هفال عارف برواري
? بداية
ينبغي أن نعلم أن نظرية التطور اصطدمت بكل الكتب المقدسة، التي بيّنت كيفية بدء
الخلق، إلا القرآن الذي أمر الله أتباعه بالبحث عن كيفية بدء الخلق، في قوله
تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأرض فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}
!
هذه الآية فيها أمر
واضح صريح من خالق الكون، بأنه يمكن بالنظر معرفة بداية الخلق!
لكننا - وللأسف - تخلفنا عن مواكبة العصـر، والتقدم، والبحث، والدراسة.. فسار علماء الغرب (أمثال: نيوتن، وكبلر، وكوبرنيك، وأينشتاين، وداروين، ومئات آخرين) كلهم ساروا في الأرض، وتعبوا، وأمضوا أعمارهم
في البحث عن بداية الخلق، ومشوا في الخط الصحيح للآية المذكورة، سواءً وصلوا إلى الحقيقة أم لم يصلوا؟مع أن علماءنا
الأوائل حاولوا، وألمحوا إلى أن الكائنات قد مرت بمراحل التطور، قبل الغرب. وقد
سبقهم الإغريق في ذلك..
فعند
النظر إلى (رسائل إخوان الصفا)، وكيف يتحدثون عن تطور الأنواع، وتحولها، ترى
العجب.. وكذلك (الجاحظ)، وكيف تكلم عن تحول تطور الأنواع، بل إن لابن رشد نظرية عن
التطور!
ونجد ابن خلدون تحدث
في (مقدمته) عن التطور، وعن تكوين الكون، بعبقرية وعين ثاقبة، فقال:
"ثم انظر إلى عالم التكوين، كيف ابتدأ
من المعادن، ثم النبات، ثم الحيوان، على هيئة بديعة من التدريج، آخر أفق المعادن
متصل بأول أفق النبات، مثل الحشائش، وما لا بذر له. وآخر أفق النبات، مثل: النخل،
والكرم، متصل بأول أفق الحيوان، مثل الحلزون، والصدف. ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس
فقط. ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد القريب، بأن
يصير أول أفق الذي بعده. واتسع عالم الحيوان، وتعددت أنواعه، وانتهى في تدريج
التكوين إلى الإنسان، صاحب الفكر والروية، ترتفع إليه من عالم القدرة (القردة)
الذي اجتمع فيه الحس والإدراك، ولم ينته إلى الروية والفكر بالفعل، وكان ذلك أول
أفق من الإنسان بعده. وهذا غاية شهودنا. (ج1 ص 137).
وداروين نفسه قال إن
من بين الأشياء التي جعلته يبحث في موضوع التطور هو أن أباه وهو صغير كان يقرأ له
من مقدمة ابن خلدون !
وبعد ابن خلدون،
وقبل داروين، هناك العديد من العلماء تحدثوا عن التطور، إلا أنهم لم يأتوا بأدلة
مادية مدعمة، وبعد رحلة دامت خمس سنوات قام بها داروين في سفينة الأبحاث (بيجل)،
زار من خلالها مناطق مختلفة من العالم، وقد تلت رحلته دراسة مستفيضة لعشـرين
عاماً، قدم من خلالها العديد من الأدلة التي تدعم التطور.
فنظرية التطور ضربت
الكتب المقدسة (المسيحية واليهودية) في مقتل، وليس القرآن..
وتلقت الإنسانية
ضربتين في العصـر الحديث هزت معتقدات البشر، ومرتكزاتهم..
الضربة الأولى كانت
من (نيكولاس كوبرنيكوس)، عندما زحزح الإنسان من مركز الكون، حيث كان من المعتقد في
الغرب، حسب نظرية (بطليموس)، التي تستند إلى مركزية الأرض في الكون، وأن الإنسان
هو مركز الأرض، ومن ثم فالإنسان هو مركز الكون.. وبقي هذا المعتقد 1000 سنة
!!
وكانت الفكرة تتلاءم
مع الكتب المقدسة، وتنسجم معها، لكن ضـربة العالم (كوبرنيكوس)، ومن بعده (غاليلو)،
اللذين أثبتا أن الأرض ما هو إلا كوكب صغير ضمن المجموعة الشمسية الموجودة في طرف
مجرة تضم ملايين الكواكب، ولا يدرى موقعها في الكون الذي يضم مليارات المجرات!!
الضربة الثانية،
كانت في نظرية التطور والأبحاث البايولوجية، التي أثبتت أن البشـر مر بسلسلة من
عمليات التطور،
وأن تصريحات العالم
(كالفن)، الذي بيّن أن عمر الأرض لا يتجاوز الـ 100 مليون سنة، زعزعت فكرة
(داروين) في التطور التدريجي من خلية واحدة إلى حيوان بري، ومن ثم بحري، لكونها
غير كافية مطلقاً في هذه المدة القصيرة، إلا إذا حدث فيها طفرة وراثية؟
لكن تبين في آخر
نتائج الأبحاث العلمية، أن عمر الأرض الحقيقي هو تقريباً 5 آلاف مليون سنة، أي 5
مليار سنة، أو 5 بلايين سنة، وهي فترة كافية للتطور التدريجي. أما عمر الحياة، فهو
4 مليار و600، أو 800 مليون سنة، أي تكوين أول خلية بدائية. وهذا العمر يدعم نظرية
التطور، وبينت أن حسابات (كالفن) كانت خاطئة. وبذلك، أصبحت نظرية التطور تلقى
قبولاً لدى كل العلماء.
علماً أن التطور لا
يحدث بوتيرة واحدة، فهناك من تعرض للتطور خلال آلاف السنين، وهناك من لم يتعرض
للتطور إلا قبل مئات الملايين، وهناك من الأسماك (كسمكة السيليكانت) التي بقيت كما
هي منذ ملايين السنين!
وتم دحض الحسابات
المأخوذة من الكتاب المقدس، التي تبين أن العمر التكويني للأرض هو ما يقارب الـ 6
آلاف سنة فقط.
أما القرآن، فالذي
يتأمل فيه بعقلية علمية مجردة من تأثيرات التفاسير الموروثة، سيرى أن أسلوب الله
في الخلق هو ليس كما نعتقده أنه خلق الخلق بضربة واحدة.. بل
أسلوبه في الخلق هو التطوير! كما قاله الدكتور مصطفى محمود، وليس
التطور، كما يطلق عليه أصحاب نظرية التطور، كون أن التطور يوحي إلى العشوائية،
والتطوير يوحي إلى القصد والغاية من هذا التطور!
كذلك يوحي إلى الترقية، لكي يصل في سلم القيومية إلى أحسن تقويم:
{لَقَدْ خَلَقْنَا
الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}..
والتسوية
والتعديل:
{الَّذِي خَلَقَكَ
فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}..
والله هو
الذي جعل تلك النظم والقوانين، كي تتطور في نظام كوني قائم على أسس التطوير، وليس
عشوائياً هكذا، أو محض صدفة !
فنجد أن (سفر
التكوين) أعطى تفسيراً عن طريق ادعائه أن المخلوقات كلها خلقت في ستة أيام أرضية،
أي مئة وأربعة وأربعون ساعة، ووصف أن خلق الإنسان كان من تراب، وأنه خلق على صورة
الرب، أي يشبه الإله في شكله، كأن الإنسان أفضل من باقي المخلوقات، ومتميز عنها من
الناحية البيولوجية. وبالطبع خلق خلقاً مستقلاً. ثم أتى بعده القرآن، وشرح الخليقة
كيف نشأت، وأيضاً ذكر أن خلق الكون تم في ستة أيام، لكنه لم يتورط بأن يصفها بأنها
أيام عادية: سبت، أحد... واليوم عند العرب يعني فترة زمنية معينة، أي مرحلة،
فعندما أقول إنني صمت يوماً، فأنا صمت من الصبح إلى غاية المغرب، والوقت يختلف بين
الشتاء والصيف. والله ذكر بأنه خلق الكون في ستة أيام، السماوات في يومين، والأرض
كذلك في يومين، وما بين السماوات والأرض كذلك في يومين. وأن عمر الأرض حوالي 4.6
مليار عام.. فالكون خلق بمرحلتين، ثم مرحلتين، ثم مرحلتين. وإذا قمنا بضرب 4.6 في
3، ستعطينا 13.8، وهذا هو عمر الكون، كما قدّره العلماء !
وهذا – بالطبع- يفتح
المجال لأشياء كثيرة، لكن العقل المسلم القديم – للأسف - استعان بالتوراة لتفسير
القرآن، ولم يتعب نفسه عناء البحث، كما أن البيئة لم تكن بالمستوى العلمي
والارتقاء العقلي، كما نراه الآن. وأن من أسرار خلود القرآن أنه يستوعب كل
الأزمنة، لذلك لا يمكن تحديد تفسير محدد وثابت للقرآن.
ولنتأمل آيات قرآنية
تدل على عملية التطوير والتكوين:
يقول
الله تعالى:
1-
يخلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ..
2 - إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ
إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِين.. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ.. وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِن رُّوحِي.. فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ.
3 - إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ
كَمَثَلِ آدَمَ ، خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ.
وحتى هذا
الـ(كن فيكون ) لم يكن دفعة واحدة، كما يظن البعض، بل بعد
تسعة أشهر، كباقي البشر.. وكذلك عيسى عليه السلام!
{.. فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلىٰ جِذْعِ
النَّخْلَةِ، قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا
مَّنسِيًّا}..
4 - حتى السماوات والأرض لم تخلق دفعة واحدة:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرض
وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}..
ولا ندري
ما هي تلك الأيام، ومدتها الزمنية، وكما بيّنا؟
5 – {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ،
بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}!
6
– { يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ، إِنَّ اللَّهَ على
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }!
آيات قرآنية صادمة،
توحي أن الله خلق الخلق، وعرضه لمنطق التلاؤم والتناغم مع قوانين الكون.
7 – { وَهُوَ
الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا { بهِ }نَبَاتَ [كُلِّ
شَيْءٍ] فَأَخْرَجْنَا {مِنْهُ} خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا
وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَان...}.
فتوحي
كلمة {به} دلالة على البكتريا الأولية، التي خلق منها نبات كل شيء..
ومن ثم
جاءت كلمة {منه} خضِراً، بعد ذلك، دلالة على عملية التركيب الضوئي، ومادة
الكلوروفيل، التي من خلالها تزود النباتات بالطاقة، والمداومة على الحياة.. ثم
لنتأمل كلمة (كل شيء)، ونربطها بالآية: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)!!
ونبات كل شيء - حسب
علماء التطور- هي كائنات فيروسية دقيقة، وكل الدلائل العلمية تشير بأن التطور
صحيح! يقول الدكتور (هارتمان): في المراحل الأولى لتشكل الأرض، اصطدم كوكب بالأرض
يسمى الكوكب ثيا، بحجم المريخ، وهو ما شكل الأرض الحديثة، والقمر. وبعدها سقطت
حجارة نيزكية غزيرة من السماء، شكلت المحيطات.. فالماء نزل من السماء، كما ذكر في
القرآن الكريم، وهذا أمر متفق عليه عالمياً. يقول (جيفري بادا)، أستاذ كيمياء
بحرية جامعة كاليفورنيا، وعلماء آخرون: "الماء السائل أساسي للحياة، والسبب
بسيط، فالجزيئات تحتاج أن تكون متصلة ببعضها البعض، ليكون لديها كيمياء إضافية،
والماء مذيب رائع، لذا يذيب المواد". و(ميلر) هو من عرف بأن البراكين تصنع
الأحماض الأمينية، من خلال تجربته الشهيرة عام 1953 (تجربة إطلاق الشـرر). ولكن أن
يركب الحمض النووي الريبي نفسه، لأنه أقوى من الحمض النووي، هذا لم يستطيعوا
إيجاده، وأحدثهم الدكتور (دايفد دايمر)، أستاذ هندسة الجزيئات الحيوية بجامعة
كاليفورنيا، لأنه لا يوجد قانون يحكم تموضع حروف الحمض النووي، ويمكنها التشكل
والالتئام بأي شكل، وهذه هي معضلة نظرية التطور .
أما من ينادي بفكرة
الخلق المستقل، وأن آدم خلق من دون تطور، وأنه خلق من تمثال طيني، وبثت فيه
الحياة. هذا المفهوم موجود في عقائد اليهود والمسيحيين، وقد تسرب إلى الثقافة
الإسلامية، ولا يوجد عليه أي دليل علمي، كما أن قوانين الطبيعة لا تسمح بتحول
الطين إلى لحم.. ربما إلى حمض نووي، لكن إلى جسم كامل، فهذا مستحيل علمياً. وأما
أن حواء خلقت من ضلع، فهذه موجودة في (سفر التكوين)، ولا توجد أي إشارة قرآنية على
ذلك .
جاء في سفر التكوين:
21 ثم ألقى الإله الرب سباتا على آدم، فأخذ واحدة من أضلاعه، ثم ملأ مكانها
لحماً...
مثل هذه الخرافات،
وغيرها، نقلت إلينا من (سفر التكوين)، وغيره، وتحولت فجأة إلى أحاديث صحيحة،
وصدقناها!!
كما أن كلمة خلق
تعني التسوية والتصميم، ولا تعني إيجاد الشـيء من العدم. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ
إِلَيْهَا}، ولم يقل: لتسكن إليه، حتى تكون حواء خلقت من ضلع آدم، بل قال:
{لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}. و(من) هنا، بما يتوافق مع العلم، تبعيضية، بمعنى أن حواء
خلقت من نفس جنس آدم .
ورغم أن بعض
التطوريين يدعون أننا نحن البشـر من أصول مختلفة، أي من آباء مختلفين، زعماً أن كل
قارة تطورت فيها قردة معينة إلى بشـر! ولكن هذا كلام عنصـري قديم، زعمته
(التوراة)، لتفريق البشـر، وتوليد الحروب بينهم! فلو أحضـرنا جثتين: واحدة لإنسان
أسود البشـرة، والآخر بشـرته بيضاء، ونزعنا الجلد عنهما، وأحضرنا أكبر عالم أحياء
في العالم، لما استطاع التفريق بين الجثتين، بسبب التطابق الكبير في الحمض النووي.
وهذا دليل على أننا كلنا من أب واحد، وأم واحدة. والتطور يحدث – أيضاً - بشكل
مختلف بين الأجناس، فلو كان جميع البشـر حقاً من آباء مختلفين، لما كنا أصلا
متشابهين في الكثير من الأشياء. ووجود فوارق بسيطة في الجمجمة، وما شابه ذلك، فهو
بسبب المناخ، فهو من صقل تلك الجماجم بما يناسب البيئة؛ من مناخ، وطعام
..
لذلك،
يبدو أن البشـرية ظهرت مع ظهور الكائنات والنباتات، لكنها تحولت إلى الإنسان فائق
الصنعة، بعد الأمر الإلهي في قوله: {ثم أنشأناه خلقاً آخر}..
والكيفية،
هي في قوله تعالى: {فإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا
لَهُ سَاجِدِينَ}..
لذلك، لا
يمكن أن يكون البشـر من أصول القردة، كما روجه أتباع النظرية الدارونية؟ للعلم،
هناك فرق بين داروين العالم، ومن يسمون بأتباع النظرية الداروينية
!
فـ(داروين)
قد أفنى عمره في العلم، وواجه صعاباً كثيرة، ومحاربة شديدة، من قبل الكنيسة
والمجتمع. أما في الشـرق، فقد أُسـيء إلى شخصيته، وصور على أنه يهودي مدفوع، ومخطط
له من قبل الصهيونية! وما إلى ذلك من الخرافات التي لا أساس لها.. وكذلك في نظريته
العلمية، التي أحدثت ثورة علمية هائلة، اعتبرها العلماء بأنها فيصلية تاريخية، من حيث
التقدم العلمي، وجعلت أمثال المناضل واللغوي العالمي (نعوم تشومسكي) يقول: إن تقدم
الأمم يقاس بمدى فهمها لنظرية التطور !!
أما
أتباع النظرية الداروينية، والذين يسوقونها في منحنيات عقائدية، وقضايا الوجود، في
فلسفة بعيدة كل البعد عن وجود خالق للكون، فهذا أمر آخر. وقد حاربها العالم
الإسلامي، بسبب وجود مرويات ظنيّة، مشكوك في صحتها، متأثرة بالتوراة!
وكذلك بسبب تسويق أوروبا فيما بعد الداروينية، بعد أن تم ترسيخها في الغرب، وتم
استغلال مفاهيم البقاء للأصلح، لتبرير الاستعمار، وأن الفقراء لا يصلحون للبقاء،
لأنهم لو كانوا يصلحون لما كانوا فقراء!
بل وجدت الرأسمالية،
في نظرية داروين، جانباً اجتماعياً - أيضاً -، يمكن أن يبرر للطبقة العليا الأكثر
ثراء كل ما تفعله في الطبقات الأفقر. علماً أن عبارة (البقاء للأصلح)، لم يقلها
داروين قط، بل قالها الفيلسوف البريطاني (هربرت سبنسر 1820–1903)، والذي أخذ نظرية
داروين بعيداً عن أصل الأنواع، والبيولوجيا، إلى علم الاجتماع، وأسس الداروينية
الاجتماعية!
فوجدوا في النظرية الجديدة تبريراً علمياً لكل فظائعها في
المستعمرات، بل تزامن ظهور النظرية مع أعتى مرحلة من مراحل الإمبريالية
(1850 – 1950)..
لكن علينا أن نعلم
أن نظرية التطور لا تزال تواجه أصواتاً معارضة في الغرب أيضاً، أي إن الغرب نفسه
ليس وحدة واحدة بالنظر إلى نظرية التطور، بل إنها تواجه معارضة شعبية في بعض أجزاء
الغرب أيضاً.. وبالنسبة لدرجة القبول والرفض في الغرب، هناك 3 مستويات اعتماداً على
عامل التدين، والمستوى العلمي، والعمر..
الأول/ يؤمنون
أن البشـر تطوروا بالفعل خلال ملايين السنين، إلى أن وصلوا إلى الهيئة الحالية،
ولكن ذلك حدث بتدخل إلهي.
الثاني/ أن البشـر تطوروا خلال ملايين السنين، ولكن
الله لا دور له في القضية.
الثالث/ أن
الإنسان خلق على صورته الحالية، وتاريخ البشـرية لا يتجاوز الـ 10 آلاف سنة، كما
تقول التوراة، وتلقفه المسلمون في أحاديث ضعيفة !
إذاً، يجب أن نأخذ
القضية من وجهة علمية بحتة، بعيداً عن التوجهات السياسية، ونبين هل هذه النظرية
تعارض القرآن ، أم أن هناك - على العكس - إشارات قرآنية توحي بأن نظرية التطور هي
من السنن الكونية، وقوانينها، لكنه تطور موجه، وهادف.!
وهل هناك تعارض بين إيماننا الديني، وإيماننا بالنظرية أيضاً، على حد سواء؟
بداية يجب العلم أن
المقولة المنتشـرة بأن أصل الإنسان قرد، لم يقلها داروين، لكنها انتشرت، وساهم في
انتشارها أتباع الأديان كافة، الذين وجدوا في هذه الثورة العلمية هدماً لمرتكزاتهم
العقائدية، فأغلبهم يعارض فكرة التطور، لأنها تعارض فكرتهم الدينية عن الخلق، فما
من نظرية في الخلق إلا ولها دين! وأتباعها يتحسسون من نظرية التطور، ما عدا
بعض الأديان التي ليس لها نظرية في الخلق؛ كالبوذية، والكونفوشوسية.. لكن مع
ذلك، فهناك تشابه كبير بيننا وبين القردة؛ من حيث الجانب العضلي، والجانب الجسدي،
والجزء البايولوجي، فقد وجدوا تطابقاً من حيث الجينوم الوراثي بنسبة 99٪
!!أي
بمعنى من بين 3 بلايين حرف وراثي، نختلف في 15 مليون حرف فقط!!
إن التحدي لأتباع
نظرية التطور من العلماء، هو كيف هذا التقارب الذي يؤكد أصول الإنسان من جذر قردي،
وأن الإنسان يحتوي على 46 كروموسوم، بينما الشمبانزي القرد يحتوي على 48 كرموسوم،
مما دفع علماء التطور بالبحث والتنقيب فوجدوا كرموسوماً آخر عند الإنسان قد التحم
بأحد الكرموسومات، أي وجدوا مركزين في هذا الكرموسوم الذي يدعى بكروموسوم 2
الطويل، نتيجة هذا الالتحام، مما يؤكد وحدة السلالة!
لكن لا يمكن مع ذلك
تطابقنا معه، والافتراق الأهم الذي يبعدنا عن هذا التشابه الموروثي، تجد مفتاحه في
القرآن، وهو:
{فإذا سوّيته ونَفختُ فيه من رُوحي} - وسنأتي
إلى ذكر ذلك فيما بعد.. -
لذلك تجد أن كل
التجارب التي أجروها على القرود، لمحاولة إثبات تطوير قدراته، باءت بالفشل، وثبت
للعلماء استحالة تطوير قدراته، وهذا هو مفصل الافتراق، ووجهة الاختلاف الفلسفي
بيننا وبين الداروينيين..
فمن تعريفات التطور:
هو التغير في
المستودع الجيني، مع انتقاله عبر الأجيال، عن طريق الانتخاب (الانتقاء) الطبيعي..
والتطور إن كان من
ناحية التغيير في لونه أو طبيعته، أي تغيير في النسب الجينية، نتيجة لأي عامل
خارجي، أي بمعنى بقاء النوع على أصله، وعدم تحوله إلى نوع آخر، فهو يلقى قبولاً من
قبل الكل، لأنه يحدث أمام الأعين، أي لا يستغرق قروناً، بل سنوات، وهو يسمى بعملية
التطور الصغرى، أي إن التطور يتم داخل النوع نفسه، وهو موجود أمام الأعين، ويتم
تكييف بنيوي لأجساد الأحياء، وتركيبتها، وأعضائها الخارجية والداخلية، حسب الظروف
البيئية، كي تتلاءم مع الطبيعة، وتصارع من أجل البقاء.
أما عملية التطور
الكبرى، أي تغيير النوع إلى آخر، فلا يمكن أن يُرى، لأنه يستغرق قروناً، حسب قول
العلماء. لكن يمكن - حسب قول العلماء- التوصل إلى تنبؤات في عملية التطور الكبرى،
بإجراء تجارب على الأحياء الصغيرة، أو البكتيرية، التي توازي أجيالها لعشرين سنة
مثلاً، ملايين السنين عن البشر !ومن ثم المقارنة والتنبؤ بها..
وبالفعل قام بها العلماء لمدة تجاوزت عشرات السنين، وكيف تقوم الأحياء بإعادة
برمجتها الجينية الوراثية حسب مستجداتها البيئية!
ويحدث ذلك وفق آلية الانتخاب الطبيعي..
فنظرية داروين تقوم
على:
1
- تطور الأسلاف من خلية، أو عدة خلايا.
2
- وأن التطور يحدث نتيجة لطفرات عشوائية - وهو ما يرفضه أهل الدين-
لأن العشوائية هي ضد القصد من الشيء، والإرادة ، مع أن هناك فيها جزءاً علمياً
أيضاً.
3
- التطور بآلية الانتخاب الطبيعي، وقوانينه، والذي يعني توارث
الصفات المفيدة بالانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح، وتساقط الصفات الضارة،
واندثارها.
ومن هنا
يتبين أن لا خلاف مع هذه النظرية في النقطة الأولى، فقد وجد
في سجل الحفريات آلاف الكائنات التي قد تطورت، وهو ما يعرف بالحلقات الوسطى، والآن
يوجد ربع مليون من الكائنات المتحجرة، التي تمثل آثار الحلقات الوسطى!
وهذا السجل يحتوي على تنسيق متكامل للأحياء، ومراحل تطورها من كائنات بدائية إلى
كائنات أكثر تطوراً، وأكثر تقنية، أي إن الكائنات مرت يقينياً بمراحل التطور، ولا
حاجة لمقولة وفكرة الخلق الواحد.
وهذه
الأحفوريات تصل إلى ما يقارب 650 مليون سنة، أما الإنسان فلن تجد له أحفوريات
مطلقاً بهذه المدة، لأنه كائن جديد مقارنة بالأحياء الأخرى، وهو وجد - أي الإنسان
- في آخر 7 ملايين سنة الأخيرة. وكما قلنا، فقد تم تقييم تقدير عمر الأرض بمقاييس
علمية، بما يقارب الـ 5 مليار سنة، لم توجد فيها الحياة لمدة مليار سنة، ثم بدأت
الحياة بأول بكتريا وحيدة الخلية!.. بقيت لمدة مليارين من السنوات هي الوحيدة
من الأحياء في الأرض! ثم ظهرت بعدها كائنات حقيقية (النواة وحيدة الخلية) لكن لها
جينوم، أي كرموسومات، وبقيت موجودة لمدة 900 مليون سنة.. ومن ثم بعد 600 مليون سنة
ظهرت كائنات متعددة الخلايا، مثل الديدان، وقناديل البحر، والإسفنج، وما زالت
موجودة إلى الآن.. ومن ثم بعد 400 مليون سنة ظهرت الأسماك، والنباتات، و... و... و...
ومن ثم بعد 15 مليون سنة ظهرت البرمائيات من تطور بعض الكائنات البحرية إلى
برمائيات..
وقد تم
إيجاد الحلقة المفقودة الوسطى في تحويل الأسماك إلى برمائيات، وقد اعتبر إيجادها
ملحمة كبرى في سجل الأحفوريات، وهي عبارة عن كائن بين الأسماك والبرمائيات تسمى
بسمكة التكتانيك ! فالأسماك كائنات فقرية ولها هياكل عظمية،
وليس كالقروش التي لها هيكل غضروفي. فكل الفقريات، ونحن البشر من ضمنهم، متطورة من
الأسماك! - حسب نظرية التطور- فالأسماك لها هيكل فقري، وهيكل الإنسان يشابه كثيراً
هياكل الأسماك، خاصة الأسماك الرئوية..
ومن ثم بعد 15 مليون
سنة ظهرت الزواحف، وهي على نوعين :
1-
الثدييات، التي لها سلالتها.. وبعدها بـ30 مليون سنة سيظهر الفرع الثاني، الذي
يعتبر قفزة هائلة في التطور، وهي:
2- الطيور: ولها سلالتها الخاصة من الذين
يمتلكون أجنحة وريشاً، وتتكاثر عن طريق التبييض.. فالخفافيش
- مثلاً - ليست من تلك السلالة، لكونها تلد، وليس لها ريش، فهي منحدرة من سلالة
الثدييات.. ونحن البشر ظهرنا قبل 7 ملايين سنة فقط..
وقد أثبت العلماء من
خلال تحليلاتهم العلمية، أن هناك من الكائنات التي تطوّرت فتحولت بشكل تدهوري إلى
كائنات برية، أنها تدهورت لتتحول إلى كائنات مائية، كالحيتان، والدلاڤين، وخنازير
البحر، التي هي من الثدييات، وتحلب أطفالها بالحليب داخل المياه!
ولها رئتان، وهيكل عظمي، مشابه تماماً للحيوانات البرية. وبالنسبة إلى زعانف
الحيتان، وجدوا لها هيكلاً عظمياً لليدين، لكنه مضمر. وكذلك معدته تشبه معدة
الحيوانات العاشبة، ولها وللدلاڤين قلب بأربعة غرف كالبشـر.. وحتى تحركها في
البحار هي كحركة الحيوانات البرية، أي كقفزات من الأعلى إلى الأسفل، وليست كباقي
الأسماك التي تتحرك بحركة جانبية يميناً ويساراً.. وهي كبقايا أثرية مضمرة
للحيوانات البرية!
يستنكر أهل الدين تقليديّاً نظرية التطوّر، ويرون
أن كل المخلوقات لم تمر بمراحل التطور في تاريخها الطبيعي، كالبطريق، الذي لم يعد
يستعمل أجنحته، وهو قد انحدر من سلالة طيور كانت تطير، بل حتى الإنسان له من بقايا
الأجزاء البشـرية التي لم يعد يستعملها كعضلات الأذن الخارجية! بل هناك ما تبقى من
آثار بعض الظواهر، كالثدي الزائد في فخذ بعض الأحياء! وهو يقابل خط اللبن الموجود
في كل الثدييات، وقد بقيت هذه الخلايا في الثدييات !!
وهناك مثال آخر
أيضاً، وهو أن آكل النمل - مثلاً - هو من الثدييات، لأنه يرضع أطفاله، لكنه يبيض
كالزواحف!
ولا خلاف أيضاً في
النقطة الثالثة في توارث الصفات.. لكن المخالفة في جزء العشوائية، والطفرات
الوراثية العشوائية.
وللعلم، فإن علم
التشريع المقارن، وعلم نشأة الأجنة، وسجل الحفريات، قد أصبحت الآن من الأدلة
الثانوية على الرغم من وجود هذه الأدلة وظهور الحلقات الوسطى..
ويوجد في المتحف
الطبيعي في لندن الآن حيوان الآكيو بيكترس، وهي حفرية مكتملة، تمثل الحلقة
الوسيطة.. فهو عبارة عن هيكل لزاحف يطير..
وأصبح علم التطور مرتبطاً بعلم (البايولوجيا
الجزيئية)، الذي هو (علم الجينوم البشري والكروموسومات)..
والله سبحانه يقول:
{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}.. ويقول: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ
مَا يَشَاءُ}.. ويقول: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}.. ويقول:
{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}..
فالتطور عنصر أساسي
وضعه الله لإدارة الكون، ومنه تاريخ التطور الإنساني أيضاً..
فالله يقول: {وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ....ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ
تَنتَشِرُونَ}.. أي إن البشر انتشر قبل الأنسنة!
فنحن بلا شك مع:
"أن الله هو واضع القوانين والأسباب لتطوير المخلوقات، ولو كان ذلك عن طريق
الانتخاب الطبيعي".. لذلك، فالنظرية الداروينية لا علاقة لنا بها، وكذلك
نظرية التطور.. بل إن علم التطوير هو المهم بالنسبة لنا.. ولا يوجد دليل قرآني على
أن آدم هو أول مخلوق، بل الثابت هو أنه أول خليفة في الأرض، وليس على الأرض!
أي إنه مكون ومخلوق داخل هذه المنظومة الأرضية، وضمن قوانينها في الأرض، بمعنى أنه
يجب أن يمتلك أدوات المعرفة [الروح]، والسيطرة، والسلطة !
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ
إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً}، بعد أن تعرض لعملية التطور..
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ - ثُمَّ -
صَوَّرْنَاكُمْ -ثُمَّ - قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ...}، فـ(ثم)
تفيد التراخي، أي استغرق هذا التكوين الإلهي الفذ زمناً، ليرتقي إلى الإنسان
المستخلف المجسد في آدم، وبنيه..
وتتفق
كل الأديان - بشكل تقريبي - على أن التاريخ الإنساني، منذ خلق آدم، لا يتعدى آلاف
السنين، مع أن عمر العصر الديناصوري علمياً يقارب الـ 65 مليون سنة، ثم انقرضت..
في حين وجد البشـر بعد ذلك، وعمره يصل إلى ما يقارب الـ 6 -7 مليون سنة.. وقد وجدت
جمجمة بشـرية لامرأة في (اثيوبيا)، التي سموها (لوسي)، تعود إلى أكثر من ثلاثة
ملايين سنة قبل الميلاد.. وفي عام 2019 تم الكشف عن جمجمة حديثة، تعود إلى 4
ملايين سنة، في (أثيوبيا) أيضاً، أطلق العلماء اسم إم.دي.آر على (الإنسان القرد)،
الذي ينتمي إلى فصيل من البشر القدماء، يعرف علمياً باسم (أسترالوبيتك أنامنسيس)،
وأثبتوا أن هذه السلالة البشرية كانوا
أقصر مما نحن عليه، أي عكس
المعادلة السائدة الموروثة عن أهل الديانات!
وبذلك
يبدو أن البشر ظهر مع ظهور الأنعام من الخلية والبكتيريا الأولية.. كما في قوله
تعالى:
{خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ، يَخْلُقُكُمْ فِي
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِخَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ،
ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ، لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ،
فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ}..
والبشر
فصيلة من الثدييات، وبالتالي يبدو أنها وجدت على الأرض مع الأنعام..
يقول
الله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض}، أي كل ما يدب على الأرض، ومنهم
البشر..
أي يبدو أن بداية
الخلق كان تدرجاً خلقياً للبشـر مع الأنعام (وحيد الخلية)، وكان التكاثر ذاتياً. وكان ذلك بداية الحياة وتطورها، وظهور
الكائنات الحية، وظهور البشـر، ثم تحويل هذا البشر إلى إنسان بنفخة الروح.
أي كما
قلنا تبدأ الحياة على الأرض بوحيد الخلية، الذي عاش مليارات السنين وهو يطلق
الأوكسجين ويتغذى على ثاني أوكسيد الكربون، حتى تم إشباع مياه البحار بالأوكسجين،
ثم انطلق الأوكسجين في الجو حتى ارتفعت نسبة الأوكسجين من واحد بالمائة إلى واحد
وعشرين بالمائة. ومن هنا سمي الكائن الحي نفساً، لأن الكائن الحي يحتاج إلى
أوكسجين، والتنفس (استهلاك الأوكسجين) يبدأ من وحيد الخلية إلى البشـر.
لذا، فالنفس والتنفس تدل على الكائن الحي فقط، وهذه النفس الحية هي التي تموت، كما
في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}،
و{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}، فالحياة والموت لهما وجود موضوعي، ولا
علاقة لهما بنا، ولا علاقة لهما بالقوانين الذاتية!
ثم جاءت قوانين
الزوجية في ظلمات ثلاثة، وهي ظلمة المرحلة البحرية، ثم ظلمة المرحلة البرمائية
والتبييض، ثم جاءت ظلمة المرحلة البرية للمخلوقات كبداية الخلق.. أي وجد البشر قبل
الإنسان، الذي جاء بعد التطور العضوي للبشر، ليتدرج نحو الأنسنة.. وقد كان في
المرحلة البهيمية، ثم انتشر في الأرض، وقد كان على أربع ثم استوى وانتصب على
قدمين.. وقد استغرقت مرحلة النصب خمسة ملايين سنة، كما بينه الله في قرآنه في قوله
تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ - فَسَوَّاكَ – فَعَدَلَك}!، أي إنه لم يكن معتدلاً
بدايةً، فعدّله!
وللعلم هناك فرق بين
التكوين والخلق، فالتكوين هو الظهور إلى حيز الوجود، وهو أدق من الخلق، فوجود
الخلق من تراب هو التكوين، ووضع الخطة والمعلومات له هو الخلق! فالخلق إذاً هو
التقدير قبل التنفيذ. لذا، فعندما قال الله للملائكة: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا}، فهذا يعني
أن البشـر لم يظهر بعدُ، لذا أتبعها بقوله: {فإِذَا سَوَّيْتُهُ}، ثم أتبعها
بقوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}، وبين الخلق والتسوية توجد الأداة -إذا-
وهي ظرف لما يستقبل من الزمن. لذلك قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن
طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ، وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ، ثُمَّ أَنتُمْ
تَمْتَرُونَ}، ثم استعمل أداتين معاً، وهما -ثم، وإذا- في قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ
أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}، فأداة (ثم
)تفيد التعاقب مع التراخي، و(إذا) شـرط لمايستقبل من الزمن.. واستخدام القرآن
هاتين الأداتين معاً هو للتعبير عن مسافات زمنية طويلة، وهو يوحي أن المسافة بين
خلق التراب (المواد غير العضوية)، والوصول إلى البشـرية، ثم انتشارها، قد يستغرق
ملايين السنين! وقد بيّن أن الانتشار في الأرض حصل في مرحلة
البشـر قبل نفخة الروح، وأن البشر كان منتشراً قبل مرحلة الأنسنة.
وأن البشـر هو الشكل المادي الحيوي الفيزيولوجي الظاهري للإنسان، حيث إن الإنسان
هو كائن بشـري مستأنس غير مستوحش (اجتماعي). لذلك، بيّن القرآن أنه خلق الإنسان من
علق، في قوله: {خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ}،
فالعلق هو أن يعلق
شيء بشيء آخر، ومفردها (علقة)، لذا قال: {من نطفةٍ ثم من علقةٍ}، فوضع العلقة بعد
النطفة، وهي مفرد، وتعني دخول الحيوان المنوي إلى البويضة -تعلق شيء بشيء آخر-،
فالعلق جمع علقة -أي علاقات-، وقوله
{خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ}، أي إن الإنسان
مخلوق من مجموعة من العلاقات، هذه العلاقات يطلق عليها في المصطلح الحديث علاقات
فيزيائية وكيميائية معدنية وعضوية وبيولوجية إلخ.
وهذه الآية جاءت في
بداية الوحي، للتنويه بأن الوجود المادي هو مجموعة كبيرة من العلاقات المتداخلة
بعضها ببعض، ومن هذه العلاقات، من داخلها لا من خارجها، تم خلق الإنسان.
وذلك للدلالة على أن الوجود المادي خارج الوعي الإنساني، هو مجموعة من العلاقات.
فالبشر في القرآن تعني الوجود الفيزيولوجي المادي للإنسان، وذلك للدلالة على جنسه
كبشر، وأنه ليس ملكاً، أو من جنس آخر.. والقرآن أًوضح القول عند تنصيب آدم خليفة
في الأرض، بعد تحويله إلى الإنسانية، والنفخ الروحي فيه، ليكون الإنسان فائق
الصنعة، والرد الملائكي في الإجابة: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ
فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، دلالة على معرفتهم المسبقة بالعصر البهيمي للبشر،
والإفساد مع سفك الدماء..
أما القول بمقصد
الجن في ذلك، فهو باطل فالجن هم فعلاً يسبقون البشر في الخلق، في قوله تعالى:
{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ}، لكن صراع غريزة
الاستيلاء، والاستحواذ، والسيطرة، وسفك الدماء، معاً، غير موجودة في عالم الجن، بل
هو في عالم البشر.. إذاً، الإنسان يعتبر مرحلة متقدمة من البشرية
!
فأعضاء الإنسان هي
بشرية، كالمعدة، والأمعاء، والغريزة الجنسية، وما إلى ذلك، لكنه يتحول إلى إنسان
بالعلوم الإنسانية، كالأدب، والأخلاق، والمعرفة، وما إلى ذلك، بحيث يتفوق على
العالم الملائكي.. وهو ما أخبرنا به القرآن عندما قال: {وَعَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، أما ماعدا ذلك، فله صفات بشرية.. ولهذا جاء سياق الآية:
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشـَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ)، أي له صفة البشرية:
يأكل ويشرب، وليس من الملائكة ، وكذلك الآية في قصة مريم: {قَالَتْ أَنَّىٰ
يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}، لم يمسسني
بشر، أي لم يمسسني من له الصفات البشرية، كغريزة الجماع، وحتى دخول آدم جِنان
الأرض - وليست الجنة الموعودة- فقد وسوس له أبليس
بغريزة التملك والخلود: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ
هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ}!
بمعنى أن آدم له سابقة علم بنعمة الخلود، وعدم الموت، الذي يتذوقه كل مخلوق! وأنه
يمتلك الغرائز البشرية في حب التملك ! فهو لم يكن أول البشر ، بل من المصطفين
الأخيار من بين البشر، كما بينه القرآن: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا
وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}، فمن بين مَن سيُصطفى
إذا كان أول خلق بشري!
لذلك منذ بدء الخليقة
وهو يتعرض إلى عملية التطور مع مستجدات العصـر، ومنها البشرية، حتى انفصل عن
المرحلة البهيمية بعد النفخ الروحي..
وعلينا معرفة كيفية
الخلق، ونشأة الكون، وكل شيء، حتى ماهية الروح، فالله يقول في قرآنه: {لِّكُلِّ
نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ، وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}، أي سوف تعلمون كيفية نشأة الكون
وتكوين الخلق !ونحن نستمد هذه المعلومات من الوجود،
أي من الحفريات المكتشفة..
وفي قوله تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً
فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا
الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ
لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ
الْخَالِقِينَ}. فكلمة الإنسان في الآية تتحدث عن ذكر وأنثى، فالمفسرون قالوا
المقصود بالإنسان هنا هو آدم، ولكن هذا غير صحيح، فهناك آيات أخرى تحدث فيها
القرآن عن آدم بشكل صريح، قال تعالى: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له
عزما}، لماذا لم يقل الله هنا (ولقد عهدنا إلى الإنسان)، وهذا لأنه لو قال الله:
(ولقد خلقنا آدم من سلالة من طين)، فهنا سنقول إن حواء لا يخصها الخلق، ولكن يخص
آدم فقط، ولكن الله قال (الإنسان)، أي آدم وحواء، وكان لهما نفس طريقة الخلق، أي
عبر مراحل جنينية، خلقاً من سلالة من طين،
ثم جعله نطفة في قرار مكين، والقرار المكين هو الرحم. ومن قال لمحمد - صلى الله
عليه وسلم - إن الجنين يكون عبارة عن نطفة في الرحم، هل كان يمتلك مجهراً؟ وهي
معلومة لم يتخيلها بشر قط قبله. ثم قال تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ
عَلَقَةً}، وبعد تلقيح البويضة بساعات تعلق تلك البويضة بالجدار الداخلي للرحم،
ولذلك وصفها الله بالعلقة، لأنها تعلق.. {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً}، وبعد
ازدياد نمو الخلايا فهي تأخذ شكلاً يشبه الشـيء الممضوغ.. وخلال الأسبوع الثاني من
الإخصاب، تلتصق الأغشية المحيطة بالمضغة ببطانة الرحم، وتمكن المشيمة المضغة من
العيش داخل جسم الرحم. ولكن انتبهوا جيداً – أيضاً – لماذا قال الله سبحانه:
{ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}؟ في البداية قال الإنسان، والضمير يعود على
الذكر والأنثى من جنس الإنسان، فما الحاجة لقول: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا
آخَرَ؟! تدل كلمة خلقاً آخر، أي بدل أن يكون إنسان قديم ومجرد بشر، تطور إلى
إنسان، لذلك ما الداعي لأن يقول الله ذلك؟ ويقول (تشارلز داروين)، في كتابه (نشأة
الإنسان والانتقاء الجنسـي)، المجلد الأول (تشارلز داروين 2005): يتم تكوين
الإنسان من بويضة... والتي لا تختلف في أي اعتبار عن البويضات الخاصة بالحيوانات
الأخرى، والجنين نفسه عند مرحلة مبكرة جداً من الصعب تمييزه عن ذلك الخاص بالأعضاء
الآخرين التابعين للمملكة الفقارية. وأيضاً يقول سلامة موسى في كتابه (نظرية
التطور وأصل الإنسان): "وعلى هذا إن الجنين يتحول من خلية مفردة إلى حلقة،
إلى هيئة السمكة، إلى حيوان مشعر ذي أربع، إلى إنسان" (سلامة موسى2012)، ففي
هذه المرحلة يظهر شكل الجنين، إن كان إنساناً أو حيواناً.. فنرى في الآية الكريمة
أن الله سبحانه تحدّث في البداية عن الإنسان، فلماذا يقول: ثم أنشأناه خلقاً آخر،
وقال هذا لأنه قبل 3 أشهر يكون الإنسان شكله مثل شكل باقي الحيوانات، فجنين
الإنسان والزواحف والثدييات والأسماك له نفس الخلقة في المراحل الجنينية الأولى
(خياشيم، ذيل، زعانف...)، وبعد 3 أشهر يظهر شكل الجنين الحقيقي، الذي يميزه عن
باقي الحيوانات (جيري كوين2011)، لذلك قال الله: {ثم أنشأناه خلقاً آخر}. كذلك يكون
لجنين الإنسان ذيل، والذي يختفي في الأسبوع السابع، عندما تعطل جينات الذيل. وذلك
الذيل يقول فيه العلماء إنه قد ورثناه من الحيوانات، أي إن جميع المخلوقات، من
أدنى السلسلة (الأسماك)، إلى أعلاها (الإنسان)، متشابهون جميعهم في المراحل
الجنينية الأولى.
أيضاً، هناك إشكالية
طرحها الملاحدة، وهي أن القرآن قال: العظم أولاً، ثم اللحم، ويقولون: إن العلم
أثبت أن العظم واللحم ينموان مع بعضهما، ولكن في المراحل الجنينية الأولى لا يمكن
تمييز خلايا العظم عن خلايا اللحم، لذلك يجب حقن خلايا العظم بملوّن لكي نميزها،
وهذا أمر غير مسموح به مع جنين الإنسان، لذلك يجب الاستعانة بجنين حيوان.. يقول
العالم (نيل شوبين)، عن تتبعه لمراحل جنينية لحيوان الـ(سمندل)، بعد أن قام بحقن
خلايا السمندل بملون: "خلال هذه الساعات الطويلة عند المجهر، كنت أشاهد
حيواناً يبنى، بكل ما في أحرف الكلمة من معنى، كانت الأجنة الأولى لها براعم طرفية
صغيرة، وكانت الخلايا داخلها بمسافات متساوية {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً}.
ثم في المراحل التالية، كانت الخلايا تتجمع داخل البرعم الطرفي في الأجنة المتقدمة
أكثر، وتأخذ أشكالاً مختلفة، وكانت العظام تتشكل. {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ
عِظَامًا}، وقد أصبح كل واحد من هذه التجمعات، التي رأيتها خلال المراحل الأولى
يتحول إلى عظمة، من الصعب أن لا يشعر المرء بالرهبة عند رؤيته لحيوان يقوم ببناء
نفسه (نيل شوبين 2012). لذلك، من الصعب أن لا يشعر الملحد بالرهبة عندما يجد هذه
الدقة في وصف المراحل الجنينية للإنسان في القرآن الكريم، ثم لاحقاً - كما هو
معروف علمياً - تتشكل العضلات {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا}، وهذا متوافق
تماماً مع ما تقوله البيولوجيا التطورية. كذلك لو خلق الإنسان خلقاً مستقلاً، لقال
الله: (ولقد خلقنا الإنسان من طين)، ولكنه قال {من سلالة من طين}، والسلالة هي
سلالة التطور، كلمة سلالة في اللغة تعني النسل، والنسل يكون بالتزاوج بين الذكور
والإناث. ما الحاجة إلى قول كلمة سلالة؟!
ومنهم من استدلّ بقوله
تعالى: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ
مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}. فـ(ثمّ) في اللغة تفيد التعاقب على التراخي، بمعنى شيء بعد
شيء، في وقت طويل) جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (بمعنى
موجودة فترة طويلة فيها تناسل بين الذكور والإناث، لذلك ذكر كلمة السلالة والماء
المهين، أي ماء الذكر، هذا بعد كل تلك المراحل، كما أنه في البداية قال: {بدأ خلق
الإنسان من طين}، فالأمور موضوعة في نصابها، وواضحة.
والحياة - كما يقول
علماء الجيولوجيا والأحياء - بدأت من طين، في برك بركانية من البكتيريا الأولية.
وهذا المفهوم كان سابقاً، ثم اكتشفت، في السبعينات، كائنات دقيقة تسمى آركايا، أي
الكائنات القديمة، وتتواجد في المياه الحارة جداً، والحمضية، حيث لا يمكن
للبكتيريا العيش هناك بسبب سخونة تلك المياه البركانية.. ويعتقد العلماء أن
الأركايا هي سبب الحياة ومنبعها، والأركايا تحتوي على فيروسات. وتوصل البروفسور
(مارك يونغ)، المتخصص بعلم الفيروسات بجامعة منتانا، إلى أن الفيروسات سبقت
البكتيريا، ثم تطورت تلك البكتيريا إلى ما يسمى حقيقي النواة، التي كونت الطحالب،
ثم انتقلت إلى البحر، وتطورت إلى كائنات بحرية دقيقة، ثم إلى أسماك التيكتاليك
(حيوان برمائي مزيج بين شكل السمكة وحيوان زاحف)، إلى الزواحف، ثم الثدييات
والديناصورات والطيور، الثدييات كالقطط والذئاب، القردة الأقل تطوراً، أي المذيلة
،ثم غير مذيلة، كالشمبانزي، ثم القردة العليا، كقرد النياندرتال، الشبيه بالإنسان،
إلى الإنسان البدائي، إلى الإنسان الحديث..
ولكن قد يتساءل البعض الآخر، ويقول إن الله قال:
{ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون}.. ولكن القرآن الكريم يفسر بعضه
بعضاً، والله في هذه الآية وصف الطين التي تتشكل منه الحياة قبل سلالة التطور {من
سلالة من طين}، فالصلصال طين يبس، أي الطين المشوي (شوته البراكين)، وذلك الطين
اليبس مشتق من الحمأ المسنون (مسنون بسنة الحياة، أي كائنات أحادية الخلية، أو
يمكن القول إنه طين نتن.. وقال (سستانلي ميلر)، و(جيفري بادا): إن البرك البركانية
الطينية النتنة برائحة النشادر والكبريت، هي من تشكلت فيها أول كائنات أحادية
الخلية..
وهناك آية أخرى شرحت ذلك الصلصال، قال تعالى:
{خلق الإنسان من صلصال كالفخار}، أي إن هذا الصلصال يابس كالفخار القابل للقرع،
فالماء الحار إلى درجة الغليان يعطينا رواسب كلسية. وكلمة الطين في معجم اللغة
تعني تراب، أو كلس، أو رمل. ونجد بعض النتوءات في المياه تسمى (ستروماتو لايتس)،
أو الرقائق الكلسية الطحلبية، وتتكون من البكتيريا التي ترسب الحجارة الجيرية،
وبالتالي تشكل الشعاب الصغيرة. وهي كائنات مماثلة تقريباً للتي كانت موجودة في
بدايات نشأة الحياة، ويقدر عمر (ستروماتو لايتس) المتحجرة، الموجودة في (جبال
الفلندرز)، في جنوب استراليا، بحوالي 3 مليار سنة.. وتحتوي (الستروماتو لايتس) على
ملايين الكائنات الزرقاء المخضرة، والتي امتلكت طريقة للحصول على الطاقة عن طريق
استخدام أشعة الشمس، للحصول على الطاقة بطريقة تمكنها من تحليل الماء إلى أوكسجين،
فهي قامت بعملية التركيب الضوئي. وتعتبر هذه ثورة بيولوجية غيرت كوكبنا إلى
الأبد.. فالبكتيريا الزرقاء ضخت الأوكسجين في المحيطات، ومن ثم في الغلاف الجوي،
وهي السبب في أننا نتنفس الأوكسجين اليوم، وهي تقوم بتلك العملية حتى اليوم..
والبكتيريا التي لم تتأقلم مع الأوكسجين ماتت، والبكتيريا الزرقاء هي من شكلت طبقة
الوحل في المحيطات، حسب ما قاله البروفسور (جيم غيلينغ)، والدكتورة (جانيت سيفرت)،
المتخصصة في علم الأحياء.
ولنعد مرة أخرى إلى
القرآن، ونرى كيف رتب عملية الخلق أولاً، قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال
من حمأ مسنون}، والحمأ المسنون هو الطين المنتن، "تجارب ميلر وتشكّل عناصر
الحياة الأكثر بدائية، وهي الأحماض الأمينية، أو إذا قلنا مسنون أي فيه سنة
الحياة، وبالطبع في المياه البركانية. وتحدث البروفسور (مارك يونغ) عن الأركايا
التي تعيش في المياه البركانية الشديدة الحرارة"، ثم بالطبع انتقلت تلك البكتيريا
إلى البحر، ونجد ستروماتو لايتس، أو الرقائق الكلسية الطحلبية. يقابله قوله تعالى:
{ولقد خلقنا الإنسان من صلصال كالفخار}، علماً إن لجدران خلايا الإنسان صفة
الفخارية، أي المسامية والنفاذية، ولولا هذه الصفة لما استطاع الإنسان العيش
والبقاء على الحياة.. والستروماتولايتس
تعطينا ترسبات كلسية يبسة متحجرة، كما هو معروف. وترتيب الآيات في القرآن جاء بهذه
الطريقة، وهذا ذكر لمراحل تطور الحياة البدائية. أما الحياة المتطورة، فكانت
بالتناسل، لذلك وصفها الله بالسلالة. والأخرى لم تكن بالتناسل، وصفها بطريقة
تشكلها الخاصة بها. ولكن قد يعترض البعض ويقولون: إن الله هنا قال: {خلق الإنسان
من صلصال كالفخار}، وقال في موضع آخر: {خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون}، كأن
الله يقول إن الإنسان خلق مباشرة من الصلصال.. ولكن إن سألنا أي عالم بيولوجيا حول
العالم: من نكون نحن البشـر؟ سيقول: نحن أسماك متطورة، وربما يقول: نحن قردة
متطورة، أو ذئاب متطورة، فكلنا من نفس النسل. ويمكنه القول أيضاً: نحن بكتيريا
متطورة. لذلك قال الله سبحانه: {خلقنا الإنسان من صلصال}، فهو بذلك يتحدث عن
الحياة بأكملها، لأننا نحن البشر في أعلى السلسلة. والدليل أن الله أكد على أن ذلك
الخلق كان عبر سلالة، لقوله: {خلقنا الإنسان من سلالة من طين}. وهذا ما شكل الحياة، فترسبت تلك البكتيريا
البدائية، وبعدها أعطتنا الرقائق الكلسية الطحلبية..
وقال تعالى: {إِنَّا
خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ}، وكلمة اللازب تعني الثابت، أي الطين الثابت
(الترسبات).. يقول سلامة موسى، في كتابه (نظرية التطور وأصل الإنسان): "وليس
في الجسم الحي من العناصر ما لا يوجد في حفنة من الصلصال، بل إن المشابهة
الكيمياوية كبيرة بين الاثنين، وما هو مثير للسخرية أن المسلم لا زال متمسكاً
بحديث واه جداً، ومضمونه (خلق آدم وطوله ستون ذراعاً (حوالي ثلاثون متراً)... من
رواية البخاري. واستشكل الحافظ ابن حجر، في (فتح الباري)، هذا الحديث، فقال: هذا
الحديث بظاهره يخالف مواطن ثمود، لأن مساكنهم تشير إلى أنهم مثلنا طولاً، كذلك
مومياوات الفراعنة مثلنا في الطول 150سم 180سم، فهذا حديث موضوع حتماً.. علمياً
أيضاً لا يمكن لكائن بهذا الحجم أن يعيش فوق سطح الأرض، لأنه ينهار تحت ثقله،
فكلما زاد الوزن زادت قوة تأثير الجاذبية عليه. والثابت علمياً هو العكس، أن
الإنسان الأقدم بعد القرد كان قصيراً، والقديم أكثر منه طولاً.. وصولاً إلى الإنسان
الحديث، وهو أطولهم.. أي إنهم يطولون ولا يقصرون..
كذلك قال الدكتور
عبد الصبور شاهين: "ليس ثمة أي مانع أن آدم لم يخلق بالخلق المباشر، وإنما
الله اصطفاه (اختاره) من بشر مثله موجودين، قال تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحاً
وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين}، والله اصطفاه ونفخ فيه الروح من بين البشر
غير العاقلين الذين عاشو معه، وأهلك الباقين. وهذا ما قاله (داروين)، وعلماء
آخرون، بشأن الانتقاء الطبيعي، بأننا عشنا مع بشـر آخرين، والطبيعة انتقت الأصلح،
لسبب من الأسباب، هو غير معلوم، ربما أبادوا بعضهم، وربما أهلكوا بالأمراض!.. لا
أحد يعلم، فعلماء التطور وجدوا آثار أسلافنا، ولم يعرفوا السبب الذي أبادهم.
أما معنى الروح في
هذا الموضع، فنحن نقول إن الروح هي سـر الحياة، ولا يمكن لأحد أن يعرف ماهيتها في
قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.. فهل المعنى أن الله أمرنا أن
لا نفكر في الروح، وأنها سـر الحياة، كما نعتقده؟ أم هي أوامر الله في كل أنواع
الخيرية التي أمرنا بها الله في قرآنه، والتشـريعات التي بيّنها.. وأن معنى {وَمَا
أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، هي المعرفة التي لم تتعرفوا عليها،
أو التي لم تصلوا إليها بعد، والمطلوب منا المداومة على الكشف للوصول إلى المعرفة؟
فالروح، كما بيّن
الدكتور محمد شحرور، هي إدراكك لمضمون ما موجود من أوامر وتشـريعات ربانية، ممّا
لا يمتلكه أي مخلوق، أو أي كائن حي، والمعرفة بقوانين الحياة، والمداومة على البحث
المعرفي! ولهذا عندما تحدّث عن جِبْرِيل، ومعه الروح، أي بمعنى معه المعلومات
والتشريعات. لذلك عندما خلق الله آدم، (قال) الله للملائكة أن يسجدوا لآدم، وقوله
الحق، أي لا يمكن عدم التنفيذ، بل قوله قانون سيطبق حتماً؟ و(أمر) إبليس بالسجود،
وهذا هو الروح، أي أوامر وتشـريع، فإما أن يتبعها أو لا!
وبالروح تحول البشـر
إلى إنسان، وأمكن له التعليم. وبالروح تكمن مفارقة الإنسان عن باقي الكائنات
الحية. فالروح هو كل شـيء ذاتي، ليس له وجود موضوعي، كالصوم، والصلاة، والتقوى،
والإحسان، بحيث لا يمكن أن يكون له وجود موضوعي مادي.. والمعرفة، والمعلومات، هي
روح النص، أي ما يفهم من النص، وليست هي النص المكتوب، الذي هو شيء مادي.. فالروح
كمثال الأوامر والمعلومات في قوله: {وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ}.. {وَعَلَّمَ
آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، أي المعلومات، والآلية للوصول إلى المعرفة.. وعَلّم
تعني علّم بالقلم، أي بالتقليم والتمييز لكل شيء، وأول تمييز كان التمييز الصوتي
لكل كائنات الأرض.. لذلك لا غرابة عندما ترى الإنسان يستطيع أن يميز كل أصوات
الكائنات دون تعليم، ويستطيع تقليد كل الأصوات أيضاً..
أما نفخة الروح، في
الآية: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}، فالنفخ عبارة عن
التعبير في الإسراع لشيء ما، كالنفخ في الجمر لكي يتسارع من رفع درجة حرارته بشكل
سريع.. فنفخ الروح بمعنى (طفرة الروح)، أي الطفرة التي حدثت للبشر لكي يتحول إلى
إنسان! لذلك عندما بلغ البشـر مرحلة متقدمة من
التطور العضوي والنضج، أصبح مؤهلاً لنفخة الروح، وهذا التأهيل كان في ظاهرتين
رئيسيتين هما:
1- انتصاب
الإنسان على قدميه، بحيث يكون متحرر
اليدين! فاليدان في الإنسان تعتبر من أروع آلات العمل، تمتلكان قدرة هائلة على
المناورة في الحركات!
2- نضوج
جهاز صوتي خاص به، وهذا الجهاز قادر على إصدار نغمات مختلفة، بعكس بقية المخلوقات
التي تصدر نغمة صوتية واحدة.. هذا الجهاز الصوتي عبر عنه في (سورة الرحمن):
{الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنسان * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}،
فقوله: {علّمه البيان}، يعني أنه تعلم اللغة بواسطة قوانين مادية موضوعية، وليس
وحياً أو إلهاماً. وأول هذه القوانين هو وجود الجهاز الصوتي..
لذلك أصبح البشر جاهزاً من الناحية الفيزيولوجية لعملية نفخة الروح، فقوله تعالى:
{إني جاعل}، والجعل هو عملية التغير في الشيء، كقوله لإبراهيم: {قَالَ إِنِّي
جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًاً}، إذ لم يكن إبراهيم إماماً للناس، فأصبح إماماً.
واستعمال اسم الفاعل في قوله {إني جاعل}، فيه دلالة على استمرار العملية، حيث كان
القرآن يعبر عن مرحلة البشـر بـ(الخلق)، كقوله: {إني خالق بشراً من طين}، ففي
مراحل الخلق المختلفة استعمل {إني خالق}، فعندما قال: {إني جاعل} للدلالة على وجود
البشر الذي تمت تسويته، وأصبح جاهزاً للتغيير في كينونته، ليصبح خليفة الله في
الأرض، أي إنه لم يكن خليفة، فأصبح، ولكنه موجود مادياً من قبل ذلك. والإنسان أصبح
خليفة في الأرض، وليس على الأرض، كما في قوله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا
جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}، {وَإِذْ
قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً}، لذلك يجب أن
يكون له الأمر والنهي، أي (السيطرة والسلطة)، و(المعرفة)، لذلك قالت الملائكة:
{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}؟!
فقد كان البشـر قبل الإنسان كائنات تسفك الدماء، فله إلى الآن أنياب!
والإنسان حتى الآن هو كائن نباتي لاحم.. ومع تطوير الإنسان بدأ معها مراحل تطوير
(الدين) أيضاً، حتى الوصول إلى مراحل أولي العزم من الرسل، بدءاً من (نوح)، وتعرفه
على كيفية صناعة السفن وتجاوز البحار، انتهاءً إلى عصر النبي (محمد)، ليفتح به
آفاقاً لدراسة الكون والسيطرة عليه!
فهو دين واحد {إنَّ
الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلام}.. لذلك قامت الروح بنقلة جبارة من ناحية المنجزات
البشرية:
1- العقل التعبدي
(خط الرسالات)، خط التشريع والعبادات والأخلاق بين الناس، وبين الناس والله.
2- العقل العلمي (خط النبوة)، التي مهامها
التقدم في المعرفة الإنسانية بظواهر الطبيعة، والموجودات، وتسخير الطبيعة
لمصلحتها، والسيطرة عليها، فـ(العلماء ورثة الأنبياء).
***
عند الرجوع إلى أهم مفاصل هذه النظرية، نراها
تركز على الانتخاب الطبيعي، الذي هو انتقاء غير عشوائي (أي لا يفتقر إلى
المنطق والمعنى، لكنه انتخاب لصفات تحدث عشوائياً)، ومنها يحدث البقاء للأصلح -
وليس البقاء للأقوى!، وهو بقاء تفاضلي تلائمي وتكيفي، باستقصاء مماثل له لم يكن له
تلك الفرصة التفاضلية، حيث هي طريقة لاستبقاء ما ينفع، واستبعاد ما لا ينفع، لذلك
لا يستبعد التطوريون، بل ويتعجبون من وجود عيوب في المخلوقات، وفي الإنسان نفسه!
ومن هذه العيوب، وجود قناة الأسهر، ناقلة المني، وطريقتها في نقل المني التي تسبب
مشاكل للذكور، كما في الحالبين، وعلاقتهما بالكليتين، الذي لا ينقل إلى القضيب بل
يرتفع إلى الأعلى ويلتف حول الحالب ثم ينتقل إلى الاسفل لينقل المني إلى القضيب،
وهو ما يسبب للرجال بالفتق الأربي! كذلك وجود العصب الحائر، وتشابهنا البايلوجي مع
الأسماك، التي تكون الغدد الجنسية قريبة من القلب، وكانت في الأعلى، وفي رحلة تطور
الإنسان إلى كائن بري، ومرحلة الانتصاب، نزلت الخصيتان إلى الأسفل، ولتجنب حرارة
الجسم الداخلية نزلت في كيس خارج الجسم، وفي هذه المرحلة حدث الخطأ في هذه القناة
!! كذلك لدينا مشاكل في الظهر والرقبة، والسبب – كما يقولون - هو أن
عمودنا الفقري مصمم في الأصل كي نتحرك بشكل أفقي، لكن مراحل تطور البشـر في
الانتصاب جعل شاكلتنا هكذا.. كذلك جيوبنا الفكية المصممة بحيث أن قنوات تصـريفها
موجودة في الأعلى، وليس في الأسفل، كي تصـرف حسب الجاذبية، وأن هذه القناة العلوية
في التصـريف تجعلها صعبة، مما يسبب في صداعات والتهابات فطرية، وهي إحدى الرواسب
المتبقية قبل التطوير، ففي فترة البشـر الأفقي كانت هذه القناة تشكل سهولة في التصـريف،
لكن الآن لها إشكالية بعد الانتصاب البشـري.. فلنا عيوبنا الهيكلية، والعضوية،
والتي علينا التكيف معها !!
لذلك، فلا غرابة أن
تكون نظرية التطور قد أثرت على كل العلوم، كعلوم الإحياء الطبيعي، وعلم التاريخ،
وعلم النفس، وفلسفة الأخلاق، والفلسفة السياسية.. لذلك يقول بعض علماء الطبيعة: لو
كان الأمر متعلقاً بدقة تصميم المصمم، الإله المجهز والمعد مسبقاً، لما صُمم هكذا!
لكن ذلك تم عن طريق الانتخاب الطبيعي، وعملية التطور!
أما القول إن هذا
يناقض قول الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ
رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إلا الذين آمنوا }..
أي بتصميم لا نقص فيه.. فليس هذا مراد الله في الآية، بل المراد هنا أن الله ربط
بين التقويم الأحسن، وهي مرحلة القيومية، والإيمان، لذلك فعكس ذلك سيكون من
السافلين، إلا الذين آمنوا .. والإيمان يكون بالعقل.. إذن، أحسن تقويم، وتقييم الإنسان،
يكون بالعقل، وأحسن شيء في الطبيعة هو العقل، فهو من جعل الإنسان يقيم الحضارات،
ويطورها، ويربطها بالإيمان، لكي تستقيم، وإلا ستنهار في الأسفلين.!
وأن هذا المخلوق البديع مصمم، وتطور بإبداع حسب احتياجات الحياة المهيأ لها..
وللعلم، فإن سباق التسلح الطبيعي للصـراع من أجل البقاء مستمر في حياتنا، لذلك فإن
وجودنا من بين كل الأحياء، هو عبارة عن قصة انتصار آبائنا وأسلافنا في البقاء وعدم
الاندثار !! وأن 99٪ من الأحياء قد انقرضت، ونحن جميعاً
عبارة عن 1٪ من الأحياء المتبقية! أي إن عشـرات الملايين من الأحياء قد انقرضت!!
فالتطور يحدث عبر
التغيير في واقع المستودع الجيني عبر عوامل خمسة:
1- تقليص
عدد الجماعة 2- التزاوج 3- الطفرة
4- الانسياب الجيني 5- الانتخاب
الطبيعي (وهو الأهم).. هذا هو التطور المايكروي، أي تتغير صفاته مثل؛ اللون،
والحجم، والعضلات، و.. و.. فكيف بمئات الآف من الأجيال التي تمر ملايين السنين لكي
يحدث التطور الماكروي، أي التغيير في الأنواع؟! لكنه غير قابل للتجربة، بل يقبل
الملاحظة من وجود آثارها طبعاً، ومن آليات الانتخاب الطبيعي، وهو التدرج أي دون
طفرة !! لكن الطفرة تظهر في الخلايا الجنسية التي
تورث، ولا يتم حدوثها في الخلايا البدنية.. والطفرات قد تكون سلبية تدهورية، أو
إيجابية ارتقائية.. والآن العلماء يتبنون في العالم كله (التركيبية التطورية
المعاصـرة)، وهو آخر ما توصل إليه علم التطور، وهو عبارة عن النسخة التطورية
المعدلة، وهي تركيبة بين :
1- قوانين مندل في
التوريث للمتغيرات، التي لم تكن معلوماً في عهد داروين.
2- وطفرة ديفريز، وهي أحد المناشيء التي
تساهم بضخ أنواع وتغيرات جديدة، فهي منشأ التغيرات.
3- مبدأ الانتخاب الطبيعي، كأحد أهم أدوات
التطور الرئيسة.
4- أفكار وايزمان. وهي عبارة عن عشرة نقاط:
أولاً/ التطور، الذي
هو تغيير في التردد الجيني في المستودع الجيني.
ثانياً/ الطفرات.
ثالثاً/ الانتخاب
الطبيعي.
رابعاً/ الانعزال،
أي انعزال جغرافي، وانعزال تكاثري.
خامساً/ ظاهرة
النيوتني. وهي الظاهرة التي تقول إن الكائنات تنضج جنسياً وبدنياً، بصورة عامة،
فتتغير أشكالها. أما نحن البشر، فنيوتني، أي إنه ينضج جنسياً، لكنه بدنياً يبقى
كما هو، وكذلك من حيث النضج الفكري.. والإنسان نيوتني، مع أنه لا يختلف عن
الشمبانزي مثلاً، إلا في بعض الجينات.
سادساً/ التطور لا
يحدث بوتيرة وسرعة واحدة، فقد يستغرق زمناً قصيراً، أو طويلاً جداً، أو لا يحتاج
إلى التطوير أصلاً..
سابعاً/ لا يشترط أن
يكون التطور من نصيب الكائنات المتطورة، أو الأقوى، لكنه يكون لمن يمتلك صلاحية في
التكييف واستيعاب كل الظروف البيئية والمعيشية.
ثامناً/ تتسارع
وتيرة التطور عندما يبدأ بالتغير لحين الاكتمال، ومن ثم يتم التباطؤ في التطور،
عندما ينتج له التكييف، ودخوله الطور الجديد..
عاشراً/ لا يشترط أن
تتجه الكائنات في مرحلة التطور إلى كائنات أكثر تعقيداً، وأكثراً تقدمية، بل قد
تتطور نحو التدهور.
لذلك، هناك تساؤلات
لا يستطيع أن يجد أهل المعتقدات الدينية لها جواباً، وهي: لماذا خلق الله ملايين
الأحياء، ثم انقرضت؟.. الحقيقة العلمية تقول إنهم لم يتكيّفوا، لذلك انقرضوا!..
وكذلك نحن أسلاف المنتصرين في البقاء لغاية الآن.
وللعلم أيضاً، فإن
(داروين)، في الجزء الأخير من كتابه، قال إن التطور يحصل نتيجة للنفخة التي وهبها
الخالق لهذه البذرة !فنظرية التطور تعتبر نظرية فسرت حقائق
علمية من خلال مقولة أن لكل ظاهرة سبباً، وأن الله هو من يعطي القوانين، وليس
الأمر إعجازياً.. فقد كان علماء الأحياء متدينون، يثبتون العلوم بربطها بعظمة
الله!
وكما ذكرنا سابقاً،
فإنه رغم تقاربنا الملفت للحيوانات وللشمبانزي بنسبة 99٪ ، إلا أننا نختلف عنها
تماماً، وعن كل الأحياء، بالنسبة للذكاء العقلي، وتركيبة الدماغ والأعصاب.. ولم
يصل علم الانتخاب الطبيعي، بل فشل في تحليل هذه النسبة الهائلة لدماغ الإنسان،
ومقارنته بنظرية الصراع من أجل البقاء، فهو يستطيع أن يعيش بنسبة أقل بكثير من حجم
هذا الذكاء الملفت والمحير لدماغ الإنسان!
لذلك، يقول (وولس)،
المكتشف والمشارك في نظرية الانتخاب الطبيعي مع داروين: إن هناك ذكاء يتحكم في
الإنسان، وهو الخالق! وأن وجود أنواع معينة، في أماكن معينة، هو
نتيجة لظروف وتحديات بيئية، مكنت من تكييف نوع معين من العيش في تلك البيئة، دون
سائر الأنواع، بآلية الانتخاب الطبيعي، أي إن الطبيعة - بشروطها وطبيعتها -تطرح
شروطاً معينة للبقاء والتكاثر الأفضل في تلك الطبيعة، وعن طريق الطفرة..
ومن الأحفوريات التي
تعرضت للتطور، والموجودة:
- الأحفورة
(ايدا)، أقدم من أحفورة (لوسي)، وهي تعود إلى 47 مليوم سنة، أي بعد انقراض
الديناصورات بـ10 مليون سنة.
- حية يعود
عمرها إلى 90 مليون سنة، وجدت في (الأرجنتين)، تبين أن الأفاعي من سلالة السحالي.
- وأفعى
يعود عمرها إلى 530 مليون سنة، وجدت في (الصين).
وللعلم هناك من
الأعضاء الأثرية، أي التي فقدت فعاليتها بعد أن تطورت، وكانت لها وظيفة في السابق،
وهو ما يسمى بالجينات الصامتة.. مثل:
1 - الزائدة الدودية، كأثر سابق على استخدام
البشـر للأعشاب والنباتات، كباقي الكائنات التي تقتات على النباتات.
2 - عجب الذنب (العصعص)، الذي يقولون إنه من
بقايا الذنب في الإنسان، وحتى عضلتها المرتبطة بها من آثارها الباقية، التي كانت
تحرك بها هذا الذنب!
3 - عضلات صَيوان الأذن، وهي ثلاثة عضلات
موروثة من أسلافنا، الذين كانوا يحركون آذانهم، ويعتمدون على حاسة السمع في الحصول
على الأكل!
4 - ثدي الرجال، كالمرأة، وخطوط الحليب في
الرجال والنساء من الأعلى إلى الأسفل.
5 - حاسة الشم ليست متطورة كالعين، التي
تستطيع أن تحلل عشرة ملايين لون، مقارنة بحيوان الشك الذي يستطيع أن يميز بين
عشـرة الآف ريحة فقط، كون الإنسان كائناً نهارياً أكثر مما هو ليلي، يعتمد على
العين والأذن أكثر من اعتماده على الأنف، مع أن الإنسان له ثمانية مائة مستقبلات
للشم، لكن نصفها لا يعمل! وفي هذا دلالة على أنها كانت تشتغل يوماً
ما!
6 - كذلك وجود كيس المح، مع وجود سائل فيه،
في الشهر الثاني، في بطن الجنين، ثم اختفاؤه، قد يكون كدلالة على أثر سلالته
الزاحفة التي كانت تبيض!!
لذلك، فمن علم
الإحياء التنموي التطوري يتبين أن التطور يعمل على الجينات، وليس على النمط
الخارجي. هذا إلى جانب أن الشفرة الجينية متطابقة تقريباً في كل الأحياء، من
البكتيريا حتى الإنسان، وهناك أكثر من دليل على أن كل
المخلوقات منحدرة من أصل واحد، وهذا يدل على وحدة الخالق سبحانه.
وما
قاله (داروين) أن كل الكائنات ترجع نشأتها إلى (المعادن)، أي (الذره)، يعني من
الأرض، ونحن نسميها سلالة من طين.. لكن يبقى أنه إذا كان للانتخاب الطبيعي دور على
المستوى البايلوجي، فمن الصعب أن يكون له دور على المستوى الكيمياوي، لأن الانتخاب
الطبيعي يتطلب تكاثر الكائنات، ليقوم باختيار الأفضل من بينها، ونقل شفراتها
الوراثية إلى الأجيال الأخرى. أي بمعنى أن الانتخاب الطبيعي يعتمد على الشفرة
الوراثية، ولا يستطيع الحصول عليها إلا بالتكاثر، فمن أجل التطور الكيمياوي للوصول
إلى الشفرة الوراثية المناسبة، لا بد من التكاثر، ومن أجل التكاثر يجب الحصول على
الشفرة الوراثية.. أي إن الانتخاب الطبيعي يعتمد على الشفرة الوراثية، لنشأة
الشفرة، وبناء الخلية.. كيف؟ أي أصبحت كمثال البيضة والدجاجة، وأيهما أسبق؟!
وكذلك الحال بين
علاقة الشفرات الوراثية والبروتينات، فالشفرات الوراثية تحتاج إلى البروتينات،
وبناء البروتينات يحتاج إلى الشفرة الوراثية!
فيبدو أن هذه الحياة
ذكية، وهي عبارة عن معلومات يحكمها نظام تشفير، ومعالجة للمعلومات، لها قدرة على
التشكيل، وذاتية التحكم، وتعمل كوحدة واحدة.. حتى أن الخلية الواحدة، التي كان
ينظر إليها نظرة سطحية بسيطة، أصبح اليوم يعرف أنها تتألف من عشرة ملايين ملايين
ذرة، وأنها تعمل كمدينة كبيرة، ذاتية التنظيم، فكيف بكائن حي يمتلك مليارات
الخلايا.. وأن
طول الـ DNA، الحامل للشفرة الوراثية للخلية الحية، هو
2.04م، أي إذا قمنا بتوصيله كله في جسم الإنسان، مع بعضه البعض، فسيصل طوله ما بين
الأرض والشمس 5.1 مليون مرة!
وتحمل الشفرات
الوراثية أربعة حروف فقط لتدوين المعلومات، وهي قادرة على بناء مليارات
البروتينات، وما تحتاجه الكائنات لبناء أجسادها.. وأن مقولة أن المادة والطاقة هي
التي تعطي الحياة لم تعد جارية، بل المعلومات، وليس للمعلومات مصدر غير الذكاء،
ولا يتوفر الذكاء المطلق إلا من إله خالق يدبر الأمور، ويتحكم فيها، وهو الذي وضع
قوانين الغائية والقصدية من التطوير، التي تلغي العبثية والصدفة، وأن هناك من لحّن
سمفونية الحياة بشكل متناسق بديع، يتخللها مقاطع الصـراع والتدافع، من أجل بقاء
ديمومة الحياة.
فالعلم لا زال لم يتطور كثيراً حتى يعطينا
إجابة دقيقة عن الموضوع، من ناحية علم الجينات، وعلم النباتات، ولم يتقدم بالشكل
الكافي ليفسـر كل شيء، وربما على الإنسان انتظار آلاف السنين، بل أكثر، حتى يفكك
كل الشيفرات.. فنظرية التطور لها عيوب كبيرة، وثغرات، فهي لم تشرح مثلاً الغريزة،
لأن التطور يحتاج ملايين السنين، والغريزة تحتاج أن تكون في اليوم الأول من حياة
كل كائن، وإلى أن يموت.
والتحليل السخيف
الذي أدلى به (ريتشارد دوكينز)، في كتابه غير العلمي (الجين الأناني)، والذي لاقى
رواجاً كبيراً - مع الأسف - لأنه خرج من شيخ الملحدين، مع أن (داروين) نفسه تواضع،
وقال بأن الغريزة يمكنها الإطاحة بنظريتي بالكامل! هذه هي الروح العلمية، والعقل
العلمي المتواضع. لكن (دوكينز) لم يكن كذلك، ولم يتحدث في كتابه (صانع الساعات
الأعمى)، عن الغريزة إطلاقاً.. وهذه ليست روح علمية، والدليل بلاهة الجين الأناني،
الذي ليس له أي منطق علمي.. وقد تحدث (داروين) عن الغريزة، وقال عن الطيور
والحيوانات، عندما تبني أعشاشها: هذا الفعل يحتاج لإنجازه من قبل الإنسان نفسه إلى
زمن وخبرة، ويتمّ إنجازه من طرف حيوان صغير، وعديم الخبرة، وبدون علمه بأي غرض
وراء القيام بذلك السلوك.. فالغريزة عند الحيوان لا شعورية، ولا يتحكم
فيها، ومع ذلك يتقنها إتقانا عجيباً.. والإنسان إذا أراد تقليد عمل ذاك الحيوان،
يحتاج ربما لمدة طويلة جداً، مع أنه واعٍ بأفعاله وسلوكياته. وهذا يدل على أن
الغريزة صادرة عن كائن ذكي، أذكى من الإنسان، عَلّم الحيوانات تلك الغرائز، التي
عندما يريد الإنسان تطبيقها - في بعض الأحيان - يعجز عن ذلك.. وقال (داروين)، عن
الغريزة، في كتابه (أصل الأنواع): "لا يمكن أن تكون قد اكتسبت عن طريق العادة"..
ونحن نقول قد اكتسبها من عند الله بالوحي الإلهي، ولا تفسير أكثر منطقية من هذا
التفسير، كما في قوله تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ
خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ}..
أما عن الإنسان،
فحسب آيات القرآن، يتبين كما ورد في آيات سورة (المؤمنون- الأعراف-الانفطار-
الحجر- ص- السجدة) أن الإنسان البشـر قد تميز عن الإنسان الذي نفخ فيه الروح،
وتميز عن باقي الكائنات بهذه النفخة:
1- تعلم الأسماء كلها (وقد ذكرنا معنى الأسماء).
2- استخلافه في الأرض.
3- حمله الأمانة (حرية الاختيار).
4- التكليف والمحاسبة.
وقد أصبح بنفخة
الروح خلقاً آخر..
وجنين الإنسان أيضاً
يمر بكل مراحل أجنة باقي الثدييات (نطفة –
علقة – مضغة – عظام- كسوة لحم)، لكنه يتميز في آخر أطوار نشأته، بأنه يكون خلقاً
آخر بنفخة الروح، بينما تبقى باقي الثدييات على حيوانيتها.. فأجسادنا الإنسانية
مخلوقات متطورة، أما أنا وأنت فإنسان بشـري فريد، ومخلوقات خاصة..
وحسب دراسات
الأنثروبولجيا، والأركيلوجيا، فإن العقل البشري قد تطور تدريجياً، وليس فجائياً،
والسمات الفيزيولوجية قد تطورت جنباً إلى جنب مع تطور الدماغ البشري، وتطور
ثقافته..
لكن هناك سؤالاً
يفرض نفسه علينا، وهو: هل هناك نظرية معرفية في القرآن، استنتجها في المعرفة
الإنسانية، تؤهلنا لاختراق الفضاء، والنزول إلى أعماق البحار؟ لأن أي فلسفة إن لم
يكن لها نظرية في المعرفة الإنسانية، فهي ليست بفلسفة تؤهلها لامتلاك حضارة..
فالوجود عبارة عن وجود
خارج الوعي.. والوجود له علاقة بين الوجود في الأعيان، وصور الموجودات في الأذهان،
هذه نظرية المعرفة.. فهل يوجد في القرآن مثل هذا الكلام، فحتى الحق هو وجود
الأشياء خارج الوعي الإنساني؟!
فالوجود الحقيقي
خارج الوعي هو الله.. والوجود الكوني المحيط بنا، المادي، حقيقي أيضاً، وهو داخل
الوعي..
فهذا
الوجود هو كلمات الله، أي عين الموجودات، وهي العلوم الثابتة التي تؤسس عليها
أنظمة الكون، كالرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، التي هي مفردات هذه الكلمات..
أما كلام الله، فهو
القرآن، والفرق بين الكلام والمتكلم، هو أن كلام الله صادر منه، ولكنه ليس جزءاً
منه.. والفرق بين الوجود والعدم، أن العدم هو وجود الدال بدون مدلول، كوجود الشمس
أنها ستوجد في علم الله قبل أن توجد.. لذلك، فالمعنى الحقيقي لكلمة (اقرأ)، كأول
كلمة نزلت من القرآن، تعني العملية التعليمية، وليس فك الخط.. {وَمَا كُنتَ
تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}، فالخلق هو ليس
الإيجاد من العدم، بل هو التصميم، خلق من طين، خلق من ماء، من علق، أي من عدة
علاقات كيميائية، أو فيزيائية، أو طبيعية، أو بايولوجية، أو... أو... فعلقة هي
واحدة، وعلقات جمع، وعلق جمع الجمع!
فكيف نفهم أن هذه
المعرفة الإنسانية هي بالقلم، أي بالتقليم، أي التمييز.. فالعين تقلّم الألوان،
والأنف يقلّم الروائح، والأذن تقلم الأصوات، وهكذا.. وللعلم، فإن كل مخلوق له قلمه
الخاص، فـ{الذي علّم بالقلم} مطلقة، حتى الحيوانات تقلّم أطفالها، لكن الله علّم
الإنسان ما لم يعلم، بالنفخة الروحية.. لذلك، فالمعرفة الإنسانية صاعدة باستمرار،
ومحورها القلم، لكن بعد (اقرأ).. {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}، فالقلم
التمييز، والتسطير هو التصنيف، وفي كل شيء، {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ
مُّسْتَطَرٌ}، {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، وهنا تبين أن الله علّمه
بالقلم، أي التمييز في كل شيء..
وهذا هو القرآن: {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم
مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ
مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ، وَنُقِرُّ فِي
الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى}..
وفي الختام:
فإن آدم هو أبو
الإنسان، وأبو التاريخ الإنساني، وليس والد البشـر.. وهناك فرق بين الأب والوالد،
فالوالد والوالدة لهما مفهوم بيولوجي، والأب والأم له مفهوم إنساني، وإن النسب
للأب والأم، وليس للوالد والوالدة، لأن الحيوانات لها والدان، ولا أنساب لها.
ويجب أن نعلم أن الله نفخ الروح في آدم فأصبح إنساناً، ولم ينفخ الروح في بقية
المخلوقات (كالقردة وغيرها) لذلك لم تتأنسن هذه المخلوقات!
أي يبدو أن نفخة الروح هي الحلقة المفقودة في نظرية النشوء والارتقاء، وهي الطفرة
الوراثية !
والإنسان مركب من
البشر، والروح والبشر هو النفس، أما الروح فهي (المعرفة، والأوامر، والتشريع).
وبما أن الوحي عبارة
عن مجموعة من التشريعات، والمعلومات، فقد سمّاه روحاً! وسبب البدء بالوحي على
النبي محمد، بفعل الأمر – اقرأ -، أي إن البدء يجب أن يكون بالمعرفة.. فالقراءة
تعني العملية التعليمية.. والعمودان الفقريان للمعرفة هما: العلق، والقلم، اللذان
جاءا بعد فعل الأمر (اقرأ).. وهكذا، فإن النشاط الإنساني المعرفي، والإنتاجي، قائم
على العلاقات، وتقليم هذه العلاقات.
ولذلك نرى أن بداية
الوحي للرسول هو في الحقيقة المدخل الأساسي إلى نظرية المعرفة الإنسانية، وبواسطة
هذا المدخل نستطيع أن ندخل إلى كل العلوم الكونية والإنسانية.. والله أعلم
.
المراجع:
1-
الدكتور عبد الصبور شاهين، أبي آدم.
2- الدكتور عمرو شـريف، كيف الخلق.
3-
سلامة يوسف، نظرية التطور وأصل الإنسان.
4-
الدكتور محمد شحرور، الكتاب والقرآن.
5-
سلسلة محاضرات عدنان إبراهيم عن نظرية التطور.
6-
الدكتور مصطفى محمود، حوار مع صديقي الملحد.
7-
موقع الدكتور أحمد خيري العمري.
8-
رأي الدكتور محمد باسل الطائي، في آيات قرآنية عن التطور.
9-
تفسير الشعراوي في الفرق بين البشر والإنسان.
10-
بحث منشور عن التطور والقرآن، والإشادة بآراء جيري كوين الملحد عن التطور وربطها
بالقرآن!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق