خليل إبراهيم
إن العبور
إلی مرحلة الاستقرار السياسي، و بناء
المؤسسات، وإحداث النهضة الحقيقية، والقدرة على مواجهة التحديات، والتهيؤ
للمتغيرات والمتحولات التي تجري علی المستوى المحلي والإقليمي والدولي، مرهون
بإقامة وترسيخ نظام الحكم الرشيد في إدارة الشؤون العامة .
لقد أصبح الحكم الرشيد؛ بمبادئه وعناصره، مطلباً ملحاً لشعوب المنطقة، وهدفاً أساسياً لنضالها، عبر الوسائل المدنية؛ من مظاهرات واحتجاجات واعتصامات وانتفاضات وثورات، إذ
الشعوب تتوق وتتعطش إلی الحرية والعدالة والأمن والرفاهية والرخاء.
والذي
يضمن نجاح هذا المطلب الشعبي، وتحقيق هذا الهدف النبيل، هو الوعي بطبيعة الصراع،
ومتطلباته، مع بقايا إرث الاستبداد، وعقلية الاحتكار، وذهنية الهيمنة والاستحواذ
والاستفراد بالسلطة والثروة والموارد، والمنظومة الفكرية التي تدعمها.
إن
الوعي بطبيعة الصـراع مع الاستبداد، وبناه الفكرية والثقافية، هو المدخل المطلوب
لسيادة وسريان روح المطالبة بالحكم الرشيد، وانتشار فكر وثقافة مواجهة منظومة
عقلية الهيمنة، وإدارة الموارد باعتبارها منافع ذاتية، ومكاسب حزبية، وغنائم
لأصحاب النفوذ.
هذه
المعركة الثقافية، وهذا الصـراع الفكري، ليس بالأمر الميسور. والطريق إلی تحقيق
مبدأ الحكم الرشيد ليست مفروشة بالورود، وإنما تتطلب ضميراً
حيّاً، ووجداناً يقظاً، وشعوراً بالمسؤولية، وإدراكاً عميقاً بالواقع، ومستلزمات
النهوض به، ومواجهة الصعاب، والتغلب على المعوقات، ومناهضة كلّ العوامل المعرقلة
والعقبات.
ينبغي
أن تتصدى لهذه المهمة النخب السياسية، والثقافية، والفكرية، والإعلامية، ومنظمات
المجتمع المدني، وتصبح طليعة موحدة، ومتناسقة، تخوض هذا الميدان بروح وثابة، ونفس
طويل، وإرادة صلبة، وصبر عنيد، وتمتلك الرؤية الواضحة، والأهداف المحددة،
والبرنامج العملي المرسوم.
نعم،
هذا الصراع سيكون مريراً، ويشهده مدّ وجزر، ونصـر وهزيمة، وصعود وهبوط، وتوسع وانكماش،
وإقدام وإحجام، لكنه مضمون النتائج. ويتحقق الهدف منه بتدرج، وعلى مراحل، دون خرق
لها، ولا قفز عليها. فلا دستور، ولا ثورة، ولا شعبوية سطحية، تحقق هذا المطلب، لأن
أصل المعركة ثقافي وفكري. ونشـر الوعي، ورفض خطاب العجز والبكائيات، و محاربة منطق
اليأس والإحباط، ومواصلة العمل بهمّة عالية، ونزعة متفائلة، وقلوب صابرة صامدة، هي
عدة هذا الميدان.
فنقطة
البدء في هذا المشوار هي استشراف المستقبل، على ضوء برنامج للعمل المشترك، وأهداف
يتوافق عليها بين النخب السياسية والثقافية والفكرية والإعلامية، على اختلاف
توجهاتها ومشاريعها، أو تسعى وتتحرك سوياً إلی العمل من أجل تحقيقها، لتغيير هذا
الواقع المأزوم، ودفعه نحو مسار الحكم الرشيد، وفق رؤية استراتيجية تحول دون استنزاف
الطاقات في معارك جانبية، وصراعات مختلقة، لا تخدم الأهداف المحددة، وتؤدي إلی
التشرذم والانقسام.
إن
أي انشغال عن هذا الهدف، وأيّ معركة في غير هذا الاتجاه، بين النخب الثقافية
والقوى السياسية، يعد غياباً للبوصلة، ويؤدي إلی استمرار حالة التردي، والمزيد من
التشتت، وبعثرة الجهود، وتكرار للفشل والانتكاسة.
ولكي
ينجح هذا المسار، ويصل إلی مبتغاه، يجب النظر إليه على أنه مشـروع لجميع النخب،
على تباين منطلقاتها الفكرية، لا لفئة دون أخرى.. إذ لا توجد فئة، أو فريق، يستطيع
بمفرده، وبمعزل عن الفرقاء، تحقيق إنجاز أو تقدم نحو الأهداف.. فالحاجة ماسة
لتضافر جهود جميع التيارات؛ من قوميين ولبراليين ويساريين وإسلاميين في هذا المسعى.
إن
الارتقاء إلی المستوى اللائق بهذا العمل المشترك، والنضال الجماعي لتحقيق الهدف
المتفق عليه من قبل النخب، يستدعي الروح الإيجابية المنفتحة، وقبول الآخر المختلف،
والتحرر من الجمود والتصلب الثقافي من داخل التراث، وكذلك التحرر والخلاص من المسخ
الثقافي، وتقديس كلّ فكر وافد من الخارج.
وطريقنا
في كل هذا هو الحوار، ففيه حياة العقل وثراؤه، وهو الطريق الوحيد إلی التفاهم
والتوافق على القواسم المشتركة، وتحديد الأولويات.. وبتواصل الحوار تتقلص شقة
الخلاف، وتضيق دائرته، فعلى قواعده وآدابه يضيق نطاق الهوى والتعصب، ويتوسع نطاق
العقل، وتتعمق مداركه، وبذلك تسود رحابة الصدر، وتتغلب رجاحة العقل، وتظهر روح
العمل الجماعي النافع، الكفيل بانتشال الواقع من مأزقه، والخلاص من حالة التخلف
الذي يعانيه:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
ولا
يفوتنا هنا أن نؤكد على قيام المرأة بدورها الفعال، دون تهميش وإقصاء لحضورها، كما
ويجب التأكيد على دور الشباب، وهم يشكّلون النسبة العليا بين الشرائع العمرية،
وتأهليهم، وتمكينهم، وتوجيه طاقاتهم للمشاركة الفاعلة، والنهوض بالدور الأساسي في
مسيرة العمل والبناء، والإسهام الجادّ في المطالبة بالحكم الرشيد، وترسيخ مبانيه،
وتحقيق عناصره.
فاللحظة التي نشهدها ونعيشها، لحظة فارقة، تؤسس
لمرحلة جديدة، إن أردنا فهم قواعد اللعبة، وأتقنّا ممارسة العمل على ضوئها، كما
وتشكل خطّاً فاصلاً بين الماضي؛ بمآسيه وآلامه وتجاربه القاسية، وبين حاضر
بجراحاته النازفة، وإخفاقاته المتكررة، ومستقبل واعد بفرصة وتحدياته.
قد
رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى
مع الهمل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق