05‏/07‏/2017

العلاقة بين الدعوة والسياسة في أدبيات الاتحاد الإسلامي الكوردستاني

تحرير: سرهد أحمد
موضوع العلاقة بين الدعوة والسياسة في أدبيات (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) يأتي في جزء منه تتمة للحوارات التي دارت في الندوة الثالثة التى عقدتها (الحوار) تحت عنوان (جدلية العلاقة بين الدعوة والسياسة في الفكر الإسلامي)، والتينشرت تفاصيلها في العددالسابق للمجلة، ولأن المشاركين في الندوة هم من القريبين إلى مركز صنع القرار في (الاتحاد الإسلامي)،فإن آراءهم حول هذا الموضوع المطروح تشكّل استبياناً لمفهوم العلاقة بين الوظيفتين، ونوعها، في فكر (الاتحاد)، خصوصاً وأن الإجابات التي استعرضها الأساتذة كانت رداً على سؤال: (ظهور دعوات قوية داخل الحزب للفصل بين الوظيفين علاقاتياً، وأسباب عدم تبنيّها).. وقبل أن نورد الإجابات، يفترض استعراض مفهوم هذه العلاقة وطبيعتها في أيديولوجية (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، وأدبياته، منذ نشأته كجماعة دعوية، في منتصف القرن الماضي،والإعلان عن نفسه حزباً سياسياً،أواسط تسعينيات القرن ذاته.
الاتحاد الإسلامي دعوة وجماعة، قبل أن تكون حزباً سياسياً..
طرح (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) هذه الأدبية الفكرية على لسان أمينه العام الأستاذ (صلاح الدين محمد بهاء الدين)، ونشرها في كراس بعنوان: (توجيهات ميدانية)،سنة 1998، حيث يقول:"إننا دعوة إسلامية، وجماعة داعية إلى الخير، ننظر إلى الحياة والكون والإنسان بمنظار الإسلام، نزنها بميزانه، وندرك مدى عمق الحاجة البشرية إلى فاطر السموات والأرض، وما فيها، وندرك خطورة الموقف عندما ينسى الإنسان سر خلقه ومهامه في الكون، ويغفل عن بعثه بعد موته، ومايؤول إليه أمره في الحياة الأبدية".
ويضيف: "هنا الفارق الكبير بيننا وبين جيراننا من العاملين في الساحة السياسية"."وبهذا ينكشف مانقوله دائماًأننا سرج منيرة، وأننا أدلاء خير، وأننا على أمر أكبر من حزب سياسي متعارف عليه.. لأن مانحن بصدده هو مهمة الرسل (عليهم الصلاة والسلام)".
تصور (الاتحاد) للعمل السياسي..
يطرح (الاتحاد الإسلامي) تصوّره لوظيفة (السياسة)، على لسان أمينه العام، في نفس الكراس، قائلاً: "العمل السياسي - في مفهومنا - هو جهاد سياسي، وجزء من العبودية التي نمارسها. والحزب السياسي عندنا جهاد سياسي جماعي، يتولى المشروع السياسي المعاصر، تكملة للأبعاد الأخرى من الحياة الإسلامية. والحكم الإسلامي وسيلة من وسائل تعبيد الناس لرب العالمين، وهو في نفس الوقت من ثمار نضالات الجهاد السياسي الجماعي الذي يمارسه الحزب السياسي".
التأكيد على الجمع بين الوظيفتين..
يؤكد(الاتحاد الإسلامي)، في أدبياته التي يتضمنها الكراس، على الجمع بين الدعوة والسياسة، ويعتبرها من التجارب الناجحة في ميدان العمل السياسي الإسلامي المعاصر في المنطقة، قائلاً: "الاتحاد الإسلامي جمع بين العمل الدعوي والخدمي والسياسي، وفي صورة متوازية، ويمارس التعددية السياسية في ساحة شائكة، وقام بترجمة الأفكار والنظريات الإسلامية في ميدان العمل والتطبيق، مع مراعاة خصوصيات الزمان والمكان".   
ويشدّد على المنهج الجامع:"فهذا منهجكم الفكري التربوي الدعوي، الذي يرّبي الفرد علمياً وتربوياً وحركياً، ويصنع منه الرجال".."وهذا هو منهجكم السياسي، الذي رسم لنفسه حدود الممكنات، وتعامل مع الواقعيات، وكتب للجماعة مسك الاستقلالية في القرار، وضبطَ المسار بضوابط الثوابت الشرعية، وحرص على حسن التعامل مع الجيران السياسيين، وتعامل مع التعددية السياسية تعاملاًإيجابياً مميزاً".
وفيالسنوات الأخيرةشهدت الأروقة القيادية، والتنظيرية، للاتحاد الإسلامي الكوردستاني، طروحات قوية، طالبت بفصل الدعوة عن السياسة، تلك الطروحات تستند إلى عدة مبررات، منها: تغيّر المرحلة، ولابد من مواكبة المتغيرات، والتخلّي عن الأدبيات القديمة، لصالح أخرى عصرية، تستوعب أطياف المجتمع، وتستهدف الجميع بالمشاركة. وهذا اعتقاد البعض، فيما يقول البعض الآخر:إن المقصود من طرحهم هو الفصل الوظيفي والمؤسساتي، وأن الجمع يثقل كاهل الاتحاد بمؤسسات دعوية، تنمو وتتوسع أفقياً على حساب المؤسسات السياسية، التي تأتي عمودياً، بحسب التسلسل والمهمة الوظيفية، وأن الأخيرة هي اليد الطولى للحزب،والضرورة القصوى لإدامة عملية الاتصال وصولاًإلى السلطة، عملاً بالقول المأثور"إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
هذه الدعوات، وإن وجدت آذاناً صاغية، لكن لم تأخذ طريقها إلى التبني والتطبيق.. وعن أسبابذلك، يقول الكاتب والباحثالأستاذ (هيوا حامد):"القيام بعملية الفصل بين الدعوة والسياسة، لاتفرضه معطيات البيئة السياسية والمجتمية، بل يرتبط بالبيئة الداخلية للحزب ذاته، فالاتحاد الإسلامي الكوردستاني كان في الأصل جماعة دعوية، تحوّل إلى حزب سياسي استجابة لضرورات المرحلة ومتطلباتها. وعليه، فإن البناء الحزبي للاتحاد - الكوادر والجماهير -  قائم على أدبيات الجماعة الدعوية، وشكّل فيما بعد –ولازاليشكّل - القاعدة التنظيمية الحالية.. وحينما يريد (الاتحاد الإسلامي) التأثير في هذه القاعدة، يلجأ إلى الماضي،ويستحضر تراث الجماعة الدعوية. وأقولها بصراحة: لايملك (الاتحاد) وسائل للتأثير سوى القليل، خصوصاً المؤسسات ذات الطابع المهني المجتمعي.. وخلاصة القول هي إن فكّ الارتباط بين الدعوة والسياسة أمر بالغ الصعوبة والتعقيد بالنسبة للاتحاد الإسلامي".    
أماالمفكر والباحثالأستاذ (عمر إسماعيل)، فيتفق مع طرح الأستاذ (هيوا حامد)، مبيّناًأن:"الاتحاد الإسلامي لم يكن حزباًفي الأساس، بل جماعة انتظمت في كيان دعوي، وفيما بعد استثمرت هذه الجماعة الدعوية الظروف السياسية والقانونية، التي كانت مؤاتية آنذاك، وأعلنت عن نفسها حزباً سياسياً باسم (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني).. و(الاتحاد) لازال يمارس العمل السياسي بنفس الوسائل التي يمارس بها وظيفة الدعوة، بمعنى آخر: كثرة المؤسسات مع الأخذ بالأدوات والوسائل ذاتها، وهذا يمثّل ثقلاً مضافاً لاطاقة للاتحاد به.. وأعتقد أن التخلص من هذا العبء يكمن في القيام بفصل مؤسسي ووظيفي". مشيراًإلى وجود أحزاب في العالم العربي والإسلامي مارست هذا الفصل الوظيفي، ونجحت فيه، مثل: (حزب العدالة والتنمية) المغربي، الذي يمارس السياسة، وذراعه الدعوي: (حركة الإصلاح والتوحيد)، وهي مؤسسة تقوم بوظيفة الإرشاد والتبليغ ونشر الثقافة الإسلامية.
ويرى الكاتب والصحفي الأستاذ (علي صالح ميران)،أن هناك ماوصفه بـ(الفوبيا) من دعوات فصل الدعوة عن السياسة، ويضيف قائلاً: "البعض من كوادر الاتحاد الإسلامي يتصور أنه في حال تم الفصلفسينسلخ الحزب عن(التدين)، وهذا بحدّ ذاته سوء فهم لابدّ من تداركه، وتصحيحه".
وتابع حديثه:" هناك كوادر مؤهلة لشغل مناصب إدارية وحكومية، يمكن أن تشكّل نموذجاً دعوياً في أداء وظيفتها بالالتزام والإخلاص، وهما ركيزتان من ركائز القيم الإسلامية، والتحلّي بهما من صميم الدعوة إلى الله".
من جانبه قال الباحث في الفكر الإسلامي الأستاذ (عبد اللطيف ياسين): صحيح ماذهب إليه الأساتذةمن أن الأحزاب الإسلامية ولدتمن رحم الدعوة، مثلاً في (مصر)، وغيرها من البلدان الإسلامية، فالأشخاص الذين كانت لهم اهتمامات دعوية ودينية، هم أنفسهمأسسوا الأحزاب السياسية..هذا هو الشق التاريخي، أما الشق المصلحي، فهو ترشيح الأحزاب الإسلامية للرموز الدينية والعلمائية في الانتخابات، بهدف كسب الأصوات، لأن قطاعاً من المجتمع يتأثر بهذه الرموز، وينصاع لخطابها. وهذا التوظيف ليس حراماً، ولاعيباً. رغم ذلك لايمكن أن يستمر، لأن الدعاة والعلماء ليس مكانهم البرلمان، أو أي مؤسسة سياسية أخرى، والأخيرة محصورة على المشتغلين في العمل السياسي، ويجب أن ننمي وعي الأفراد بهذا الأمر.      
أما الأكاديمي والباحث الاجتماعي الأستاذ (هيوا علي)، فيوضّحأن البيئة المجتمعية مؤاتيةلعملية الفصل، لكن البيئة الداخلية للاتحاد الإسلامي غير مهيئة،مؤكداًأن:"هناك إشكالية عميقة في التصور والفهم، فقسم من كوادرنا لم يهضم هذه المسألة الفكرية، وقسم آخر يستوعب الفكرة، ويدرك أهمية المسألة، لكنه لايريد أن يشذّ عن قاعدة (الواقع القائم)".
من جانبه، قال الكاتب والصحفي الأستاذ (سالم الحاج):"بغضّ النظر عن ما إذا كانت البيئة الداخلية للاتحاد الإسلامي مهيأة أم لالفصل وظيفة الدعوة عن العمل السياسي،أعتقد أنهمن السابق لأوانه أن يخطو الاتحاد هكذا خطوة، فالشروع بهذه العملية لايتم بإصدار قرار، بل يجب تهيئة الأرضية الفكرية، وهذه الأرضية لاعلاقة للاتحاد الإسلامي وحده بها، فالقضية مرتبطة بعموم الفكر الإسلامي، وكافة التيارات الإسلامية في العالم الإسلامي..بمعنى أن القضية مرتبطة بمسيرة وتطور الفكر الإسلامي، وتجلياته، وتجديده، في العصر الحديث، وليست مشكلة حزب، أو جماعة، هنا أو هناك.

ختاماً تظلّ هذه الطروحات قائمة، وهي تمثل التفاعلات الفكرية والتنظيرية التي لاغنى عنها لإيجاد أفضل السبل وأنجع الوسائل التي تهدف للارتقاء بأداء (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، في الساحتين الدعوية والسياسية، بما يخدم المجتمع الكوردستاني، ويرفد الأمّة الإسلامية بعوامل النهوضr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق