رشيد لبريجة – المغرب
? من أهم المسائل التي شغلت الفكر الإسلامي المعاصـر اليوم، نجد قضية (حرية الاعتقاد)، وما يرتبط بها من أحكام، كموقف الإسلام منها، وحدود هذه الحرية، ومجالاتها.. ومع وجود الإجماع والاتفاق التام حول تقرير الإسلام، بمصدريه: كتاباً وسنة، لهذا المبدأ، وأنه {لا إكراه في الدين}، ولكل الناس الحق في البقاء على أديانهم التي اختاروها من قبل.. إلا أن هناك خلافاً بدأ يتسع مؤخراً حول أهم الأحكام المرتبطة بـ(حرية العقيدة)، وخصوصاً مسألة حكم (المرتد)، وعقوبته في الإسلام، حيث نجد النصوص القرآنية متضافرة في التأسيس لحرية العقيدة، بينما نجد نصوصاً حديثية في السنة النبوية تنص على قتل (المرتد المبدل لدينه)!
فكيف يمكننا التوفيق بين نصوص القرآن الكريم
القطعية الدلالة في التأكيد على (حرية الاعتقاد)، وبين بعض النصوص الحديثية في
السنة النبوية، التي تنص على أن عقوبة المرتد هي القتل حدّاً؟ إلا أن ما يقوّي وجهة نظر المؤيدين للعقوبة،
القول بالإجماع في المسألة، وهو أقوى دليل يستند إليه الموافقون على العقوبة. هذا
الرأي يقول به جماهير العلماء من المذاهب الأربعة، إلا أنه في الفترة الأخيرة
تعالت بعض الأصوات تطالب بمراجعة هذا الحكم من منظور علمي معرفي وقرآني، فألفت
رسائل وكتب وبحوث، ناقشت حيثيات المسألة، ووجهت بعض النقد للرأي الفقهي القديم
المرتبط بها([1]).
وسيتناول هذا البحث
بالدراسة والتحليل، دعوى الإجماع في المسألة، وذلك من خلال دراسته من زاوية نقدية
تناقش دعوى الإجماع، مع التذكير بأهم الأدلة التي اعتمدها الفريقان من القرآن
والسنة، مع مقاربة نقدية لمفهوم الإجماع عامة، وفي مسألة قتل المرتد خاصة.
وتأتي أهمية هذا
الموضوع، كون البحوث المتعلقة بمبحث (الإجماع) على قتل المرتد، والتحقيق فيه،
قليلة، سوى شذرات يسيرة في الكتب التي تناولت موضوع الردة، وقد أشـرت إلى أهمها في
الهامش. ولم يعط هذا المبحث الأهمية التي يستحقها، مقارنة مع المباحث التي عالجت
قتل المرتد من عدمه انطلاقاً من الكتاب والسنة، رغم أنه أقوى الأدلة التي يحتج بها
من يقول بعقوبة قتل المرتد. إضافة إلى قيمة الموضوع لأنه يعنى بحرية المعتقد، بين
من يقول بتطبيق العقوبة حفاظاً على الدين، وبين من ينفيها حماية لمبدأ حرية
الاعتقاد، المقرر في القرآن الكريم.
هذه الأهمية دفعتني
لاختيار موضوع المقال، وذلك لقلة البحوث التي ناقشت هذه الجزئية في ذات الموضوع،
فأغلب من يدافع عن العقوبة، يتقوى بالإجماع، ونادراً ما تجد مناقشة قوية حوله. هذا
السبب كان كافياً للبحث والتنقيب في الجزئية المتعلقة بهذا الموضوع المهم.
يتناول المقال
إشكالية الإجماع المذكور على وجوب قتل المرتد، وبشكل دقيق سنركز على الإجابة على
التساؤلات التالية: هل يمكن إثبات هذا الإجماع؟ وما هي المقاربات النقدية المتعلقة
بذات الإجماع أولاً؟ وهل حقاً ثبت الإجماع في مسألة عقوبة المرتد بالقتل، لدى
القرون الثلاثة الأولى؟ وما هي الأدلة المعاكسة التي تنقض الإجماع المدعى على قتل
المرتد؟
ولا بد من الإشارة
إلى أن القليل من الباحثين من تناول
الموضوع بالدراسة، وهنا أستحضر دراستين، بشكل موجز:
- (مراجعة
نقدية للإجماع بين النظرية والتطبيق)، للباحث حمادي ذويب، تاريخ النشـر 2013 في
بيروت، (الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، إلا أنه تناول مشكلة
الإجماع في المرتد بشكل مقتضب جداً، معتمداً في ذلك على بعض آراء ابن حزم، فقط.
-(لا
إكراه في الدين/ إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم: د. طه جابر
العلواني، تناول هذه الجزئية أيضاً، مركزاً فقط على مخالفته لحرية الاعتقاد،
ودواعيه السياسية.
أما منهج العرض الذي
سأعتمده في تقديم عناصر هذا البحث، فهو المنهج التحليلي، الذي يساعد في تحليل
الجزئية المختارة، مع التركيز على الأسلوب النقدي، بعد جمع المعلومات، وملاحظتها،
معتمداً في ذلك على التعليل والمناقشة بما يستوجب المخالفة .
وهدف البحث هو الكشف
عن حقيقة الإجماع المدعى على وجوب قتل المرتد، وإبراز الأدلة التي تنقض هذا
الإجماع، بدءاً من الحديث عن الإجماع
وحقيقته، إلى الكلام عن المسألة الرئيسية في البحث؛ وهي الإجماع على قتل المرتد من
عدمه .
وأما خطة البحث، فقد
جاءت في مقدمة، ومبحثين، وهما:
المبحث الأول: عرض
موجز لأدلة الفريقين من الكتاب والسنة.
المبحث الثاني: تحقيق
دعوى الإجماع في قتل المرتد حداً.
ثم خاتمة.
المبحث الأول
عرض موجز لأدلة الفريقين من الكتاب والسنة
الهدف من المبحث
التذكير، بشكل مجمل، بأدلة الفريقين حول قتل المرتد من عدمه، انطلاقاً من الكتاب
والسنة. وسأحرص على سرد أهم الأدلة للفريقين، والترجيح بين الرأيين، بعيداً عن
التطويل في المناقشة، فالغرض إظهار الأدلة دون الدخول في التفاصيل، حتى لا نخرج
عن الموضوع الأساسي في البحث، إذ القصد هو
الحديث عن جزئية الإجماع من عدمه، كونها نقطة محورية ومهمة في النقاش الدائر بين
المختلفين، إضافة لعدم الحسم فيها بين من يقول بالإجماع، وبين من يحاول نفيه.
المطلب الأول: عقوبة
المرتد في القرآن الكريم:
-أولاً:
أهم أدلة القائلين بقتل المرتد:
في الحقيقة من
الصعوبة أن تجد دليلاً قوياً على قتل المرتد من القرآن الكريم، رغم ذكره للردّة في
مواطن متعددة. إلا أن بعض المفسرين قد أشاروا إلى حكمه من خلال آية واحدة ذكر الله
فيها حكم المرتد، وهي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ
وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا
نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن
يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ
عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ [التوبة/ 74]، هذه الآية جعلت بعض
المفسرين يستنبطون حكم المرتد في الدنيا، لأن الله تعالى ذكر حكمين للمرتد، أحدهما
في الدنيا، والآخر في الآخرة، والذي يهمنا الحكم المتعلق بالدنيا، وهو قوله تعالى:
﴿ وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً
في الدنيا﴾، ولا يمكن أن يكون هذا العذاب سوى القتل. يقول ابن كثير: "وإن
يستمروا على طريقتهم، يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا، أي بالقتل والهم
والغم"([2])..
وقال صاحب البحر
المحيط: "والمعنى: وإن يديموا التولي، إذ هم متولون في الدنيا بإلحاقهم
بالحربيين، إذ أظهروا الكفر، فيحل قتالهم، وقتلهم"([3])،
فتبين أن الآية نص في العقوبة، وهي القتل. إلا أن المخالفين لهم رأي آخر، لأن
كثيراً من المفسـرين لم يقطعوا بعقوبة القتل، كما أنه تأويل غير ملزم لورود ما
يخالفه، فليس بالضرورة أن يكون العذاب الأليم المراد به القتل. يقول الإمام البغوي في الآية: "﴿يعذبهم
الله عذاباً أليماً في الدنيا﴾ بالخزي، (والآخرة) أي: وفي الآخرة بالنار"([4]).
ويقول ابن عطية: "و(العذاب الأليم) اللاحق بهم في الدنيا، هو المقت والخوف
والهجنة عند المؤمنين"([5]).
فتبين عدم قطعية
التأويل بالقتل، لأن العذاب الأليم ممكن حمله على معان أخرى غير القتل، والدليل
إذا تطرق إليه الاحتمال، سقط به الاستدلال.
وهناك دليل آخر، وهو
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ
فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة:217].
قالوا: من أحكام المرتد في الدنيا: قتله بعد
استتابته وإصراره على كفره، وهو تأويل متعسف لا يصلح أن تقيم به حكماً، فضلاً أن
تسفك به دماً.
-ثانياً:
أهم أدلة القائلين بعدم قتل المرتد:
ذهب البعض إلى عدم
ثبوت حد الردة في القرآن الكريم، نافياً أن يكون القتل عقوبة ثابتة للمرتد، ومن
بينهم الشيخ محمود شلتوت، والدكتور محمد سليم العوا، والدكتور طه جابر العلواني،
وعبد المتعالي الصعيدي، ومصطفى إبراهيم الزلمي، وغيرهم، مستدلين على ذلك بآيات
كثيرة من كتاب الله تعالى، وكذا عدم ثبوته في كتاب الله، فكيف يذكر القرآن حدوداً
أقل درجة من الردة، ولا يتحدث عن هذا الحكم الخطير بشكل صريح يرفع الاختلاف، مع
إقرارهم أن "الردّة جريمة كبيرة، والقرآن الكريم شنَّ حملة كبيرة على
الارتداد، والمرتدين، ولكن ذلك لا يعتبر دليلاً كافياً على وجود حدّ منصوص عليه في
القرآن بهذا الخصوص"([6]).
كما احتجوا بآيات كثيرة تناقض حد الردة، نذكر أهمها فقط، ومن بينها:
-الآيات
التي جاءت بتقرير حرية الاعتقاد، كقوله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد
من الغي﴾ [البقرة/ 256]، وقوله تعالى: ﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر﴾[الكهف/ 29]، وقوله تعالى: ﴿أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾ [يونس/
99] إلى غير ذلك من الآيات، وهي أصل في حرية الاعتقاد.
- الآيات
التي جاءت في سياق الحديث عن المرتدين، دون ذكر للعقوبة، ومن بينها: قوله تعالى: ﴿
أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل، ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل
سواء السبيل﴾[البقرة/108]. ولا حديث عن عقوبة المرتد هنا، رغم أن السياق يحتمل
الذكر.
-وقوله
تعالى: ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر، فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا
والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾[البقرة/217]، فالآية صريحة في إحباط
العمل في الدنيا والآخرة، دون ذكر لعقوبة القتل.
-وقوله
تعالى: ﴿ إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم
الضالون﴾[آل عمران/90]. ولا حديث مرة أخرى عن عقوبة القتل.
-وقوله
تعالى: ﴿إن الذين آمنوا ثم كفروا، ثم آمنوا ثم كفروا، ثم ازدادوا كفراً، لم يكن
الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا﴾[النساء/137]. والكلام كله عن الردة، وحركتها،
وتكرارها، ومع ذلك لا توجد إشارة لحدّ، أو قتل.
-وقوله
تعالى: :﴿ يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم
ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون
لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾ [المائدة/ 54]. ولا ذكر
للعقوبة هنا، سوى الترك والنسيان.
-وقوله
تعالى: ﴿ يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا
بما لم ينالوا، وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله، فإن يتوبوا يك خيرا
لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من
ولي ولا نصير﴾[التوبة: 74]. والآية صريحة في ارتداد البعض، دون ذكر للقتل، أو
الحد". هذه الآيات الكريمة، لم تذكر أي عقوبة دنيوية على ذنب أو جريمة
الردّة، ولم تشـر - لا تصريحاً، ولا على سبيل الإيماء - إلى ضرورة إكراه المرتد
على العودة إلى الإسلام، أو قتله، إذا امتنع"([7]).
-ومن بين
الأدلة أيضاً، ذكْرُ الله للمنافقين في مواطن كثيرة، ورغم ظهور الكفر منهم إلا أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقم على أحد منهم حداً، فحكمهم حكم عموم المسلمين
في الظاهر، وينطبق عليهم من الأحكام الشرعية ما ينطبق على الباقين، فلماذا تركهم
النبي - صلى الله عليه وسلم - دون عقاب، أو قتل، حتى مع صدور ما يوجب ردتهم
ظاهراً؟
يقول ابن تيمية:
"مما استفاض به النقل عند أهل العلم بالحديث والتفسير والسِّيَر، أنّه كان
رجال قد آمنوا ثم نافقوا، وكان يجري ذلك لأسباب: منها أمر القبلة لما حُوّلت،
ارتدّ عن الإيمان لأجل ذلك طائفة، وكانت محنة امتحن الله بها الناس"([8]).
وإذا كان الأمر كما قال ابن تيمية، فأين حد الردة هنا؟
والأدلة في الباب
كثيرة ومتنوعة، وقد غفلت عن أكثرها خشية التطويل، فرغم حديث القرآن عن الردة، إلا
أنه لا ذكر لعقوبة، أو حد. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الردة المقصودة بالخلاف
هي الردة الساذجة، التي لا يصاحبها حرب أو خيانة أو قتال.
المطلب الثاني:
عقوبة المرتد في السنة النبوية
وردت أحاديث كثيرة
في السنة النبوية مرتبطة بموضوع الردة والمرتدين بشكل واضح وقوي، وهي عمدة
القائلين بقتله، مع الإجماع، كما سنرى. وسأقتصر في هذا المطلب على إيجاز أهم
الأدلة للفريقين، متغافلاً عن بعضها خشية التطويل.
-أولاً:
أهم أدلة القائلين بقتل المرتد من السنة النبوية:
-الدليل
الأول: حديث: من بدّل دينه فاقتلوه، حيث روى البخاري بسنده عن ابن عباس - رضي الله
عنه- قول الرسول - صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)([9])،
وهو صريح في عقوبة المرتد، وعباراته واضحة في محل النزاع.
-الدليل
الثاني: عن عبد الله بن مسعود، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل دم
امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس،
والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة)([10]).
-الدليل
الثالث: في صحيح البخاري ومسلم: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا موسى
الأشعري – رض- والياً إلى اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى أبو
موسى وسادة لمعاذ، وقال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال معاذ: ما هذا؟ قال: كان
يهودياً فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله ـ
ثلاث مرات ـ فأمر به فقتل)([11]).
-هناك
وقائع أخرى استدلوا بها، كقتال أبي بكر الصديق للمرتدين. وحديث المحاربين من عكل،
وعرينة، وغيرها([12]).
أعرضت عنها خشية الإطالة.
عموماً تبقى هذه
الأحاديث أقوى ما استدلوا به على قتل المرتد، وقد تمت الإجابة عنها بأجوبة مختلفة،
من بينها: الانتقاء في الفهم، واستنباط الدلالة بعيداً عن النصوص الأخرى. ولهذا
استقر رأي العلماء أن النصوص تفهم بمجموعها، لا بانفراد بعضها عن بعض. فما يوجد في
نص من الغموض، يأتي نص آخر مبين له ومكمل للبيان، ومن هنا حملوا الحديث الأول (من
بدل دينه فاقتلوه)، على الثاني (التارك لدينه المفارق للجماعة)، لعمومية الأول،
لأن التبديل جاء عاماً، قد يحمل حتى على من بدل دينه إلى دين آخر، كما أننا لا
نعرف سياقه، كما أنه لا يجوز سفك الدماء بحديث يمكن حمله على محامل أخرى حسنة. ولن
أذكر مطاعن البعض على راوي الحديث (عكرمة بن أبي جهل)([13])،
لميله للخوارج، لذا خصصوا القتل للمرتد المحارب المفارق للجماعة، لأن حقيقة الردة
- في ذلك الوقت - كانت تقتضي الالتحاق بالأطراف المعادية، فحملت معنى المحاربة.
ويفسـر هذا المعنى رواية أخرى عن عائشة – رض- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم-: (لا يحل قتل مسلم إلا في إحدى ثلاث خصال: زان محصن، فيرجم، ورجل يقتل
مسلماً متعمداً، فيقتل، ورجل يخرج من الإسلام، فيحارب الله ورسوله، فيقتل أو يصلب،
أو ينفى من الأرض)([14]).
هذا المعنى نص عليه
ابن تيمية أيضاً، في تفسيره لحديث التارك لدينه المفارق للجماعة، فقال: "فهذا
المستثنى هو المذكور في قوله: التارك لدينه المفارق للجماعة. ولهذا وصفه بفراق
الجماعة، وإنما يكون هذا بالمحارب"([15]).
خلاصة القول: حمل
جميع الروايات الدالة على القتل، على معنى المحاربة والقتال، وإعلان العداوة
للإسلام، وليست الردة المجردة، المبنية على الاختيار والقناعات، والتي لا تؤذي إلا
صاحبها، كما قرر القرآن الكريم.
-ثانياً:
أهم أدلة القائلين بعدم قتل المرتد من السنة النبوية:
-الدليل
الأول: عن ابن عباس، قال: (كان عبد الله بن سعد بن أبي السرح يكتب لرسول الله -
صلى الله عليه وسلم-، فأزله الشيطان، فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله أن يقتل يوم
الفتح، فاستجار له عثمان بن عفان، فأجاره رسول الله-صلى الله عليه وسلم-)([16]).
وهذا الحديث نص ظاهر
في قبول النبي -صلى الله عليه وسلم- شفاعة عثمان بن عفان -رض-، ولو كان حداً، فلا
شفاعة في حدود الله، لقوله عليه الصلاة السلام غاضباً: ( أتشفع في حد من حدود
الله)([17]).
وفي رواية: أنه اختبأ عند عثمان، فكيف يتصـرف عثمان هكذا، إذا كان يعلم أن الأمر
يتعلق بحد من حدود الله؟
- الدليل الثاني: بنود
صلح الحديبية، حيث كان من بين الشـروط المتفق عليها بين المسلمين وقريش: (أنه من
أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه ردّه عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم
يردّوه عليه، وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال...)([18])،
فكيف يسقط النبي -صلى الله عليه وسلم- حداً من حدود الله بعدم التعرض للمرتد، في
حالة أراد الذهاب إلى قريش، دون عقوبة تذكر؟
-الدليل
الثالث: عن جابر بن عبد الله -رض-: (أن أعرابياً بايع رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- على الإسلام، فأصابه وعك، فقال: أقلني بيعتي، فأبى. ثم جاءه، فقال: أقلني بيعتي،
فأبى، فخرج. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المدينة كالكير، تنفي خبثها،
وينصع طيبها)([19]).
فكيف ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- المرتد لحاله دون أن يعاقبه، وقد سأل الإقالة
من الإسلام؟! وبه جزم عياض([20]).
فهذه أهم الأدلة
التي استدلوا بها على عدم قتل المرتد، وقد ردّ عليها الفريق الأول على أنها ليست
صريحة في الدلالة على منع العقوبة، فالحديث الأول قد أجابوا عنه بأن حد الردة حق
لله تعالى يسقط عند توبة صاحبه، والمرتد يستتاب ثلاثاً وإلا قتل، وابن أبي السرح
تاب من أول وهلة، فسقط عنه الحد. أما صلح الحديبية، فليس فيه عدم قتل المرتد، إنما
هو التزام برد من جاء من قريش إليهم، وقبول عدم رد قريش من جاءهم مرتداً. وعلى
افتراض صحة هذا الفهم من القصة، فلقائل أن يرد: بأن ترك قتل المرتد الخارج إلى
قريش، استثناء ظرفي، كما استثنى الله القتل في الأشهر الحرم، وكما استثنى -صلى الله
عليه وسلم- قتل رأس المنافقين، حتى لا يشيع أن محمداً يقتل أصحابه.
أما الثالث، فلا يدل
على أن الإقالة من البيعة تعني الإسلام، فهو اجتهاد مرجوح، لأن البيعة أعمّ من أن
تكون مقتصرة على الإسلام فقط.
خلاصة المبحث: تضارب
الأدلة، وصعوبة الترجيح بينها:
- من حيث
الاستدلال بالقرآن، فأدلة من يقول بعدم القتل قوية وراجحة، خلافاً لمن يقول بالقتل
حدّاً.
- وأما
السنة، فقد استوت الأدلة بينهما، مع صعوبة الترجيح بينهما، وإن كانت نصوص القتل
ظاهرة عند من يقول بها.
-وأما إذا
أردنا الجمع بين الأدلة، فيمكن حمل أدلة القتل على معنى الحرابة والمقاتلة، وليست
الردة المجردة التي تضـرّ صاحبها وحده. هذا، ولا يعني أن عدم العقوبة يساوي عدم
تجريم الردة، فالردة جريمة رتب الله عليها عقوبات شديدة في الدنيا والآخرة، إلا
أنه ترك للفرد فرصة التوبة والرجوع. وهذا أولى من إزهاق روحه، خاصة إذا كان مسالماً،
وقد يختار البعض ديناً آخر على أساس شبهات أو قناعات مغلفة بالحق، فلا بد من الصبر
عليه، وإقناعه بالعلم والحجة، دون اللجوء إلى عقوبة الإعدام.
ويمكن القول إن اقوى دليل عند القائلين بحد
الردة، هو دليل الإجماع. أما الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، فلا
دلالة قطعية في الموضوع تحسم الخلاف، وهذا ما سنوضح خلافه في المبحث الثاني،
خلافاً للسائد من الأقوال، والله المستعان.
المبحث الثاني
تحقيق دعوى الإجماع في قتل المرتد حداً
وقبل البدء بالحديث
عن الإجماع، لا بد أن نذكر التجاوزات الواقعة في تحديده بين متشدد ومتساهل. وقد
حذّر بعض العلماء من التساهل في نقله، بل ولا يوجد كتاب من كتب الإجماع الفقهية،
إلا وفيه ما انتقد على هذا. والمطلوب من
الباحث أن يتحقق من الإجماع، فيفتش، وينقّب، حتى يظهر له صحته من عدمه، وهذا ما
سنحاول كشفه في هذه المقالة.
المطلب
الأول: مقاربة نقدية لمفهوم الإجماع
نجد
كثيراً من الأصوليين يعبرون عن الإجماع بقولهم: "اتفاق المجتهدين من هذه
الأمة في عصـر بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمر ديني"([21])،
هذا التعريف نقله الآمدي عن الغزالي، إلا أنه استدرك عليه قائلا: "أن ما ذكره
يشعر بعدم انعقاد الإجماع إلى يوم القيامة، فإن أمة محمد جملةُ من اتّبعه إلى يوم
القيامة، ومن وجد في بعض الأعصار منهم، إنما يعم بعض الأمة لا كلها، وليس ذلك
مذهباً له، ولا لمن اعترف بوجود الإجماع"([22]).
هذا الشعور بصعوبة تحديد الإجماع يوضح ما سنذكره، فإذا لم يتفقوا على تحديده، فهذا
يعني صعوبة تحققه في كثير من المسائل الشـرعية، ومنها المسألة التي سنذكرها في
البحث.
ونحن هنا لا نتكلم عن المعلوم من الدين
بالضـرورة، فالقول بأن الصلوات خمس، والزكاة فريضة، والحج ركن من أركان الإسلام،
والصيام واجب، وتحريم الزنا، والسـرقة.. ومثل هذه الأمور هي من الإجماع بلا ريب.
وهي التي تعلمها الأمة بجميع أفرادها، ويسمى إجماع الأمة، وإنما عن مسائل نقل فيها
الإجماع في دقيق الفقه وعلومه، ومنها طبعاً مسألة حكم المرتد، وغيرها.
وشكك في وقوع
الإجماع مجموعة من العلماء، بمختلف مدارسهم، وكان أشهرهم على الإطلاق: النظام
المعتزلي. الذي عرف هذا الأمر عنه، ونقله غير واحد من علماء الأصول، ورغم مخالفة
الرازي له في المسألة، إلا أنه لم يهون من حجته، فقال: "وأما كلامه في
الإجماع، وخبر الواحد، والقياس، فليس بضعيف. ومن أنصف ولم يتعصب، علم أن هذه
المسائل خليقة بالتدقيق في النظر، وأن شوائب الشبهات غير زائل عنها بالكلية، على
ما لخصنا الكلام فيها في المحصول"([23]).
كما نقل الرازي
تشكيك البعض في مسألة الإجماع، مرجحاً رأياً آخر، وهو الاعتبار بإجماع الصحابة
فقط، دون غيره. يقول رحمه الله: "من الناس من زعم أن اتفاقهم على الحكم الواحد،
الذي لا يكون معلوماً بالضرورة، محال... ومن الناس من سلم إمكان هذا الاتفاق في
نفسه، لكنه قال لا طريق لنا إلى العلم بحصوله... والإنصاف أنه لا طريق لنا إلى
معرفة حصول الإجماع إلا في زمان الصحابة؛ حيث كان المؤمنون قليلين، يمكن معرفتُهم
بأسرهم على التفصيل"([24]).
وأقر الإمام الجويني
بوجود طوائف من الناس تمنع وقوع الإجماع، لصعوبة حدوثه، وتصوره، واقعاً. معلقاً
على اشتداد الباقلاني عليهم بإنصاف كبير. فقال رحمه الله: "ذهب طوائف من
الناس إلى أن الإجماع لا يتصور وقوعه، واشتد كلام القاضي ونكيره على هؤلاء، وتعدى
حد الإنصاف قليلاً. ونحن نسلك [مسلكنا] في استيعاب ما لكل فريق، حتى إذا لاحت
نهايات النفي والإثبات، وضح منها مدرك الحق"([25]).
وقد أفاض ابن تيمية
في الحديث عن الإجماع، ناقلاً مجموعة من الروايات، التي تؤكد استحالة وقوع الإجماع
في الأمور العلمية النظرية غير المعلومة من الدين بالضرورة، والتي نص عليها الشرع
ضرورة. من بين هذه الروايات: ما ذكره رحمه الله عن نجل الإمام أحمد، وغيره. يقول
رحمه الله: "وقد أطلق القول في رواية عبد الله، فقال: من ادعى الإجماع فهو
كاذب، لعل الناس قد اختلفوا، وهذه دعوى بشر المريسي، والأصم؛ ولكن يقول: «لا نعلم
الناس اختلفوا» إذا لم يبلغه. وكذلك نقل المروذي عنه، أنه قال: كيف يجوز للرجل أن
يقول: «أجمعوا»؟ إذا سمعتهم يقولون أجمعوا، فاتهمهم، لو قال: «إني لم أعلم
مخالفاً» كان ذلك. ونقل أبو طالب عنه، أنه قال: هذا كذب، ما علمه أن الناس مجمعون،
ولكن يقول: «لا أعلم فيه اختلافاً» فهو أحسن من قوله: «إجماع الناس». وكذلك نقل
أبو الحارث: لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع، لعل الناس اختلفوا"([26]).
يقول ابن تيمية
-رحمه الله- مؤكداً مضمون الرواية: "فمن ادَّعى الإجماع في الأمور الخفية،
بمعنى أنه يعلم عدم المنازع، فقد قفا ما ليس له به علم، وهؤلاء {هم} الذين أنكر
عليهم الإمام أحمد. وأما من احتج بالإجماع، بمعنى عدم العلم بالمنازع، فقد اتبع
سبيل الأئمة، وهذا هو الإجماع الذي كانوا يحتجون به في مثل هذه المسائل"([27]).
يؤكد ابن تيمية مرة أخرى صعوبة تعذر الإجماع، مستثنياً بذلك إجماع الصحابة، فيقول
رحمه الله:* "الإجماع، وهو متفق عليه بين عامة المسلمين؛ من الفقهاء،
والصوفية، وأهل الحديث، والكلام، وغيرهم، في الجملة... لكن المعلوم منه، هو ما كان
عليه الصحابة، وأما ما بعد ذلك، فتعذر العلم به غالباً"([28]).
كما أن ناقل الإجماع قد يغلط في نقله من وجوه متعددة، فما زال الناس يَدَّعِي
أحدهم إجماعًا، ويقيم الآخر الدليل على بطلانه.
هذا التصور حول
الإجماع استمر مع مدرسة أخرى، بحدّة أقوى، مثّل هذه المدرسة: ابن الوزير،
والشوكاني، والمقبلي - رحمهم الله -، مستبعدين تماماً وقوع الإجماع حتى في عهد
الصحابة، فضلا عمن بعدهم. يقول الإمام المقبلي - رحمه الله -: "فما أبعد دعوى
وقوع الإجماع المحقق في الصحابة، وكذبها بعدهم، فلو سألت مدعي وقوع الإجماع عن
مجال المسلمين، بل بلدانهم، بل أوسع من ذلك عن خطط الأرض الإسلامية، لم يحط بها
علماً، فكيف بأفراد الخليقة، ثم بصفاتهم"([29]).
عموماً، الأقوال في
إنكار وقوع الإجماع ثابت عن هؤلاء، أو على الأقل الاحتياط في نقله، والتثبت في
تأكيده. ونختم بكلام جميل للإمام الغزالي -رحمه الله-، إذ يعتبر خارق الإجماع غير
متهم في دينه، لشدة التنازع في أصله، يقول -رحمه الله-: "فإن قيل: فهل تكفرون
خارق الإجماع؟ قلنا: لا، لأن النزاع قد كثر في أصل الإجماع"([30]).
خلاصة الكلام: صعوبة
وقوع الإجماع، وتعذره، كما رأينا. وليس كلامنا عن حجية الإجماع، وإنما عن ثبوته من
عدمه: يعني هل وقع الإجماع في مسألة من غير المعلوم من الدين بالضرورة؟ فإذا ثبت
ذلك، نسلم بحجيته، ثم يبقى التحقيق في فروع المسائل التي ادعي فيها الإجماع، وهو
ما سنراه في مسألتنا الرئيسية من البحث: هل وقع الإجماع على وجوب قتل المرتد،
بناءً على ردته فقط؟ أم أن قتله مرتبط بشيء زائد عن الردة؛ كالخيانة، والمقاتلة،
والمعاداة؟.
المطلب الثاني:
تحقيق دعوى الإجماع على وجوب قتل المرتد
وهنا لا بد من
التأكيد، أن نقل الإجماع في المسألة مستفيض في كتب المذاهب الإسلامية عامة،
معتبرين قتل المرتد من الحدود الشرعية؛ كحد الزنا، والسرقة، والحرابة. وفي تصوري
أن أقوى حجة بين أيديهم، هي قولهم: الإجماع منعقد حول قتل المرتد. لأن النصوص
الشرعية، قرآناً وسنة، دلالتيهما ظنية، ولا يمكن التعويل عليهما. أما القرآن
الكريم، فقد أقر بحرية الاعتقاد، واستفاض في الحديث عن الردة، دون ذكر للعقوبة
الواجبة، ولا يوجد شيء من الحكم الدنيوي لحد المرتد، إلا بتأويل متعسف. أما السنة،
فالنصوص متعارضة، ويمكن حمل بعضها على بعض، كما هو صنيع الطرفين. إلا أن الأصل في
التعامل مع الحدود، درؤها، كما أن الاحتياط واجب في الدماء، وهو المتعين.
إلا أن الإجماع، في نظر المؤيدين، قد قطع الخلاف
في المسألة، هذا الإجماع نقله غير واحد من أهل العلم، نذكر من بينهم:
-المذهب المالكي:
يقول ابن عبد البر: "وفقه هذا الحديث (من بدل دينه فاقتلوه) أن من ارتد عن
دينه حل دمه، وضربت عنقه، والأمة مجتمعة على ذلك"([31]). وقال أيضاً: "فالقتل بالردة ـ على ما
ذكرنا ـ لا خلاف بين المسلمين فيه، ولا اختلفت الرواية والسنة عن النبي -صلى
اللَّه عليه وسلم- فيه، وإنما وقع الاختلاف في الاستتابة"([32]).
-المذهب
الشافعي: يقول ابن المنذر: "أجمع أهل العلم بأن العبد إذا ارتد، فاستتيب، فلم
يتب، قُتل. ولا أحفظ فيه خلافًا"([33]).
وقال النووي: " أجمعوا على قتله ـ أي المرتدـ"([34]).
-المذهب
الحنبلي: يقول: ابن قدامة المقدسي: "أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد.
وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد،
وغيرهم، ولم ينكر ذلك، فكان إجماعًا"([35]).
-المذهب
الحنفي: أخرّتُ هذا المذهب، لأن لهم رأياً استثنائياً في المرأة، خالفوا فيه باقي
المذاهب، لعلّة عدم مقاتلتها. ومع ذلك، هناك من نقل الإجماع على قتل المرتد، ومن
بينهم ما ذكره الكاساني في قوله: "وكذا الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعوا
عليه، في زمن سيدنا أبي بكر"([36]).
نكتفي بهذه النقول،
ولنا أن نعيد التساؤل مرة أخرى: إلى أي حد وقع الإجماع على وجوب قتل المرتد؟ وما
هي الأدلة المعاكسة التي تنقض هذا الإجماع، وتبطله؟
وهنا لا بد أن نسجل مجموعة من النقاط النقدية
لمدعي الإجماع في المسألة، من بينها:
-لا بد من
التذكير بالتجاوزات الواقعة في ادعاء الإجماع، فالكثير من الإجماعات التي يحكيها
بعض العلماء، مثل ابن المنذر، والموفق ابن قدامة، والنووي، وحتى ابن عبد البر،
وابن القطان، وغيرهم، تحتاج إلى تثبت وتريث قبل إقرارها. "تقريره أن العادة
تقضي بأنه يستحيل العلم بثبوت الإجماع، لخفاء بعض المجتهدين عند اتفاقهم، بحيث لا
يعلم وجوده، أو انقطاعه عن الناس، بحيث لا يخالط الناس بعد أن علم وجوده، أو وقوعه
في الأسـر، فلم يتمكن من الالتحاق بسائر العلماء، أو خموله، بمعنى أنه لا يعرف
كونه مجتهداً، وإن علم وجوده، أو كذب بعض المجتهدين، بمعنى إفتائه بذلك الحكم على
خلاف معتقده، تقية من مخالفة الجمهور، أو رجوع بعض المجتهدين عما أفتى به، لتغير
اجتهاده قبل إفتاء الآخر بذلك الحكم"([37]).
-هل قتل
المرتد يكون حداً، أم تعزيراً؟
الجواب عن هذا السؤال يمكن أن يحل لنا الإشكال
الواقع في المسألة: إذا كان الإجماع
المنقول في المرتد عقوبة تعزيرية مفوضة لواسع نظر الإمام، وأن الإجماع منعقد على
ذلك، انحلت المشكلة، وليس بضار أمر هذا الإجماع.
فهل أجمعوا على أن
القتل حد؟ أم أجمعوا على أنه تعزير؟ لأن التصـرف في الحدود لا يمكن، خلافاً
للعقوبات التعزيرية. يقول الإمام الجويني: "ثم رأى الشافعي - رحمه الله -إن
التعزيرات لا تتحتم تحتم الحدود، فإن الحدود إذا ثبتت فلا خيرة في درئها، ولا تردد
في إقامتها، والتعزيرات مفوضة إلى رأي الإمام. فإن رأى التجاوز والصفح تكرماً،
فعل، ولا معترض عليه، فيما عمل. وإن رأى إقامة التعزير تأديباً وتهذيباً، فرأيه
المتبع، وفي العفو والإقالة متسع"([38]).
ومن هنا، تكون عقوبة المرتد "عقوبة تعزيرية، مفوضة إلى الحاكم - أي القاضي- أو الإمام. أو بعبارة أخرى:
مفوضة إلى السلطة المختصة في الدولة الإسلامية"([39]).
-لم يثبت
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طبق حد الردة على
أحد من الخارجين من الإسلام، مع كثرتهم، وذكر القرآن لهم في مواطن كثيرة. ومن أذن
في قتله، فإنما كان ذلك لعداوته، أو محاربته، أو سبب زائد عن الردة المجردة، وهو
القائل (من بدل دينه فاقتله)! فكيف يقال بالإجماع، وهو نفسه لم يطبقه؟!
-اختلاف
الصحابة في التطبيق يوضح بأن الردة من باب التعازير لا الحدود، وأن القتل ليس
شرطاً أن يكون الحد المطلوب في كل الأحوال المتعلقة بالردة، وإنما يتعلق بذات
الشخص المرتد، فأمره يرجع إلى الحاكم ليقرر عقوبته. ويؤكد هذا الأمر، ما ذكره عبد
الرزاق بسند، عن الشعبي، عن أنس، قال: "بعثني أبو موسى بفتح (تستر) إلى عمر،
فسألني عمر، وكان ستة نفر من بني بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا
بالمشركين، فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قال: فأخذت في حديث آخر لأشغله،
فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قلت: يا أمير المؤمنين، قوم ارتدوا عن
الإسلام، ولحقوا بالمشركين، ما سبيلهم إلا القتل، فقال عمر: لأن أكون أخذتهم
سلماً، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء، أو بيضاء. قال: قلت: يا أمير
المؤمنين، وما كنت صانعاً بهم لو أخذتهم سلماً؟ قال: كنت عارضاً عليهم الباب الذي
خرجوا منه، أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك، قبلت منهم، وإلا استودعتهم السجن"[40].
فهذه الحالة في تقديره تستدعي الحبس، وهو خير من القتل. والفائدة هنا ليس في
الامتناع عن القتل فقط، وإنما في العقوبة البديلة، وهي الحبس. هذه النقطة بالضبط
تبين أن الأمر لا يتعلق بحد شرعي، لأن الحدود لا يجوز تغييرها، ولا طريقة تنفيذها.
يقول الجويني: "إن الحدود لا تغير كيفياتها، ولا تبدل آلاتها"[41].
، فأين هو القتل حداً بالإجماع؟!
- تأكيد
ابن حزم لهذه الرواية، دليل آخر على نقض الإجماع. وقد حمل البعض الرواية على
الاستتابة لمدة معينة، يرد ابن حزم هذا الكلام قائلا: "ومنهم من قال:
بالاستتابة أبداً، وإيداع السجن فقط: كما قد صح عن عمر، مما قد أوردنا قبل"[42].
أما ثبوت القتل عن عمر، فلا يتناقض مع الرواية، لأن الأمر متعلق بالحاكم، وتقديره،
حسب حال المرتد. الغرض هو نفي القتل حداً، وليس تعزيراً، رغم أن الجمع يسير في
المسألة. لكن مادام البعض ينظر إلى العقوبة كحد، فيصعب عليه الجمع بين الروايات.
يعلق القرضاوي على هذه الرواية قائلاً:
" ومعنى
هذا الأثر (رواية البيهقي) أن عمر لم ير عقوبة القتل لازمة للمرتد في كل حال،
وأنها يمكن أن تسقط، أو تؤجل، إذا قامت ضرورة لإسقاطها، أو تأجيلها... وهناك
احتمال آخر، وهو أن يكون رأي عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "من
بدل دينه فاقتلوه"، قالها بوصفه إماماً للأمة، ورئيساً للدولة، أي: أن هذا
القرار من قرارات السلطة التنفيذية، وعمل من أعمال السياسة الشرعية، وليست فتوى
وتبليغاً عن الله، تُلزم به الأمة في كل زمان ومكان وحال. فيكون قتل المرتد، وكل
من بدل دينه، من حق الإمام، ومن اختصاصه وصلاحية سلطته، فإذا أمر بذلك نفذ، وإلا
فلا"([43]).
فاستبدال عمر الحد بعقوبة أخرى، وهي السجن، دليل أن المسألة لا تتعلق بحد لازم.
- هذا
العمل لم يقتصر على عمر بن الخطاب -رض-، فحتى عمر بن العزيز كان له موقف مشابه.
ورد في المصنف عند عبد الرزاق: "عن معمر، قال: أخبرني رجل من أهل الجزيرة، أن
قوماً أسلموا، ثم لم يمكثوا إلا قليلاً، حتى ارتدوا. فكتب فيهم ميمون بن مهران إلى
عمر بن عبد العزيز. فكتب إليه عمر أن رد عليهم الجزية، ودعهم"([44]).
وعمر بن عبد العزيز، الذي ترك من دخل في الإسلام أن يخرج منه، هل كان يخالف
الإجماع؟ وأين الفقهاء في زمنه لينكروا عليه صنيعه المخالف للإجماع؟ وكيف يحق له
أن يتصـرف في حدود الله كما شاء، ما دام الحد معلوماً؟
- شهادة
بعض كتب الفقه، على نفي حد الردة من ضمن الحدود المقدرة شرعاً. قال الكاساني:
"الحدود خمسة أنواع: حد السرقة، وحد الزنا، وحد الشـرب، وحد السكر، وحد
القذف"([45])،
ولم يذكر حد الردة ضمن الحدود.
- لم يقتصر نقل ابن حزم عن عمر فقط، في منع القتل عن
المرتد، فقد نقل عن آخرين، ومنهم سفيان الثوري، وإبراهيم النخعي. يقول -رحمه
الله-: "واتفقوا أن من كان رجلاً مسلماً حراً باختياره، وبإسلام أبويه
كليهما، أو تمادى على الإسلام بعد بلوغه ذلك... وأعلن ردته، واستتيب... قد حل دمه،
إلا شيئاً رويناه عن عمر، وعن سفيان، وعن إبراهيم النخعي، أنه يستتاب أبداً"([46]).
-استثنى
الأحناف المرأة من القتل، لعلة عدم المحاربة. وقد ذكروا في ذلك روايات عن علي،
وابن عباس، وغيرهم: أن المرأة لا تقتل. وهذا يعني أن العقوبة ليست من قبيل الحدود،
لأن الحدود لا تفرق بين ذكر أو أنثى، والعلة في استثنائها عدم المحاربة، فلا قتل
إلا على الحرابة عندهم. يقول شمس الأئمة: "إن تبديل الدين، وأصل الكفر، من
أعظم الجنايات، ولكنها بين العبد وبين ربه، فالجزاء عليها مؤخر إلى دار الجزاء،
وما عجل في الدنيا سياسات مشروعة لمصالح تعود إلى... وبالإصرار على الكفر يكون
محارباً للمسلمين، فيقتل لدفع المحاربة. إلا أن الله تعالى نص على العلة في بعض
المواضع، بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾، وعلى السبب الداعي إلى
العلة، في بعض المواضع، وهو الشـرك. فإذا ثبت أن القتل باعتبار المحاربة، وليس
للمرأة بنية صالحة للمحاربة، فلا تقتل في الكفر الأصلي، ولا في الكفر الطارئ"([47]).
-المسألة
ليس كما يتصور أصحاب الإجماع أنها مسلمة علمياً. ابن حزم له رأي آخر، حيث نقل
الخلاف في تفريعات عقوبة المرتد. يقول رحمه الله: "كل من صح عنه أنه كان
مسلماً، متبرئاً من كل دين، حاشا دين الإسلام، ثم ثبت عنه أنه ارتد عن الإسلام،
وخرج إلى دين كتابي، أو غير كتابي، أو إلى غير دين، فإن الناس اختلفوا في حكمه،
فقالت طائفة لا يستتاب، وقالت طائفة يستتاب، وفرقت طائفة بين من أسـرّ ردّته، وبين
من أعلنها. وفرّقت طائفة بين من ولد في الإسلام ثم ارتد، وبين من أسلم بعد كفره،
ثم ارتد"([48]).
إذن، المسألة متنوعة في بعض تفاصيلها، ويختلف الحكم بحسبها، لا كما يعممه مدعو
الإجماع.
- تأكيد بعض الفقهاء على الخلاف الحاصل في المسألة، بعيداً
عن التأويلات المتعسفة. يقول القاضي عياض: "وَقَال النخعي يستتاب أبدًا، وبه
أخذ الثَّوْرِيّ، مَا رجيت توبته"([49]).
لقد أدرك ابن قدامة خطورة هذا الرأي، فأثبت الخلاف من باب الأمانة، وإن جعله
مخالفاً للإجماع. وفهم ممن يقول بالاستتابة الأبدية امتناع قتل المرتد حداً، يقول
-رحمه الله-: "وقال النخعي: يستتاب أبداً، وهذا يفضـي إلى أن لا يقتل أبداً،
وهو مخالف للسنة والإجماع"([50]).
وقال أبو حيان الأندلسي: "فذهب النخعي والثوري: إلى أنه يستتاب محبوساً
أبداً"([51]).
- مسألة
الردة لها مستويات مختلفة، فهناك فرق بين من ارتد ليحارب المسلمين، وبين من ارتد
لشبهة، أو قناعة، أو حتى دخل إلى الإسلام لسبب ما. لذلك، عذر مالك -رحمه الله- من
خرج من الإسلام مدعياً أن إسلامه كان عن ضيق، " قال ابن القاسم، قال مالك في
نصراني أسلم ثم ارتد عن قرب، وقال إنما كان إسلامه عن ضيق عليه، فإن عرف أنه عن
ضيق ناله أو مخافة أو شبه، فعسى أن يعذر. وقال ابن القاسم، وقال أشهب: لا عذر له،
ويقتل، وإن علم أن ذلك عن ضيق، كما قال".
- وقال
أصبغ: قول مالك أحب إلي، إلا أن يقيم على الإسلام بعد ذهاب الخوف، فهذا يقتل.
وقاله ابن وهب، وابن القاسم، إذا كان عن ضيق، أو عذاب، أو ضـرر، أو خوف. قال أصبغ:
إذا صح ذلك، وكان زمان يشبه ذلك في جوره"([52]).
-تبين من
خلال هذه النقاط، عدم صحة الإجماع في القرون الثلاثة الأولى، فلم يتحقق الإجماع
على قتل المرتد بكيفية واحدة، حتى نسميه حداً؛ بين قائل بالقتل، وبين قائل بالحبس،
وبين مفرق بين الذكر والأنثى. والحدود لا تحتاج في إثباتها لكل هذه الاختلافات.
إضافة إلى أن المبالغة في نقل الإجماع، وعدم التحقيق فيه، يساوي غلق الاجتهاد في
مثل هذه المسائل القابلة لذلك. كما لا نغفل عن المشهد السياسي، الذي استعمل فيه حد
الردة للتخلص من المخالفين، بدعوى الزندقة، والخروج من الإسلام. ولك - أيها القارئ
- أن تبحث عن حوادث القتل باسم الردة، والزندقة، مثل قتل الجعد بن درهم، والجهم بن
صفوان، وغيلان الدمشقي، وأحمد بن ناصر الخزاعي، والحلاج، والسهروردي، وغيرهم.
خاتمة:
خلاصة البحث: من
الصعب القول بوجود الإجماع على وجوب قتل المرتد، كما هو منقول ومدون. وقد تبين
وجود الخلاف، في المراحل الأولى من القرون الثلاثة. ولم يكن غرض البحث الاستفاضة
في الأدلة من القرآن والسنة، ومناقشتها، وإنما البحث عن جزئية الإجماع المدعى،
لأنه أقوى أدلتهم في المسألة. أما النصوص الشرعية، فلا تسعفهم في ذلك، خاصة القرآن
الكريم، الذي تحدث عن الردة بشكل متكرر، دون الإشارة إلى عقوبتها. ومن هذا
المنطلق، نخلص إلى أهم النتائج، والتي قد تجيب عن الإشكال المطروح في المقدمة، وهي:
- التأكيد
على جريمة الردة في الإسلام، مع استحقاق العقوبة، المتمثلة في حبوط العمل، والعذاب
الأليم في الدنيا والآخرة.
- لا وجود
لعقوبة الردة في القرآن الكريم، مع كثرة الحديث عنها. مع إمكانية الجمع بينها وبين
نصوص السنة، من خلال إنزال العقوبة على المرتد المحارب فقط.
-إقرار
القرآن الكريم لحرية العقيدة دون قيد أو شرط، وكل تأويل بعد ذلك يسلك بصاحبه مسلك
التعسف في النصوص.
- عدم اعتبار العقوبة ضمن الحدود، كما بينا في البحث، من
خلال مجموعة من الاعتراضات المنهجية، والشـرعية، على المسألة. وإنما هي عقوبة
تعزيرية، يستحق صاحبها العقاب بالسجن، أو القتل، حسب رأي الحاكم.
- صعوبة
الإحاطة بالإجماع في حد ذاته، مع التأكيد على التجاوزات في نقله. وقد حذر العلماء
من إجماعات المتساهلين.
- نقض
دعاوى الإجماع في المسألة، من خلال ما نقلناه عن الصحابة، والتابعين، في العصور
الأولى. وإقرار بعض الفقهاء بالخلاف في المسألة.
- عدم وجود
معنى لهذا الإجماع، في الفكر الحديث، خاصة مع التغيرات الاجتماعية الداعية إلى
مراجعة هذا الإجماع، حتى يكون منسجماً مع روح الشـريعة الإسلامية، ومقاصدها. وهذا
لا يعني الرضوخ للواقع، بل لا بد من بحث المسألة علمياً، مع اعتبار تغيرات الواقع،
وظروفه.
-ربما حان
الوقت، في ظل المشهد السياسي الجديد، أن يراجع العلماء دراسة هذه المسألة، بعيداً
عن الحقب السابقة، التي كانت لها ظروفها الخاصة، بغرض الحصول على الرأي الفقهي
المنسجم مع حاضرنا، كما اختار ولاة الأمور السابقون المناسب لأوضاعهم. ومن سمات
الإسلام: المرونة، والتجديد، والانفتاح على الآراء القويمة، التي تبني اجتهادها
على الدليل لا غير.
-العمق
الفقهي ينبني على حل قضايا المجتمع، ومسائله الشائكة، خاصة فى قضية الردة. وما دام
أنه قد ثبت لدينا رؤى متنوعة، ومتعددة، في مسألة حد الردة، فلولي الأمر (السلطة)
أن يختار من الآراء ما يناسب مقتضى عصـره، وحكمه.
ومع ذلك، يبقى
المجال مفتوحاً لمختلف الباحثين، للنظر - مرة أخرى - في المسألة من جميع جوانبها
الشـرعية، خاصة جزئية الإجماع. هذا، وأسال الله تعالى التوفيق والسداد، راجياً
المولى تعالى الرحمة والمغفرة. وصلى الله على محمد .
* رشيد لبريجة: باحث مغربي، وطالب
دراسات عليا (دكتوراه).
المصادر والمراجع
:
1)ابن حزم، المحلى،
12ج، بيروت، دار الفكر، د.ت.
2)الإجماع، ابن
المنذر، بيروت، دار الكتب العلمية، 1971.
3)الإحكام في أصول
الأحكام، الآمدي4 ج، المحقق: عبد الرزاق عفيفي، بيروت، المكتب الإسلامي.
4)إرشاد الفحول،
الشوكاني: 2 ج ، الطبعة الأولى، تحقيق: الشيخ خليل الميس والدكتور ولي الدين صالح
فرفور، دار الكتاب العربي، 1419هـ - 1999م.
5)البحر المحيط في
التفسير، أبو حيان الأندلسي10ج، المحقق: صدقي محمد جميل، دار الفكر، بيروت،
طبعة1420هـ.
6)البخاري بشرح ابن
حجر (فتح الباري)، بيروت، دار المعرفة، 1379ه.
7)البداية والنهاية،
ابن كثير، الطبعة الأولى، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، 1408، هـ -
1988م.
8)بدائع الصنائع في
ترتيب الشرائع، علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي (المتوفى:
587هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1406هـ - 1986م، عدد الأجزاء 7.
9)البرهان في أصول
الفقه، الجويني، الطبعة الأولى، 2ج،
تحقيق: صلاح بن محمد بن عويضة، بيروت، دار الكتب العلمية، 1418 هـ - 1997 م.
10)تفسير القرآن
العظيم، ابن كثير، عدد الأجزاء 8، المحقق:
سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420هـ - 1999 م.
11)التمهيد، ابن عبد
البر، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1971.
12)ذكر أسماء من
تكلم فيه وهو موثق، الذهبي، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد شكور بن محمود الحاجي
أمرير المياديني، الزرقاء، مكتبة المنار، 1406هـ - 1986م.
13)الردة والحرية
الدينية، مرسي، د.أكرم رضا، الطبعة الأولى، المنصورة، دار الوفاء، 2006م.
14)الرياض المونقة
في آراء أهل العلم، الفخر الرازي، تحقيق: أسعد جمعة، تونس، منشورات كلية الآداب
والعلوم الإنسانية بالقيروان، مركز النشر الجامعي.
15)سنن أبي داود،
كتاب الحدود، الطبعة الأولى، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، دار الرسالة العالمية، 1430
هـ - 2009 م.
16)السيرة النبوية،
ابن هشام، الطبعة الثانية، 2ج، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ
الشلبي، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1375هـ - 1955م.
17)شرح صحيح مسلم،
النووي، 18ج، الطبعة الثانية، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1392ه.
18)الشفا بتعريف
حقوق المصطفى، القاضي عياض، 2ج، عمان، دار الفيحاء، 1407 ه.
19)الصارم المسلول
على شاتم الرسول، ابن تيمية، تحقيق: محي الدين عبد الحميد، المملكة السعودية،
الحرس الوطني السعودي، د.ت.
20) الغياثي، غياث الأمم في التياث الظلم،
الجويني، الطبعة الثانية، تحقيق: عبد العظيم الديب، مكتبة إمام الحرمين، 1401ه.
21)في أصول النظام
الإسلامي الجنائي دراسة مقارنة، محمد سليم العوا، القاهرة، نهضة مصر للطباعة
والنشر والتوزيع، 2006.
22)لا إكراه في
الدين إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم، العلواني، د.طه جابر،
الطبعة الثانية، القاهرة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ومكتبة الشروق الدولية،
2006.
23)المبسوط،
السرخسي، 30ج، بيروت، دار المعرفة، 1414هـ - 1993م.
24)مجموع الفتاوى،
ابن تيمية، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، المملكة العربية السعودية، مجمع
الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ.
25)المحرر الوجيز في
تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية، 6ج، المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار
الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1422 هـ.
26)المحصول، الفخر
الرازي، الطبعة الثالثة، 6ج، دراسة وتحقيق: الدكتور طه جابر فياض العلواني، بيروت،
مؤسسة الرسالة، 1404هـ - 1984م.
27)مراتب الإجماع،
ابن حزم، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت.
28)المستدرك على
مجموع الفتاوى، ابن تيمية، الطبعة الأولى، 5ج، جمعه ورتبه وطبعه على نفقته: محمد
بن عبد الرحمن بن قاسم، 1418ه.
29)المصفى في أصول
الفقه، أحمد بن محمد بن علي الوزير، بيروت، دار الفكر المعاصر، 1996.
30)المصنف، عبد
الرازق الصنعاني، كتاب اللقطة، باب في الكفر بعد الإيمان، الطبعة الثانية، تحقيق:
حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت، المجلس العلمي، 1403ه.
31)معالم التنزيل في
تفسير القرآن = تفسير البغوي، البغوي، 5ج،
تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى،
1420 هـ.
32)المغني، ابن
قدامة ، 10ج، مصر، مكتبة القاهرة، 1388هـ - 1968م.
33)المنخول،
الغزالي، الطبعة الثالثة، حققه وخرج نصه وعلق عليه: الدكتور محمد حسن هيتو، بيروت،
دار الفكر المعاصر، 1419 هـ - 1998م.
34)نقد مراتب
الإجماع، ابن تيمية، الطبعة الأولى، عناية: حسن أحمد إسبر، بيروت، دار ابن حزم،
1419هـ - 1998م.
35)النوادر والزيادات
على ما في المدونة من غيرها من الأمهات، ابن أبي زيد القيرواني، 15ج، الطبعة
الأولى، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 199م.
36)شرح مختصر ابن
الحاجب، أبو الثناء، شمس الدين الأصفهاني (المتوفى: 749هـ)، الطبعة الأولى، 3ج،
السعودية، دار المدني، 1406هـ / 1986م.
37)فتوى
طويلة حول خطورة الردة وعقوبة المرتد، يوسف القرضاوي، انظر: الموقع الإلكتروني
للشيخ: https://www.al-qaradawi.net/node/4259، 27 – 3- 2006.
([1]) ألفت رسائل متعددة في الموضوع تنادي
بمراجعة هذا الحكم من بينها:
-تفنيد
دعوى حد الردة/ لا إكراه في الدين: جمال البنا، الناشر: دار الفكر الإسلامي،
الطبعة الأولى: 2006
-لا قتل
للمرتد غير المفسد في القرآن: للعلامة مصطفى إبراهيم الزلمي، سلسلة الأبحاث
والآراء العلمية، الطبعة الثانية.
-الحرية
الدينية في الإسلام: للشيخ عبد المتعال الصعيدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب،
مكتبة الأسرة، 2012م،
-لا
إكراه في الدين/ إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام على اليوم: د. طه جابر
العلواني المعهد العالمي للفكر الإسلامي ومكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط2، 2006
([2]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (8 أجزاء)، المحقق: سامي بن محمد
سلامة، دار طيبة للنشـر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420هـ - 1999 م، ج4/ص83.
([3])
أبو
حيان الأندلسي، البحر المحيط في التفسير، (10 أجزاء)، المحقق: صدقي محمد جميل، دار
الفكر، بيروت، 1420، ج5/ص466.
([4]) البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن(5
أجزاء)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة
الأولى، 1420 هـ، ج2/ص371.
([5])
ابن
عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (6 أجزاء)، المحقق: عبد السلام عبد
الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1422 هـ، ج3/ص61.
([7])
العلواني،
د.طه جابر، لا إكراه في الدين إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم،
الطبعة الثانية، القاهرة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ومكتبة الشروق الدولية،
2006، ص 89.
([8])
ابن
تيمية، مجموع الفتاوى، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، المملكة العربية
السعودية، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ، ج7/ص278.
([10]) صحيح البخاري، باب قول الله تعالى: (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ)، رقم الحديث: 6878، ومسلم، بَابُ مَا يُبَاحُ بِهِ دَمُ
الْمُسْلِمِ)، رقم الحديث: 1676.
([13])
قال
مصعب الزبيري: "كان عكرمة يرى رأي الخوارج، وزعم أن مولاه كان كذلك".
قال إبراهيم بن المنذر: "عن معن بن عيسى، وغيره: كان مالك لا يرى عكرمة ثقة،
ويأمر أن لا يؤخذ عنه". انظر إلى هذه الأقوال، وغيرها، في كتاب: الذهبي، ذكر
أسماء من تكلم فيه وهو موثق، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد شكور بن محمود الحاجي
أمرير المياديني، الزرقاء، مكتبة المنار، 1406هـ - 1986م، ص 36-37.
([15]) ابن تيمية، الصارم المسلول على شاتم الرسول، تحقيق: محي الدين
عبد الحميد، المملكة السعودية، الحرس الوطني السعودي، د.ت، ص 319.
([16]) سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد،ج7، الطبعة
الأولى، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، دار الرسالة العالمية، 1430 هـ - 2009 م. قال فيه شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد
حسن، من أجل علي بن الحسين بن واقد، فهو صدوق حسن الحديث، وهو متابع. وأخرجه
النسائي في (الكبرى) (3518)، من طريق علي بن الحسين بن واقد، بهذا الإسناد،
6/414.
([17])
صحيح
البخاري، كتاب الحدود، باب: قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}
[المائدة: 38]، وفي كم يقطع؟، رقم الحديث: 6788.
([18])
ابن
هشام، السيرة النبوية، الطبعة الثانية، ج2، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري
وعبد الحفيظ الشلبي، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1375هـ
- 1955 م، ج2/ص317، وأيضاً: ابن كثير، البداية والنهاية، الطبعة الأولى، تحقيق:علي
شيري الناشر، دار إحياء التراث العربي ،1408، هـ - 1988م، ج4/ص192.
([21])
راجع:
الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج4، المحقق: عبد الرزاق عفيفي، بيروت، المكتب
الإسلامي، ج1/ص196. وكذلك: الشوكاني، إرشاد الفحول، ج2، الطبعة الأولى، تحقيق:
الشيخ خليل الميس والدكتور ولي الدين صالح فرفور، دار الكتاب العربي، 1419هـ -
1999م، ج1/ص193.
([23])
الرياض المونقة في آراء أهل العلم، تحقيق: أسعد
جمعة، تونس، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، مركز النشر
الجامعي، ص241.
([24])
الفخر
الرازي، المحصول، الطبعة الثالثة،ج6،
دراسة وتحقيق: الدكتور طه جابر فياض العلواني، بيروت، مؤسسة الرسالة،
1404هـ - 1984م، ج4/ص21.
([25])
الجويني،
البرهان في أصول الفقه، الطبعة الأولى، ج2، تحقيق: صلاح بن محمد بن عويضة، بيروت،
دار الكتب العلمية، 1418 هـ - 1997 م، ج1/ص259.
([26])
ابن
تيمية، المستدرك على مجموع الفتاوى، الطبعة الأولى، ج5، جمعه ورتبه وطبعه على
نفقته: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، سنة النشر: 1418ه، ج2/ص114.
([27])
ابن تيمية، نقد مراتب الإجماع، الطبعة الأولى،
عناية : حسن أحمد إسبر، بيروت، دار ابن حزم، 1419هـ - 1998م، ص 302.
([30]) الغزالي، المنخول، الطبعة الثالثة، حققه وخرج نصه وعلق عليه: الدكتور محمد حسن
هيتو، بيروت، دار الفكر المعاصر،1419 هـ - 1998 م، ص406.
([34])
النووي،
شرح صحيح مسلم، ج18، الطبعة الثانية، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1392هـ،
ج12/ص208.
([36])
الكاساني،
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني
الحنفي (المتوفى: 587هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1406هـ - 1986م، عدد
الأجزاء: 7..
([37]) أبو الثناء، شمس الدين الأصفهاني (المتوفى: 749هـ)، يان المختصر
شرح مختصر ابن الحاجب، الطبعة الأولى، ج3، السعودية، دار المدني، 1406هـ / 1986م،
ج1/ص528.
([38])
الجويني،
الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم، الطبعة الثانية، تحقيق: عبد العظيم الديب، مكتبة إمام الحرمين،
1401هـ، ص 218.
([39])
محمد
سليم العوا، في أصول النظام الإسلامي الجنائي دراسة مقارنة، القاهرة، دار نهضة مصـر
للطباعة والنشر والتوزيع، 2006، ص 191.
([40])
عبد
الرازق الصنعاني، المصنف، كتاب اللقطة،
باب في الكفر بعد الإيمان، الطبعة الثانية، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي،
بيروت، المجلس العلمي، 1403هـ، ج10/ص165.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق