01‏/03‏/2015

عبق الكلمات// نقمة الأنفوميديا

عبد الباقي يوسف
تحوّلت وسائل الإعلام إلى وبال وقــع على الشعوب العربيــة والإسلامية، وقاد الانفتاح الإنساني إلى أبواب مسدودة، وأمست التكنولوجيا المعاصرة عبئاً ترزح تحته غالبية هذه البلاد.
عندما بدأت ثورة الأنفوميديا المعاصرة تتسرّب إلى جنبات بلدان العالم العربي المنسي، يبدو بأنه لم يكن مؤهلاً بشكل جيد لاستخدام هذه التكنولوجيا المعاصرة، ومع مرور السنوات، بدأت هذه الثورة تنال من بنية هذه المجتمعات العربية، وتعمل على تفكيكها، حتى تكلل ذلك بأكبر إنعطافة شهدها العرب في تاريخهم، مع بدء سريان فكرة الثورات العربية.
لقد أسهم الإعلام - بمختلف وسائله - في دعم فكرة الثورة، ثم أسهم في انحراف مسارها، وبعد أن اشتعلت نيران الثورات العربية، تحوّل الإعلام إلى وُقود - بضم الواو -  فاعل وسريع الاشتعال لها، فقد انفجرت
القنوات الفضائية التي توالي الثورات، إلى جانب التي توالي الأنظمة، ثم رأينا كيف أن هذه البرامج باتت تُسهم في إرواء نزعة العداوة وتقويتها بين الطرفين، عندما أخذت تأتي بشخصين، كل واحد يمثل الاتجاه المعاكس للآخر، وبات مدير الحوار يعتقد بأنه يبلغ النجاح وحسن الإدارة على قدر ما يؤجج الخلاف، ويزيده إشعالاً بين هذين الشخصين الممثلين لجهتين، حتى بات هذا المدير يشبه الديك، ينفش ريشه ويتبختر على قدر نجاحه في ارتفاع حدة التصعيد، إلى درجة انحدار الحوار إلى جملة شتائم واتهامات يكيلها أحدهما للآخر. والحقيقة أن الإنسان يحق له أن يشعر بالفخر والنجاح عندما يردم هوة بين شخصين، لا عندما يصعّد بينها العداوة والبغضاء.
ثم من ناحية أخرى أطل علينا أناس بذقون، يرتدون جبباً وعمامات، وباتوا ينادون بفتنة بين المكوّنات الإسلامية ذاتها، ثم بفتنة بين المكوّنات العرقية والدينية، والثقافية، لتتحوّل الشعوب المغلوب على أمرها إلى وَقود - بفتح الواو - لسعير هذه الثورات.
إن مجرد النظر إلى أربع سنوات مضت من تاريخ الثورات العربية، يرينا تلك المنجزات المقيتة التي حققتها تلك الوسائل الإعلامية، وسوف نرانا إزاء كوارث بشرية مفزعة، لعلها لم تكن لتُرتكب لولا وجود هذه الوسائل، لأن بعضها ارتُكب فقط في سبيل الإظهار في تلك الوسائل. ولعل الإسلام كان من أبرز ضحايا هذه الانتهاكات التي بات يرتكبها المسلمون، سواء بحق أنفسهم، أو بحق غيرهم في ديار العالم، حتى بات أي انفجار في أي ركن من العالم يقف خلفه شخص مسلم. ويا لتلك المشاهد المأساوية المزرية عندما ترى هؤلاء في أروقة المحاكم، وهم يحملون القرآن بتلك الأيدي الملطخة بدماء النساء والأطفال والسياح ومحبـي الحياة والرفاهية. والقرآن الذي لا يتشرف بأن يمسه إلا المطهرون، فمن المحقق أنه لا يتشرف أن يمسه قتلة الأبرياء، ولا تحمله تلك الأيدي التي تمتهن مهنة قنص عباد الله في أرضه، وانتهاك كل الحرمات الإلهية التي حفظها القرآن.
باتت القنوات الفضائية مصدر فزع للناس، حتى بدأوا يتحاشونها، لأنها تحولت إلى مسرح لكل هذه الانتهاكات الإنسانية، وهي في حقيقتها وسائل ترفيهية مسلية استبشر الناس بها خيراً عند ظهورها، كما الأمر بالنسبة لوسائل التواصل الإنساني الأخرى، من هواتف محمولة، ورسائل إلكترونية، وصفحات شخصية تيسر التعارف والمودة والتعاضد بين الناس. وهذا ما تتبعه المجتمعات المتحضرة، حيث تحقق لها هذه التكنولوجيا عوامل الرفاهية والتطور، بيد أنها عندما حلت في ديار العرب والمسلمين، تم استخدامها لنشر الفتن، وإعطاء صورة سلبية عن الإسلام، وإظهار مدى ما يبلغه الناس مع بعضهم البعض من درجات لا موضع للرحمة فيها. فهذه الوسائل باتت تصوّر كل تلك الممارسات الجاهلية الأولى، التي جاء الإسلام وأوقفها، بيد أنها الآن تُمارس - على أنها - من متن الإسلام، ومَنْ يقوم بها مسلمون يحملون بأياديهم القرآن في قاعات المحاكم الضخمة في العالم، وقد تم ضبطهم وهم يقومون بتفخيخ المطاعم، أو السكك الحديدية، أو المطارات، أو أنهم يحتجزون طائرات مدنية بركابها، أو يتخذون رهائن من المدنيين العزل.
 إن غالبية هذه الانتهاكات لعلها لم تكن لتحدث لو لم تكن بنيّة إظهارها في وسائل الإعلام، وإن نظرت إلى بعضها، ترى بأنها صُورت، وأُخرجت وفق أحدث معايير الإنتاج، ولعل بعض هذه الأفلام يتم إنتاجها وتقديمها في شركات إنتاج محترفة، لا تنتمي إلى هذه الجهات، بيد أنها تحصل على أموال طائلة نظير إنتاج هذه الأفلام وفق هذه التقنيات الحديثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق