07‏/04‏/2017

التفاحة الفاسدة!

د. سعد سعيد الديوه جي
لا تقرأ صحيفة، ولا تشاهد نشرة أخبار، وفي كلّ وسائل الإعلام، إلا تسمع وترى وتلمس وتشعر بما يسمّى  بـ(الفساد)، حتى صار هذا المصطلح وقود علاقاتنا الاجتماعية، وعنصراً يتحكّم في كلّ حركاتنا وسكناتنا، ثمّ صار كالهواء الذي نتنفّسه، والماء الذي نشربه، وسيصير غداً علماً له أصوله وفروعه وطرق تعلّمه، ونكون نحن رواده، بديلاً عن الطبّ والهندسة والعلوم الأخرى!
والفساد قديم على الأرض منذ أن قتل (قابيل) شقيقه (هابيل)، حسداً وعدواناً.. ولكنّه انتشر بيننا انتشار النار  في الهشيم، وعلا كعبه، خصوصاً بعد أن اختفى مصطلح الحياء من حياتنا، وتوارى الخجل، لتحلّ محلّهما مصطلحات: الشطارة، والفهلوة، والمصلحة، وحشر مع الناس عيد، واصعد على
من هو  دونك، واسترض من هو أعلى منك، واملأ جيبك!
وأهمّ أعراض الفساد، هي الرشوة وأكل المال الحرام (السحت).. حتى صار الرّبا خجولاً أمام هذه الفنون من الرشوة وأكل المال الحرام.
ومن مظاهر أكل المال الحرام الخفيّة: التقصير - عند معظم الناس - بأداء العمل مقابل أجر، وادّعاء العلم والثقافة، وهم خالين منها، يتبعها البحث عن المناصب بشتّى السبل، لأنّها الطريق نحو زهو زائف وجيوب مملوءة!
وباختفاء الخجل صار الفساد عرفاً وثقافة، ومن ينجو منها فإنّه يوضع في خانة الحمقى والمغفلّين والسذّج، ويعتبر كسيحاً، لأنّ الفساد صار مادة تشحيم مفاصلنا، وسيرة حياتنا.
لقد تغاضينا عن الفساد، وتحايلنا في تبريره، رغم ادعاء الكثيرين بالالتزام الديني، من خلال مظاهر خادعة، ونسينا أنّ ترك تفاحة واحدة فاسدة، في برميل التفاح، تفسده كلّه.
لقد أدّى الأمر إلى طغيان الكراهية، الممزوجة بالحسد، في مجتمعنا ومؤسساتنا.. وطاف على السطح دعاة الإصلاح والوطنية الكذّابون، وهم ليسوا إلا دعاة مناصب وألقاب، لا علم لهم إلا بتلقي الرّشا، وأكل السحت، والاستمرار بنعيق الإصلاح، حتى انتشر العفن، وفاض الطوفان.
وسابقاً، وضع الإمام أبو حنيفة (رض) الأصبع على الجرح، عندما شرح معنى السحت، وحصره بالرّشوة على وجه الخصوص.. فكان يرى بطلان كلّ الأحكام الصادرة عمّن يتلّقى الرّشوة، ويأكل المال الحرام، ويرى وجوب عزله، وتعزيره، ويحرّم عليه العمل في الوظائف كلّها.. لأنّ الباطل سيسود على حساب الحق، ويضيع الأمل، كما نعيش أيامنا هذه.. ومع ذلك لم يستخدم مصطلح الفساد، لأنّ الأمور لم تكن على ما نحن عليه الآن.
وإذا وضعنا الأمور في إطار عام، فإنّ عدم القيام بالواجب كما ينبغي، تحت ذرائع كاذبة، من قبل الطبيب، والمهندس، والمدرّس، والشرطيّ، و.. و.. إلخ.. يعتبر من أوجه الفساد الباطن، والرشوة الكامنة، ورباً فائضاً يتلّقاه المرء وهو لم يعمل شيئاً.
لقد ساوى القرآن الكريم بين الإثم والعدوان والسحت (المال الحرام)، بقوله تعالى:[وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] المائدة/ 62.
ونحن لا نتمنى أن نكون مثل هؤلاء الذين قال تعالى عنهم: [قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ من لعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ] المائدة/ 60.
وليعلم الجميع أن التغيير هنا ليس بالخلق وإنما بالخلق، فهل يمكن رفع التفاحات الفاسدة من البرميل، أم فات الأوان؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق