في العدد (99) من مجلة الحوار قرأت دراسة الدكتور د. على عبد داؤد الزكي بعنوان "الشرق الأوسط الجديد – الفوضى الخلاقة وضحايا التغيير" العنوان كبير جداً وملفت للنظر، وكان من المفروض أن تكون الدراسة جادة وموثقة قدر المستطاع من كاتب يحمل درجة الدكتوراه كما يبدو، وإذا بها خالية تماماً من كل مصادر التوثيق، وقائمة على تصورات واستنتاجات في معظمها مبني على الأهواء، فالسياسة ومن يكتب فيها يجب أن يكون ملماً بالتاريخ والجغرافية على الأقل ومطلعاً على التداخلات الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية حتى يستطيع الخوض في كتابات معقدة بهذا العنوان! .
ففي أول سطر من المقال يحكم الكاتب على نفسه بالفشل الذريع عندما يقول "الأخطاء العربية في دعم الإرهاب يبدو أنها ستكون أساس تغبير أنظمة الحكم في كل الدول العربية وفقاً لمفهوم الفوضى الخلاقة...".
وما رأيناه من تغيير في هذه الأيام يشبه الزلزال يعم الدول العربية من تونس إلى مصر إلى الجزائر فاليمن يخرج عن هذا الإطار تماماً!، حيث قامت شعوب هذه البلدان وشبابها ومن كل الأطياف والأديان والأعراق بالتغيير الجذري في سابقة تاريخية لم يشهد لها العالم مثيلاً مهما كانت النتائج لاحقاً، وربما سيشمل التغيير دولاً غير عربية كإيران كما لاحظنا أخيراً .
والمقال خليط من الأهواء والمبالغات بشكل لا يليق بكاتب كقوله مثلاً :"ففي ظل الحصار في عقد التسعينات من القرن الماضي كانت هناك مئات الجوامع الفخمة تبنى وبدعم عربي كبير وتصرف عليها ملايين الدولارات العربية لغرض نشر أفكار متطرفة جديدة" ! .
وعندما نذكر مئات من "الجوامع الفخمة"، كان يجب ذكر بعضاً منها وكيف عملت هذه الجوامع الفخمة بهذه الطريقة، علماً أن معظم الجوامع الفخمة تبنى لغير هذه الأغراض تماماً!.
ويستنتج الكاتب بأن ذلك أدى إلى نمو حركات بحجم التيارات الشيعية المعارضة، ولم يذكر لنا اسماً واحداً من أسماء هذه الحركات.
والتشنج يغلب على معظم أفكار الدراسة ناهيك عن عدم التوثيق، فالعلاقة الجدلية بين المعارضة العراقية وخصوصاً الشيعية والأمريكان مبهمة وغير واضحة تماماً، ويريد أن يعطيها صفة المعارضة للأمريكان تماماً في نسيج من الأفكار غير المترابطة والجمل المتشنجة، ولو رجع إلى بعض المصادر القليلة المطروحة في الأسواق، كمذكرات الدكتور (احمد الجلبي)، ومذكرات (بول بريمر)، وكتاب (الهيمنة والبقاء) لنعوم تشو مسكي، وكتاب (الحرب على العراق (نظام لم يتغير) لميلان راي وغيرها العديد من المصادر، وتحلى بقليل من الموضوعية لغير رأيه في كثير من الآراء وبعيداً عن الأهواء!.
ولذلك يقع الكاتب في مطب التناقض بين استراتيجية أمريكا اللعينة – حسب تعبيره – والأنظمة الديمقراطية التي صنعتها، والتي يغلب عليها الاضطراب والفساد، وينسى تماماً تلك العلاقة الوثيقة بين الطرفين التي تصل لحد التلاحم.
إن إلصاق تعثر التجربة العراقية، وعلى كل الصعد السياسية والاقتصادية والتجارية والزراعية، بسبب السقوط في مستنقع الإرهاب وبدعم عربي كبير!!!، رأي كسيح ليس له نصيب من العلمية أو المنطق شيئا.
ومن الجمل العجيبة في هذه الدراسة المضحكة – المبكية، قول الكاتب عن أمريكا: "التي ستعمل على منع المعارضة العراقية التي لها تاريخ في معاداة المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط من تسلم السلطة في العراق" ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أما استنتاجات السيد الكاتب في هذا المجال فهي كحكايات ألف ليلة وليلة كقوله: "دعم الدول العربية للإرهاب ولد ثقافة إرهاب عربية، ثقافة قتل وتدمير وعسكرة .........." ، حتى انه يضع الهند في هذه الخانة!!.
إن الرائحة الطائفية في الدراسة واضحة للعيان كقوله: "إن اغلب الدول العربية في المنطقة تخشى المارد الشيعي الذي يمثل المكون الشعبي المستضعف ..."، وقد نسي أن هذا المارد الشيعي بدأ مسيرته في العراق بقتل (عبد المجيد الخوئي) ابن اكبر مرجع شيعي قبل السيد السيستاني، وأن هذا المارد فيه تيارات عائلية تتصارع على الزعامة وكلها تأخذ توجيهاتها من خارج العراق.
وأخيراً لا بد من استذكار القصة الشهيرة والتي يروى فيها بأن امرأة تسلمت رسالة من ابنها فذهبت إلى رجل يرتدي عمامة كبيرة ليقرأها لها، فلم يحسن ذلك فعاتبته المرأة بكبر عمامته وجهله بفك رموز الرسالة، فنزع العمامة ووضعها على رأس المرأة، وقال لها اقرئي أنت الرسالة إذا!؟.
هذا حالنا في الكتابة والتحليل والمقارنة وفي كل الأمور، فوضى وأهواء لا تقود إلا إلى السطحية المفرطة في كل شيء والله المستعان على ما نقول، نلبس العمامة ونحمل الألقاب ولا نحسن فك الرموز ونخرج من مطب لنقع في آخر أشد منه والعقل في خبر كان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق