الدكتورة حنان فاروق |
الدكتورة حنان فاروق تحمل شهادة الماجستير في الأمراض الباطنية من كلية الطب/ جامعة الإسكندرية (1999)، وهي شاعرة وكاتبة مصرية مقيمة في المملكة العربية السعودية، وحاصلة على عدة جوائز منها: جائزة المجلس الأعلى للثقافة فئة الشعر عام 1999، وجائزة مسابقة الشاعر علي الصافي عام 2001، وجائزة مسابقة ممر المضيق من مؤسسة كستخاذة ـ ملقا، إسبانيا عام 2008، وهي عضو جمعية الكتاب والأدباء المعاصرين بالإسكندرية، ولها العديد من الأعمال المنشورة في الصحف والمجلات العربية.
حاورها: بسام الطعان
* كيف جئت من عالم الطب إلى عالم الأدب (الرواية والقصة القصيرة)، وهما عالمان متناقضان.. وهل عالم الإبداع العربي يشكو من داء، وما هو هذا الداء، وأنت الطبيبة والمبدعة؟
حنان فاروق: ربما أنا جئت من عالم الأدب إلى عالم الطب، فقد بدأ ارتباطي بالأدب مبكراً
عن دخولي إلى عالم الطب.. وبالمناسبة هما ليسا عالمين متناقضين، بل ربما أراهما متقاربين.. عالم الطب يجعل الكاتب
قريباً من مجتمعه..
محتكاً ومتأثراً بأحلامه ومشاكله ومواطن ضعفه وقوته، الأمر الذي يمنح الكاتب رصيداً
كافياً للخوض في رحلة الحرف، دون أن ينفصل عما حوله.
* هل هناك من تطورات طرأت
على القصة القصيرة المصرية، خلال السنوات العشر الماضية، من حيث ابتكار طريقة جديدة
للكتابة، ومن حيث طريقة التناول وأسلوب المعالجة؟
حنان فاروق: لست متخصصة،
أنا مجرد قارئة هاوية.. لهذا يصعب علي تتبع مسار القصة القصيرة في حقب بعينها، وإن كنت أرى أنها تتجدد ولا تتوقف.. وإن كان البعض يخاف من التجريب، ودخول الشكل غير المفهوم عليها،
مع كثرة استعمال الرمز.. ولأني كثيراً ما أستخدم هذا الاتجاه، فأختلف مع من ينتقده،
وإن كنت أحترم رأيه.. ربما لأني أحب أن يكون القارئ شريكاً في الإبداع.. وجزءاً منه...
* بعض الكتاب في مصر الشقيقة
يكتبون باللهجة العامية المصرية، أو تجنح كتاباتهم إلى استخدام لغة مبسطة إلى حد التقاطع
مع العامية.. هل هذا لأنهم لا يتقنون العربية الفصيحة جيداً، أم يريدون الكتابة للشارع بلغة الشارع،
وهذا اتجاه وليس ضعفاً؟
حنان فاروق: ربما هي وجهة
نظر أحترمها.. ودعنا لا ننكر أن الشعر العامي المصري قد تبوأ مكانته الرفيعة بين دروب
الأدب العربي المختلفة، ووصل إلى شرائح كثيرة
من المجتمع، منها من لم تكن الفصحى تصل إليها
جيداً، ومنها من فضل لهجة التعامل اليومي على لغة الأوراق والمخاطبات والكتب.. لهذا
فقد تعلمت ألا أهاجم اتجاهاً ما، طالما يجد
مشجعيه ومحبيه.. لكن عن قلمي.. هو يفضل الكتابة بالفصحى، فهي غنية واسعة متنوعة
قريبة من جميع القراء المنتمين إلى العربية ككل، لا إلى جنسية بعينها... لا مانع من
التبسيط.. لكن الإسراف في الركون إلى اللهجات العامية المختلفة سيرسم حدوداً أدبية
جديدة بين الأدباء العرب، حتى لو لم نعترف بهذا علناً، ولم يطف الأمر على السطح..
* كيف تفهمين القصة، وهل
شرطها الوحيد موهبة القاص.. ومن هو القاص الناجح برأيك؟
حنان فاروق: دعني أتكلم
كقارئة، فأنا لست متخصصة.. القصة حكي، ليس شرطاً فيه الكم بل الكيف.. ربما من وجهة
نظري المتواضعة أهم ما في القصة هي أن تجعل القارئ يعيشها.. يدخل في حوار مع أحداثها.. يرى نفسه أو
غيره في لقطاتها.. حين يصل القارئ لتلك الحالة، أو على الأقل يقترب منها، يكون القاص
قد نجح في مهمته..
وبالطبع الموهبة من الأهمية بمكان.. لكن كما علمني
أساتذة أحترمهم وأجلهم، وما زلت أتعلم منهم، فالقراءة والخبرة والاطلاع على تجارب الآخرين
واتجاهاتهم يصقل الموهبة ويجددها.
* بعض الكتاب العرب تأثروا
سريعاً بالجديد الوافد من الغرب، من أمريكا اللاتينية بالتحديد، وحين وجدوا أن مدرسة
أدبية فرضت نفسها على الناس في الغرب تلقفوها طازجة، وحاولوا النسج على منوالها.. ماركيز
- مثلاً - لم تمض سنة واحدة من صدور (مائة عام من العزلة) حتى بدأ انعكاس أسلوبه بأشكال
مختلفة في أدب كتابنا العرب.. بماذا تفسرين ذلك، هل هو تقليد أعمى،
أم اختراع جديد؟
حنان فاروق: ربما لا أرى
التأثر بأسلوب كتابة ما، طالما يحاول الاحتفاظ
بشخصيته وتميزه، مشكلة، بل ربما هو نوع من
التلاقح الفكري، الذي قد يقودنا إلى تجارب جديدة، ويستولد اتجاهات مختلفة، تثري الأدب،
وتشعل ميادين فكره وحركته.
(مائة عام من العزلة) تجربة مختلفة.. أراها كقارئة
تستنهض همة ذهن القارئ، وتستولي على تركيزه، لتجعل منه شريكاً لا ينفصل عن التجربة،
ويظل مقيداً إلى مقعد المتفرج.. بل تجذبه إلى
عالمها، وتربطه إليها، من الحرف الأول إلى الحرف الأخير.. إنها طريقة سردية توقع القارئ
في شباكها، ولا يستطيع الكاتب الخروج منها
حتى بعد الانتهاء من القراءة.. لهذا ربما أرى التأثر بها مفيداً وبناءاً..
* هل يستطيع الأدب أن
يكون أداة تحريضية ضد القمع، أيا ًكان هذا القمع، وهل الرواية والقصة قادرتان على معالجة
هموم الإنسان العربي، والمنغصات الاجتماعية
والسياسية التي يعاني منها في غياب الحق والعدل؟
حنان فاروق: الأدب في
كل زمان ومكان كان سلاحاً للمقاومة.. مقاومة
الظلم والقمع وثقافة الاستسلام والخضوع غير المبرر.. وربما أرى القصة والرواية هي الأقدر
من بين فنون الأدب على إيقاظ الوعي وتنبيهه والتحفيز على التغيير. فالإنسان بطبيعته
مخلوق حكاء.. يتعاطى مع السرد، مستقبِلاً ومرسلاً في آن.. أضف إلى ذلك أن القصة والرواية
الآن لم تعد حبيسة الأوراق، بل خرجت إلى السينما والتلفاز والوسائل الإعلامية، التي
تستطيع جذب المواطن القارئ وغير القارئ إليها،
وتبصيره بما لم يكن يرى.. كل حسب استعداد استقباله..
* نعيش مع حالة من الانهزام
العربي.. الانكسار العربي.. الظلم الغربي للعرب.. الهرولة العربية نحو الصلح مع إسرائيل،
وهي لا تزال تقتل وتدّمر وتشرد.. الواقع العربي الذي يكاد يكون منهاراً.. أمام كل هذا،
ماذا باستطاعة الكاتب والمثقف العربي أن يفعل، وهل هو قادر على المساهمة، ولو بجزء
بسيط، في تحويل الهزيمة إلى نصر، والصلح إلى قطيعة، وما إلى ذلك؟
حنان فاروق: الكاتب والمثقف
العربي بحاجة دائماً لنفض انهزاميته وانكساراته وانبهاراته، وهو يخوض عالم الثقافة
الذي انفتح اليوم إلى أبعد مدى.. قد يحمل الواقع الكثير من الإحباطات.. لكنه أيضاً
يحمل بين يديه الكثير من الأمل.. وإذا كان هناك من يسعى إلى الصلح مع إسرائيل، أو الاستسلام
بغير قيد أو شرط، فهناك على الطرف الآخر من الصراع مقاومة لا يستهان بها.. تخوض المعركة
ببسالة على كافة الميادين والأصعدة.. إذن فالمسألة هي النظرة التي يجب أن تكون هي منطلقنا للتعاطي مع الواقع.. ثقافة
اليأس والاستسلام لن تسلمنا إلا إلى الموت..
* كيف تجدين حال الثقافة
العربية، هل تتقدم نحو الأفضل، أم تتراجع، أم تراوح مكانها؟
حنان فاروق: ربما أنا
متفائلة.. وأرى أن الثقافة العربية، بالرغم من ضغوط الغزو الفكري المختلفة، والانفتاح
اللامحدود على ثقافات الغرب، والتأثر بها.. بالرغم من كل هذا.. فالثقافة العربية في
تقدم، رغم أنها لم تستطع حتى الآن استغلال التقنيات الحديثة وثورة الاتصالات بالشكل
الأمثل.. هي تتقدم.. لكنها تستطيع أن تكون في مكانة أعلى، وبخطى أسرع..
* من التي تكتب.. حنان
الكاتبة، أم قلبها وتأملاتها، أم أن عواطفها الثرة هي التي تملي عليها؟
حنان فاروق: أنت كاتب،
ولهذا ستفهم بالقطع ما أقول. ليست كل أحوال الكتابة متشابهة.. أحياناً تتسلط عليك الفكرة،
فيكون لها اليد العليا.. وأحياناً تتسيد المشاعر.. لكن في كل الحالات، لا بد أن يتعانق
الفكر والوجدان معاً، ليصل النص إلى القارئ..
* أرى أن النقد تحول إلى
(ميليشيات ثقافية)، هل توافقينني الرأي؟
حنان فاروق: يقولون إن
التعميم ضد المنطق.. بمعنى أننا لا نستطيع القول بأن النقد ككل تحول إلى مليشيات، أو
خلافه.. هناك نقاد كثيرون لا ينتمون إلا لصدق الطوية وهدف البناء.. وأنا دائماً أحاول
أن أنظر إلى نصف الكوب الممتلئ، وعدم التركيز على الفارغ .. فالاستسلام لاختراق السلبيات
يعجز الفكر والقلم..
* الحركة النقدية في
(مصر) كيف ترينها، وهل تهتمين بالنقد، وإلى أي مدى يؤثر رأي الناقد على القارئ، هل يصادر رؤيته للنص؟
حنان فاروق: بسبب سفري
منذ سنوات وعدم احتكاكي بالحركة النقدية في مصر، إلا في الحدود التي تسمح بها الشبكة
العنكبوتية، فلا أستطيع التقييم أو الحكم على الحركة النقدية..
وعني.. أميل إلى النقد،
وأخافه في نفس الوقت.. النقد يعلمنا كيف نقرأ النص..كيف نتعامل معه، ونفهم إشاراته،
ونسبر أغواره.. نكتشف مواطن قوته، ونقاط ضعفه.. ونرى ربما ما لم يره الكاتب نفسه وهو
يكتب.. إنه يعلمنا فن التعاطي غير السطحي مع الكلمات.. قارئ النقد أيضاً يجب أن يكون
واعياً متيقظاً.. يدخل إليه دون أن يترك عقله وقلبه على بابه، ويسلمه قياده.. بل يحاول
طيلة الوقت أن يعيش حالة من الحوار مع الكتابة النقدية، ويعطي لنفسه مساحة للاتفاق
أو الاختلاف معه.. وإلا فقد يجد نفسه أسيراً
له، متأثراً به، من دون أساس..
* برأيك من هو كاتب القصة
الذي ترك أثراً كبيراً وهاماً، أو بصمة واضحة، على خريطة القصة العربية، من مطلع التسعينات وحتى الآن؟
حنان فاروق: لا تستطيع
أن تشير على واحد بعينه.. خاصة بعد عصر ثورة الاتصالات، الذي خلق تواصلاً قوياً بين
الأدباء في جميع أرجاء الوطن العربي.. لكني ربما أميل لكتابات الدكتور (محمد المخزنجي)..
وأعشق حروف (منى الشيمي)، وقدرتها غير المحدودة على تطويع الحرف، وتوجيهه، بقلم فكرها
ومشاعرها، ليصيب هدفه... يشدني أيضاً مداد (يوسف المحيميد)، وإن كان يرهقني.. فكما
قلت أنا قارئة عادية، أستمتع بكوني كذلك.
* الدكتورة والأدبية حنان..
ما هو السؤال الذي كنت تتمنين أن أسألك إياه، وما جوابه؟
حنان فاروق: بدأت شاعرة،
وما زلت.. أين تجدين نفسك؟
أجدني حيث يرسو قلمي،
وحيث يأخذني الإلهام.. سأظل مدينة للشعر.. فهو بيتي الأول، الذي لا أستطيع هجره ما
حييت.. وسأعيش أحب القصة، فهي فن لطالما أحببته، منذ أن دخلت ميدان الحرف قارئة وهاوية..
* في نهاية هذا الحوار،
لك حرية الكلام، قولي ما تريدين..
حنان فاروق: أحببت الحوار
معكم.. فهو ثري وغني، ومرهق، في نفس الوقت، لكني أعترف أن إرهاقه كان وما زال ممتعاً،
وأني سعدت به.. وقد ترك أجمل الأثر في نفسي.. أشكركم..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق