تمهيد: لمحة عن حركات الإصلاح والنهضة في التاريح
الإسلامي:
لقد برزت حركات الإصلاح الإسلامي في الربع الأخير من القرن التاسع عشـر الميلادي في كل من الهند والدولة العثمانية ومصـر ومناطق أخرى من العالم الإسلامي، لا سيما وأن روادها قد انبهروا بالحضارة الغربية، وأن أجزاء عديدة من العالم الإسلامي قد وقعت فريسة للاستعمار الأوروبي؛ لذا حاول هؤلاء المصلحون القيام بحركة موائمة بين الإسلام ومتطلبات العصـر، أي التوفيق بين الحياة والفكر
الإسلاميين وبين مطالب الحضارة الغربية الحديثة.و(حركة الإحياء) اتجاه نشأ في العالم الإسلامي
في منتصف القرن التاسع عشـر الميلادي، يسعى إلى محاولة إيجاد مصالحة بين الإسلام
وبين الفكر الغربي المعاصر، عن طريق إعادة النظر في تعاليم الإسلام ونصوصه،
وتأويلها تأويلاً جديدًا ينسجم مع المعارف والأوضاع العصـرية السائدة. إنه اتجاه
يسعى إلى محاولة التوفيق بين الدين والعصـر الحديث، بإعادة تأويل الدين وتفسير تعاليمه
في ضوء المعارف العصـرية السائدة.
وقد تناول عدد من الباحثين هذه الظاهرة بالعرض
والتحليل، واستعمل بعضهم مصطلح (العصـرانية/ Modernism)
لوصفها،
وإن كان عدد من الكتاب قد فضل استعمال ألفاظ التجدد، أو التطوير، أو التحديث،
أو الإحياء؛ أحيانًا، وأحيانًا لفظ: التجديد.
والعصرانية لا تعني مجرد الانتماء إلى العصـر،
بل تعني وجهة نظر في الدين مبنية على الاعتقاد بأن التقدم العلمي والثقافة
المعاصرة يستلزمان إعادة تأويل التعاليم الدينية التقليدية على ضوء المفاهيم
الفلسفية والعلمية السائدة، ولو أدى ذلك إلى تطويع مبادئ الدين وأحكامه لقيم
الحضارة الغربية ومفاهيمها، وإخضاعها لتصوراتها ووجهة نظرها في شؤون الحياة.
وقد ظهر في الهند السير أحمد خان الهندي (1817
– 1890م)، وهو أحد كبار الشخصيات الإسلامية في الهند، وكان هذا الشخص يحاول القيام
بحركة تجديدية في الإسلام، لأن الإنكليز كانوا قد سيطروا على الهند بعد ثورة
عام1857م، وألغوا الحكم المغولي، وخفضوا رتبة المسلمين؛ وهذا ما أدى إلى تهميش
المسلمين في المجتمع الهندي إلى درجة كبيرة، سيما وأنهم أقلية بالنسبة إلى
الغالبية الهندوسية، وكان قد تراكم لدى الكثير من السكان الهندوس الشعور بالنقص،
لأنهم كانوا خاضعين لحكم المسلمين لسبعة قرون خلت. وهكذا أصبح المسلمون فجأة
معرَّضين للخطر الشديد، خاصة بعد أن حمّل البريطانيون المسلمين المسؤولية عن أحداث
ثورة 1857م. ولا يمكن نسيان جحافل المبشـرين والمستشـرقين الذين كانوا يجوبون
الهند شمالاً وجنوباً للانتقاص من الإسلام، وعده ديناً لا يصلح للوقت الحاضر(1).
وقد ساند السير أحمد خان، في
اتجاهه الإصلاحي، كل من تلميذيه: شـراغ علي (1844 – 1895م)، والسيد
أمير علي (1849 – 1928م)، غير أن الكثير من علماء المسلمين في الهند سموا هذه الحركة
بالاعتزال الجديد؛ بسبب افتتان السيد أحمد خان بالعلم الطبيعي والحضارة الغربية
المادية؛ لذلك أنشأ الإنكليز لهم عدة جمعيات ومعاهد لدعم فكرتهم، مثل (كلية عليكره)،
عام 1875م، التي تستند على تفسير القرآن الكريم على أساس طبيعي، يناقض تماماً
القول بالمعجزات وخوارق العادات، بالإضافة إلى القول بأن النبوة غاية تحصل وتكتسب
عن طريق الرياضة النفسية (2). وكان من تداعيات هذه
الحركة ظهور الحركة القاديانية في الهند بزعامة الميرزا غلام أحمد القادياني (1835
– 1908م)، الذي ادعى التجديد في البداية، ثم ادعى بأنه المهدي، وزعم أنه المسيح
الموعود، ثم تدرج في أفكاره إلى أن ادعى النبوة، بدعم من الإنكليز.
وفي الوقت نفسه، فقد ظهر السيد جمال الدين
الأفغاني (1838 – 1897م)، في ظل الدولة العثمانية، ودعا إلى حركة إصلاح شاملة في
جميع الميادين، على أمل اللحاق بالركب الأوروبي المتطور، وسانده في ذلك تلميذه
الشيخ محمد عبده (1849 –1905م)، مفتي الديار المصـرية، الذي حاول هو الآخر القيام
بحركة إصلاح في مؤسسات الأزهر، والقيام بغربلة المناهج الدراسية القائمة على
المتون القديمة غير الملائمة للعصـر الحديث، ومحاولة غربلتها وتجديدها بما لا يخرج
عن نطاق الكتاب والسنة النبوية الصحيحة.. لذلك، لقي الرجلان معارضة شديدة من علماء
المسلمين التقليديين.(3)
وكان من نتائج هذه الحركة ظهور حركات الإحياء
الإسلامي، المتمثلة في المناداة بالجامعة الإسلامية بزعامة السلطان عبدالحميد
الثاني (1867 – 1909م)، والحركة السلفية بقيادة الشيخ محمد رشيد رضا (1875 –
1935م)؛ منشـىء مجلة المنار، وحركة الإخوان المسلمين في مصـر، بقيادة الشيخ حسن
البنا (1906 – 1949م)، فيما بعد، وغيرها.
ولد سيد أحمد خان في دهلي (= دلهي) في السابع عشـر من تشرين الثاني/ نوفمبر
سنة 1817م، وهو سليل عائلة أرستقراطية نبيلة، رحل أجداده من بلاد العرب إلى (هراة)،
ومن هراة إلى دلهي، في عهد (أكبر شاه)، أي الفترة التي كانت تحكم فيها الأسـرة
المغولية في الهند. ثقّفه والده ثقافة دينية، سائراً على عادة أهل زمانه، حيث حفظ
سيد أحمد خان القرآن الكريم وهو في سن صغيرة، كبقية صغار المسلمين في الهند، ثم
أخذ بقراءة بعض الكتب والدواوين الشعرية لشعراء مشهورين، منهم الشاعر والمتصوف
الفارسي سعدي الشيرازي (كلستان، وبوستان)، ثم أخذ في قراءة اللغة العربية، فقرأ
كتاب شـرح وتهذيب مختصـر المعاني، وكتاب المطول، ثم انعطف لقراءة العلوم الرياضية.(4)
في عام 1837م توفي
والده، وكان سن سيد أحمد خان الحادية والعشـرين، فقطعت الحكومة المغولية ما كان
مخصصاً لوالده من الرواتب، إلا نزراً يسيراً كانت تدفعه لوالـدته. كما وضعت
الحكومة يدها على الأملاك التي كانت لوالده، والتي كانت ملكيتها متّصله بحياته،
وبموت الوالد خرجت الأملاك من أيديهم. وأمام هذه الظروف اضطر سيد أحمد خان إلى الاعتماد
على نفسه لتحصيل رزقة وتدبير أمور معيشته، فالتحق عام 1837م بخدمة الحكومة أميناً
للسجلات في القلم الجنائي في دلهي، ثم تدرج في المناصب، إلى أن عيّن قاضياً مدنياً
في مدينة (فاتح بوز)، من إقليم (أكرا)، ثم انتدب قاضياً في مدينة (بنجور)، إلا أن
عمله كقاضٍ لم يمنعه من المطالعة والتأليف والنشـر، فعرف السلطان المغولي الأخير (بهادر
شاه) قيمته ومكانته وفضله، فأنعم عليه بلقب فخري هو (جواد الدولة)، وأضاف إليه
لقبًا آخر وهو (عارف جنك)، عام ١٨٤٢م. وألّف سيد أحمد كتابًا سماه (آثار
الصناديد)، الذي شاع ذكره في ذلك الوقت، وترجم إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية،
وهو عبارة عن كتاب بحث فيه آثار مدينة دلهي، ومبانيها القديمة. وبناءً على هذا
الكتاب قررت الجمعية الملكية الآسيوية في لندن، جعله عضوًا فخريًا فيها، وأرسلت
إليه إشعاراً بذلك.
وكان للسيد أحمد خان موقف من الثورة الهندية
التي قادها المسلمون عام 1857م، وبالتالي من الإنكليز، حيث يقول بهذا الصدد: "انظروا
إلى إنكلترا، لقد كانت ثروتها تتمشـى يوماً فيوماً مع تربيتها، كلما زادث ثروتها
زادت تربيتها، وقد كانت منذ قرن، وأمامها الكثير من الصعاب والعقبات التي تعوق
التربية أكثر مما عندنا، ولم يكن إذ ذاك لها سكك حديد وآلات ميكانيكية للطباعة ولا
نحو ذلك، إنما كان لها سعة نظر وقوة إرادة. ولو أن الهند سنة 1857م تعرف العالم،
وتعرف قوتها، وقوة خصمها من الإنكليز، وتزن الأمور بميزان صحيح، ما حدثت الحوادث
الأليمة التي حدثت سنة 1858.. إلا أن الجهل سبب لكل شـر.
وكان أول
ما بدأ به خطته في التربية، إنشاؤه جمعية أدبية علمية في (عليكره)، حيث كان قاضياً
بها سنـة 1861م، كان الغرض منها نشـر
الآراء الحديثة في التاريخ والاقتصاد والعلوم، وترجمة أهم الكتب الإنكليزية في هذه
الموضوعات إلى اللغة الأوردية. وقد كان يرى أن تعلم هـذه العلوم باللغة الإنكليزية
لا يكفي في تثقيف عدد قليل لا يجزي، إنما الذي يفيد فائدة كبرى نقل هذه العلوم إلى
لغة البلاد، حتى يشترك في فهمها والاستفادة منها أكبر عدد ممكن. ولذلك كانت خطته
التي بدأ بها، وسار عليها، نقل هذه الكتب الهامة من اللغة الإنكليزية إلى الأوردية.
ولم يمنعه إعجابه بالإنكليز، ولغتهم، وثقافتهم، من أن يكون صلباً حازماً شديداً في
طلبه نقـل الكتب الإنكليزية للشعب، لا نقل الشعب إلى اللغة الإنكليزية(5).
وشجع الإنكليز السيد أحمد خان على زيارة إنكلترا،
فأكرموه لاعتباره من أعيان البلد. وحدث حادث كان له أكبر الأثر في توجهه الإصلاحي،
ذلك أنه في سنة 1869م، وهو في نحو الثانية والخمسين من عمره، تقرر إرسال
ابنه محمود إلى إنكلترا ـ كعضو بعثة - فانتهزها السيد أحمد فرصة وسافر
معه؛ وحدثت له على السفينة طرائف رويت عنه؛ من أحاديث في الدين تحدث بها مع
أصدقائه من الإنكليز، تدل على غيرته على الإسلام، مع سمة عقل. وابتهج حين مروره
على شاطیء شبه جزيرة العرب، لأنها مبعث النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -(6).
وكان السيد أحمد، عندما نزل إنكلترا، قابل
كثيراً من عظمائها، وشخصياتها؛ منها الملكة فكتوريا (1837 – 1901م)، فضلاً عن
الكاتب الاسكتلندي المعروف (توماس كارليل) (1795 – 1881م)، وقد حدّثه السيد طويلاً
عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولعلّه كان لذلك الأثر
المحمود في كتابة الفصل البديع عن محمد البطل، في كتاب (كارليل)، المعنون
(الأبطال). وأخذ السيد يدرس نظم التربية في إنكلترا، ولفت نظره تربية الإنكليز
للشعب، أكثر مما لفت نظره تربيتهم للخاصة من المتعلمين. لقد دوّن إعجابه بخادمة
للمنزل تقرأ وتكتب، وبربّة المنزل لها رأي في السياسة العامة، وبالحوذي يقرأ
الجريدة، ويحتفظ بها ليتم قراءتها عند انتظار راكب. ونادى إذ ذاك بفكرته المتقلبة
على ذهنه قائلاً: ”إن الذين يريدون إصلاح الهند الحقيقي يجب أن يجعلوا نصب أعينهم
نقل العلوم والفنون والآداب الأوروبية إلى لغة البلاد الأصلية، وأحب أن يكتب هـذا
الرأي بأحرف كبيرة جداً على جبال الهملايا، لتذكره الأجيال القادمة. إن تقدم
الغربيين إنما جاء من أنهم عالجوا الآداب والعلوم بلغتهم، ولو كانت العلوم والفنون
تعلّم في إنكلترا باللغة اللاتينية أو اليونانية أو العربية أو الفارسية، لظلوا
جاهلين جهل الهند، فما لم نهضم العلوم والفنون، ونتمثلها بلغتنا، فسنظل في حالتنا
السيئة"(7).
وشهد النصف الثاني من القرن التاسع عشـر فترة
ثرية، مع قيام مجموعة كبيرة من المفكرين المسلمين، في أنحاء مختلفة من العالم،
بفحص أصول التشريع الإسلاميّ دينيًا. وارتكزت المشكلات الدينيّة في قلب هذه
الفحوصات، على صلاحية المعرفة المستقاة من المصادر خارج القرآن، كالسنة النبوية،
ومنهجية مصادر التشـريع التقليدية؛ من الإجماع والقياس. وتمثلت الخطوة
الإبستمولوجيّة (= المعرفية) التي قام بها هؤلاء في إعادة تفسير القرآن والحديث
النبوي، وتغيير الإجماع والقياس، في ضوء العقلانية العلمية. ومن بين هؤلاء الذين
كان لهم تأثير عميق في اتجاه الإصلاح: جمال الدين الأفغاني، وسيّد أحمد خان، ومحمد
عبده، وأمير علي؛ لقد أعجب هؤلاء بالتقدّم العلمي الذي أحرزه الغرب، وحاولوا
الدفاع عن عالمية الإسلام، وكونه قادراً على استيعاب البيئة المتغيّرة في كلّ عصر(8).
اجتهد سيد أحمد خان في مجال الإصلاح الاجتماعيّ، ودعا الناس إلى أنْ يتركوا
العادات والأعراف التي تحول بينهم وبين التقدّم الاجتماعيّ. وحثّهم على أنْ
يعتنقوا طريقة علميّة جديدة في شؤون حياتهم، ونصحهم أن يوسّعوا أفق تفكيرهم،
ويخرجوا من قيود التقاليد البالية والأعراف الزائفة. وصرّح "بأنّ أي شعبٍ لا
يمكن له أن يتمتّع بالحياة المتحضـّرة القويمة، ما لم يتحرر من القيود التي تحدق
به من كل جانب، كما حضّ على التخلص من المعتقدات الدينيّة التي لا صلة لها بالدين
الحقيقيّ. فالمعتقدات الدينيّة الجوفاء دائمًا ما تقف عقبة في طريق الحضارة،
وبصورة خاصة المعتقدات الخرافية. وركّز خان على ضرورة تربية النشء تربية علميّة
صحيحة، وتثقيف النساء، وتعليمهم بعض الحرف. وعليهم بذل كلّ الوسائل لتيسير العملية
التعليمية، لأنّ ذلك من شأنه أنْ يطوّر الفنون والصناعات المختلفة، وأصدر لذلك
مجلة (تهذيب الأخلاق)، استهدف من خلالها تحفيز المسلمين في الهند، لإدراك قضايا
العصـر الحديث، وإصلاح ما فسد من أفكار توهن حيويّة المجتمع. إنّ النظرة الأولى
إلى عناوين المقالات التي كتبها السيد أحمد خان في هذه المجلة، توقفنا على طبيعة
نشاطاته، وتأثيرها في مجال الإصلاح الاجتماعيّ، إذ يوضّح بعض هذه المقالات دائرة
نشاطه، وأبعاد حركته الإصلاحية. ويمكن الإشارة إلى بعض تلك العناوين لنعرف مدى
تقاطعه مع المفكرين والمصلحين الذين سبقوه، سواءً في شبه القارة الهندية، أو في
غيرها من دول وكيانات العالم الإسلامي: (الثقافة – التعليم - التقاليد والمراسم -
الثقة بالنفس - التضامن الوطني - حرية الفكر والرأي - التظاهر الكاذب – العصبيّة -
حقوق المرأة - الاستعباد)، وغير ذلك من جوانب الحياة الاجتماعيّة.
عندما لاحظ السيد أحمد خان تدني وضع المسلمين
المادي والمعنوي، ونظر إلى انعدام كفاءتهم المعرفية، وغياب أهليتهم الحضارية
للحصول على حقوقهم من المستعمر البريطاني، تأكد أن الخطيئة مرتكَبة من الضحية لا
من الجاني، وأنه لا يمكن ردّ حق؛ أوّل من يهدره هم أهله، فألزم نفسه بالابتعاد عن
التحريض السياسي وتهييج الناس، والرمي بهم عرضة للبطش الإنكليزي، وللمزيد من تردي
أحوالهم. ابتعد عن كل ذلك ليكرس عمله للتربية والتعليم وتهذيب النفوس بالأخلاق
العالية، وتنوير العقول بالعلوم والمعارف. هذه هي (اللعنة السياسية) التي تحدث
عنها الإمام محمد عبده، وهذا هو المبدأ الإصلاحي الذي بلوره في ما بعد المفكر
المصلح الجزائري مالك بن نبي (1905م-1973م)، وما بات يعرف بقابلية الاستعمار.
وكان السيد أحمد خان الهندي شخصية مثيرة للجدل،
نظراً لأفكاره الجريئة، ومواقفه التي طرحها في الساحة، في منتصف القرن
التاسع عشـر، سواءً في تعاونه مع المحتل البريطاني لبلده الهند، وخاصة إبان ثورة
عام1857م، أو في ضوء تصوره للوحي القرآني والتفسير الذي قدمه للقرآن الكريم، وأنكر
فيه المعجزات والكثير من الغيبيات. لذلك يعده العديد من الباحثين العرب والمسلمين،
من المفكرين الممالئين للاستعمار، أو بالأحرى من أصحاب الاتجاه العلماني التغريبي،
رغم أنه يعد مصلحاً كبيراً في نظر مفكرين آخرين محسوبين على الاتجاه
العلماني؛ بشقيه المعتدل أو الراديكالي.
فتذكر مجلة (العروة الوثقى) - للسيد جمال الدين
الأفغاني، والشيخ محمد عبده -، التي صدر العدد الأول منها في مدينة (باريس) في 13
مارس/ آذار عام 1884م، وانتهت بالعدد الثامن عشـر في 17 أكتوبر/تشـرين الأول عام
1884م، وفي أحد أعدادها وصف لهدف الحركة التقدمية التي قام بها السيد أحمد
خان في الهند، إذ تقول: "…لما استقرت أقدامهم – الإنجليز – في الهند، وألقوا
به عصاهم، ومحيت آثار السلطنة التيمورية (نسبة إلى تيمورلنك؛ مؤسس دولة المغول في
القرن السادس عشـر الميلادي)، نظروا إلى البلاد نظرة ثانية، فوجدوا فيها خمسين
مليوناً من المسلمين، كل واحد منهم مجروح الفؤاد بزوال ملكهم العظيم، وهم يتصلون
بملايين كثيرة من المسلمين؛ شـرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، وأحسوا أن المسلمين
ما داموا على دينهم، وما دام القرآن يتلى بينهم، فمحال أن يخلصوا في الخضوع لسلطة
أجنبي عنهم، خصوصاً إن كان ذلك الأجنبي قد خطف الملك منهم بالخديعة أو المكر، تحت
ستار المحبة والصداقة. فطفقوا يفتشون بكل وسيلة لتوهين الاعتقاد الإسلامي، وحملوا
القسس والرؤساء الروحانيين على كتابة الكتب، ونشـر الرسائل، محشوة بالطعن في
الديانة الإسلامية، مفعمة بالشتائم والسباب لصاحب الشريعة ـ برّأه الله مما قالوا
ـ فأتوا من هذا العمل الشنيع ما تنفر منه الطباع، ولا يمكن معه لذي غيرةٍ أن يقيم
على أرض تنتشـر فيها تلك الكتب، وأن يسكن تحت سماء تشـرق شمسها على مرتكبي ذلك الإفك
العظيم".(9)
ويشير المصلحان في المجلة بأن غاية المستعمر
الإنكليزي، والسائرين في ركابه، هو إضعاف العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين،
وحملهم على اعتناق ما يراه المستعمر مناسباً لهم، والقضاء على موارد المسلمين
الاقتصادية، سواءً في السيطرة على موارد الأوقاف والمدارس الإسلامية، "وما
قصدهم بذلك إلا توهين عقائد المسلمين وحملهم على التدين بمذهب الإنكليز، هذا من
جهة، ومن جهة أخرى، أخذوا في تضييق سبل المعيشة على المسلمين، وتشديد الوطأة
عليهم، والإضرار بهم، من كل وجه، فضـربوا على أيديهم في الأعمال العامة، وسلبوا
أوقاف المساجد والمدارس، ونفوا علماءهم وعظمائهم إلى جزائر (إندومان) و(فلفلان)،
رجاء أن تفيدهم هذه الوسيلة، إن لم تفدهم الأولى، في ردّ المسلمين عن دينهم،
بإسقاطهم في أغوار الجهل بعقائدهم، حتى يذهلوا عما فرضه الله عليهم. فلما خاب أمل
أولئك الحكام الجائرين في الوسيلة الأولى، وطال عليهم الأمد في الاستفادة من
الثانية، نزعوا إلى تدبير آخر في إزالة الدين الإسلامي من أرض الهند، أو إضعافه؛
لأنهم لا يخافون إلا من المسلمين؛ أصحاب ذلك الملك المنهوب، والحق المسلوب. فاتفق
أن رجلاً اسمه أحمد خان بهادور (لقب تعظيم في الهند) كان يحوم حول الإنكليز لينال
فائدة منهم، فعرض نفسه عليهم، وخطا بعض خطوات لخلع دينه، والتدين بالمذهب
الإنجليزي، وبدأ سيره بكتابة كتاب يثبت فيه أن التوراة والانجيل ليسا محرفين، ولا
مبدلين، لينال بذلك الزلفى عندهم. ثم راجع نفسه، فرأى أن الإنجليز لن يرضوا عنه
حتى يقول: إني نصـراني، وأن هذا العمل الحقير لا يؤتى عليه أجراً جزيلاً، خصوصاً
وقد أتى بمثل كتابه ألوف من القسس والبطارقة، وما أمكنهم أن يحولوا من المسلمين عن
الدين أشخاصاً معدودة، فأخذ طريقاً آخر في خدمة حكامه الإنجليز؛ بتفريق كلمة
المسلمين، وتبديد شملهم"(10).
ويبدو أن السيد جمال الدين الأفغاني هاجم السيد
أحمد خان بشدة، من خلال الاطلاع بنفسه على أوضاع المسلمين في الهند، إثر زيارته إليها
عام 1879م، واطلاعه على الأحوال عن كثب، حيث كتب يقول، بخصوص مذهب الطبيعيين: "فظهر
بمظهر الطبيعيين الدهريين، ونادى بأن لا وجود إلا للطبيعة العمياء، وليس لهذا
الكون إله حكيم (إن هذا إلا الضلال المبين)، وأن جميع الأنبياء كانوا طبيعيين لا
يعتقدون بالإله الذي جاءت به الشـرائع (نعوذ بالله)، ولقّب نفسه بالطبيعي، وأخذ
يغري أبناء الأغنياء من الشبان الطائشين، فمال إليه أشخاص منهم، تملصاً من قيود
الشـرع الشـريف، وسعياً خلف الشهوات البهيمية. فراق لحكام الإنجليز مشـربه، ورأوا
فيه خير وسيلة لإفساد قلوب المسلمين، فأخذوا في تعزيزه، وتكريمه، وساعدوه على بناء
مدرسة في (عليكره)، وسموها مدرسة المحمديين، لتكون فخاً يصيدون به أبناء المؤمنين،
ليربوهم على أفكار هذا الرجل أحمد خان بهادور"(11).
موقف السيد أحمد خان من تفسير القرآن الحكيم:
وكان السيد أحمد خان قد ألّف تفسيراً للقرآن
الحكيم سماه (تفهيم)، من عدة أجزاء، وصل فيه إلى (سورة النحل)، وفي رواية إلى (سورة
الكهف). يقول السيد أحمد خان عن التفاسير القديمة، وما دفعه لكتابة تفسيره:
"في الأيام التي كنت أسعى لتوعية المسلمين، ونشـر العلوم الحديثة، سعيت لكي
أصل إلى جواب صحيح، استهلكت وقتاً كثيراً، وحققت في كتب التفسير ما وسعني الوقت،
واستوعبت ما فيها، ولم أجد فيها سوى أبحاث في العلم والأدب، باستثناء بعض الروايات
الضعيفة، أو بعض القصص التي لا أساس لها، والتي ترجع جذورها إلى قصص اليهود. وبعد
ذلك راجعت الكتب المتعلقة بأصول التفسير، علني أجد فيها أصولاً مأخوذة من القرآن،
أو أصلاً لا يمكن الطعن به، إلا أنني للأسف الشديد لم أجد فيها سوى تقسيم للعلوم
المنقرضة في القرآن، أو أبحاث لها علاقة بالألفاظ والبـيـان واختلاف التفاسير،
خاصة فيما يخص المكي والمدني، والصيفي والشتائي، واليومي والليلي، للآيات والحروف
والكلمات، أو أبحاث المجاز، ولم أجد في كل ذلك حلولاً للمشاكل الحقيقية"(12).
ويصل، في نهاية الأمر، إلى القول: "في
النهاية باشـرت بدراسة القرآن نفسه، وخضت غماره، لأفهم من القرآن نفسه ما هي
مرتكزاته. وبعد مدة وفقني الله لأعرف - بعد التحقيق - بأن الإسلام، وضمن القواعد
المستنبطة من القرآن، لا يخالف العلوم الحديثة، وأستطيع القول بصدق بأنني تلميذ
مدرسة القرآن العظيم"(13).
ويذكر أحد الباحثين الإيرانيين، حول خرق السيد
أحمد للإجماع الإسلامي للتفاسير المتعلقة بالقرآن الكريم، بقوله: "إن هناك
مثل هذه الدعاوى العلمية، وخرق الإجماع، وإنكار الضـرورات، والتي يتصور من خلالها
بأنه يستطيع إبعاد الخرافات عن القرآن، وجعله ينسجم مع العلم والعقل في أواخـر القرن
التاسع عشـر. وأبسط التفاسير من وجهة نظر خارق الإجماع السيد أحمد خان، هو: الوحي
هو ما يلهمه الله لرسوله، أما كيف كان ذلك؟ فإن المفسرين القدامى قد شـرحوا ذلك
بصورة غير مهضومة، فقد صوروا الله والرسول كالسلطان والوزير، واعتبروا الوحي كلام
(كذا) أو حكم أو رسالـة من ذلك السلطان لوزيره، وأن جبرائيل ملك مجسّد يمارس دور
الواسطة بين الملك، الذي هو الله، وبين الوزير، الذي هو الرسول"(14).
بعد
ذلك يضع كلام أحد كبار مفسـري القرآن، وهو الإمام الفخر الرازي (المتوفى سنة606هـ)،
تحت المجهر، ويعلق عليه بهذه الطريقة: في العصـر الحاضر، يضحك البعض معتبرين
القرآن والإسلام - كتقارير الرازي - جزءاً من الوهم والخيال. ويكشف عن ما يضمره في
سويداء قلبه بهذه الصـراحة: "لا بد أن نعرف بأن العلاقة بين الله وشخص النبي
تنطلق من ملكة النبوة القدسية، وهي الناموس الأكبر، وما يصطلح عليه الشرع بـجبرائيل".
"أجل إن القلب الطاهر للنبي مرآة تعكس الحق، ومظهـر للتجليات الربانية، وذلك
القلب النوراني هو (القاصد) الذي يحمل الرسائل إلى الله، ويتلقى منه. (يريد أحمد
خان أن يقول بأن النبي هو الذي يوحي إلى الله)، وهذا هو الشـيء المجسّد الذي يخرج
كلمات الله وأصواتها، وهو الأذن التي تسمع كلام الله الخالي من الحرف والصوت. من
قلبه الذي هو عرش إلهي، ينطلق الوحي وتنفجر كالعين، وبعد ذلك ينزل عليه، وتنعكس
صورته في مرآة قلبه، وذلك هو الإلهام، فلا صوت من الخارج، بل هو (في تلك اللحظة
يجسد الفناء في الحق)، ينادي من سويداء قلبه وهو ينطق {وما ينطق عن الهوى. إن هو
إلا وحي يوحى}(سورة
النجم، الآية 3). هذا القلب يواجه (حالات)، بمقتضـى الفطرة الإنسانية، وكل
ذلك مرتبط بقانون فطري وناموس لا يتخلف، والذي أودعه الله نفسه في الإنسان
.فهو
يسمع كلامه بأذنه الظاهرية، وكأن أحداً يتحدث معه، ويرى نفسه بعينه الظاهرية، وكأن
أحداً يقف أمامه"(15).
ومن جهته، فإن السيد جمال الدين الأفغاني يعلق
على تفسير السيد أحمد خان (=الهدى والفرقان)، بقوله: "كتب أحمد خان تفسيرا
ًعلى القرآن الكريم، فحرّف الكلم عن مواضعه، وبدّل ما أنزل الله، وأنشأ جريدة باسم
تهذيب الأخلاق، لا ينشـر فيها إلا ما يضلل عقول المسلمين، ويوقع الشقاق بينهم،
ويلقى العداوة بين مسلمي الهند وغيرهم، خصوصاً بينهم وبين العثمانيين. وجهر
بالدعوة لخلع الأديان كافة (لكن لا يدعو إلا المسلمين)، ونادى: الطبيعة، الطبيعة،
ليوسوس للناس بأن أوروبا ما تقدمت في المدنية، وما ارتقت في العلم والصنعة، وما
فاقت في القوة والاقتدار، إلا برفض الأديان، والرجوع إلى الغرض المقصود من كل دين
- على زعمه - وهو: بيان مسالك الطبيعة (قد افترى على الله كذباً)"(16).
ويستطرد السيد الأفغاني في الكلام على تفسير السيد أحمد خان: "إنني
أسعى للإحاطة بما يكتبه المسلمون، علني أعثر على أفكار في فكر حكيم
يستطيع أن يساهم في صلاح المسلمين وفلاحهم". وقد سمعت - وأنا أبحث وأتقصـى عن
أفكار المسلمين - بأن شخصاً، رغم كبر سنه، وكثرة تجاربه وسفراته إلى الدول
الغربية، قد كتب تفسيراً لإصلاح وضع المسلمين، فتمنيت أن أجد في
التفسير ضالتي، وتصورت أن بعد كل هذه التفاسير التي تركها المحدثون والفقهاء
والمتكلمون والحكماء والمتصوفة والأدباء والنحاة والزنادقة، كابن الراوندي
وأمثالهم، قد وصل المنشـر إلى كشف الحقيقة، لأنه اطلع على أفكار الشـرقيين
والغربيين، واعتقدت أنه قد أثبت بالبراهين العقلية ضرورة الدين في حياة الإنسان، وأنه
قد تطرق إلى أثر الأديان السابقة واللاحقة في المدنية، وفي النفس الإنسانية، وأن
اختلاف الأديان في أمور، وتوافقها في أخرى، له علاقة بالزمن، وتصورت بأن الخلق
القرآني والنهج الإلهي، اللذان جعلا من الأمّة العربية متفوقة، قد ذكرها في مقدمة
تفسيره؛ إلا أنني لم أجد أي شيء من ذلك، فلم يتعرض للسياسة الإسلامية، ولا الأخلاق
القرآنية، بل إنه أهمل تفسير الآيات التي لها علاقة بالجانب السياسي والأخلاقي
والاجتماعي .إنه يتعرض لمعنى السورة والآية والحروف
المقطعة، ثم يبذل جهده لتفسير الآيات التي فيها ذكر عن الملك والجن والروح الأمين،
أو الوحي والجنة والنار ومعجزات الأنبياء - عليهم
السلام -، ويبعدها عن ظاهرها، ويؤولها، كما فعل زنادقة القرون السابقة"(17).
ويعلق السيد الأفغاني على الفروق بين الزنادقة القدماء في عصـر ما قبل
الإسلام، والزنادقة المعاصرين له، فيقول: "والفرق هو أن زنادقة القرون
السابقة للمسلمين كانوا علماء، وهذا المفسـّر المسكين جاهل. والعجيب أن هذا المفسـّر
قد أنزل رتبة النبوة الإلهية إلى المصلح، أمثال واشنطن، ونابليون. وعندما وجدت
التفسير هكذا، امتلكتني الحيرة عن هدف المفسّـر من التفسير، فإذا
كان هدفه - كما يقول - إصلاح قومه، فلماذا اختار هذا الوقت، حيث
يتكالب
الأعداء لتضعيف عقائد المسلمين، ليضعف عقيدتهم؟ فإذا كان البعد عن العقيدة يرفع
الأمم، كان من المفروض أن يكون عرب الجاهلية هم السباقون في المدنية،
لأنهم كانوا ينهجون نهج الدهريين! وبعد ذلك عرفت بأن المفسـر ليس مصلحاً، ولم يكتب
تفسيره لإصلاح المسلمين وتربيتهم. وقد كتبت هذه الأسطر على عجل"(18).
ويتطرق السيد الأفغاني إلى زيارته للهند، ومدى
اغترار الكثير من ضعاف العقول من المسلمين بأفكار السيد أحمد خان، حيث يقول: ”ولما
كنا في الهند - حوالي سنة 1879م – أحسسنا من بعض ضعاف العقول اغتراراً بترهات هذا الرجل
وتلامذته، فكتبنا رسالة في بيان مذهبهم الفاسد، وما ينشأ عنه من المفاسد، وأثبتنا
أن الدين أساس المدنية وقوام العمران، وطبعت رسالتنا في اللغتين الهندية والفارسية"(
اسمها: الرد على الدهريين)(19).
وبخصوص الدهريين أو الطبيعيين(= النيتشـريين)
في أوروبا، فإن الأفغاني يذكر نكتة بشأنهم، وهو أنهم رغم ذلك يحبون أوطانهم، بعكس
الدهريين أو الطبيعيين المحسوبين على الإسلام، فإنهم يدعون لترك الدين، ”فإن من
ترك الدين في البلاد الغربية تبقى عنده محبة أوطانه، ولا تنقص حميته لحفظ بلاده من
عاديات الأجانب... أما أحمد خان وأصحابه، فإنهم كما يدعون الناس لنبذ الدين، يهولون
عليهم مصالح أوطانهم، ويسهلون على النفوس تحكم الأجنبي فيها، ويجهدون في محو آثار
الغيرة الدينية، والجنسية... يفعلون هذا لا لأجر جزيل، ولا شـرف رفيع، ولكن لعيش
دني، ونفع زهيد. هكذا يمتاز دهريّو الشـرق عن دهريّي الغرب بالخسة والدناءة، بعد
الكفر والزندقة"(20).
ويشير السيد جمال الدين الأفغاني، في عدد آخر
من أعداد هذه المجلة، إلى السياسة الخبيثة التي استعملها الإنكليز عندما سيطروا
على شبه القارة الهندية، عندما استغلوا نفراً من المسلمين، وحاولوا من خلالهم
تمرير نهجهم من خلالهم، بقوله: "… من هذا - من أسباب السياسة الأوروبية - ما
سلك الإنجليز في الهند، لما أحسوا بخيال السلطنة يطوف على أفكار المسلمين منهم،
لقرب عهدها بهم، وفي دينهم ما يبعثهم على الحركة إلى استرداد ما سلب منهم، وأرشدهم
البحث في طبائع الملل إلى أن حياة المسلمين قائمة على الوصلة الدينية، وما دام
الاعتقاد المحمدي والعصبية الملية سائدة فيهم، فلا تؤمن بعثتهم إلى طلب حقوقهم،
فاستهدوا طائفة ممن يتسمون بسمة الإسلام، ويلبسون لباس المسلمين، وفي صدورهم غل
ونفاق، وفي قلوبهم زيغ وزندقة، وهم المعروفون في البلاد الهندية بالدهريين
والطبيعيين، فاتخذهم الإنجليز أعواناً لهم على إفساد عقائد المسلمين، وتوهين علائق
التعصب الديني، ليطفئوا بذلك نار حميتهم، ويبددوا جمعهم، ويمزقوا شملهم، وساعدوا
تلك الطائفة على إنشاء مدرسة (عليكره)، ونشـر جريدة لبث هذه الأباطيل بين الهنديين،
حتى يعم الضعف في العقائد، وتهن الصلات بين المسلمين، فيستريح الإنجليز في التسلط
عليهم..." (21).
وقد نهج السيد أحمد في تفسيره للقرآن الكريم
منهج المطبق لآياته على أساس طبيعي، يناقض تماماً القول بالمعجزات وخوارق العادات.
ولهذا جعل (النبوة) غاية تحصل وتكتسب عن طريق الرياضة النفسية، فهي غاية إنسانية
طبيعية، وطريقها طريق إنساني غير خارق للعادة، ولكنه مع ذلك يقر بختم الرسالة
الإلهية ببعثة المصطفى - عليه السلام -. وفي شـرحه لآيات القتال أضعف من فرضية
الجهاد، في الوقت الحاضر، كما أنه في الآيات الأخرى الخاصة بأهل الكتاب، عبّر - في
غير لبس - عن توهين الفجوة بين أهل الكتاب، من جانب، والمسلمين، من جانب آخر، وطلب
التعاون بين المسلمين والغربيين، ودعا إلى ما أسماه إنسانية الأديان، أي المعنى
الإنساني العام الذي تدعو الأديان السماوية إلى اعتباره وحفظه(23). وهو
ما يشبه اليوم فكرة العالمية، التي تتبناها اليهودية الرأسمالية، والشيوعية
الدولية، وقد كانت من قبل تلقب بالفكرة الماسونية. وفي هذه الفكرة تنمحي كل
الفوارق بين الأوطان والقوميات والأديان والمذاهب.
ولم يكن السيد أحمد خان داعية فقط لهذا التجديد
أو لهذه التقدمية في الإسلام، وإنما كان كذلك صحفياً، ومؤلفاً، ومدرساً، ومشـرفاً
على كلية علمية دينية ( الكلية الإنكليزية الشـرقية المحمدية)، التي خرّجت الكثير
من شباب الهند التقدميين، وتحولت فيما بعد إلى الجامعة الإسلامية، بعد استقلال
الهند عام 1948م، وفيها تدرس المسيحية بالعناية التي يدرس بها الإسلام، مع أخذ حظ
وافر من العلوم الحديثة، والنظم الجامعية الغربية (= الإنكليزية)(24).
وعلى أية حال، يعلق أحد كبار الباحثين المسلمين
المعاصرين على حركة السيد أحمد، والمدرسة التي أنشأها، بالقول: "أما في
العالم الإسلامي، فقد كان رائد العصـرانية فيه هو “سيد أحمد خان” (1232- 1325هـ/
1817– 1898م)، فقد كان “سيد خان” أول رجل في الهند الحديثة ينادي بضـرورة وجود
تفسير جديد للإسلام: تفسير تحرري وحديث وتقدمي. وقد وصف الأستاذ العلامة السيد (أبو
الحسن علي الحسني الندوي) مدرسته التي أنشأها بأنها قامت “على أساس تقليد الحضارة
الغربية وأسسها المادية، واقتباس العلوم العصـرية بحذافيرها، وعلى علاّتها، وتفسير
الإسلام والقرآن تفسيرًا يطابق ما وصلت إليه المدنية والمعلومات الحديثة في القرن
التاسع عشـر المسيحي، ويطابق هوى الغربيين وآراءهم وأذواقهم، والاستهانة بما لا
يثبته الحس والتجربة، ولا تقرره علوم الطبيعة، في بادئ النظر، من الحقائق
الغيبية"(25).
ومهما يكن من أمر، فإن السيد أحمد خان
(1817م-1898م) هو من أكبر رجال الإصلاح الإسلامي في القرن التاسع عشـر الميلادي،
ومؤسس جامعة عليكرة بالهند. نشأ في أسـرة كان لها اتصال وثيق بالملوك المغول الذين
حكموا شبه القارة الهندية قبل الاحتلال البريطاني، ودعى فيها إلى تجديد الفكر الإسلامي،
وله آراء تفرد بها. وتثير بعض أفكاره الحرة، واجتهاداته الجريئة، الجدل إلى اليوم،
بين مؤيّد ومكفّر.
وبصفة
عامة، فقد اتسمت نظرته إلى الدين بالسماحة واليسـر وعمق النظر، وتأثر به مفكرون
مسلمون كبار؛ من أمثال المصلح الإسلامي القاضي السيد أمير علي (1849م-1928م)،
والفيلسوف الشاعر محمد إقبال (1877م-1938م) والمجدد فضل الرحمن (1919م-1988م).
وألّف العديد من الكتب، ردّ فيها على بعض المغرضين من المستشرقين، ومنهم المستشـرق
الاسكتلندي (وليم موير) (1819 – 1905)، الذي ألف كتاباً باسم (حياة محمد)، كان
عبارة عن مجموعة من المقالات نشـرها في (مجلة كلكتا)، في سنوات 1852 –1858م، وطبعت
في كتاب في أربع مجلدات عام1861م، جانب فيه الصواب في الكثير من المعلومات
والتحليلات، وحذفت منه أجزاء في طبعات لاحقة، وكانت دليلاً لكثير من كبار المستشـرقين
في السير على خطاه؛ كنولدكه وكولدزيهر وشاخت، فتصدى ﻟﻨﻘﺎﺷﻬﺎ ﻏﲑ واﺣﺪ ﻣﻦ
اﻟﻌﻠﻤﺎء، وﻻ ﺷﻚ أن أولهم ﻛﺎن السيد أحمد ﺧﺎن، اﻟﺬي أﻟﻒ ﻋﺪداً ﻣﻦ المقالات ﻟﻠﺮد
ﻋﻠﻴﻬﺎ، وﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ، ﻃﺒﻌﺖ ﻫﺬه المقالات في ﺻﻮرة ﻛﺘﺎب(26). ثم ﺟﺎء اﻟﻘﺎﺿﻲ
ﺳﻴﺪ أﻣﲑ ﻋﻠﻲ، اﻟﺬي
أﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑﻪ بأسلوبٍ ﻻ ﻳُﺸﻌﺮ اﻟﻘﺎرئَ بأنه يرد ﻋﻠﻰ أﺣﺪ، ﻟﻜﻨﻪ ﻋﺮض المادة ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إنها
تجيب إﺷﺎرةً ﻋﻦ جميع اﻹﺷﻜﺎﻻت المثارة ﻣﻦ ﻗِﺒﻞ (وﻟﻴﻢ ﻣﻮﻳﺮ)(27).
حركة إحياء
جمال الدين الأفغاني، ونتائجها
جمال الدين الأفغاني هـو محـمـد بن صفدر الحسيني، ولد في (أسعد آباد)، في (أفغانستان)،
ونشأ في (كابل)، وتـلـقـى العـلوم العقلية والنقلية فيها. سافر إلى الهند، وحج عام
1321هـ/1858م، وعاد إلى وطـنـه، وأقام في كابل. انتظم في سلك رجال الحكومة في عهد (دوست
محمد خان) (1793 - 1863م )، ثم رحل إلى (الآستانة)، ماراً بالهند ومصـر، فجعل فيها
من أعـضـاء (مجلس المعارف)، ونفي منها عام ١٢٨٦هـ/ ١٨٧١ م، فقصد مصـر، وساهم في
نهضتها الإصلاحية الدينية والسياسية. وتتلمذ عليه كثيرون؛ من بينهم الإمام محمد
عبده.
ونفي
جمال الدين الأفغاني من مصـر عام 1269هـ/ 1879م، فرحل إلى (حيدر آباد)، ثم إلى (باريس)،
وأنشأ فيها مع الشيخ محمد عبده جريدة ( العروة الوثقى)، ثم دعاه السلطان عبدالحميد
الثاني إلى (الآستانة)، وظل فيها حتى وفاته 1314هـ /1897م(28).
كان للثقافة الواسعة التي حصلها الأفغاني،
والتجربة السياسية التي عاشها في عدة أقطار إسلامية، واطلاعه عن كثب على أحوال
المسلمين السياسية والاجتماعية، كان لكل ذلك دور واضح في تحليل جمال الدين
الأفغاني لأسباب التدهور في أوضاع المسلمين السياسية والاجتماعية والفكرية، ووسائل
الإصلاح التي رآها كفيلة بإنهاض المسلمين وعلاج ما يعانون من مشاكل(29).
وأكـد الأفغاني أن السبب الرئيس، والعامل
الأكبر، في تدهور أحوال المسلمين، وضياع ما كان لهم من مجد وعزة، راجع إلى إهمال
ما كان سبباً في هذا المجد والعزة ، ألا وهو الدين، الذي كان يعمل على جمع الأهواء،
وتوحيد الكلمة، على خلاف عصبيات الجنس، المفرقة للأهواء، والمشتتة للكلمة(30).
ورأى أن حكام المسلمين، بابتعادهم عن العلم
بحقيقة الدين وحكمته، وانصـرافهم إلى إبراز فوارق الجنس، وعصبيات القبائل، قد
ساهموا بحالة القطيعة السياسية القائمة بين دولهم، في الوقت الذي حرصوا فيه على
إقامة علاقات مع أعدائهم(31). وانتقد الأفغاني الدور السلبي لعلماء
المسلمين، وعدم قيامهم بما يلزم تجاه تقوية الجامعة الإسلامية بين شعوبهم، فهو يرى
أن هؤلاء العلماء لم يقوموا بواجبهم في الاتصال فيما بينهم أولاً، والقيام بواجب
توعية شعوبهم بخطر الفرقة، وأهمية الاتحاد، ثانياً(32).
كما انتقد أيضاً دور الأفراد والشعوب، وخص منهم
من تثقفوا بالثقافة الغربية، ولـم يـأخـذوا منها إلا مظاهرها، ومن الحضارة الغربية
رسومها وأشكالها، حتى غـدوا عناصر تخريب ومعاول هدم في جسم أمتهم، وبيد أعدائهم.
واستبعد أية محاولة جزئية للإصلاح، كأن تكون بإصلاح الجانب التعليمي، أو باقتباس
ما عند الغرب من نظم وأساليب، وهو ما ظهرت بوادره في كل من استانبول ومصـر. فهذه
الوسائل - كما يقول الأفغاني - لم تعمل على تحسين أحوال هذه الأمّة(33).
وعلى أية حال، فالسيد جمال الدين الأفغاني زعيم
من زعماء الحركات الإسلامية في النصف الثاني من القرن التاسع عشـر، فإلى جانب
وقوفه على عيوب الحياة الإسلامية، رأى رؤية مباشرة لوناً إيجابياً من الحياة،
خالياً من كثير من العيوب والنقائص. ارتحل أولاً في بلاد الهند، ومصـر، والحجاز،
وإيران، والعراق، واستانبول، من بلاد الشـرق، وارتحل ثانياً إلى لندن، وباريس،
وميونخ في ألمانيا، وبطرسبرج في روسيا، من بلاد الغرب. ورحلته هنا وهناك كشفت له
عن ضعف في جانب، وقوة في جانب آخر، واستكانة في جانب، وتحفز في جانب آخر! وكشفت له
عن أن هذا التحفز من الجانب الآخر، المستكين، إنما هو ليلتهم هذا الجانب المستكين
وليذله، وليبدل وضعه في التاريخ. ومعرفته بالإسلام، ثم وقوفه على المسيحية،
أراه أن الإسلام في نفسه أداة قوة، ومنعة، وعزة، وسطوة، بينما مسيحية الغربيين
وسيلة للضعف، والاستكانة، ولذا يقول: " … وبعد هذا، فموضوع بحثنا الآن الملة
المسيحية والملة الإسلامية. وهو بحث طويل الذيل. وإنما نأتي فيه على إجمال ينبئك
عن تفصيل: أن الديانة المسيحية بنيت على المسالمة والمياسـرة في كل شيء، وجاءت
برفع القصاص، واطراح الملك والسلطـة، ونبذ الدنيا، وبهرجها، ووعظت بوجوب الخضوع
لكل سلطان يحكم المتدينين بها، وترك أموال السلاطين للسلاطين، والابتعاد عن
المنازعات الشخصية والجنسية، بل والدينية. ومن وصايا الإنجيل: من ضربك على خدك
الأيمن، فأدر له الأيسـر. ومن أخباره: أن الملوك إنما ولايتهم على الأجساد، وهي
فانية، والولاية الحقيقية الباقية على الأرواح، وهي لله وحده"(34).
أما بخصوص الإسلام، فإن للسيد جمال الدين
الأفغاني رأي آخر، فهو يقول: "الديانة الإسلامية وضع أساسها على طلب الغلب
والشوكة، والافتتاح والعزة، ورفض كل قانون يخالف شريعتها، ونبذ كل سلطة لا يكون
القائم بها صاحب الولاية على تنفيذ أحكامها. فالناظر في أصول هذه الديانة، ومن
يقرأ سورة من كتابها المنزل، يحكم حكماً لا ريب فيه بأن المعتقدين بها لا بد أن
يكونوا أول ملة حربية في العالم، وأن يسبقوا جميع الملل إلى اختراع الآلات القاتلة،
وإتقان العلوم العسكرية، والتبحر فيما يلزمها من الفنون؛ كالطبيعة، والكيمياء، وجر
الأثقال، والهندسة، وغيرها. ومن تأمل في آية: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة…}،
أيقن أن من صُبغ بهذا الدين، فقد صُبغ بحب الغلبة، وطلب كل وسيلة إلى ما يسهل له
سبيلها، والسعي إليها، بقدر الطاقة البشـرية، فضلاً عن الاعتصام بالمنعة،
والامتناع من تغلب غيره عليه. ومن لاحظ أن الشـرع الإسلامي حرم المراهنة إلا في
السباق والرماية، انكشف مقدار رغبة الشارع في معرفة الفنون العسكرية، والتمرن
عليها"(35).
وبسبب كثرة تنقل السيد جمال الدين، والمفارقات
التي رآها في حياة المسلمين، والغربيين، حاول الإسـراع في دعوته، لكي ينهض هذه
الأمّة الإسلامية المغلوبة على أمرها، وحاول أن تكون دعوته نحو التعجيل بحياة
إيجابية داخل البلاد الإسلامية أقوى، أو على الأقل، تسير جنباً إلى جنب مع الدعوة
إلى مكافحة العيوب الداخلية ـ وهي عيوب نشأت عن إهمال الإسلام بسبب ما تراكم عليه
من غبار سوء الفهم، أو سوء القصد منذ القرن الثالث الهجري إلى وقت كتابة هذه الأسطر
سنة 1881 – 1884م. لذلك كان يضع أمام سامعيه مثلا منظوراً من الحياة يريد أن يصل
إليه المسلمون، ولكن عن طريق التمسك بإسلامهم الذي أودع في كتاب الله، وليس عن
طريق ذاك الذي شوهته العقول المغرضة، وحرفته الألسنة الملتوية(30).
ولكن جمال الدين الأفغاني كان - إلى جانب ذلك -
ينتزع الأمثلة من تاريخ الشعوب، ومن تاريخ الأمّة الإسلامية نفسها، كما ينتزع
الشواهد المحسوسة التي تفزع المسلمين من السياسة الاستعمارية في البلاد الإسلامية
(في الهند ومصـر على الخصوص). هذه الأمثلة التي كان ينتزعها من شواهد الحياة الإسلامية
ومظاهرها في وقته، مع بيان مدى ألاعيب السلطات الأجنبية ودسائها، وهدفها الذي
نهايته بسط النفوذ الأوروبي لصالح الجماعة الأوروبية وحدها على رقعة العالم
الإسلامي. هذا الاحتكاك المباشر نفسه هو الذي أظهر حركة جمال الدين في صورة حركة
سياسية، وهو نفسه السبب في أن يلقى جمال الدين بمركز الثقل في نشاطه على الحرية
السياسية، في الشـرق الإسلامي، للمواطنين جميعاً، مسلمين ومسيحيين(35).
وبخصوص تأكيد الأفغاني على الأمّة أكثر من
الحديث عن شخصية المسلم نفسه، والحديث عما يجب أن يكون من صلة بين الحاكم والأمّة
من تبادل المشورة بينهما، لا على نحو أن يكون أولها سيداً، والطرف الآخر مسوداً
ومستعبداً. كما بدا الحديث عن مقاومة الاستعمار الغربي في صورة سافرة، بدا ذلك كله
أكثر من الحديث عن مقاومة البدع، أو محاربة فرقة معينة من الفرق الإسلامية(36).
وقد تلون نشاطه بهذا اللون السياسي العام، ولكن
عماد هذا النشاط وأساسه الذي يقوم عليه، ومصدره الذي يجب أن يخرج منه، بقي
القرآن، والقرآن وحده. يقول: "لا ألتمس بقولي هذا - في الدعوة إلى الوحدة -
أن يكون مالك الأمر في الجميع شخصاً واحداً، فإن هذا ربما كان عسيراً، ولكني أرجو
أن يكون سلطان جميعهم القرآن، ووجهة وحدتهم الدين، وكل ذي ملك على ملكه يسعى بجهده
لحفظ الآخر ما استطاع، فإن حياته بحياته، وبقاءه ببقائه"(37).
وكثر حديثه عن مقاومة الاستعمار الغربي،
وبالأخص عن مقاومة الاستعمار الإنكليزي، فقد كان الإنكليز يسيطرون على الهند،
ومعظم أطراف الجزيرة العربية والسودان، سيطرة مباشرة، وكانوا يخططون لاستعمار
أفغانستان وإيران ومصـر، وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي. وما فعله الإنكليز من
المجازر بحق المسلمين في الهند سنة 1857م، وما بعدها(38).
وكان الأفغاني يدعو إلى نبذ الخصومة بين
أهل السنة والشيعة، ليؤلف بين سلطتين قويتين في رقعة العالم الإسلامي إذ ذاك؛
بين سلطة الآستانة (= استنبول) وسلطة إيران القاجارية، بعد ذهاب دولة الهند
المغولية الإسلامية، إبان فشل الثورة الإسلامية عام 1857م، فيبدو لذلك سياسياً، أو
وسيطاً في مجال السياسة.
كما كان يحارب المذهب الطبيعي (الدهري)، الذي انتشـر
في الهند سنة 1879م، والذي قال فيه: إنه سيفرّق المسلمين هناك إلى طائفتين: طائفة
القديم، وطائفة الجديد؛ طائفة أصحاب الطاعة والولاء للحاكم المستعمر، والطائفة
الأخرى المناوئة المقاومة لنفوذه وولايته. كما سيفرق بين مسلمي الهند، من جانب،
والخلافة العثمانية، من جانب آخر. فهو يظهر مرة أخرى في دعوته هذه بمظهر الرجل
الذي يريد أن يحافظ على وحدة الإمبراطورية الإسلامية الجغرافية. ولكنه في هذا الرد
يقاوم الإلحاد الديني بصفة عامة، ويوضح ضرورة الدين للمجتمع الإنساني، أي دين. ثم
يذكر مزايا الإسلام التي تكفل للإنسان متعة في هذه الحياة، أرفع بكثير من تلك
المتعة التي يهبها له اعتناق المذهب الطبيعي (المادي أو الدهري)، فهو في هذا مسلم
عمله عمل إسلامي كذلك، ويعنينا الآن بالذات مقاومته للفكر الإسلامي الذي قام بخدمة
الاستعمار(39).
ويرى الأفغاني أن أسلوب الاستعمار الغربي في
البلاد الإسلامية يتخذ صوراً مختلفة للقضاء على الشخصية الإسلامية التي مصدرها
القرآن، والتي تجمع بين المسلمين في رباط واحد، وأخطر صورة يراها من بين الصور،
تلك الصورة التي تسعى لإفساد عقيدة المسلم؛ إما بتشكيكه فيها، أو بمحاولة صرفه
عنها. ولذلك عد المذهب الطبيعي - وهو ما سماه بمذهب الدهريين في الهند – سلاحاً
خطراً ضد المسلمين، ضد قوتهم في وحدتهم، وضد مصدر هذه القوة، وهو الإسلام. وخطورة
هذا المذهب على الإسلام، في نظر جمال الدين – وإن كان تحدياً للدين من حيث هو دين -
أن الذين يدعون إليه في الهند، ولبسوا ثياب المسلمين، قصدوا إلى إضعاف المسلم
بالذات في عقيدته، كما نقلنا عنه فيما مضـى، إنه صريح فيما نقل عنه سابقاً بتحديد
من سماهم جماعة الدهريين في الهند، وبغايتهم من نشـر هذا المذهب بين المسلمين. ذكر
في موضع آخر بأنه لا يقصد بردّه توجيهه إلى هذه الجماعة، ولا إلى التشنيع عليهم،
وإنما قصده إحقاق الحق في ذاته فقط(40).
أما الوسيلة الشافية التي يراها الأفغاني
لإصلاح أحوال المسلمين، فهي تقوم على أساس إنهاض دولة إسلامية من حالة ضعفها
وتنبيهها، للقيام على شؤونها، وإيصالها إلى مصاف الدول القوية. ولـم يـكـن هـنـاك
غير الدولة العثمانية مؤهلة لهذا الدور، باعتبارها أكبر وأقوى دولة إسلامية، وهـي
مـوطـن السلطنة، ومقر الخلافة الإسلامية، وعلى رأسها خليفة المسلمين السلطان عبد
الحميد الثاني، الذي يقول فيه الأفغاني: "كنا على يقين - ولا نزال عليه - أن
الذات الشاهانية، وهي الأب الأكبر لعموم المسلمين، ودولته الكافلة للشـريعة،
الحافظة للدين، هي الأجدر بالالتفات إلى حـركـة الأعـداء في البلاد الإسلامية، وهي
لا تألو جهداً في تعويق سيرهم، وإحباط أعمالهم". وقد كان الأفغاني مدركاً
لمقدار ما للدولة العثمانية، وسلطانها، من ثقة في نفوس المسلمين، مما يسهل
التفافهم حولها(42).
وقد ذكر الأفغاني في خاطراته، تفاصيل ما دار
بينه وبين السلطان عبد الحميد، حـول مـشـروع سـيـاسـي تـقـوم عـلـيـه حركة الجامعة
الإسلامية، يرمي إلى إقامة دولة إسـلامـيـة اتحادية تشمل كافة الدول والشعوب الإسلامية
التي كانت قائمة، وبزعامة الـدولـة الـعـثـمـانية، وذلك بتشكيل خديويات، على غرار
خديوية مصـر، من كافة ولايات الدولة العثمانية، على أن تستقل ذاتياً، وترتبط
بعاصمة الدولة استنبول في شؤونـهـا الهامة. أما المرحلة الثانية، فيتم خلالها
انضمام كافة الممالك الإسلامية الأخرى؛ كإيران والأفغان والهند، إلى هذه الدولة
الإسلامية(43).
والمتفحص لتفاصيل المشـروع السياسي الذي عرضه
الأفغاني على السلطان، يدرك أن هذا المشـروع - في كثير من جوانبه - نظري، وغير
قابل للتنفيذ. ويستدرك الأفغاني على نفسه قائلاً: "إنه ربما كان تحقيق هذا
المشـروع ممكناً في المراحل الأولى لتأسيس دولة آل عثمان، أما الآن وهي في كامل قوتها
وهيبتها، فلا"(44).
كما أن في هذا المشـروع الذي عرضه الأفغاني،
دليلاً على اختلاف وجهة نظر كل من الأفغاني والسلطان عبد الحميد تجاه حركة الجامعة
الإسلامية. فالأفغاني لم تكن لديه فكرة واضحة عما يريده عملياً من حركة الجامعة
الإسلامية، فهو أحياناً يعرض مشـروع دولة إسلامية اتحادية، وأحياناً يكتفي بأن
يكون المسلمون متحدي الاتجاه والهدف والشعور، دون أي تفكير في وحدة سياسية تنتظم
كافة دولهم وحكوماتهم(45).
أما بالنسبة للسلطان عبد الحميد، فما كان يطمع
في أكثر من وحدة شعوب الدولة العثمانية والتفافها حول سلطة مركزية في العاصمة
العثمانية، وتضامن كافة مسلمي العالم مع دولة الخلافة(47).
مقارنة بين آثار الحركتين على الواقع الإسلامي المعاصر
كان السيد جمال الدين الأفغاني هو أول من اتهم السيد أحمد خان الهندي
بالمروق من الدين. وكان من أوائل من تناولوا أفكار السيد أحمد خان بالتعليق
والتحليل والنقد الذي وصل إلى حدّ التجريح ومحاولة النيل من شخصه، ففي مقال كتبه
في مجلة (العروة الوثقى)، التي كان يصدرها بالتعاون مع تلميذه الشيخ محمد عبده في
باريس، وصفه بالدهريّ والطبيعي والمسيحيّ، واعتبره "أكبر دعاة هذا المذهب،
باعتباره أحد مسلمي الهند، وهو أحمد خان بهادور. وكان أحد هؤلاء الذين أرادوا أن
يصيبوا نفعاً خسيساً بمساعدة الإنكليز لهم على تحقيق أهدافهم، فقدّم نفسه لخدمتهم،
وبدأ بأن يؤلف كتابًا يبرهن فيه على أنّ التوراة والإنجيل لم يحرفا، غير أنّه ما
لبث أن أدرك أنّه لن يفيد أولياء نعمته شيئاً بالطعن فى الإسلام، إذ سبقه المستشـرقون
إلى ذلك دون جدوى، كما أنّ اعتناقه للدين المسيحي لن يكون ذا خطر، إذ رأى أنّه لن
يتّبعه أحدٌ من مسلمي الهند، ولذلك أخذ يظهر في مظهر صاحب مبدأ فلسفي جديد، وهو
المذهب الطبيعي، وطفق يدعو إليه، فتبعه بعض المسلمين، تخلصاً من واجبات الشـرع،
وجريًا وراء الشهوات. ووجد الإنكليز أنّ صاحبهم قد بدأ ينجح في التفرقة بين
المسلمين، فكرّموه وساعدوه على فتح مدرسته، التي ظلت وسيلة لاصطياد أولاد المسلمين
لتربيتهم على الإلحاد(48).
وفي موضع آخر، وصف الأفغاني السيّد خان بأنه
كان ينادي “بأن لا وجود إلا للطبيعة العمياء، وليس لهذا الكون إله حكيم”، وعمل على
تفريق كلمة المسلمين، “فمال إليه أشخاص تملصًا من قيود الشـرع الشـريف، وسعيًا خلف
الشهوات البهيميّة”. وصـرّح الأفغاني إنه ألّف رسالته (الردّ على الدهريين)، من
باب الدفاع عن الإسلام، بسبب ما ينشـره أحمد خان من ترّهات؛ هو وتلاميذه، “فكتبنا
رسالة في بيان مذهبهم الفاسد، وما ينشأ عنه من المفاسد”. وكرّر الأفغاني تهمة
عمالة أحمد خان لأوروبا، وهي تهمة لا تزال تلصق بالرجل حتى يومنا هذا، ويُلقّن
الطلاب في البلاد العربية أن أحمد خان ما ألّف تفسيراً للقرآن، ولا كتب كلمة، إلا
بغرض إرضاء الإنجليز، وسعياً منه في هدم الدين(50).
ولسنا هنا بصدد البحث في إيمان السيد أحمد خان،
أو إلحاده، لنثبت له صفة التدين، أو الإلحاد، لكننا آثرنا أن نثبت نصّ كلام
الأفغاني، نظرًا لسطوته واعتباره حكمًا غير قابل للنقاش، ومن ثمّ أخذ المفكرون
العرب في تبنّيه وإطلاقه على الرجل، مختزلين ما قام به من جهد في تطوير التفكير
الديني والتعليم والاجتماع، وليس أدلّ على ذلك من تبنّي الدكتور محمّد البهي لهذه
الرؤية، وتكراره لها في غير موضع من كتاباته(51)، وكذلك
فعل الدكتور عبد المنعم النمر[46]. وإن كانت هناك آراء عربية خالفت هذه الآراء،
إلا أنها لم تجد ذيوعًا وانتشاراً كما حظيت بذلك الرؤية الأزهرية، فما كتبه الباحث
المصـري أحمد أمين (1886 – 1954م) عن دعوة
السيد أحمد خان، وما ناقشه أستاذ الفلسفة محمود قاسم (1913 – 1973م)(52)،
ظلّ مهملاً ، وسبب ذلك أنّ أحمد أمين هو الآخر لاحقته تهمة الإلحاد، فيما كانت
كتابات محمود قاسم كتابات تعليمية، اقتصر جمهورها على طلبة كلية دار العلوم في
القاهرة(53).
ومن الطريف، أن التهم التي ألصقها الأفغاني
بالسيد أحمد خان، لاحقت الأفغاني نفسه في حياته، وبعد وفاته، فاعتبره البعض ملحدًا،
بناءً على تبنّيه لأفكار كفّر أصحابها في التراث الإسلامي؛ من مثل وحدة الوجود،
والتسوية بين الفلسفة والنبوة. ومن خلال بعض الوثائق التي ظهرت بعد وفاة الأفغاني،
أكد البعض أنّ الرجل لم يكن متدينًا وملتزمًا بالعقيدة السنية، فممارساته الحياتية
تبيّن انحرافه عن جادة الصواب. وقد ناقش محمّد الحدّاد هذه التهم بشكل جيّد، وعلق
عليها قائلاً: "إن الأفغاني قد تفاعل مع روافد مختلفة، جعلت آراءه مختلفة عن
السائد، في أحايين كثيرة، مصطدمة بنزعات المحافظين من كلّ صوب. والباحثون الذين
يعرّضون بإلحاد الأفغاني، كأنهم يسلمون بأنّ تلك النزعات تمثّل الديانة الصحيحة.
ولكن من الخطأ أيضًا التسليم بتلك الصورة المبسّطة، المنتشـرة في كثير من الدراسات
العربيّة، التي تتعامل مع تلك المطاعن وكأّنها انطلقت من فراغ. ولا بدّ من الإقرار
أنّ الثقافة العربية السنيّة ليست التعبير الوحيد عن الدين الإسلاميّ، وأنّ روافد
هندية وفارسية قد أسهمت في تشكيل الوعي الديني للأفغاني، وهي أيضًا تدخل في صميم
التراث الإسلامي، بالمعنى الشامل لهذه الكلمة"(54).
عاد السيد أحمد خان من إنكلترا وهو عاقد العزم
على إصلاح حال المسلمين في الهند؛ عقلًا ودينًا ولغة وخلقًا واجتماعاً، سواء في
ذلك خاصتهم وعامتهم، مصمماً على أن يغزو الجهل والجمود بكل ما يستطيع من قوة، وأن
يحمل المسلمين بكل الوسائل على أن يتقبلوا المدنية الحديثة؛ في علومها وفنونها،
قبولًا حسنًا، ويستخدموها في ترقية حياتهم، وأن يبذل الجهد في التوفيق بين الإسلام
والمدنية؛ فالإسلام في جوهره وأصله معقول واسع الصدر لأحكام العقل، غير مناهض لما
يثبته العلم، فإذا نقَّي مما لحقه، وليس منه، أمكن أن يُقبل المسلمون على العلم
الحديث من غير حرج. فوضع أول خططه بعد عودته أن ينشئ في الهند جامعة تكون للمسلمين
كأكسفورد وكمبردج في إنكلترا، تربي الخاصة، ثم هم يربون العامة، وما زال يكد ويسعى
ويجمع المال ويكافح العقبات التي توضع في سبيله، حتى فاز بإنشاء كلية عليكره
المشهورة عام 1875م.
وتم بناء جامعة عليكره، واستقبلت طلبتها،
تعلِّمهم على المنهج الذي اختطه، ونجحت في خلق جيل من المسلمين جديد، مثقف ثقافة
واسعة، مع سعة في العقل، وسماحة في الدين؛ وانتشـر خريجوها في أقاليم الهند
المختلفة، يحملون رسالة جامعتهم، ويضيئون ما حولهم، وأصبحت كلمة (عليكره) لا تدل
فقط على كلية أو جامعة، وإنما تدل أيضاً على نوع من العقلية الراقية، والصبغة
الخلقية والاجتماعية الخاصة. ولقد أخذ الوطنيون المسلمون على خريجي هذه الجامعة
وطلبتها، أنهم لا يشتركون في الحياة السياسية، مع فضلهم، وسعة عقلهم، وغزارة
علمهم، حتى أنهم لا يُضـربون يوم تضـرب الجامعات الإسلامية لغرض سياسي، ولكن هذه
الصبغة هي التي صبغ بها السيد أحمد طلبته: إقبال على العلم، وبُعد عن السياسة.
فلما فرغ من هذه الجامعة، أخذ يعمل في اتجاه
آخر، فأنشأ مجلة دورية، سماها (تهذيب الأخلاق)، عالج فيها المشاكل الاجتماعية
والدينية في جرأة وصراحة(55).
كانت لأحمد خان آراء وعقائد فيها بعض إبداع،
واتسمت في الغالب بالبدعة، خاصة في تأويله للوحي، والمعجزة، والدماء، وتساؤلاته
التي طرحها عن مباني الإسلام في الكتاب والسنة، وأدلته الضعيفة التي كان يسوقها عن
أصول الدين، وفروعه، جعلت الكثير من المسلمين يواجهونه. وكان أبرز مخالفيه السيد
جمال الدين الأسد آبادي، الذي واجه أحمد خان ومقالاته أثناء هجرته إلى الهند، ووصفه
بـ(الدهـرية)، وتصدى لأفكاره المبتدعة باللسان والقلم، دون مجاملة
.
منهجه السياسي المحتاط، كان متناقضاً ويفتقر
للانسجام، فقد كان يقاوم – وبقوة – الانجرار للساحة السياسية، ويرفع شعار (التعليم،
التعليم، ثم التعليم)، وهذه السلبية تجاه الحركات السياسية، جعلته عرضة للسخرية
والتعابير اللاذعة، وكانت من مصاديق الرجعية فيه. ومن جهة أخرى، فإن السيد أحمد
خان كان العربة بيد السياسة الإنجليزية، دون شك.
الوصية السياسية والتقدمية لأحمد خان، إصراره
على عدم ذوبان المجتمع الإسلامي في المجمع الهندي، والتي أدت إلى تقسيم القـارة
الهندية إلى منطقتين: إحداهما للهندوس، والأخرى للمسلمين. فقد كان يعتقد بأن
المجتمع الإسلامي لا يستطيع التضحية بهويته التاريخية في محراب الوطنية، وأبرز ما
كان يطرحه أن المسلمين بتمسكهم بذيل الإسلام يكونون أمة واحدة، إلا أن التمسك بذيل
الإسلام كان يرتبط بما يدور في خلد الإنجليز، وإلا هل من المعقول أن منحه لقب (السير)
من قبل الإنجليز سنة ١٨٨٨م، كان لأجل تثبيت دعائم الإسلام وتحقيق الأمّة الإسلامية
الواحدة؟!. وبتعبير آخر: يمكن القول بأن السيد أحمد خان كان يبرّر ظلم الاستعمار
الإنكليزي، ولا يستبعد أن يكون قد لعب هذا الدور دون وعي، وهدفه الحقيقي – وهـو
يفتقر للفقه والحس السياسي المتقدم – إيجاد الاستقرار الاجتماعي، لرفع مستوى
المسلمين الفكري، والتعريض عن التخلف الذي ابتلوا به منذ قرون
.
إلا أننا لا نستطيع حمل جميع أقوال وأعمال
السيد أحمد خان على المحمل الصحيح، ومن ذلك قوله: "لا بد أن نشد بيد المحبة
على يد الإنكليز، لأنهم يمنحون الحرية الدينية، ويحكموننا بالعدل، ويشيعون السلام
والنقاء بيننا، ويحفظون أموالنا، وهذا ما فعلوه في الهند".
يقول الدكتور شريعتي، في مقدمة له، دفاعاً عن
منهج العلامة محمد إقبال، ورابطة مسلمي عموم الهند: "الأسلوب الشائع حاولوا
في البداية أن يحاصروه بسور غير مرئي، ويراقبوه ضمن جو خاص، وأدخلوه في (مصح)،
ليعيش في جو ذهني خاص، ويحيطوه بهالة ينظر إلى الأشياء من خلالها، ثم يزرقون فيه
روحاً من اللاوعي ونصف اللاوعي، وأخيراً الوعي الكامل. جواسيس الاستكبار الذين
ظهروا بمظهر المسلمين المتحرقين قد أحاطوه، وادعوا بأنهم يريدون أن يساهموا مالياً
وإسلامياً في المشاريع الإسلامية وإدارة المؤسسات العلمية للمسلمين، وتأسيس
المدرسة الدينية لعليكرة، فمنحوه القوة. ثم جاء عملاء الاستعمار تحت ستار
المستشارين والأساتذة المتخصصين الفنيين للمساعدة في إدارة مدرسة عليكرة، ثم كشفوا
عن وجوههم، وتحت عنوان حماية الإنكليز من المسلمين الهنود، وحرصهم على التقدم
الاجتماعي والفكري للمسلمين، ليواجهوا الهندوس، استطاعوا الهيمنة عليه بالكامل،
وأقاموا معه علاقات سـرية ومالية. ثم انكشفت هذه العلاقات، ليتحول السيد أحمد خـان
بصورة رسمية إلى حليف لسلطة الإنكليز، لحفظ بيضة الإسلام، وجلب الحماية لحوزات
المسلمين العلمية"(56).
وأخذ يعلن جهاراً بأننا نطالب باستمرار الحكم
الإنجليزي، وبقاء الحكم الاستعماري، لأننا - والكلام له - إذا استطعنا كسبهم
واعتمادهم - بالوفاء لهم - نستطيع أن نواجه الهندوس بحرية الوعظ والإرشاد وإقامة
الشعائر الدينية، وتحكيم نفوذ العلماء والحوزات العلمية الإسلامية وتقويتها. بينما
إذا استقلت الهند، ورفع المسيحيون سيطرتهم الاستعمارية عنها، سيـواجـه المسلمون
الخطر، لأن الهندوس هم الأكثرية .
ووجّه الفيلسوف محمد إقبال خطاباً إلى السيد
أحمد خان، جاء فيه: "لقد تظاهرت بأنك من التواقين إلى الحرية، ومن خلال تأسيس
المدرسة الإسلامية في عليكرة، من جهة، واشتراكك بثورة المسلمين البنغال، من جهة
أخرى، ظهرت بوجه العالم المصلح والمجاهـد الحر والصالح، حتى أن المسلمين المتطرفين،
والجامعيين، المعادين للاستعمار الإنجليزي للهند، اعتبروك شخصية تقدمية ومستقلة،
تطلب الحق وتعادي الاستعمار، فما الذي جرى لتبيعوا كل سنوات التنسيق مع الناس، وآمال
المثقفين، وجهاد طلاب الاستقلال المعادين للاستعمار، وحرمتك العلمانية، وعزتك
الاجتماعية، ومكانتك العلمية للإنجليز، أمام لقب (السير)؟"(57).
ولم ينشغل السيد خان بالدعوة إلى اتحاد
المسلمين تحت راية خلافة جامعة، كما فعل زميله الأفغاني، بل كتب رسائلَ يذمُّ فيها
الخلافةَ العثمانية ويرفضها، في الوقت الذي كان شبلي النعماني وسيد أمير علي في
الهند يدافعان عن اتحاد المسلمين، وهذه الخلافة. ولم يكن شبلي النعماني (1857 –
1914م) منسجماً مع أكثر آراء أحمد خان الجديدة، لذلك رفض التدريسَ في عليكره
ابتداءً عندما دعاه أحمد خان، إلا أنّه استجاب لاحقاً بعد إصرار الأخير عليه،
فأسند إليه كرسيَّ اللغة العربية والفارسية. ويصف شبلي النعماني علاقته بأحمد خان
بقوله: "طالما كان النـزاع بيـني وبين السيد أحمد شديداً في آرائه الدينية،
وطالما فنّدت آراءه، ومع هذا لا أنكر فضل أسلوبه العالي الذي استخدمه في شـرحه
أفكاره، فكان أسلوباً رائعاً منقطع النظير، مملوءاً بالفكاهة الحلوة، والتندر الظريف"(58).
لتلك الأسباب هاج عليه كثير من علماء الإسلام،
وهيجوا عليه العامة، وتعرضت حياته للخطر، وأراد أحدهم أن يطعنه مرة بخنجر، فنجا
منه بأعجوبة، ومع هذا ظل ثابتًا جريئًا في دعوته كما هو لم يتزحزح، ولم يداج، ولم
يمار، بل ربما كان بعد ذلك أقوى وأصرح فيما يقول وما ينشـر، لا يعبأ بنقد ولا تهديد
بقتل، ولا بأي ضرب من ضروب التخويف(59).
وكما كان السيد أحمد خان جريئاً في طرح أفكاره
الدينية، كان جريئاً في بث رؤاه السياسية، فكان يرى أن الغرض الذي يجب أن يرمي
إليه السياسي الهندي هو أن تكون الهند كلها أمة واحدة، وأن الإسلام والهندوسية
والمسيحية يجب أن تكون عقائد دينية في نفوس معتنقيها فقط، ولكن هذه العقائد كلها
يجب ألا تؤثر في الوطنية، فيجب أن يكون عند كل طائفة عقيدتها الخاصة بها، ووطنيتها
العامة عند كل الطوائف. أما النزاع الطائفي الديني، والنزعة إلى تقسيم الهند حسب
الأديان، ونحو ذلك، فكلها أفكار باطلة، وليس يؤدي إلى الاستقلال الحق إلا حصـر
الدين في العقيدة، وتعميم الشعور بالوطنية بين كل الأفراد، وفي كل الملل. وقال:
«في قطر كالهند تتقسمه الطبقات، وتتوزعه النزعات الدينية الحادة، ولم تنتشـر فيه
التربية الصحيحة، التي تعد الناس كلهم سواء في الحقوق والواجبات، أرى بل أعتقد أن
الانتخاب والتمثيل في شتى المجالس ضرره أكبر من نفعه»، ولهذا رفض أن يشترك في
المؤتمرات السياسية، والأحزاب، على اختلاف ألوانها، فأغضب رجال السياسة، كما أغضب
رجال الدين، ولم يعبأ بهؤلاء ولا هؤلاء. ووجه كل همه في أحب الأعمال إليه؛ من
اشتراك في المجلس الأعلى للتعليم، والمجلس الأعلى للخدمة الاجتماعية، والإشراف على
سير كلية عليكره(60).
ممّا
تقدّم يبدو أن الجدل بين علماء ومفكري المسلمين، في نهاية القرن التاسع عشـر،
وطيلة القرن العشرين، لا زال محتدماً - وسيحتدم - حول أبرز مفكرّين ظهرا في الساحة
الإسلامية في الهند والدولة العثمانية، الأول: السير السيد أحمد خان الهندي (1817 –
1898م)، والثاني: جمال الدين الأفغاني (1839 – 1897م)، الأول مناصر للإنكليز،
ولثقافتهم، ولغتهم، يحاول الاستفادة منها في بناء مجتمعه الهندي عامة، والمسلم خاصة،
بعد أن رأى بأمّ عينيه فشل ثورة المسلمين الهنود ضد الاستعمار الإنكليزي عام 1857م،
وما ألحقه الإنكليز بالمسلمين من أنواع المجازر والفضائع، مما يندى له جبين الإنسانية،
رغم أنه لم يشارك في الثورة، ودافع وحافظ على كثير من أرواح القادة والمسؤولين
الإنكليز، وكوفىء على ذلك بأن لقب من قبل الإنكليز بلقب (سير)، وبعث ابنه للدراسة
في إنكلترا، وزارها بمعيته، وانبهر بمظاهر الحضارة والثقافة الإنكليزية، التي كان
يشيد بها إلى نهاية عمره، فضلاً عن تبنّيه المذهب الطبيعي.
أمّا الشخصية الثانية: الأفغاني، فقد كان عدواً
لدوداً للإنكليز، وكل المستعمرين الآخرين، وكان ينادي بأعلى صوته لكي يتضامن
المسلمون تحت لواء الجامعة الإسلامية، ويستفيدوا من التقدم الذي أحرزه الأوروبيون
في المجالات العلمية المختلفة. أي بعبارة أخرى: إنه كان يفصل بين شقي الحضارة: المدنية
والثقافة، فكان يقبل المدنية الغربية؛ التي لا تشكل خطراً على الثقافة والفكر
الإسلامي، بعكس الثقافة الأوروبية؛ التي ستهدد بنيان المجتمعات الإسلامية، وتلك
التي لم يفطن لها السيد أحمد خان الهندي، وإن فطن لها، فإن حضارة وثقافة إنكلترا
ألهته وأنسته كل شيء.
كما لا يمكن نسيان العديد من المفكرين والعلماء
الذين تسيدوا الساحة الإسلامية من خلال المدرسة العقلية، وهم طلبة مباشرين وغير
مباشرين للسيد الأفغاني، ومن جملتهم: الشيخ محمد عبده؛ المصلح الكبير ومفتي الديار
المصـرية، وتلميذه محمد رشيد رضا صاحب المنار، وعبدالقادر المغربي، وسعد زغلول؛
الزعيم السياسي المصـري، وأحمد أمين، ومصطفى عبدالرازق شيخ الأزهر، ومصطفى المراغي
شيخ الأزهر، ومحمود شلتوت شيخ الأزهر، وسيد قطب؛ صاحب ظلال القرآن، وغيرهم كثير.
لقد أشاعتْ آراء أحمد خان، واجتهاداته في إعادة
فهم المقولات الكلامية، عاصفةً من الجدل والمناظرات، أيقظتْ التفكيرَ الكلامي
الساكن، وأقحمت العقلَ المسلمَ في شبه القارة الهندية في فضاءٍ يموج بأسئلة
وجدالات مختلفة، لم يألفها هذا العقل، الذي كان يتلقى اجتهاداتِ مؤسسـي الفرق
وعلماء الكلام بوصفها اجتهادات أبدية. لقد كان خان أول متكلّم مسلم في العصـر
الحديث، لم يخرج على علم الكلام القديم برأيه في الوحي فحسب، بل خرج بآراء
عديدة في العقيدة، وأبواب متنوعة في الشـريعة، واتخذ موقفاً صارماً حيال الحديث،
رفض فيه توثيقَ أية سلسلة لروايته؛ مع إيمانه بختم النبي محمد (صلى الله عليه
وسلم) للنبوة.
لذلك، انبرى للردّ عليه الكثير من المفكرين:
جمال الدين الأفغاني، وشبلي النعماني، وأكبر حسين الإله آبادي، وغيرهم. كل منهم يناقشه
من موقع، فمنهم من رأى في فهمه للوحي تجديفاً، ومنهم من وجد رأيه باستمرار النبوة
مروقاً مهد لادّعاء بعض المدّعين للنبوة، ومنهم من وصف رفضه المقاومة المسلحة
للاستعمار بالعمالة للإنكليز، ومنهم من فسـّر عدمَ حماسه لاتحاد المسلمين تحت راية
خلافة جامعة خيانة. وعلى الرغم من كل تلك المعارضة الصارمة لأحمد خان، لكن بصمة
فهمه للوحي، وغيرها من آرائه المثيرة، ظهرت في أعمال أكثر من مفكر مسلم فيما بعد؛
في الهند، وباكستان، وإيران، والبلاد العربية.
وعلى أية حال، فإن كثيراً من الباحثين الجدد
(الحداثيين) يعدون السيد أحمد خان الهندي أبرز مفكر إسلامي ظهر في الحقبة الأخيرة،
وكانت أفكاره من الجرأة والشجاعة ما استطاع أن يوفق بين الإسلام المعتدل الخالي من
الجهاد والعنف واسترقاق العبيد وعدم تعدد الزوجات، ومتطلبات مفكري الغرب في القرن
الحادي والعشرين.
المصادر والمراجع والهوامش:
1 - كارين أرمسترونغ، حقول الدّم الدّين وتاريخ
العنف، ترجمة: أسامة غاوجي، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2016م، ص437 –
438.
2
- محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي،
القاهرة، ط2، 1960، ص24 – 26.
3
- جمال الدين الأفغاني الأعمال الكاملة – الله .. والعالم.. والإنسان،
دراسة وتحقيق: محمد عمارة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979، ج1، ص33
– 34.
4
- سبله طلال ياسين وزينب كاظم أحمد، سيد أحمد خان ودوره السياسي في
الهند 1863 – 2989م، جامعة البصرة، مجلة كلية الآداب، العدد الثاني والعشرون،
حزيران 2017م، ص 271 – 272.
5 - أحمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث،
بيروت، دار الكتب العلمية، ص128.
6 - أحمد
أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، م.س، ص127؛ محمد الفاضل بن علي اللافي،
دراسة العقائد النصـرانية منهجية ابن تيمية ورحمت الله الهندي، هرندن – فرجينيا،
المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1428هـ/2007م، ص94 – 95.
7 -
أحمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، مصدر سابق ، ص127.
8
- كريمو محمّد، الإصلاح الإسلامي في الهند، ترجمة: محمد العربي
وهند مسعد، بيروت، نشرة جداول، 2016م، ص52.
9
- جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، العروة الوثقى، بيروت، دار
الكتاب العربي، 1970م، ص412 – 413.
10- جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، العروة
الوثقى، المصدر السابق، ص412 – 413.
11
- المصدر السابق، ص 414.
12
– بهاء الدين خرمشاهي، التفسير والتفاسير الحديثة، راجعه: عصام
حسن، بيروت، دار الروضة للطباعة والنشر والتوزيع،1991م – 1441هـ، ص57- 58.
13 – بهاء الدين خرمشاهي، المرجع السابق، ص58.
14 – المرجع نفسه، ص 58
نقلا عن تفسير السير أحمد خان، الهدى والفرقان، ص30
15 – المرجع نفسه، ص59.
16 – جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده،
العروة الوثقى، مصدر سابق، ص 414.
17 - بهاء الدين خرمشاهي، مرجع سابق، ص63.
18– المرجع نفسه، ص 63 – 64.
19 - جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، مصدر
سابق، ص 414؛ وقد ترجمت إلى اللغة العربية
سنة1320هـ/1902م من قبل الشيخ محمد عبده، بمساعدة عارف أفندي أبي تراب الأفغاني.
20 - المصدر نفسه، ص 85 – 86، وهذا ديدن
الملحدين والعلمانيين المحسوبين جغرافياً على المسلمين، وكأن السيد الأفغاني( رحمه
الله) يعيش بين ظهرانينا وهو قد توفي سنة 1897م.
21- المصدر نفسه، ص 85 – 86.
22 - محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث
وصلته بالاستعمار الغربي، مصدر سابق، ص24.
23
- المصدر نفسه، ص25
24- المصدر نفسه، 24 – 25
.
25 - أبو الحسن علي الحسني الندوي، الصراع
بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية، الكويت، دار القلم، ط5، 1405هـ/1985م ص65.
[20] – A Series of Essays on The life
of Muhammad by W. Muir and Subjects Subsidiary Thereto by Syed Ahmad Khan
Trubner & Co London, ,1870. هذه هي اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﱃ ﻟﻜﺘﺎب ﺳﻴﺪ أحمد خان، ثم
ﺗﺮﺟﻢ اﻟﻜﺘﺎب إلى اللغة اﻷوردﻳﺔ بعنوان: ﺧﻄﺒﺎت السيرة للسير السيد أحمد خان، دوﺳﺖ
اﻳﺴﻮﺳﻲ اﻳﺘﺲ، ﻻﻫﻮر، باكستان، اﻟﻄﺒﻌﺔ الأولى: 1997. وﻗﺪ درس ﻣﻨﻬﺞ ﺳﺮ سيد أحمد خان ﰲ
اﻟﺮد ﻋﻠﻰ االمستشرق وليم ﻣﻴﻮر، الباحث الباكستاني (ﻋﺒﻴﺪ ﷲ ﻛﻮتي) في ﻣﻘﺎﻟﻪ المحتوي
على ثمانية أﻗﺴﺎط ﰲ مجلة المعارف، وﻫﻮ ﻣﻘﺎل ﻣﻔﻴﺪ. راجع: ﻛﻮﺗﻰ، ﻋﺒﻴﺪ ﷲ، سيرة
النبي ﺻلى ﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ والمستشـرقين "اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ اﻷﺳﺘﺎذ وﻟﻴﻢ
ﻣﻴﻮر واﻟﺮد ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺳﺮ ﺳﻴﺪ أحمد ﺧﺎن"(بالأوردية)، ﻣﻌﺎرف، أﻋﻈﻢ ﺟﺮﻩ، الهند
في ثمانية أﻗﺴﺎط (ﻣﻦ فبراير إلى سبتمبر)، إﻳﻠﻮل1985م. ينظر: عبد الصمد الشيخ وبشير
أحمد دارس، المستشـرق وﻟﻴﻢ ﻣﻮﻳﺮ وﻛﺘﺎﺑﻪ حياة محمد دراﺳﺔ وتحليل، مجلة الحضارة
الإسلامية، إسلام آباد، المجلد8، العدد2، فبراير – كانون الاول 2019م، ص45.
26- ينظر: كتابه القيم (روح الإسلام) ترجمة عفيف
بعلبكي إلى اللغة العربية.
27 - أحمد فهد بركات الشوابكة، حركة الجامعة
الإسلامية، الأردن، مكتبة المنار1984م – 1404هـ، ص126؛ أحمد أمين، زعماء الإصلاح
في العصر الحديث، ص59 – 102.
28 - رشـيـد
رضـا، تاريخ الأستاذ الإمام ، مطبعة المنار، القاهرة 1931 م، ج ۱، ص 27- 102؛ أحمد
أمين، زعماء الإصلاح في العصـر الحديث ، ص 59 – 102؛ لوثروب ستودارد، حاضر العالم
الإسلامي، تعليقات: شكيب أرسلان، بيروت، دار الفكر، 1391هـ/1971م، ج ۲، ص 289 –
309.
29- محمد عمارة، الأعمال الكاملة للأفغاني،
ج1، ص 158
30 - يـقـول الأفغاني في هـذا الـصـدد:
"أليس بعجيب ألا تكون سفارة للعثمانيين في مراكش، ولا لمراكش عند العثمانيين
سفارة، أليس بغريب ألا تكون للدولة العثمانية صلات صحيحة مع الأفغانيين وغيرهم من
طوائف المسلمين في الشـرق". جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، العروة الوثقى،
مصدر سابق، ص33.
31 -
محمد عمارة، الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، ص 33؛ ويعلق أحد
الباحثين العرب المعاصرين على كلام الأفغاني بالقول:" إلا أنه من الصعب
التسليم بكل ما أورده الأفغاني عن دور العلماء، فالمطلع على مـا كـانـت تـقـوم به
مشيخة الإسلام في استانبول، يدرك مدى اهتمامها بإعداد العلماء والدعاة، والحرص على
الاسـتـفـادة مـنـهـم لبثهم في أنحاء العالم الإسلامي، ليقوموا بواجب التوعية في
أمور الدين، وبيان أهمية الوحدة في حياة المسلمين". انظر: الشوابكة، حركة
الجامعة الإسلامية، ص127.
32 - محمد عمارة، الأعمال الكاملة للأفغاني، ص
190؛ جمال الدين الأفغاني، العروة الوثقى، ص 16، ص 327.
33 - جمال الدين الحسيني ومحمد عبده، مجموعة
العروة الوثقى، المصدر السابق، ص65.
34 - العروة الوثقى، المصدر السابق، ص68 – 69
.
35 - محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث
وصلته بالاستعمار الغربي، مرجع سابق، ص75.
36 - المرجع نفسه، ص58.
37
- المرجع نفسه، ص58.
38
- محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي،
المرجع السابق، ص59 نقلاً عن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في كتابيهما العروة
الوثقى.
39
- أبو الحسن الندوي، المسلمون في الهند، ص82 – 93.
40
- جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، العروة الوثقى، مصدر سابق، ص412
– 413.
42
- أحمد فهد بركات الشوابكة، حركة الجامعة الإسلامية، مصدر سابق،
ص126.
43
- جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، العروة الوثقى، ص70.
44
- محمد المخزومي، خاطرات حياة جمال الدين الأفغاني، بيروت، المطبعة
العلمية، 1913م، ص237 – 239.
45
- محمد عمارة، جمال الدين الأفغاني الأعمال الكاملة، ص.
46
- يقول الأفغاني في ذلك : “لا ألتمس بقولي هذا أن يكون مالك الأمر
في الجميع شخصاً واحداً، فإن هذا ربما كان عسيراً. ولكني أرجو أن يكون سلطان
جمعيهم القرآن، ووجهة وحدتهم الدين، وكل ذي ملك على ملكه، يسعى بجهده لحفظ الآخر
ما استطاع، فإن حياته بحياته، وبقاءه ببقائه“. ينظر: أحمد أمين، زعماء الإصلاح ص 2.
47- السلطان عبدالحميد، مذكرات السلطان
عبدالحميد، ترجمة وتعليق: محمد حرب، القاهرة، دار الانصار، 1978م، ص7.
48
- جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، العروة الوثقى، ص412 – 417.
49 - المصدر
نفسه، ص412 – 417.
50
- محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالفكر الغربي،
القاهرة، مكتبة وهبة، الطبعة الثانية، 1960، ص13 -25، ص63 – 69.
51- عبدالمنعم النمر، كفاح المسلمين في تحرير
الهند، القاهرة، مكتبة وهبة، ص42 – 44.
52
- أحمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، بيروت، دار الكتاب
العربي، ص123 – 130
53 - محمود قاسم، جمال الدين الأفغاني حياته
وفلسفته، القاهرة، مكتبة الانجلو المصـرية، ص25 – 53، 104 – 105.
54 -
خالد محمد عبدو، دور السيد أحمد خان في إصلاح التفكير الديني في الإسلام المعاصر،
جامعة القفقاس، مجلة كلية الالهيات، 2021، ص112.
55
- محمد الحداد، الأفغاني (صفحات مجهولة من حياته) دراسة ووثائق،
دار النبوغ، بيروت 1339، ص 48 – 49.
56- المرجع نفسه، ج5، ص268 – 269.
57
- علي شريعتي، رسالة في الدفاع عن إقبال ومسلم ليك، ص 4 – 5 باللغة
الفارسية
58
- علي شريعتي، رسالة في الدفاع عن إقبال ومسلم ليك، المصدر السابق،
ص16 – 17.
59- أحمد أمين، زعماء الإصلاح، مرجع سابق،
ص66.
60
- أحمد أمين، فيض الخاطر، مرجع سابق، ج5، ص268.
61
- المرجع نفسه، ج5، ص269.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق