01‏/01‏/2017

الكورد في الرواية العراقية

نوري بطرس
لم تول الرواية اهتماماً كبيراً بالمسألة الكوردية، ولا شغلت حيّزاً كبيراً في كتابات الروائيين العراقيين، خاصة بعد حملات الأنفال والإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الكوردي خلال أعوام الحرب مع (إيران)، وبالأخص عام 1988، حيث شنّت حملات الجينوسايد على الكورد، مما هزّ الضمير العالمي. ورغم ذلك هناك عدد قليل جداً من الروايات العراقية تتضمن الإشارة إلى الكورد بعد عام ،1991 وتجري أحداثها في كوردستان.. كانت الإشارة إلى كوردستان، أو إلى الكورد، تأتي - بصورة عامة - بصورة عابرة، وهناك بعض الأمثلة على ذلك، ففي رواية (شقة على شارع أبي نؤاس)، التي كتبها (برهان الخطيب)[1] عام 1968، وتقع حوادثها في عام 1963، وفيها أحد شخصيات الرواية، وهو (حميد) ناشط كوردي، يعتقل من قبل أزلام النظام، وشخصية كوردية أخرى، وهي (نعيمة)، وهي امرأة تعيش في (بغداد) تتعرض للاغتصاب.. ولا
بد أن نذكر أن الرواية منعت في العراق حال صدورها في بيروت.. وفي رواية (جاسم الرصيف): (القعر)، التي تعود إلى سنة 1985، تتناول الأحداث الكوردية، وفيها تظهر الروح العدائية للكورد من خلال سياق الأحداث[2].
هناك أمثلة أخرى على التواجد الكوردي في الرواية العراقية، ففي رواية (سيف الدين الجراح): (حدق عميقاً يا وطني)، التي نشرت عام 2000، وفيها بعض المشاهد تقع حوادثها في كوردستان، وفيها وصف قيام الانتفاضة الكوردية العارمة في عام 1991، وتحتلّ هذه الانتفاضة ضمن السرد الروائي المركز الرئيسي[3]. وفي الرواية الأخرى لـ (جاسم الرصيف): (ثلاثاء الأحزان السعيدة)، التي صدرت عام 2001، يصف الكاتب مجموعة لاجئين عراقيين كانوا في انتظارهم في (السليمانية)، لكي يلجأوا إلى (إيران) عبر الجبال.. وتدور حوادث الرواية في كوردستان، ومعظم شخصيات الرواية تلتقي مع البيشمركة في نقاط التفتيش والسيطرة، وتبدو فيها مدينة (السليمانية) وكأنها مدينة أشباح وظلال، وفيها أعمال العنف والاضطرابات، وحالة عدم الاستقرار في الريف الكوردستاني، وهناك إشارات إلى الحرب الكوردية الأهلية للأعوام (1994-1998)، ويجري تصوير الثقافة الكوردية بأنها ثقافة متصلبة، وغير مرنة، وليس هناك وصف لشخص كوردي واحد يتسم بالإيجابية في الرواية[4].
وفي رواية أخرى صدرت بعد ذلك، وهي (رؤوس الحرية المكيّسة)، لعام 2007، يعود كاتبها (جاسم الرصيف) إلى المحكّ مرة ثانية، ويظهر على سطح الأحداث، وفيها نظرات مضادة للكورد، حيث تجري بعض أحداثها في عام 2003، وهي مرحلة سقوط الدكتاتور العراقي (صدام حسين). وفي هذه المرحلة تتعاون القوات الكوردية مع الأمريكان في احتلال مدينة (الموصل)، وحدوث أعمال النهب والسلب على نطاق واسع فيها، حيث يطلق الكورد - كما يقول الراوي - الرصاص هنا وهناك وهم يجوبون الشوارع إلى جانب الأمريكان، ويسيطرون على البنايات الحكومية، ويقومون بأعمال السلب والنهب في كل مكان، على مرأى ومسمع الجميع، ونجد المؤلف يعبّر عن تجربته الشخصية في هذه الرواية[5].
وهناك كتاب آخرون بقوا في كوردستان إبان فترة الثمانينات والتسعينات، وهم يعبّرون عن تجربتهم الخاصة مع الكورد، فقد كتب (جنان جاسم حلاوي) روايتين من هذا النوع، ففي رواية (ليل البلاد)، التي كتبت ما بين (1993- 1998)، ينتمي البطل إلى مدينة (البصرة)، ويرسل إلى الشمال أثناء الخدمة العسكرية في الحرب العراقية الإيرانية، ويقع أسيراً بيد مجموعة من الأنصار الشيوعيين في الجبال، بالقرب من مناطق المواجهة القريبة من (السليمانية)، وينجو البطل من القتل بعد الفشل في عبور الحدود إلى (تركيا)، ثم يعود إلى مدينته (البصرة)[6].
وفي روايته الثانية (دروب وغبار)، التي كتبت ما بين (1999-2001)، وفيها يهاجر البطل مرة أخرى من (البصرة) إلى كوردستان، وينضمّ إلى المقاتلين البيشمركة، ثم يحاول مغادرة العراق، وفي هذه الرواية نجد أن الحدث الكوردي يكاد يكون موجزاً جداً في الرواية[7].
و(شاكر الأنباري) وصف تجربته الخاصة مع الكورد، في روايته (ليالي الكاكا)، التي صدرت عام 2002، والبطل فيها (ضايع الجريان) مهاجر آخر يستقر به المطاف في كوردستان مرتين: عندما كان هارباً من ظلم النظام الدكتاتوري، وأخرى عائداً من (السويد).. فلدى هروبه من وحدته العسكرية أثناء الحرب العراقية الإيرانية، يبقى في كوردستان، وينظم إلى المعارضة العراقية التي كانت متواجدة على أرض كوردستان، وتنتهي رحلته إلى نهاية مأساوية مريرة، وفيها تبدو كوردستان منطقة دخول وخروج إلى العراق[8].
ويصف (فاضل العزاوي)، الذي ولد في مدينة (كركوك)، في روايته: (آخر الملائكة)، يصف الحياة في تلك المدينة خلال سنوات (1956-1963)، بأنها مدينة متعددة الإثنيات والقوميات والمذاهب والأديان، يعيش فيها العرب والكورد والتركمان والمسيحيين، ولا توجد شخصية كوردية واحدة وسط شبكة واسعة ومعقدة من الشخصيات التي في الرواية[9].
والكاتب (أحمد محمد أمين)، وهو أيضاً من (كركوك)، لكنه يفشل هو الآخر في إظهار أيّ أثر للكورد في هذه المدينة، في روايته (وطن السنبلة)، التي تعدّ سيرة ذاتية، وقد صدرت عام 2005، على غرار رواية (فاضل العزاوي)، وفي مدينة تتمازج فيها الأعراق والمذاهب، ولا يظهر أيّ أثر حقيقي لمزيج حضري لتلك المجاميع الإثنية في واقع الأمر[10].
وفي رواية (ضيف بنات آوى) لنفس الكاتب، والتي صدرت عام 2008، كانت ذكريات طفولة الروائي في مدينة (كركوك)، تتجاهل أيضاً الوجود الكوردي[11].
والروائي (شاكر نوري)، وهو من مواليد (جلولاء)، كتب ثلاث روايات: (نزوة الموتى)، و(نافذة العنكبوت)، و(ديالاس بين يديه)، وتقع حوادثها جميعا في بلدته (جلولاء)، وهي بلدة عربية، حسب تعبير الكاتب، وهي تشعر بالفخر والاعتزاز بتاريخها العربي، ولم يكن فيها كوردي واحد، حسب أقوال الراوي، الذي ينتمي إلى إثنية مختلفة.. وفي رواية (ديالاس بين يديه)، يروي (شاكر نوري) قصة عودة البارزاني الخالد إلى العراق، من خلال وصف القطار في جلولاء، حيث كان والده يعمل هناك[12].
جميع هذه الروايات تتجاهل وجود الكورد في مواقع سكناهم، ويعود الكورد كأناس أغراب يعيشون في أماكن نائية. وفي روايته التاريخية يكتب (جنان جاسم حلاوي) عن شخصية كوردية في هذه الرواية (أماكن حارة)، وهي تعيش في مدينة (السليمانية)، وتنتقل إلى (البصرة)، ويتحوّل صاحبها إلى المذهب الشيعي، ويعد الرجل الكوردي من الشخصيات الرئيسية فيها، لكن المؤلف يجعله يتخلّى عن قوميته الكوردية لكي يذوب في مدينة عربية شيعية، أو أراد بذلك أن يتنازل عن كورديته[13].
وفي رواية (حجاب العروس)، التي صدرت عام 2008، يضع كاتبها (محمد الحمراني)، كوردياً آخر في منطقة شيعية، وهي منطقة الأهوار، قرب مدينة (العمارة)، ويعمل الكوردي فيها بائع عطور متجول، ويعشق تلك المنطقة كثيراً، لكن الناس في تلك المنطقة يكرهونه، ويتزوج هنام في نهاية المطاف، لكنه يشتاق إلى العودة إلى قريته الجبلية[14].
وفي رواية (خلف السدة)، التي كتبها (عبدالله صخي)، وقد صدرت عام 2008، وهي تسرد قصة حدثت في زمن قريب من تاريخ المدينة حتى منتصف الستينات، وهي من الروايات السياسية، وتتحدث عن شخصية الزعيم (عبدالكريم قاسم) الذي يحبّه الناس، إلى درجة أن امرأة كوردية فيلية فقيرة، تسكن في الجوار، تعتقد أن الزعيم قادر على أن يعيد ابنها الذي غرق في النهر حيّاً[15].
وهناك شخصية أكثر تطوّراً، تجسّد الكورد الفيليين، في رواية (أحمد سعداوي): (إنه يحلم أو يلعب أو يموت)، هذه الرواية تقع حوادثها في (مدينة الصدر)، يكون فيها (مصطفى) الكوردي الفيلي، صديق طفولة البطل، كان قد انتقل إلى (إيران) في السبعينات، بسبب قرارات البعث في طرد الكورد من ديارهم، وسلب هويتهم القومية الكوردية، تعرّض (مصطفى) للاعتقال على يد جلاوزة النظام، وعانى من التعذيب، وفقد القدرة على المشي والتعامل مع الحياة، وفي هذه الرواية يتعايش الكورد مع العرب بسلام[16].
وفي رواية (حامد العقابي): (الضلع)، هناك تعاطف مع الكورد، رغم أنها حالة نادرة في الرواية العراقية، وأن المؤلف هنا شاب يافع جرى تكليفه بمهمة مدنية في كوردستان، وهو يعلم جيداً بأن الكوردي مقاتل عنيد يدافع عن عرضه وأرضه ووطنه، لكنه يرى كلّ ما فعله الجيش العراقي ضد القرى والأرياف الساكنة البعيدة من تخريب وتدمير وقتل عشوائي وحشي[17]، ويصف ذلك الصراع والعنف والدمار، ويقول: أين مكان الأخلاق في هذه المهازل البشرية؟!.
وهناك روايات كتبها أكراد، باللغة العربية، مثل رواية (آزاد الأيوبي): (أفين وانتظار الفجر)، التي صدرت عام 2004، ورواية (زهدي الداودي): (تحولات)، التي صدرت عام 2007، ورواية (هفال أمين): (البوم والمقص)، التي صدرت عام 2008، وتقع حوادث اثنين من تلك الروايات في المنفى[18]، وفيها يصف المؤلفان حياتهما في كوردستان. يقول الناقد (سلام عبود): إن المثقفين في العادة هم الذين ينيرون الدرب بالشموع[19].

الهوامش:

[1] برهان الخطيب، شقة في شارع أبي نؤاس، منشورات دار العودة، بيروت 1972.

[2] سلام عبود، ثقافة العنف في العراق، منشورات الجمل، 2002.

[3] سيف الدين الجراح، حدّق عميقاً يا وطني، دار الحرية، بغداد 2000.

[4] جاسم الرصيف، ثلاثاء الأحزان السعيدة، المؤسسة العربية، بيروت 2001.

[5] جاسم الرصيف، رؤوس الحرية المكية، المؤسسة العربية، بيروت، 2007.

[6] جنان جاسم حلاوي، ليل الميلاد، دار الآداب، بيروت 2002.
[7] جنان جاسم علاوي، دروب وغبار، دار الآداب، بيروت 2003.
[8] شاكر الأنباري، ليالي الكاكا، دار المدى، دمشق 2002.
[9] فاضل عزاوي، آخر الملائكة، دار رياض الريس، لندن 1992.
[10] أحمد محمود أمين، وطن السنبلة، دار أزمنة، عمان 2005.
[11] أحمد محمود أمين، ضيف بنات آوى، دار نينوى، دمشق 2008.
[12] شاكر نوري: نزوات الموتى، دار الفارابي، بيروت 2004. نافذة العنكبوت، المؤسسة العربية، 2000. ديالاس بين يديه، دار الفارابي، بيروت 2007.
[13] جنان جاسم حلاوي، أماكن حارة، دار الآداب، بيروت 2006.
[14] محمد الحمراني، حجاب العروس، دار المدى، دمشق 2008.
[15] عبدالله صخي، خلف السدة، دار المدى، دمشق 2008.
[16] أحمد سعداوي، أن يحلم أو يلعب أو يموت، دار المدى، دمشق 2008.
[17] حميد العقابي، الضلع، دار الجمل، بيروت 2006.
[18] هاشم أحمد زادة، الأمة والرواية، مطبعة جامعة أبسالا، 2003. آزاد الأيوبي، أفين وانتظار الفجر، دار الأهلية، عمان 2004. وزهدي الداودي، تحولات، المؤسسة العربية، عمان 2007. وهفال أمين، البوم والمقص، دار الساقي، بيروت 2008. وسلام عبود، من يصنع الدكتاتور، منشورات الجمل، 2008.
[19] سلام عبود، من يصنع الدكتاتور، نفس المصدر. وسعد سلوم، الأقليات في العراق، مؤسسة مسارات، بغداد- بيروت 2013.

هناك تعليق واحد:

  1. هذه دراسة جامعة نعم لكنها غير منصفة، على الأقل في ما يخص روايتي (شقة في شارع أبي نؤاس) حميد و نعيمة هما عصب كل الموضوع في أول رواية عن الأكراد، هما مع آخرين رمزا شعب.
    لا أحد يضطهد أحدا مثلما يضطهد نقاد تحت الطلب زملاءهم الكتاب، أرجو أن لا تكون منهم.
    مع مودتي. برهان الخطيب

    ردحذف