الفرق بينه وبين علماء الكلام هو
أنه جعل القرآن مصدره الأساس في البحث عن معرفة الله، بعيداً عن جدل الكلاميين
وسفسطة المتفلسفة المسلمين. كما وإنه ابتعد عن منهج الظاهريين الحرفيين الذين لا
يلتفتون إلى المقاصد والمعاني، بل تحبسهم أطر الألفاظ والمباني، وكذلك لم يسلك
منهج التقليديين الذين لا يؤمنون بالتجديد والاجتهاد، ولا منهج أهل العرفان الغارقين
في أوهام الخيالات، بل إنه يعتبر من طراز العلماء القلائل من الربانيين المهتمين
بالقرآن؛ فهماً وفقهاً ودراسة، والمعتقدين بالإصلاح والتجديد الديني؛ فكراً
وممارسة.
ولعل حالة المساجلات الفكرية الساخنة ـ في
بلده ـ حول الاتباع والابتداع، والتقليد والتجديد، والأصالة والمعاصـرة، وإهمال
دور القرآن في خضم تلك المساجلات، جعل من سبحاني يهتم اهتماماً فائقاً - قلّ
نظيره- بالقرآن، ليقوّي تلامذته وأنصاره على مجابهة الانحرافات والخرافات السائدة
في بلاده، وكثير من بلاد المسلمين، والرجوع بهم إلى نبع الإسلام الصافي الذي يمكن
اجتماع جميع المذاهب والاجتهادات عليه، دون خلاف، وهو كلام الله سبحانه.
وكان أول مجال رآه ضـرورياً لدراسته في ضوء
القرآن ما يتعلق بمعرفة الله. وكانت جهوده ترمي إلى إبراز هدف جوهري للغاية، هو
بيان كون المسائل المتعلقة بمعرفة الله نبراساً أمام سالك سبيل الهداية في جميع
الأمور الحياتية، سواء فيما يتعلق بتزكية الأنفس، أو ما يتعلق بإعمار الأرض، وهما
ركيزتان أساسيتان تمثلان ـ في نظره ـ مختصـر وظيفة العبودية التي أنيطت بالإنسان.
ولهذا تفحّص الشهيد الآيات التي تشير إلى معرفة الله، في نطاق حديثه عن الإيمان،
وتضمنت مئات الساعات من دروسه في تفسير تلكم الآيات، الحث في الوقوف ملياًّ
أمامها، وفهم مفردات ألفاظها، والدروس والمعاني المستنبطة منها.
للشهيد سبحاني عشرات الساعات من الدروس
المخصصة لمعرفة الله سبحانه، استعرض وناقش فيها الأدلة التي اعتمدها علماء الكلام
ورجال الفلسفة. فذكر (دليل الإمكان) الذي قال به المتفلسفة المسلمون كدليل لوجود
الله سبحانه، حيث يرون أن لعالم الوجود ثلاث صور في التقسيم العقلي، وهي:
1ـ ممتنع
الوجود: بمعنى الذي لا يمكن وجوده، ولا يتصور أساساً، كاجتماع النقيضين.
2ـ ممكن
الوجود: الذي يتساوى وجوده وعدمه.
3ـ واجب
الوجود: الذي ليس وجوده ممكناً فقط، أو ممتنعاً، بل واجباً عقلاً.
وهكذا استنبطوا: ما دام الكون قسماً من
الممكنات، وليس وجوده واجباً بالذات، ولبطلان الفرضيات الأربع الأخرى: (الدور،
والتسلسل، والصدفة، وخلق الذات)، يتبين في النهاية أن الكون لم يوجده إلا واجب
الوجود الذي هو الله سبحانه. وهكذا استدلوا بالمخلوق على الخالق.
ثم ذكر
سبحاني دليل المتكلمين على وجود الله، وهو: (دليل الحدوث)، وتفصيله هو: أن الكون
حادث لأنه متحرك ومتغير، ولكل متحرك ومتغير مبدأ ومحرك يحركه ومغيّر يغيره. ولا
يمكن أن يكون الكون أزلياً، لكون المخلوقات فيه تتحرك نحو الكمال، ولو كان أزلياً
لانتهت المخلوقات فيه إلى درجة الكمال منذ زمن بعيد، وهذا ما لا يشاهد.
ناقش سبحاني هذين الدليلين بتفصيل([1])، ثم ذكر
أن القرآن لم يشـر إلى موضوع إثبات وجود الله سبحانه، لأنه لم يكن مدار البحث طيلة
القرون التي سبقت الإسلام، بل الذي حدث هو وقوع فئات من الناس في أنواع ضلال
الشـرك، لا سيما الشـرك في الفاعلية، حيث "جَرَّ الإنسانَ قصـرُ النظر على
الظواهر إلى أن يظن أن التأثيرات الصادرة عن المخلوقات ذاتية كلها، وأنها هي
الفاعلة للأفعال المتعلقة بها"([2]). وكذلك
حدث الشـرك في شطر المعينية من الألوهية، "فخّر الإنسان من سماء إخلاص الدين
لله في العبادة والاستعانة، إلى اتخاذ من يشـرّع له من الدين ما لم يأذن به الله
معبوداً، ودعاء من لا يملك نفعاً ولا ضـراً من خلق الله معيناً شفيعاً"([3]). كما
وقع الشـرك في شطر المعبودية من الألوهية، التي إنما يتم التوحيد فيها
"بالكفر بكل حكم وشـرع من دون الله، وبالتسليم إلى حكم الله وشـرعه، فإن من
المناقض للعبودية طاعة أمر من لا يحكم بما قد أنزل الله، وكيف لا؟ وما العبادة إلا
طاعة أمر آمرٍ، أو دعاءُ مستعانٍ؟"([4]).
بناء على هذا ركز سبحاني على دليلين، سمى
الأول منهما: (دليل النظم)، وثانيهما: (دليل الوحي). وإليك بيان مختصرٍ كل منهما:
دليل النظم ـ ويقصد
به النظم الواقع في الكون ـ هو الدليل القرآني الذي استنبطه الشهيد باستقراء
الآيات التي تظهر عظمة الله في خلقه، بالإشارة إلى مخلوقاته، ونعمه التي لا تحصـى.
يقول في هذا الصدد: "دليل النظم ـ لمعرفة الله ـ دليل قرآني يستفيد منه
العامي والعالم على حد سواء، حتى إن ذلك كان سبب هداية العديد من العلماء
الغربيين". ثم يشـرح أركان الدليل وهي أربعة في نظره: 1 ـ الكمية المعينة. 2
ـ الكيفية المعينة. 3 ـ الاستعداد الخاص. 4 ـ الهداية والتنسيق بين كل مخلوق
وغيره.. بمعنى أن هذه الأركان التي تمثل مكوّنات النظم، موجودة ـ فعلاً ـ في كل
مخلوق من مخلوقات الله، وهي بجملتها تدل على وجود ناظم حكيم عليم"([5]).
ثم يذكر (دليل الوحي) المتمثل في جعل القرآن، بإعجازاته اللغوية والفنية
والتشـريعية والعلمية، دليلاً قاطعاً على وجود إله مقتدر.
ثالثاً/ منشأ الخلل في معرفة الله سبحانه:
تحدث سبحاني بإسهاب في دروسه عن أن الإنسان
مفطور على الإيمان بالله، ولم تقع حالات الإشـراك بالله في ذاته العليّة، أو
خالقيّته، أو ربوبيّته، في أيّ أمة من الأمم السالفة التي سبقت عهد نزول القرآن.
يقول في هذا الصدد: "فطر الله ـ تعالى ـ الإنسان ـ أي جعله في خلقه، وبرئه،
وتصويره، وتسويته، وهدايته، بحيث يكون متهيئاً لأن يؤمن بالله ـ تعالى ـ خالقاً
لكل شيء، فاعلاً لكل فعل، ربّاً للسماوات والأرض وما بينهما، إلهاً لكل عابدٍ
مستعين. وأن لا يشـرك به شيئاً في الخلق، أو الفعل، أو الربوبية، أو الألوهية،
ولكن الإنسان الظلوم الجهول دسّى نفسه فيما كان مفطوراً على نقيضه، فأشـرك بالله ـ
سبحانه ـ ما لم ينزل به سلطاناً، إلا أنه لم يبلغ أن يشـرك به في الذات، أو في
الخالقية، أو في الربوبية، وإنما كان إشـراكه به في الفاعلية، وفي الألوهية"([6]).
ثم يذكر أن أساس شـروع عبادة غير الله بدأ
بتصور خاطئ منشؤه جهل الإنسان، وهو: أن الناس بسبب المعاصـي التي يرتكبونها لا
يمكنهم أن يتصلوا بالله ليقدموا طلباتهم، ويعرضوا حاجاتهم، ويخاطبوه بالأدعية،
ولهذا يحتاجون إلى وسائط بينهم وبين الله، وفي أغلب الأحيان كانوا يختارون
الملائكة والصالحين - باعتبارهم الأقرب إلى الله -، وبما أنهم لا يتمكنون من
الاتصال المباشـر بالملائكة والصالحين القدماء، لجأوا في البداية إلى فكرة صنع
تماثيل تذكارية لهم، تخليداً لذكراهم، ولأجل تخيلّهم أثناء أدعيتهم، وهكذا بمرور
الزمن تصورت الأجيال التالية لهم أن أجدادهم كانوا يعبدون تلك التماثيل.
هكذا بدأت قصة نشوء الأصنام([7])، وكان
ابتداء عبدة الأوثان في ذلك الوقت، وسميت تلك الصور بهذه الأسماء، لأنهم صوّروها
على صور أولئك القوم المسميّن بهذه الأسماء([8]). ولهذا
استمر إرسال الرسل من قبل الباري سبحانه لتصحيح عقيدة الناس، بدءاً بمعرفته كما هو
عزّ شأنه، لا كما تصوره العقائد الباطلة. فأول من بعثه الله ـ بعد آدم ـ وفق سـرد
القرآن لتاريخ الأنبياء (عليهم السلام) نبي الله نوح، حيث كلّفه الله أن يعرّف
الناس بربهم، بأنه وحده سبحانه هو آمرهم كما هو خالقهم، ومعينهم كما هو المنعم
عليهم، وحاكمهم كما هو رازقهم، وهو وحده النافع الضار، وأنه لا حاجة لوسيلة بينه
وبينهم.
ولقد قامت قناعة سبحاني ـ في مجال فهم العقيدة
الإسلامية، كما في مجال ثوابت الشـريعة ـ على مقدمة أساسية مفادها أن القرآن ينبوع
المعرفة الشاملة. وكانت قناعته هذه تتواكب مع قناعة أخرى تجسدت في دعوته لفتح باب
الاجتهاد لأهله، لتحقيق مصداقية كون الشـريعة صالحة لكل زمان ومكان.
سبق أن أشـرنا - في مباحث سابقة - أن ناصر
سبحاني أكد على أن أساس التصورات الدينية: معرفة أن الله تعالى له الخلق والأمر،
وعلى ذلك تنبني ـ كما يقول ـ كل تصورات المسلم عن الله والكون والإنسان والحياة،
وكل قيمه التي قد جعلها الله له موازين يرجع إليها فيما يعرف وينكر، ويحب ويبغض،
ويأتي ويذر.
ولقد خصص العلامة ناصـر سبحاني إحدى دراساته
القيمة لهذا الموضوع، وهي: (أسس التصورات والقيم)، ذكر فيها تفصيل ما يتعلق بمعرفة
الله، معتمداً على المنهج القرآني الميسَّر، بعيداً عن جدل الكلاميين وسفسطة
المتفلسفين. ولعل تلخيص ما جاء في تلك الدراسة يعطي ذخراً معرفياً للقارئ، يغنيه
عن البحث في ثنايا مئات الساعات من الدروس، ويكفيني ـ مع ذلك ـ عناء الخوض في نقل
العشـرات من أقواله المتعلقة بذلك الموضوع:
أكد سبحاني أنه لا تتأتى عبادة الله تعالى إلا
ممن يكون قد جاءه العلم بالتصورات الدينية، فآمن حق الإيمان، وتلقى القيم
الربانية. ثم أكد أن الطريق إلى التصورات، الحياة في ظلال القرآن الكريم. ثم بدأ
الشهيد بعرض جانب من مشاهد تتعلق بعملية بدءِ خلق الله لمخلوقاته، مستهدياً بآيات
قرآنية كريمة، فذكر كيف أن الله أراد أن تكون سماوات وأرض وأشياء بينهما، فبدأ
بتكوين المادة الأولى (الماء)، ثم حصل منه ما سمّاه الدخان. ثم (خلق) من ذلك
الدخان السماوات والأرض وما بينهما، و(سوّى) ـ أي جعل كل ما خلق مستوياً، هو وما
كان في علمه من التصميم، و(قدّر) ـ أي أعطى مادته قدراً من القوة والخاصية، تصير
به إلى ما أراد، و(هدى) كلاً ـ أي بيّن سبيلاً لكل شـيء يسلكه، إما تسخيراً أو
ابتلاء. ثم استعرض مستلزمات الأمر الابتلائي الذي يقتضي أن يؤمن الإنسان بالله
ربّاً وإلهاً، حيث فطر الإنسان على أن يؤمن بالله خالقاً لكل شـيء، فاعلاً لكل
فعل، ربّاً للسماوات والأرض،
إلهاً
لكل عابد مستعين، وأن لا يشـرك به شيئاً في الخلق، أو الفعل، أو الربوبية، أو
الألوهية. وجاء من الله الهدى يبين أن ليست المخلوقات إلا أسباباً، وأن ليس فاعلاً
حقيقياً إلا الله، فمن أسمائه الحسنى أنه (الوكيل)، ومن ثم لا إيمان إلا بالتوكل
عليه. كما أكد أنه لا يقع فعل إلا بعد إذن من الله ووجود سبب. ووضّح أن اتخاذ غير
الله تعالى شفيعاً - في الدنيا - واستعانته واستغاثته، إشـراك بالله في شطر من
الألوهية. كما أن الحكم والأمر الابتلائي ليسا إلا من شأن الله، والإيمان بذلك هو
الشطر الآخر من الألوهية، فكما أنه لا معين إلا هو، فلا إله إلا هو - سبحانه
وتعالى.
ثم أكّد أن مواجهة سنن الله، في الدنيا أو في
الآخرة، بغير ما قد جعله هو سبباً، اتخاذ للشفيع من دون الله، وإشـراك به سبحانه
في شطر من شطري الألوهية، ويعني به الإعانة الناشئة عن القدرة على النفع أو دفع
الضـر.
ثم ذكر أن توحيد الألوهية يتحقق بالكفر بكل حكم
وشـرع من دون الله، وبالتسليم إلى حكم الله وشـرعه، حتى يتم توحيد الله في العبادة
والاستعانة، على السواء([9]).
واستكمالاً لمباحث معرفة الله، أشار العلامة
سبحاني - في إحدى مناظراته العلمية مع أحد المتصوفة - إلى أن الشـرك إنما يقع في
خمس مجالات، هي: أن يعتقد شخص أن هناك ذاتاً أخرى، أو فاعلاً ومؤثراً آخر، أو
خالقاً آخر، أو ربّاً آخر، غير الله سبحانه وتعالى، ويقابل ذلك التوحيد في الذات
والفعل والخالقية والربوبية والألوهية.
هذا من
ناحية تصور الشرك عقلياً، أما فيما بيّنه القرآن، فيتّضح أن الشـرك لم يقع في ثلاث
جوانب مما ذكرنا، وهي: في الذات، وفي الخالقية، وفي الربوبية. أما قول فرعون: أنا
ربكم الأعلى، فجاء بمعنى الحاكمية، التي هي إحدى معاني الرب، لا بمعنى الخالق، أو
الفاعل. والدليل على ذلك أنه كان لفرعون آلهة، كما يصـرح القرآن بذلك. قال الله
تعالى على لسان قوم فرعون: {وَقَالَ
الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ...}الأعراف/١٢٧. بل لقد كان له معبد فيها أصنام، ويدخله بين حين وحين، ليستغيث بهم ويستنصرهم، فادعاء
فرعون الحقيقي هو ما ذكره القرآن في قوله: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ
إِلَٰهٍ غَيْرِي...}القصص/٣٨.
هذا، ومن المحقق أنه قد وقع كثير من الناس في الشـرك في جانبين، هما:
الفعل، والألوهية. أما في الفعل: فلقد برز اعتقاد بأن الأسباب تؤثر ذاتياً، ولذا
نوّهت دعوة التوحيد بأن لا فاعل ـ حقيقياً ـ إلا الله تعالى، قال سبحانه: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ
قَتَلَهُمْ ، وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ..}الأنفال/١٧، وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}التكوير/29. بهذا يتبين أن المؤثر الحقيقي هو الله سبحانه لا غيره،
فالدواء للمريض سبب للصحة، ولكن الله هو الشافي والمؤثر في الدواء، إذ ليس للأسباب
تأثيراً ذاتياً، وهكذا شأن الأمور الأخرى.
وأما الشـرك في الألوهية: فهو ميدان المعركة بين الأنبياء (عليهم السلام)
وأقوامهم، حيث ظهر الشـرك بشتى صوره فيها. قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا
لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَلَوْلَا كَلِمَةُ
الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الشورى/٢١. فوقع الشرك في شقي الألوهية: (المغيثية، والحاكمية)"([10]).
هذا ما يراه العلامة سبحاني، ولكن تأثير الأسباب إنما هو لأن الله تعالى
جعل فيها قوة التأثير، فالأمر في ذلك عائد إلى تأثيره سبحانه. ومن هنا يأتي إسناد
الله تعالى الأفعال إلى الناس، في مثل قوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}السجدة/١٧ ، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} النحل/ ٩٧.
وإلى مقال قادم بإذن الله، وحديث العلامة سبحاني حول أسماء الله
الحسنى وصفاته العلى.
([1]) وذلك في
كثير من دروسه، لا سيما ساعتان من دروسه المخصصة لمعرفة الله، والتي تتكون من (22)
ساعة، المسماة: (دروس في معرفة الله).
([7]) ذكر معظم
المفسـرين والمؤرخين هذا الأمر وأيدوه، بل أكدوا أن أسماء (ودّ، وسواع، ويغوث،
ويعوق، ونسر)، التي وردت في الآية (23) من سورة نوح، إن هي إلا أسماء خمس من
الصالحين (انظر مثلاً: تفسير الطبري، وزاد
المسير لابن الجوزي، والقرطبي، والشوكاني وغيرهم في تفسير سورة نوح.. وورد
ذكر هذه الأسماء في صحيح البخاري،
كتاب الصلاة، باب: (48) برقم: (427)، ومسلم في كتاب المساجد، برقم: (528).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق