انتفاضة الورد العراقية كانت بحق انتصارا للعدل والنبل والشرف وكانت صرخة حق للتغيير والإصلاح للمسار الديمقراطي العراقي. إنها أقوى ضربة تلقتها حكومة المالكي على مستوى الشارع، كما ان هذه الانتفاضة جاءت نتيجة لفشل البرلمان العراقي المنتخب منذ أكثر من عام، والذي لم يفعل حتى الآن أي شيء يخفف من أزمات البلد، فكل ما أنتجه حتى الآن هو .....
حكومة هزيلة كسيحة؛ حكومة المناصب التي استنزفت وتستنزف خزينة البلد.
إن ظهور قوى التغيير التي يقودها الشعب سوف تعمل على تصحيح المسار الديمقراطي وتحقيق طموحات وأحلام الإنسان العراقي؛ فانتفاضة التغيير هي انتفاضة الأمل التي ولدت نتيجة لتجبر الكتل السياسية المتسلطة في العراق وتطاولها على حقوق الإنسان وسرقتها لأموال الشعب العراقي منذ ثمان سنوات.
والعراقي يصبر ويصبر ويعاني الويلات ولا حل يرتجي من أي تغيير في مؤسسات الدولة، فكل ما يحصل هو تغيرات طفيفة على مستوى الحكم، وفشل توفير الخدمات، وعجز شديد عن توفير ما يحتاجه الإنسان، بالإضافة إلى أن حقوق الانسان مهضومة، والانتخابات أصبحت شكلية، فلا بديل يرتجى منها لحل مشاكل المجتمع، فكل سياسيو الغفلة ظلال الاحتلال أصبحوا يمثلون كيانات عرقية وطائفية وثنية القدسية يمارسون دكتاتوريات للحصول على المناصب للتسيد على المجتمع، ولا يقبلون اي تجديد او تصحيح في مسارات مؤسساتهم وحركاتهم السياسية التي أصبحت عبارة عن دكتاتوريات مصغرة يمكن تسميتها بـ(المافيا) التي تحاول ان تديم سلطة ونفوذ فلان وعلان، وأصبح الفرقاء السياسيون لا يختلفون على ظلم الإنسان العراقي لكنهم يختلفون على من يكون له نصيب الأسد بالسرقة؛ ونصيب الأسد في سلب الشعب العراقي حقوقه.
لم نر أي من السياسيين ينتقد بشكل علني المظاهرات رغم ارتعادهم ورعبهم منها، ولم نرهم يستنكرون طلبات الشعب المنتفض، فجميعهم يقولون إن طلبات الشعب العراقي مشروعة!! الجميع يقول مشروعة!!. إذا كانوا هكذا متفقين على شرعية مطالب الإنسان العراقي فلماذا لم نشاهدهم يعملون على إصلاح البلد والعمل على النهوض بالخدمات وتوفير فرص العمل وزيادة الإنتاج بعيدا عن الفساد؟! إنهم حقيقة متفقون على ان ما يطلبه الإنسان العراقي هو حق مشروع لكنهم غضوا النظر عن ذلك منذ ثمان سنوات!!.
صحيح ان وضع البلد كان صعبا لكن هذا ليس كافيا لتبرير فشلهم؛ لأنهم لو كانوا صادقين وجادين بتوفير الخدمات للعراقيين لما حصل ما حصل، فهم لا يعرفون ما يحتاجه الانسان العراقي، وحلولهم لمشاكله هي بحد ذاتها مشاكل تعرقل الوصول إلى الحل الاستراتيجي على المدى البعيد.
لم نر السياسيين متفقين إلى درجة كبيرة مثلما نراهم اليوم، لان الشعب العراقي قد انتفض عليهم؛ إنهم اليوم خائفون على مكاسبهم، مواقفهم الآن لا معنى لها، إنهم فعلا سقطوا وان لم تسقط حكومتهم ولم يحل برلمانهم .. إن المتسلطين وصلوا للسلطة بعدة قوائم ذات قدسية دينية وطائفية وعرقية صماء قيدت فكر الإنسان العراقي ليكون في حالة صراع حقيقي يتناسى فيه التوحد الوطني وتنحسر خياراته في الانتخابات ويبقى أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فهو إما ان يختار الأقل سوءا من وجهة نظر الانتماء العرقي والطائفي الضيقة، أو يمارس السلبية ولا يذهب للانتخابات، فمن العار ان يفوز 330 نائبا في البرلمان العراقي ولم يتجاوز حد العتبة منهم إلا 17 نائبا فقط.
هناك مغالطة كبيرة يهتف بها ويروج لها البعض؛ وهي أن المواطن هو من انتخب الحكومة فلماذا يتظاهر عليها ليسقطها؟! وهنا للأسف أود أن أشير بانه لم ينتخب الا 17 نائبا فقط وهذا شي غير منطقي، وان الناخب العراقي لم يكن أمامه خيار إلا انتخاب الأقل سوءا، كما أود أن أشير هنا بتعمد المتسلطين على إيهام الناس واستغلال بساطتهم وطيبتهم في الانتخابات وفي إخفاء الكثير من الحقائق التي يمكن أن تجعل العراقي يفهم حقوقه وواجباته ويفهم ما هي الديمقراطية الحقيقية.
اغلب العراقيين يعتقدون بان سقوط الحكومة معناه هو الرجوع إلى المربع الأول وفوضى وسرقة (حواسم كما تسمى شعبيا) كما حصل بعد سقوط الطاغية المقبور، والكثير من الناس يخافون هذه اللحظة، وفعلا قام بعض السياسيين والوزراء بترويج هذه الفكرة للمجتمع مما ولد خوفا من سقوط الحكومة عبر وسائل الإعلام، والبعض منهم كان يصف المظاهرات بالفوضى ويقول إن الديمقراطية تعني التغيير عبر صناديق الاقتراع، وهذا صحيح ولكن في حالة فشل الحكومة وهشاشتها يمكن أن تسقط الحكومة بانتفاضة شعبية، وسقوط الحكومة لا يعني سقوط البلد والنظام.. في الأنظمة الديمقراطية سقوط الحكومة لا يعني سقوط الديمقراطية، ولا يعني العودة للدكتاتورية (كما وصفها بعض سياسيي الصدفة المتسلطين للتحذير من المظاهرات الشعبية) ولا يعني سقوط النظام ولا الفوضى، لان سقوط الحكومة وحل البرلمان لا يعني حل الجيش وحل قوى الأمن الداخلي؛ لكنه يعني حل البرلمان وجعل الحكومة حكومة تصريف أعمال والتهيؤ لانتخابات جديدة!.. وهذا مشابه لما حصل بعد حل البرلمان العراقي السابق بعد الانتخابات العام الماضي، حيث كانت حكومة المالكي تمارس مهامها بدون برلمان لعدة اشهر إلى أن تم الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة، ما يعني أن عملية حل البرلمان عملية ليست مستحيلة وليست كارثية كما يتصور البعض ويصورها الساسة للناس، لا بل إن حل البرلمان الفاشل أفضل من بقائه وهذا الأمر حصل في العديد من الدول الأوربية عندما تفشل الحكومة يتم إسقاطها وإعادة إجراء الانتخابات.
البرلمان العراقي الذي احتاج أكثر من ثمانية اشهر لإعلان الحكومة الجديدة، والتي لم يكتمل حتى الآن تشكيلها؛ لا يمكن ان نسميه إلا برلمانا فاشلا، لا يمكن أن يكون هو الحل ولا يمكن أن يكون هو الرقيب المناسب لحماية مصالح الشعب وتوفير الخدمات وفرص العمل، يمكن تسمية هذا البرلمان ببرلمان الكتل السياسية وليس برلمان الشعب.
خلال السنوات الثمانية السابقة لم ينتفض الشعب انتفاضة تحقق له شيئا بسبب التناقضات الكبيرة التي كانت تغذيها الأحقاد الطائفية والعرقية التي تدعمها العديد من القوى الخارجية. ويبدو ان الظلم الحكومي للإنسان العراقي وعدم احترام حقوقه جعل جميع المكونات العراقية تتوحد بفكر انتفاضة التغيير ضد الظلم والفساد والسرقة والمطالبة بتوفير الخدمات الأساسية؛ هذا التوحد أنشا فكر الانتفاضة والذي يمثل الآن فكرا سياسيا جديدا يمثل قوى التغيير والإصلاح.
هذا الحراك هو ولادة للديمقراطية الناجحة في العراق، ففي بريطانيا مثلا يوجد حزبا المحافظين والعمال يتنافسان على السلطة، يبدو ان عراقنا اليوم أصبح فيه كتلتان سياسيتان هما: كتلة المحافظين وهي كتلة المتسلطين المتحاصصين في الحكومة، والكتلة الثانية هي الكتلة الجديدة التي برزت الان للساحة العراقية وهي كتلة انتفاضة التغيير والإصلاح (كأنها تقابل حزب العمال البريطاني) والتي ظهرت أكثر توحدا في فكرها ودفاعها عن حقوق الإنسان العراقي أمام الحكومة، لذا فان قوى التغيير هذه هي ولادة حركة سياسية عراقية مكونة من جميع مكونات المجتمع العراقي، وسيكون لها دور كبير في المستقبل لرسم الخارطة السياسية في العراق لتصحيح المسار الديمقراطي بعيدا عن الطائفية والعرقية.
الانتفاضة مستمرة... وترفع شعار الحياة بعزة وكرامة ليزهو ويزدهر العراق.r
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق