03‏/10‏/2017

الخطاط والفنان أحمد عبدالرحمن الأربيلي.. على خطى الرعيل الأول

أجرى اللقاء: معصوم محمد خلف
------------
إن الغوص في الأعماق، والتأمل الباطني في النفس المبدعة، يوحي لنا أن الناس جميعا يمتلكون كل القدرات والسمات، ولكن بقدر يتفاوت من فرد إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى.. وإنه ليس هناك اختلاف بين الناس، إلا في درجة وجود هذه القدرات والسمات عندهم ، وبعبارة أخرى: فالفروق الموجودة بين الأفراد والجماعات هي فروق في الدرجة لا في النوع، أو فروق كمية وليست كيفية.. وهذا ما ينطبق على المبدعين كذلك، فالقدرات التي يتمتعون بها موجودة عند سائر الناس أيضاً، ولكن بقدر أقل من وجودها عند المبدعين الذين حباهم الله بقدر كبير من هذه السمات نفسها.
------------
فالإبداع الفني بمفهومه الواسع، هو محاولة الفنان أن يعبّر تعبيراً جمالياً في إطار عقيدته، ولهذا الإبداع وسائل تواصل متعددة تجمع الكلمة والخط والشكل والحجم واللون والكتلة .
والخط العربي هو الفكر الساكن، وهو الجدار الملموس لحاسة الصوت التي تنبعث من خلالها صهيل الكلمات العربية.
كما أعطى الفنان الخط الجميل عناية خاصّة عند كتابة القرآن الكريم، وسرى في جميع البلاد الإسلامية، وأصبح الحرف العربي واسطة التعبير في جميع اللغات الهندية والفارسية والتركية، وأخذ الخط مكانه كفن رفيع، بارتباطه الوثيق بالثقافة العربية والعقيدة الإسلامية .
حيث تشهد الساحة في إقليم كوردستان اهتماماً بارزاً بالخط العربي، وذلك من خلال تبوأ عدد كبير من الخطاطين مجال العالمية والامتياز والتألق والإبهار.. وهذا مؤشر إلى بروز حواضر جديدة تضاف إلى حواضر الحرف العربي، فقد وضع (إقليم كوردستان) بصمته في ساحة هذا الفن الجميل بكل قوّة وجدارة .
والأستاذ (أحمد عبد الرحمن الأربيلي)، أحد أبرز الخطاطين في ذلك الإقليم، وهو من مواليد عام 1957.. عشق الخط العربي منذ نعومة أظفاره، في المرحلة الابتدائية، حيث تفتّحت بصيرته وبصـره على كراسة الخطاط (هاشم البغدادي) (رحمه الله) فنهل منها، وتواصل مع الخطاط المعاصر (يوسف ذنون الموصلي)، عام 1983، وتدرّب على يديه، وكان قد قطع شوطاً في إجادة فنون الخط.. كما حصل من أستاذه (يوسف ذنون) على الإجازة، ويعد ثالث خطاط، بعد الخطاط (علي الراوي) و(إياد الحسيني)، في الحصول على هذا الامتياز.
تأثر بكتابات الأستاذ (هاشم البغدادي)، وخاصة التي خطها على جدران الجوامع، كجامع محمود الحاج، وجامع الحيدري، واستفاد منها .
تدرّب على يديه العديد من الخطاطين المتميزين، ونهلوا من علمه، وفنّه، وحصلوا على الإجازة منه، وأبرزهم الأساتذة: الخطاط بزار كريم الأربيلي، والخطاط أكرم ذنون العبيدي، والخطاط صباح مغديد الأربيلي، والخطاط محفوظ ذنون العبيدي.
كما كتب جزءاً من القرآن الكريم على الطريقة البغدادية، وشارك في العديد من المسابقات المحلية والدولية، وأحرز فيها مكافآت وجوائز عديدة، أبرزها:
- المسابقة الدولية الرابعة لفن الخط العربي في (استانبول)، باسم الشيخ (حمدالله الأماسي)، وحصل على الجائزة الأولى مناصفة، في خطي الثلث والنسخ.
- حصل على جوائز في مهرجان بغداد الثالث والرابع.
- وما زال يبذل جهده في تعليم الخط العربي لطلابه، ويجود عليهم بما فتح الله عليه.
- كتب كرّاسة في تعليم خط الثّلث بصورة التقطيع، كي يعطي للهواة السبل اليسيرة، والطرق الكفيلة في اكتشاف مكامن السـر، والبوح بها بكل شفافية وطلاوة وإعجاز.
وإن هذه الكراسة تعد الذخيرة التي تجمع ما بين الرصانة والليونة والبساطة والحذر، فيبهج النفس، ويسـر الخاطر، ويفتح الآفاق، عبر نافذة كانت مغلقة على جميع الفنانين المتعطشين لهذا الفن الرفيع.
إن الخطاط(أحمد الأربيلي) لا يقصد بمشـروعه الإبداعي تجاوز عقدة الضبابية والخفايا السـرية ما بين الأستاذ والمتلقي في مرحلة التدريب والمثابرة، بل يؤسس لمنهج يجمع بين العلم والعمل، من خلال معرفة صحيحة لضوابط الحروف والكلمة والجملة.
وهو يعرض إبداعاته عن البعد الجمالي في أسلوبيات فنّه، الممزوج بالمرونة والعبقرية من جهة، وبالأصالة والعفوية من جهة ثانية.. لم يقصد البتّة أن يحصـر هذه المعطيات في دوائر تلك الحلقات المحددة من الاستنتاجات المعرفية، ذلك أن لكل مجتهد نصيب، ولكل فنان أسلوب يتعامل به مع الحرف والكلمة واللوحة.
فالتعامل مع الحروف ينبغي أن تكون له أهداف ومقاصد وأصول مشـروعة، تؤدي إلى تقديس القيم، والتي يجب أن يتميّز بها أدب المسلم.. فعن أمّنا (عائشة) رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً، أن يتقنه. (رواه البيهقي). وهذه خاصيّة لا يجب التهاون فيها، كي نقدّم نصوصاً جماليةً يمكن أن تؤثر، لأن أيّ نص يخلو من جمالية التعبير، وإتقان الصيغ والأسلوب، لا يمكن أن يعدَّ فنّاً.
ومن خلال هذه السمات والعناصر يتكامل البعد الجمالي مع البعد القيمي والأخلاقي، ذلك أن القيم في العمل الإبداعي عموماً، لا تنتقص من جمالية النص الأدبي، مهما كان جنسه، لأنها سلوك جماعي ينبع من فطرة الإنسان. وقديما لم يقبل (أفلاطون) الشعر، إلا إذا كان مرتبطاً بوظيفته التربوية ومهمته الأخلاقية.
كما ويمتلك الخطاط (أحمد عبد الرحمن الأربيلي) ناصية الإبداع والدخول في عوالم اللوحة الخطية، ويجعلها ضرباً من الإعجاز، حيث يتعامل مع هذه الملكة بكل روح وثّابة، وقوام حروفي رشيق، مما يجعله واحداً من المبدعين الذين يُشار إليهم بالبنان.
حيث تمثّل قاعدة اللوحات الفنية في إبداعاته منظومة متكاملة، وهي نواة تنبثق عنها مبادئ الطريق السوي في التطلع إلى آفاق الجمال الإبداعي للخط العربي، لما يتميّز به من الحبكة المنمقة، والبساطة السلسة، والتي تهفو لها الأرواح في عناق بانورامي شمولي، ذا ألوان وأنوار حيّة، ومتحركة، تسّر الناظرين.




سيرة ذاتية
-         الخطاط أحمد عبد الرحمن الأربيلي من مواليد أربيل عام 1957.
-         خرّيج إعدادية الصناعة في أربيل.
-         شارك في المعارض المدرسية، وحصل على شهادة تقديرية من وزارة التربية سنة 1977.
-         فتح أوّل معرض شخصـي في أربيل عام 1983، وحصل على إجازة الخط من الأستاذ الخطاط والباحث يوسف ذنون الموصلي سنة 1985.
-         أصبح رئيسا لجمعية خطاطي كوردستان العراق لدورتين متتاليتين.
-         مَنَحَ أربع إجازات في الخط، وهي على التوالي:
-         أكرم ذنون
-         بزار الأربيلي
-         صباح الأربيلي
-         محفوظ ذنون
-         شارك في مسابقة أرسيكا سنة 1986، باسم الخطاط حامد الآمدي، وحصل على مكافأة في خطي النسخ والثلث معاً .
-         شارك في مسابقة ابن البواب، وحصل على مكافأة في خط الثلث، ومكافأة في خط النسخ.
-         شارك في مسابقة الشيخ حمد الله الأماسي، وحصل على الجائزة الأولى مناصفة في خط النسخ، والجائزة الأولى مناصفة في خط الثلث.
-         شارك في مهرجان بغداد العالمي للخط، وكرّم وأختير ضمن المتميّزين في العراق.
-         شارك في مهرجان بغداد العالمي الثالث،وحصل على جائزة الكوفة التقديرية.
-         شارك في مهرجان بغداد العالمي الرابع لفن الخط سنة 1998، وحصل على الجائزة الرئيسية.
-         شارك في مهرجانات أربيل القطرية الأولى والثانية، حيث فاز في الأولى بالجائزة الأولى مناصفة، واختير ضمن هيئة التحكيم في المهرجان الثاني.
-         شارك في مهرجان دبي الدولي ، الدورة الخامسة، وشارك في كتابة الجزء العشرون من القرآن الكريم / شهر رمضان المبارك عام 2011 م.
-         كتب العديد من عناوين الكتب، وكتب جزء عم على الطريقة البغدادية.
-         كتب العديد من الآيات والذكر الحكيم على الجوامع، ومنها قبة الجامع الكبير في السليمانية.
-         عضو الهيئة الاستشارية في جمعية خطاطي كوردستان العراق.
-         أستاذ الخط ، حيث درّس الخط العربي في عدّة دورات خطيّة في الجمعية، وفي العديد من المحاضرات الخطية، وأصدر عدّة أمشاق خطية، وكرّاسة في خط الرقعة.
-         أُختير عضوا في هيئة التحكيم الدولية في ملتقى الشارقة للخط، في دورتها الخامسة.
-         أختير عضوا في هيئة التحكيم في مسابقة النجف الأشرف الدولية.
-         أصدر كراس مخارج الحروف في خط الثلث، من ثلاثين صفحة، بطريقة التقطيع، سنة 2017م. وهي آية في الجمال والروعة والأداء، بذل فيها عصارة فنه وإبداعه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق