03‏/10‏/2017

على أعتاب استقلال كوردستان

سرهد أحمد
قرر شعب إقليم كوردستان أن يخطو نحو الاستقلال عن العراق وإقامة الدولة الكوردية المنشودة، فرغم تهديدات المناوئين وتحذيرات المعترضين، إلا أن الكورد يأبون التراجع عن تحقيق حلمهم التاريخي في إعلان دولة تتمتع بالشخصية القانونية الدولية، وتشكل لهم نهاية محطة من مسيرة كفاح مسلح طويلة قدموا خلالها تضحيات جسام، وبداية محطة انطلاقة جديدة نحو الاستقرار والبناء والسلام الدائم.
فالكورد لا يطلبون أكثر من حقهم، ولا يتطلعون إلى التوسع على حساب غيرهم، هم  يريدون فقط الاستقلال بكيانهم ووجودهم الأزلي على أرضهم، عن دولة قطرية من صنيعة الاستعمار.
واللجوء إلى الاستقلال ليس ترفاً، بل اضطراراً، لأن الكورد استنفذوا جميع سبل البقاء مع دولة لجأت أنظمة حكمها المتعاقبة إلى عدم الإبقاء على أي بصيص أمل للتعايش المشترك.
فمجرد التفكير في البقاء ضمن الدولة العراقية مدة أخرى هو بمثابة الانتحار، حتى وإن قطعت حكومة بغداد الحالية وعوداً على نفسها بإصلاح العلاقة بين الإقليم والمركز، فالكورد ليسوا سذجاً حتى تنطلي عليهم الوعود الجوفاء، فهم اختزلوا تجارب تاريخية مع حكومات غابرة كانت في مراحل الضعف تعد الكورد وتمنيهم، وفي مراحل القوة تتنصل من وعودها.
واستشعار الكورد بأن الظرف الدولي مناسب لإعلان الاستقلال لا يجانب العقلانية، وصحيح نسبياً، وإن كان موقف دول الجوار الإقليمي محبط بعض الشـيء، إلا أن مؤشرات النسق الدولي لا زالت مشجعة.
لقد ولى الزمن الذي لم يكن للكورد فيه أصدقاء سوى الجبال، ولم تكن مساحة تحرك قادته غير الوديان العميقة والتخوم السياسية الفاصلة، هم الآن شركاء المجتمعي الدولي في محاربة الإرهاب العابر للحدود.
فهذه الشـراكة بمثابة حصانة ووقاية من أي خطوات عدائية قد يقدم عليها الجوار الإقليمي المناوئ للاستقلال، ولا يمكن لهذا الجوار أن يذهب بعيداً عن استخدام ورقة إغلاق المنافذ الحدودية، لأن الخيارات الأخرى ستكون كارثية على المنطقة برمتها.
فالجوار الإقليمي يزعم أن استقلال الكورد سيؤدي إلى تفتيت العراق، متناسياً أن العراق مفكك عملياً، وهو من كرس هذا التفكيك لأطماع جيوسياسية، ولا ذنب للكورد في ذلك.
ولا ننسـى أن القادة الكورد تسابقوا إلى بغداد بعد 2003 ليشاركوا في بناء الدولة مجدداً وإدارتها وفق قاعدة المشاركة لا المغالبة، إلا أن استئثار مكون بعينه بالسلطة نسف كل الآمال بعراق جديد.
إن خروج الكورد من حالة الإلحاق القسـري بالعراق العربي، ليس مروقاً عن الدين ولا خروجاً على الملة، بل هو استرداد لحق طبيعي بالوجود، منحه الله {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، ومنعه ذوي القربى في العقيدة والتاريخ.
وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً ... عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ

إن الاستقلال حق ينتزع ولا يمنح، والكورد سينتزعونه سلمياً وقانونياً، وسيقيمون وطناً جاراً للعراق. وهذا ليس حلماً، بل حقيقة نعيش أولى خطواتها.  

هناك تعليق واحد: