09‏/09‏/2014

عناد (المالكي) الولاية الثانية ... أم رئاسة الإقليم الشيعي

د. علي عبد داود الزكي
أثبت (المالكي)، خلال سنين حكمه، بأنه لا يفقه شيئاً بالسياسة الخارجية، فلم يخرج بعلاقاته الخارجية إلى أفق تعاون متين أبعد من أمريكا وإيران. العلاقة مع أمريكا انحسرت بشكل كبير جداً، بعد خروج الجيش الأمريكي من العراق، وأصبحت لا تمثل علاقة استراتيجية قوية، أما إيران فهي في ظل الحصار العالمي المفروض عليها حتى الآن، لا يمكن الاعتماد والتعويل عليها كثيراً. (المالكي) لم يتمكن من التأسيس إلى وفود مفاوضة سياسية قوية وفعالة، وتمتلك رؤية واقعية ناضجة للمستقبل، ولم يعرف كيف يتعامل مع الأزمات بأسلوب استراتيجي لغرض الخروج بأقل خسارة، واكتفى بعناده المهول المدمر لكل العراق. إن العراق اليوم على شفا حفرة، و(المالكي) رغم وطنيته، وكل النجاحات التي حققها، فشل في تحقيق الأمن والاستقرار للبلاد. ففي أزمة (الموصل) الأخيرة، لم نر منه تحركاً سياسياً فعالاً وجريئاً لغرض إيجاد السبل الواقعية الكفيلة بالخروج من المأزق، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لم
نره يقدم على عمل جريء في السياسية الخارجية، ولم يتقدم بخطوة دبلوماسية إلى (تركيا) لبيان أفق التوحد بالرؤية، لإيجاد أرضية تعاون حقيقية. لم نره يتعامل بحنكة سياسية، ويتصل بالسيد (مسعود البارزاني)، والقادة الكورد، لغرض تقليل الخسائر، والاتفاق والتنسيق معهم لإرسال قوات البيشمركة إلى مدينة (تلعفر)، والمدن والقرى الشيعية التركمانية الأخرى، لحماية أهلها من الإرهاب، ولمنع تهجيرهم. إن تهجير أكثر من 300 ألف مواطن، أمر مؤلم ومكلف للدولة العراقية. لم يعمل (المالكي) من أجل ذلك شيئاً يذكر، واستمر بعناده وكلماته الهجومية على هذا وذاك. لم نر منه أي مبادرة طيبة في توحيد الصف الشيعي، بجمع قادة البيت الشيعي للخروج برؤية موحدة فيما كان، وفيما يتوجب، وفيما سيكون في حالة التجزئة، وما هي مقومات الإقليم الشيعي، وكيفية حفظ أمنه وحدوده، وكل ما فعله هو تمسكه العنيد بالحصول على الولاية الثالثة، رغم أنف الجميع، معتمداً على ثقل قائمته، والتي لا يجرؤ أي أحد فيها على أن يتفوه بكلمة لا يريدها (المالكي)، ولم نر أياً من أعضاء قائمته يمتلك شجاعة ليرشح شخصاً آخر غير (المالكي).
    كنا نتمنى من (المالكي) أن يعمل على أن يكون زعيم الإقليم الشيعي، ويترك رئاسة الوزراء في ولاية ثالثة، لأن رئاسة الوزارء القادمة ستكون بالتأكيد رئاسة وزراء شرفية لا قيمة لها بوجود ثلاث أقاليم فدرالية، أو كونفيدرالية. إن الأهم اليوم هو حفظ حدود المكون الشيعي، وحفظ أمنه وسيادته، وكما فعل السيد (مسعود البارزاني) في حفظ حدود إقليم كوردستان. لم نر (المالكي) يتقدم بخطوات شجاعة للاتصال بالأطراف السنية، لا المعتدلة ولا المتعصبة، لغرض وضع النقاط على الحروف، والخروج برأي سديد أفضل من العداء والاستعدء الإعلامي، وإيجاد أرضية مناسبة للعمل عليها من أجل تحرير المناطق السنية من الإرهاب والتعصب.إن كل ما فعله ويفعله (المالكي) اعتماده على مجموعة من التصريحات النارية التي تثير الأطراف، وتجعلها في حالة من الرفض والاستعداء، وتزيد الطين بلة، ويعتمد على مجموعة من الملونين في الإعلام، وكأن المعركة هي معركة كلام وإعلام فقط. إن المعركة اليوم معركة وجود، معركة أكبر من أن يخرج في فضائية هنا وهناك برلماني أو برلمانية ليدافعوا عن (المالكي)، الذي أصبح حلمه الوحيد أن يبقى في السلطة، وكأنه لا يوجد في العراق غيره لإنقاذ البلد، رغم أنه حتى الآن عاجز، وكل ما يفعله هو أنه يضحي بالأبرياء، ويزيد المشكلات. آن الأون لأن يفهم قادة التحالف بأن الحل يكمن في التوجه باتجاهين أساسيين معاً، للوصول بالعراق إلى الاستقرار الشامل:
الاتجاه الأول: هو السياسة الخارجية، ومحاولة فهم ما يجري: لنرى ماذا تريد (أمريكا)، لكي يتم تقليل الخسارة في الخطوات العملية على أرض الواقع؟ وهل تريد تغيير خارطة الشرق الأوسط، وتغيير حدود سايكس - بيكو المشؤومة؟ وما هي رؤيتها الجديدة للمنطقة؟ كما ويجب أن تفتح قنوات اتصال سياسية مع (تركيا)، لفهم ماذا تريد تركيا؟ وكيف يمكن أن تصبح حليفاً، وليس عدواً؟ وما هي مصالحها؟ هل أن تركيا لديها رغبة في الحصول على جزء من (كركوك) و(صلاح الدين) و(الموصل)؟ وهل (النجيفي) و(الهاشمي) متفقان مع (تركيا) على ذلك، على أن يصبح هذا الجزء المستقطع من الإقليم السني إقليماً ملحقاً بتركيا، وذو حكم ذاتي برئاسة أحدهما؟ وهل أمريكا وعدت تركيا بشيء ما؟ وهل هذه المناطق ذات أهمية استراتيجية للإقليم الشيعي والكوردي العراقي، أم أنها تستنزف جزءاً من ثروات الجنوب فقط؟ إن مسألة المياه مهمة جداً لكل العراق، ومياه دجلة والفرات منابعها تركية، أي أن (الموصل) و(صلاح الدين) لا يمكن أن يكون لهما دور كبير في تعطيش الجنوب، في حالة التفاهم الواقعي والمنطقي مع تركيا، وتغيير خارطة سايكس - بيكو. إذن يجب أن يكون هناك تفاهم واتفاقية رسمية مع تركيا فيما يخص المياه، والتفاهم معها فيما يخدم البلدين، ولا يؤدي إلى اندلاع صراعات مؤلمة بينهما. ويجب فهم ماذا تريد (السعودية)، عبر فتح قنوات اتصال سياسي صريحة وشفافة. وهل يمكن الاتفاق معها بإطار تعاون أمني واستراتيجي، لإزالة كل آثار التكفير والإرهاب، ومنع تمويله، ومحاربة المحرضين عليه في كلا البلدين، وأن يكون ذلك من منطلق القوة والدعم الإقليمي والعالمي؟ وماذا تريد (إيران)؟.. يجب كشف كل الأوراق، ويجب أن نفهم أن العراق الهزيل الحالي لا يمكن أن يستمر هكذا بدون حل واقعي وشجاع. 
الاتجاه الثاني: هو التوجه السياسي الداخلي، والبداية بالتأكيد يجب أن تكون مع المكون الأكبر، وهو المكون الشيعي، وذلك بتوحيده وجعله يدرك حجم المأساة، وما قد ينجم في حالة عدم تماسك التحالف الوطني الشيعي، وفق أسس وطنية، تحمي المكون الشيعي ضمن العراق الفيدرالي. إن توحد الكتل الشيعية سيمهد لأرضية مناسبة للتفاوض مع الشركاء في الوطن، من الكورد والسنة والتركمان. وهذا يجب أن يتم وفق رؤية ناضجة، بعيدة المدى، لرسم معالم حدود الأقاليم العراقية الثلاثة، ومنع الانجراف في حروب دموية مستمرة، واتخاذ الإجراءات المناسبة في حالة تغيير خارطة حدود (سايكس - بيكو) في الشرق الأوسط، وما سيفرضه ذلك من أزمات إقليمية ومحلية.
إن تبلور الرؤى الداخلية، وانسجامها، سوف يمهد لتشكيل حكومة فيدرالية رشيقة، تجمع ثلاث فيدراليات قوية، ولها وزارات محلية فعالة، وتشكيل مناطق حكم ذاتي للتركمان، ضمن الإقليم الكوردي أو الشيعي. وبعد الاتفاق على حدود الأقاليم الثلاثة، يجب أن يعمل على تشكيل جيش الإقليم الشيعي، وجيش الإقليم السني، كجيشين لهما عقيدة مشابهة لقوات البيشمركة، ليقوم كل منهما بحماية حدود العراق، وحدود إقليمهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق