05‏/07‏/2017

حساسية الروائي وذائقة المتلقي.. خصائص علاقة متبادلة

علاء الدين حسن
في عالم الرِّواية، تطير في فضاءات الإنسان الرَّحيبة، ترى الإنسان كما هو بفطرته ومدركاته، تراه بخيره وشرِّه، تراه بقِمَّة نجاحه، تراه بذروة فشله..
هنا نتوقَّف مع كتاب صادر عن وزارة الثَّقافة والإعلام السّعوديَّة، ضمن سلسلة كتاب المجلَّة العربيَّــة، يتحدَّث عن وقائع العلاقة الّتي تجمع بين الرِّوائيِّ وشخوصه الرِّوائيَّة، وكيفيَّة ولادة فكرة الرِّواية، وعمليَّة البناء الرِّوائي، وكذلك علاقة الرِّوائيِّ بتراث وتاريخ الرِّواية.
يقدِّم لنا الكاتب الرِّوائيُّ (عبد الباقي يوسف) في كتابه: (حساسيَّة الرِّوائيِّ وذائقة المتلقِّي)، أهمّ المحطّات الّتي يقف عندها الرِّوائيُّ في أثناء كتابة رواية جديدة ؛ وبذلك فإنَّ هذا العمل المتميِّز، يُعَدَّ نوعاً مِن المذكّرات؛ حيث يتحدَّث
الأديب (يوسف) عن وقائع العمل والطُّقوس الرِّوائيَّة بالنِّسبة إليه، كما يسرد علاقته بقراءة الرِّواية، وكيف يقرأ الرِّوائيُّ رواية جديدة.
وتكمن أهميَّة هذا الكتاب أيضاً في أنَّ مؤلِّفه يتناول حساسيَّة أقطاب وأعمدة الرِّواية في العالم؛ مِن خلال بعض علاقاتهم الشَّخصيَّة، وأهمِّ أعمالهم الرِّوائيَّة.
ومنذ بدء القراءة؛ يُدخلنا القاص (عبد الباقي يوسف) إلى أجواء روائيَّة؛ فيجعلنا نشعر بأنَّنا نقرأ رواية جديدة، ولكنَّها رواية بالغة الخصوصيَّة والجماليَّة؛ لأنَّها تأتي على وقائع تفصيليَّة وتؤرِّخها.
يتناول الباحث في الفصل الأوَّل بعضاً مِن سـيرته في كتابة الرِّواية، مثل قوله في باب (المؤلِّف والمؤلَّف): في الماضي كنَّا نرى كلمة / تأليف ظز/ على أغلفة الأعمال الرِّوائيَّة والقصصيَّة، ولكن في وقتنا الحاليّ تكاد تختفي تلك الكلمة، ويكتفي المؤلِّف أن يضع اسمه دون أن تسبقه كلمة تأليف؛ بل إنَّ البعض ينحرج إذا وضع هذه الكلمة جوار اسمه. وفي حقيقة الأمر؛ فإنَّ هذه الكلمة هي الأكثر تعبيراً عن مهمَّة الرِّوائيِّ والقصصي.
ويضيف (عبد الباقي) قائلاً: لقد اتَّضحت لي هذه الحقيقة فيما بعد، وتحديداً بعد أن قرأت أوَّل رواية كتبتها،فتبيَّن لي أنَّني قمت بعمليَّة تأليف بين مجموعة مِن أصدقائي المقرّبين، وأخرجتهم في شخص واحد هو بطل الرِّواية. كنت كلَّما قرأت ذاك البطل، رأيت ملامح وسمات وخصوصيَّات وحتَّى عبارات أصدقائي هؤلاء، حتَّى أنَّني شعرت ببعض الحرج مِن أنَّ أحد أصدقائي سوف يرى جزءاً منه في تلك الشَّخصيَّة. كنت أرى بوضوح الأحداث الَّتي رووها لي، علاقاتهم الأكثر سريَّة، سلوكيّاتهم، وجهات نظرهم في أمور بالغة الحساسيَّة والإحراج. ومع كلِّ قراءة كان يتأكَّد لي أنَّ هذا / الزَّعيم / إنَّما هو كائن مؤلَّـف مِن مزايا مجموعة أشخاص في الحياة، وهو ليس مِن كوكب آخر؛ بل لايستطيع الكاتب أن يأتي بشيء مِن كوكب آخر غير الكوكب الَّذي يعيش فيه، مهما رأى الآخرون بأنَّه يستعين بالخيال وفق مفاهيم متعدِّدة.
ويسترسل (يوسف) حديثه الماتع: ثـمَّ كنت أنظر في شخصيَّة / زعيمة / الرِّواية؛ فأُراها تحمل مزايا وخصوصيَّات نساء عرفتهنّ: الأخت، ابنة الخالة، الحبيبة، الصَّديقة. امرأة/ مؤلـَّـفة / مِن كل تلك النّسوة اللَّواتي عرفتهنّ. عندذاك تأكّدت لي حقيقة واحدة،هي أنَّ الرَّاوي ينجح في مهمَّته على قدر نجاحه في أن يؤلـِّف بين عدَّة أشخاص مِن الواقع في شخصيَّة روائيَّة، سواء كانت خيِّرة أو شرِّيرة.
كما أنَّه يمكن أن تأتي شخصيَّة ثريَّة مِن الواقع؛ فتتوزَّع خصالها ومزاياها على عامَّة شخوص الرِّواية. وتبيَّن لي في مرحلة لاحقة، أنَّ هذا الأمر أعانني كثيراًفي اجتناب الوقوع في سِـيَـريَّة الرِّواية، الّتي وقعت ضحيّتها أعمال روائيَّة كان يمكن أن تكون فذَّة؛ سواء في بلادنا أو في بلاد أخرى مِن العالم، فيحسّ القارئ أنَّه يقرأ سيرة ذاتيَّة، أو يقرأ مذكّرات، أكثر مـمَّا يقرأ رواية.
إنَّها رواية الشَّخصيَّة المنغلقة الواحدة، الّتي تسعى للتَّعريف بهذه الشَّخصيَّة فحسب. وهذا يناقض روح الرِّواية، الّتي مِن أولى وظائفها الانطلاقة المفتوحة، والسِّباحة في مياه خطرة، واللّعب بالنَّار. وهذا ما لاحظته في فترة مبكرة مِن خلال أعمال بعض الكتَّاب،الّتي كادت تفتقر إلى التَّأليف، وتنفرد بامتياز في سرد سيرة ذاتيَّة وعلاقاتها بالآخرين، ولست أدري لماذا حينذاك ينتابني شعور بأنَّني أقرأ رواية ناقصة.
أصدَاء الشُّخوص الرِّوائيَّة :
يرى الكاتب في هذا الفصل أنَّ الرِّوائيَّ يتعامل مع شخوصه الرِّوائيَّة تعامله مع أشخاص الحياة، يتحاور معهم، يعلِّمهم، ويتعلّم منهم؛ إذن الرِّواية تعتمد على الشُّخوص، وعلى اللُّغة، الّتي تعبِّر عن هذه الشُّخوص، واللُّغة في الرِّواية هي مِن أعمدة المقام الرِّوائي.
إنَّ هؤلاء الشُّـخوص في الرِّواية يتشكّلون في تربة أعماق الرِّوائي، كلُّ شخصَّية معبَّأة بحالة ما، وهي رسـول هذه الحالة. إنَّ هؤلاء جميعاً يسـعون لأن تكون الشَّمس أكثر ضوءاً، وأن يكون اللّيل أقلّ ظلمـة. وهم جميعاً يحملون سمات الأبطال، مهما كانت أدوارهم ومواقعهم.
ومـمَّا يقوله (يوسف): الإبداع العظيم يحتاج لشخصيَّة عظيمة غير مهزوزة، ورغم الاهتزاز في بعض تصرّفات (تولسـتوي)؛ إلا أنَّه كان متمكِّناً في قوَّة النَّفاذ إلى العمـق البشـريّ.. لقد كانت شـخصّيته قويَّة بشـكل ملفت. ورغم نوبات صرع (دستويفسكي)، فقد كان كبيراً في مواقفه الأدبيَّة والاجتماعيَّة، وكان مخلصاً بشكل مذهل لأدبه؛ بل ويعتبر الأدب قيمة كبرى في حياته. ورغم هذا، فإنَّ الأديب يمتلك شيئاً مِن الميل إلى الحياة؛ حتَّى يصقل روحه، ويلبِّي حاجاته الذَّاتيَّة.. إنَّه يرغب في أن يجرِّب كلَّ شيء، ويرى كلَّ شيء.. باختصار إنَّه يودُّ أن يرى مِن الحياة كلَّ شيء؛ ليمنحها كلَّ شيء، وعلى هذا الإيمان يمضي.
أسـرَار الرِّواية النَّسويَّة:
وتبقى أبواب الكتاب متماسكة؛ بحيث تتسلسل وفق خطّ تصاعديّ روائيّ متلاحم، فننتقل مع الكاتب إلى الجانب الآخر مِن الرِّواية، وهي الرِّواية النَّسويَّة؛ حيث يتحدث الكاتب عن أسرار وخصائص الرِّواية الَتي أبدعتها المرأة، ويقف عند رائدات الرِّواية في العالم، ومع أبرز الرِّوايات النَّسويَّة في تاريخ الرِّواية.
يقول: أركِّز هنا علىوجودفوارق الإبداع، وخصوصيّاته،وتمايزه في الأدب الّذي تبدعه المرأة، سواء في بلادنا، أم في مختلف أنحاء العالم، هذا الَّذي أرى أنَّه بذات الوقت يضفي على المرأة خصوصيَّتها كأنثى مختلفة عن خصوصيَّة الرَّجل، سواء مِن الناحية السّيكولوجيَّة، أم مِن الناحية الجسديَّة؛ فالمرأة ليست رجلاً، كما أنَّ الرَّجل ليس امرأة، وهذا الخلاف هو الّذي يضفي خصوصيَّة على كلِّ واحد منهما، ويدفع كلَّ واحد منهما للحنين إلى الآخـر؛لأنَّ كلَّواحد يفتقد في ذاته ما لدى الآخـر، ولايكتمل إلاّ بوجود الآخـر.
مِنهنا؛ فإنَّه مِن الطّبيعيِّ أن يكون أدب المرأة غنيَّاً بمزاياها، في أيِّ منطقة مِن العالم، ومعبِّراً عن وجهة نظر وقلق ومشاعر المرأة بصفة عامَّـة. وهو على الأغلب يكون أكثر ثراءًبإنماءالعواطف ومسألة الإخلاص والعفاف في الحبّ..
يضيف (يوسف)، مغنياً هذا الباب: إنِّني كثيراً ما أقرأ الأدب النَّسوي، وعندما أقع على مجلَة تحتوي على مجموعة إبداعات، فإنَّني أباشر بالأدب النَّسوي، وألمح تلك الخصوصيَّة المتميِّزة في هذا الأدب. وعلى الأغلب، فإنَّني عندما أقرأ قصَّة لكاتبة؛ ينتابني شـعور بأنَّني أقف في حافلة ما، أمام امرأة تسرد حكاية لصديقتها، وأنا أختلس السَّمع منهما. في حين عندما أقرأ قصَّة لكاتب؛ ينتابني شعور بأنَّني أقف خلفه خلسة، وهو جالس على مائدة كتابة، يكتب شيئاً سرِّيَّاً بينه وبين نفسه، بسرِّيَّة تامَّـة.
وعندما يتحدَّث الرِّوائيُّ عن حميميَّة علاقته بالمرأة؛ فإنَّه يتحدَّث بطلاقة؛ لأنَّه يتحدَّث عن مآثره، وعن مزاياه. وعندما تتحدَّث المرأة عن حميميَّة هذه العلاقة؛ فإنَّها تتحدَّث بشيء مِن الحياء؛ لأنَّها تشعر بأنَّها تفضح سرَّاً مِن أسرار بنات جنسها، وتروي خفايا أكثر نقاط أخواتها ضعفاً، وخدشاً للحياء.
شَـارلوت برُونتي
في حديثه عن هذه الرِّوائيَّة يقول: روائيَّة تتمتَّع بخصوصيَّة في كتاباتها، كأنَّها معنيَّة بسرِّ السِّيرة الذَّاتيَّة للمرأة.
مع هذه المرأة المبدعة نتعرَّف على بعض خصوصيّات المرأة؛ ولذلك أعتقد - والكلام ليوسف - أنَّ قراءة (شارلوت برونتي) هي هامَّة جدَّاً، لضرورتين:
- الأولى : أنَّه يتعرَّف على نمط يمتلك خصوصيَّة مميَّزة في شـخصيَّة المرأة، وهذا يجعلنا نغيِّر الكثير مِن المفاهيم السَّـائدة عن المرأة. وأعتقد يجعلنا نكنُّ لها احتراماً أكثر، بعد قراءة (برونتي).
- والثَّانية : أنَّنا نقف أمام إبداع نسويّ بامتياز، أي إنَّنا نتذوَّق نكهة حديث المرأة، أعني: نتعرَّف على وجهة نظر المرأة مِن المفاهيم والوقائع ومقوِّمات الحياة.
ربما ليست هناك مَن عانت في حياتها كما عانت (شارلوت برونتي)، الّتي تعدّ مِن رائدات الرِّواية في (فرنسا)، مع أخواتها اللّواتي انطلقن مِن ذات البيت، وذات الواقع التَّربويِّ الشَّديد.. فقد شاءت الأقدار أن تعيش هذه العائلة البالغة العبقريَّة والإبداع في ظروف بالغة القسوة.

فرنسواز ساغان
يعتبر (عبد الباقي يوسف) أنَّ الرِّوائيَّة الفرنسيَّة (فرنسواز ساغان) هي ممثِّلة الحساسيَّة الجديدة في (فرنسـا)، وسائر أنحاء العالم، فيرى تطوُّر مفهوم المرأة للكتابة الرِّوائيَّة وفق تطوُّر الزَّمن، وقد استفادت كثيراً مِن التَّجارب الّتي سبقتها، سواء في الحياة الاجتماعيَّة، أو الإبداعيَّة. ولعلَّ اسم الرِّوائيَّة الفرنسيَّة (فرنسواز ساغان) يفرض في هذه الشَّخصيَّة النَّسويَّة التَّحوليَّة الّتي باتت لها خصوصيّتها، سواء في وقائع الحياة الاجتماعيَّة، أو في المشهد الرِّوائيِّ العالمي.
تُعَدُّ الرِّوائيَّة الفرنسيَّة (فرنسواز ساغان) مِن الرِّوائيّات اللّواتي لبثن تحت سـيطرة أفكار الرِّواية الأولى، فهذه الرِّوائيَّة اسـتمدَّت غالبيَّة أعمالها القادمة مِن أجواء وطقوس تلك الرِّواية الأولـى الَّتي قدَّمتها للعالم، وبالتَّالي لبثت مخلصـة لهذا العنوان، وهي تتَّخذه منهجاً لحياتها.
جاءت هذه الكاتبة إلى عالم الأدب لتقول للنَّاس: إنَّ اللَّحظة الأولى الَّتي يفقد فيها الإنسان ثقته بنفسه، هي ذات اللّحظة الّتي تعطي إشارة أولى للمحيطين به؛ كي يتردَّدوا مَن منحه هذه الثِّقة؛ لذلك قرَّرت أن تعتمد على نفسها، وهي تطرق وتدخل أبواب الحياة الأدبيَّة؛ إلى أن استطاعت أن توصل أفكارها إلى الكثير مِن لغات العالم، وهذا ما كانت تنظر إليه عندما حملت القلم لتضع الكلمة الأولى في حياتها على مساحة صفحة بيضاء.
ختـاماً
إنَّ الرِّوائيَّ المتمكِّن مِن عمله عليه أن يكون فيلسوفاً، وشاعراً، وفقيهاً، وحكيماً، وقاضياً.. يكون واقعيَّاً إلى أقصى حد، ويكون خياليَّاً إلى أبعد مدى؛ ذلك أنَّه يكتب كتاب الحياة.. فالقارئ لايطلب مِن الرِّوائيِّ كما يطلب مِن الشَّاعر، أو الفقيه، أو عالم الفلك، أو الفيلسوف، إنَّه يطلب مِن الرِّوائيِّ عالماً كاملاً بكلِّ تلك المعارف. وكلُّ رواية جديدة عليها أن تحمل عالماً جديداً؛ حتَّى بفراشاته، وهبوب رياحه،فإن لم تكن كذلك؛ فإنَّ كاتب الرِّواية يخفق في مهمَّته، ويفشل في أن يكون له قرَّاء.
وعندما يمدُّ الرِّوائيُّ الخطوة الأولى نحو نسيج عالم روائيّ جديد؛ فإنَّه بذات اللّحظة يكون قد سحب الخطوة الأخيرة مِن عالم الواقع،ينسى تماماً بأنَّه سيخرج غداً ليجالس النَّاس، وسيحدِّثونه عمَّا قدَّم في عمله. ولذلك ترى بأنَّ الإدانات المختلفة تثار على الرِّوائيِّ، بعد أن يفرغمِن عمله، ويجالس الواقع.
 هنا يمكن القول:إنَّ عالم الرِّواية يحقِّق مساحة أرحب للشَّجاعة، وانطلاق الفكر مِن عالم الواقع الّذي يعيشه. ودوماً، فإنَّ الرِّوائيَّيقول عبر روايته ما لايجسر على قوله في المواجهة الميتافيزيائيَّة.
وهنا تكمن متعة قراءة الرِّواية، وكذلك تكمن خصوصُّيتها، وأهميَّتها، وأظنُّ أنَّ التَّعبير الأكثر دقَّة هنا هو أنَّه رغم كلِّ هذا الخروج عن عالم الواقع،فهو بذات اللّحظة شديد الالتصاق بدقّة تفاصيل الواقع، الّذي يغدو مسبحة في كفِّ الرِّوائي.
/ ألف ليلة وليلة / ؛ هذه السِّلسلة الرِّوائيَّة الأكثر خياليَّة، والأكثر واقعيَّة، في ذات اللّحظة، ماتزال تتمتَّع بجماهيريَّة واسعة في مختلف بقاع العالم، وبغالبيَّة لغاته الحيَّة، وماذلك إلاّ لأنَّها تقدِّم الإنسان لنفسه، وتقدِّم له صوراً خفيَّة عن الواقع الَّذي يعيشه، رغم كلِّ ماتتَّسم به مِن خياليَّة بالغة.
لقد استطاع (غابرييل غارسيا ماركيز) أن ينتهج مِن ذاك الخيال الثَّـرِّ واقعيَّته السِّحريَّة الّتي اكتملت بـ(مئة عام مِن العزلة)، والّتي قدَّمت له (نوبل) بجدارة. ويمكن ملاحظة مثل هذه الشَّذرات لدى أكثر روائيّي مطلع القرن الثَّامن عشر واقعيَّة، إلى علاء الدِّين والمصباح السِّحري، وحكايا السّندباد،والواقدي، ثمَّ إلى / الحكواتي / الّذي يعتمـد بالدَّرجة الأولى في / حكاياه / على السَّرد الرِّوائي، وتسلسليَّة / ألف ليلة وليلة / مِن ليلة إلى ليلة، إلى المقامة والسِّـيَر والرَّسائل. حتَّى كبار الرَّسـامين تأثَّروا بتشكيليَّة العالم الرِّوائيِّ في / ألف ليلة وليلة / حتَّى وهم في ذروة واقعيَّتهم التَّشـكيليَّة، كواقعيَّـة (رامبرانت) في لوحاته الزَّيتيَّـة، وفيما بعـد غدت الرِّواية المصـدر للأعمال المرئيَّـة.
كلُّ هذه المقوّمات تستقطب القرَّاء على مدى العصور لقراءة الرِّواية الّتي هي أكثر الأجناس الأدبيَّة قراءة؛ ذلك أنَّها تحتمل أن تقدِّم بين صفحاتها معظم الأجناس الأدبيَّة، دون أن يؤذي ذلك فنّيَّتها وخصوصيَّتها كجنسٍ أدبيّ مستقل.
ولا ننسى أنَّ الرِّواية حقَّقت للأدب العربـيِّ جائزة نوبل للآداب على يد شيخ الرِّواية العربيَّة: نجيب محفوظ.

وبعـد :
إنَّ هذا الكتاب شبيه إلى حدّ ما بالسِّيرة الذَّاتيَّة بالنِّسبة لـ(عبد الباقي يوسف)، وهنا تكون فرصـة أمام قرّائه لإعادة قراءة أعماله الرِّوائيَّة على ضوء هذا الحديث عن حساسيَّة الإبداع، وعن تفاصيل علاقته بأفكاره، وشـخوصه، وفنيَّة العمل الرِّوائي، مِن النُّقطة الأولى، وحتَّى ظهور الرِّواية إلى النُّور. إنَّها مراحل هامَّة، وبخاصَّة للرِّوائيّين الشَّباب، وكذلك لقرّاء الرِّواية، بشكل عام، وقرَّاء روايات اليوسف، بشكل خاص، الحاصد للعديد مِن الجوائز الرِّوائيَّة والقصصيَّة، والمؤلِّف للكثير مِن الأعمال الأدبيَّة.والملاحَظ أنَّه يمكن لكلِّ فصل مِن فصول الكتاب أن يكون بحثاً مستقلّاً ومتكاملاً وفق منهج عِلميٍّ متمكِّنr

الهوامش:
- حساسيَّة الرِّوائيِّ وذائقة المتلقِّي - عبد الباقي يوسف، منشورات وزارة الثَّقافة والإعلام السّعوديَّة، سلسلة كتاب المجلَّة العربيَّة - يناير 2012م، عدد الصَّفحات : 250 صفحة مِن الحجم الوسط .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق