03‏/10‏/2017

رؤية معرفية حول علاقة الدعوة بالسياسة

عمر إسماعيل
باحث في الفكر الإسلامي
ترجمة: سرهد أحمد
مقدمة:
يعد موضوع العلاقة بين (الدعوة) و(السياسة) اليوم من المواضيع الساخنة التي تشغل الساحة الفكرية والسياسية في العالم الإسلامي، بما فيه إقليم كوردستان، على مستويات المراكز الثقافية والسياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني، وعلى مستوى التيارات الإسلامية والعلمانية.
ولا شك أن عُمر هذه الجدلية ليس بالقصير، حيث ظهرت على أقل تقدير في نهايات القرن الماضي، داخلة في الحوارات الفكرية والأدبيات التنظيرية للأحزاب السياسية والجماعات الإسلامية، لكنها أصبحت أكثر حضوراً  في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إجهاض تجارب الإسلاميين في فترة الربيع العربي، فمعظم المفكرين وأصحاب القرار داخل الحركة الإسلامية، والقوى والاتجاهات المشكّلة لها، استعرضوا رؤاهم المختلفة بشأن تنظيم العلاقة بين هذين الأساسين (الدعوة والسياسة)، حيث قيل الكثير عن هذا الموضوع، خطاباً وكتابة، وطرحت أفكار متباينة حوله، وكل واحدة من هذه النظريات تسعى لإثبات صحة مقولاتها، مستندة إلى أدلة مستقاة من الواقع والأدلة الشرعية والأصولية، ومتعضدة بتجارب الآخرين، أو مجبرة على التجاوب مع مطالبات التأقلم والسير مع التيار الراهن والمتغيرات الحاصلة، وجعلها ذريعة، كنوع من التجديد وتطوير أنماط العمل الإسلامي.
وإننا من موقع الشعور بالمسؤولية، وتوقنا لحركة، قضينا فيها (35) عاماً من عمرنا، وقدمنا لأجلها التضحيات، وفي الوقت نفسه بنينا شخصياتنا في صفوفها، وصقلناها وفق تعاليمها، وبرامجها التربوية، لذلك فنحن مدينون لها، ونعد أنفسنا مسؤولين إزاء أي تراجع أو انكسار يعتريها، لذا فإن أي شيء نراه نافعاً يخدم وينشط ويسهم في تقدمها، سنقول به، ونكتبه، ونعمل على إيصاله.
حقائق لا بد منها: 
أولاً- جذور هذه المسألة: من أين جاءت؟ ومن أي مصدر انبثقت؟ هل شاعت دون مغزى ومقصد؟ لا شك أن هذه المسألة مرتبطة على مستوى كبير بمسألة دور الدين في توجيه وإدارة المجتمع، بشكل عام، وعلاقة الدين بالسياسة، والفصل أو الوصل بينهما، على وجه الخصوص. ومن الواضح والثابت أن هذه المسألة مستمدة في البداية من المجتمعات المسيحية، خصوصاً في أوروبا، نتيجة الصراع العنيف بين الكنيسة والمؤسسات الدينية، وبين السلطة الزمنية (الإمبراطورية)، على احتكار السلطة السياسية والحكم، من جهة، وبين البابا والكنيسة مع العلماء على احتكار الحقيقة، من جهة أخرى.
أما عندنا في هذه المنطقة المسماة بالعالم الإسلامي، فقد ظهرت دعوات الفصل بين الدين والسياسة نتيجة الاحتكاك بالفلسفة والتصور الغربي غداة تفكك الخلافة الإسلامية، حيث برزت عدة تيارات وتوجهات، انتقلت عن طريقها تلكم الفلسفة إلى العالم الإسلامي.
ثانياً- عدم فصل الدعوة عن السياسة لا يعني نشأة ذاك التصور الذي يؤسس لخلط الدين والدولة والسلطة السياسية التنفيذية، وهذا يعيدنا إلى دولة السلطة الدينية (الثيوقراطية)، ومن الواضح أن هذا ناجم عن سوء فهم عن الدين الإسلامي، وحتى عن المفهوم (الثيوقراطي).
ثالثاً- تغليب فكرة عدم فصل الدعوة عن السياسة يثير مخاوف الناس من وصول أشخاص يحملون تلك الفكرة إلى السلطة، حيث سيعملون على التدخل في شؤون الفرد والمجتمع، كما حصل في السابق، حين برزت مجموعات متشددة ومتطرفة سعت إلى السيطرة الشاملة على المجتمع، والتدخل في خصوصيات المواطنين. 
رابعاً- حين نتحدث عن عدم صحة الفصل بين الدعوة والسياسة، فذلك لا يعني ترك الواعظ أو الخطيب يمارس العمل السياسي، لكن يجب أن يتفرغ الوعاظ والخطباء لوظيفتهم الأساسية، ويبتعدوا عن السياسة والصراع على المناصب والمصالح ...إلخ، ليس لأن ممارسة السياسة محرمة عليهم، بل الهدف هو الحفاظ على مكانتهم وشخصياتهم، والإبقاء على تأثيرات تلك المكانة، والحؤول دون تشويهها، بفعل الجري وراء المصالح، والنزوع نحو المعارك السياسية.
خامساً- هذه الفكرة التي ارتأيت أن أعبّر عنها ضمن هذا المقال، ليس معناها التخندق ورفض الطروحات الأخرى المغايرة، وهي طروحات لجماعات مختلفة، نابعة من زوايا تربوية وعلمية وفكرية، حتى تلك الطروحات المنادية بتجزئة الدين بدعوى التجديد. وبهذا الصدد يقول المفكر الهندي (وحيد الدين خان): "يمكن أن يكون لنا تجديد مجزأ، كأن يقوم عالم بالتجديد في مجال أحد الأحكام الإسلامية، وهذا عمل اعتيادي جداً".
سادساً- الإسلام دين شامل، فأيّ نوع من الفصل بين الدين والسياسة - الدعوة والسياسة، سيلحق ضرراً بهذه الشمولية، ويشوّه هذا الفهم. وعلاوة على ذلك يرى بعض المفكرين والباحثين، أن جميع أنواع الفصل والاقتطاع القنواتي بين فروع وأجزاء الدين، هو سهم موجه إلى عقيدة المسلمين وإيمانهم.. وطبعاً إن اختلاف الرؤى حول تصنيف وتسلسل فروع وأجزاء الدين، بين العلماء والمفكرين والدعاة، عمل شرعي واعتيادي، مرتبط بالظروف، ونوعية الفهم.
تعريف المفاهيم:
منذ البداية لا بد من تعريف المفاهيم، وتفسيرها، وفهمها، لكي نستطيع الحديث عن العلاقة والربط والفصل، ونكون على بينة مما نتحدث عنه، وحينها ستتبلور رؤى متباينة، نتيجة وجود أفهام مختلفة عن هذه العلاقة. ولا يخفى أن اختلاف الرؤى والتنظير المعرفي للعلاقة بين عدة مسائل، أو عدة مفاهيم فكرية متفاعلة فيما بينها، يرجع - في بعض الأحايين - إلى اختلاف الرؤى حول أصل المفاهيم وتعريفاتها.
ومن هنا، فإننا نسعى لإيجاد أرضية مشتركة للفهم، مع أولئك الذين يختلفون معنا بشأن أصل العلاقة، ويتحتم على كل واحد منا أن يعبّر - بشكل واضح - من أي نافذة فلسفية، ووفق أي مدرسة، وفي ظل أي مرجعية، تنبثق نظرتنا إلى الدين والسياسة - الدعوة والسياسة، وحتى نظرتنا للقيم العليا، والمصالح العامة، ورؤيتنا للحياة الدنيا والآخرة، وكيفية تعريف كل ما تقدم، ثم نأتي بعد ذلك إلى الحديث عن العلاقة بين الدين والدعوة والسياسة، والتأثير الذي يتركه أحدهما على الآخر.
إنّ التنظير والتحليل لا ينتهيان عند الإشارة إلى التطورات السياسية والاجتماعية، أو التبادل الإقليمي والدولي، أو تقبل إحدى تلك الرؤى من عدمه عند معارضينا، فمن الواضح أنه لا يمكن تأصيل المفاهيم، ولا بناء نظريات للأطر، ولا تحديد وسائل وأدوات، تحت تأثير وهيمنة واقع أنتجته فلسفة ونظرة عولمية مختلفة، أو في ظل وجود إرغام سياسي. إنّ لنا نظرتنا العالمية، ومرجعيتنا الخاصة، وفي ظلها يجب أن نفهم الأشياء، ونعرّفها أيضاً.
الدعوة:
الدعوة: تعني إلايصال والتذكير والإقناع بمبادئ الإسلام من عقيدة وشريعة وقيم عليا وعبادات ومعاملات ... إلخ، بهدف إجراء تغييرات على القيم والعادات والسلوكيات الشائعة، واستبدالها بالقيم العليا التي جاء بها الإسلام.
وعليه، فإن الدعوة وظيفة لتنقية الفطرة والطبيعة الإنسانية من الشوائب، ولتصحيح الخلل الذي يعتري الأسس الفكرية والسلوكيات الاجتماعية للفرد والمجتمع، على اعتبار أن تلكم الأسس المختلة هي انحراف عن جادة الحق والصواب { وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ}.
لا شك أن أحد أبعاد التغييرات التي يجب على الإسلاميين العمل عليها بشكل أعمق وأوسع – سواء كانوا أحزاباً سياسية، أو مجموعات دعوية، أو مراكز فكرية - هو البعد السياسي، إصلاح النظام السياسي والسلطة. بمعنى أن مسؤولية الحزب السياسي الإسلامي، طالما يعمل بمرجعية إسلامية، أشمل من مسؤولية الحزب السياسي، بتعريفه الشائع حالياً، وهو التعريف الوارد من منظور الفلسفة الغربية للحزب السياسي، مع الأخذ بنظر الاعتبار الصعوبات والتعقيدات التي تواجه مسار الدعوة، مع انتهاج كافة الوسائل المشروعة والسبل المدنية والسلمية، على مستوى الخطاب، والأخذ بوسائل التأثير في الفرد والجماهير، على شكل مواعظ ونصائح، أو مشاريع اجتماعية أو سياسية وثقافية وتربوية، كديدن أي دعوة أخرى مرتبطة بالدين والآيديولوجيا والمذهب، في شرق هذا العالم وغربه.
السياسة:
أما السياسة، فتعني فن التنظيم وإدارة الشؤون العامة بشكل يحقق المصالح العامة العليا من الحاجات المختلفة للأفراد، ويبدأ من تحقيق الأمن الغذائي، وسلامة الفرد من الناحية الجسدية والمعنوية، إلى توفير أمن المجتمع، وتنظيم العلاقات والأدوار الاجتماعية، وتجسيد العدالة، وينتهي بأمن الوجود والهوية.. وعليه، فإن السياسة هي نضال من أجل التغيير في الأفق العام، لصنع واقع جديد، يحصل فيه المجتمع على نسبة كبيرة من المصالح العامة التي تخدم الحياة اليومية للفرد والجماعة.
جذور فكرة الفصل بين الدعوة والسياسة:
لا شك أن أي إشكالية فكرية وفلسفية ونظرية لها بداية، أي جذور وعوامل ظهور وتوسع خاصة بها. مسألة العزل والفصل التام بين الدعوة والسياسة، أو علاقة وتأثير الدعوة والسياسة، مثل أي مسألة أخرى، لها بداية وجذور وعوامل خاصة بها، تنشأ من البيئة الثقافية والفكرية نفسها.
وكما أشرنا في بداية الموضوع إلى أن أوروبا شهدت صراعاً بين السلطة الزمنية، الممثلة بسلطة الملوك والأباطرة، وبين السلطة الدينية والبابوية، حول احتكار السلطة السياسية، والسيطرة على المجتمع، من جهة، ومن جهة أخرى: صراع بين الكنيسة ورجال الدين، وبين العلماء، على احتكار الحقيقة العلمية. وكانت النتيجة انكفاء الكنيسة، وعزلها عن الحياة، باستثناء انشغالها ببعض الطقوس الدينية بين جدارن الكنيسة. وعلى الجانب الآخر، ثبتت السلطة الزمنية أركانها من خلال تحكمها بالقرار السياسي، وسيطرتها الكلية على المجتمع، وتحرير العلماء، وابتعاثهم لميدان البحث والإبداع العلمي، فأضحى الدين علاقة روحية بين الإنسان والرب، بالمفهوم الغربي.
لكن استنساخ هذه الحالة، ونقلها بنفس الفلسفة والتصور والمفهوم، إلى العالم الإسلامي، خطأ كبير للغاية. يقول المفكر والفيلسوف الدكتور (حامد ربيع) - رحمه الله - بهذا الصدد: "كذلك فإن التماسك بين الحياة الدينية والحياة المدنية، هو أمر لا يمكن تجاهله على مستوى الفرد. الفرد حقيقة واحدة تنصهر في داخله المعطيات المدنية والدينية، السياسية وغير السياسية، المعنوية وغير المعنوية، إنه جسد واحد، وعقل واحد، فكيف يمكن تجزئته؟ والدين هو عنصر من عناصر الوجود المعنوي، والواقع الفكري، للمواطن، ومن ثم فمن الطبيعي أن تتعانق في ذلك البعد الفكري جميع العناصر المثالية للوجود الإنساني: دينية كانت أم أخلاقية.
هذا المفهوم لم يكن إلا نتيجة استقبال التراث الغربي، دون إدراك بحقيقة ذلك التراث.
فالتاريخ الأوربي فرض تنظيماً كنسياً يصارع التنظيم القومي. الكنيسة كانت تحمل الطابع النظامي من جانب، والطبيعة الرجعية، من جانب ثان، والتعامل ضد الحركات القومية، من جانب ثالث. ومن ثم كانت الحرب ضد الكنيسة باسم الثورة الفرنسية. في الواقع العربي معطيات مختلفة: الإسلام لا يعرف التنظيم الكهنوتي، وهو أداة التطوير والتقدم من جانب ثان، ثم هو منطق الثورة القومية، من جانب ثالث. (مستقبل الإسلام السياسي، ص10).
تصور العلاقة الثنائية بين الدعوة والسياسة:
باختصار، يمكننا تصنيف تلك التصورات والأفكار التي يتداولها الإسلاميون على ثلاث مستويات متفاوتة:
أولاً: التماهي بين الدعوة والسياسة، والنظر إليهما كجزء واحد، وإزالة الحدود والفواصل بين ممارسة المسؤوليات السياسية، والعبادات، والمسائل الدينية الخاصة. فالشخص الذي يخوض غمار المعارك السياسية الحامية الوطيس، مثل الصراع الانتخابي، والمنافسة الإعلامية، وعملية صنع القرارات ذات الصلة بالمصالح العليا للمجتمع...إلخ، هو الشخص نفسه الذي يصدر الفتوى الدينية، دون الأخذ بنظر الاعتبار نوع التخصص.
فوفق هذه الرؤية، ينبغي دمج الفتوى الدينية وخطاب الحلال والحرام بكافة مفاصل الحياة، ويتوجب عدم الإبقاء على المسافات بين الخطاب الجيد والسيء، والسيء والأسوء، والجيد والجيد جداً، أو بين المصلحة وتحقيق المراد والمقاصد، والنظر إلى الفعل السياسي مثل الفعل الروحي، على حد سواء، وقراءة كافة مفاصل الحياة بمنظار الدين بمعناه الخاص.
وأنا أطلق على هذا النوع من العلاقة تسمية (التماهي)، التماهي بين الدعوي والسياسي، ودمجهما مع بعض.
ثانياً: فصل كلا الأساسين، وإنهاء كافة أشكال العلاقة بين الدعوة والسياسة. وهذا المستوى هو بعكس المستوى الأول تماماً، وهما لا يتلقيان مطلقاً، ولا يترك أحدهما أثراً إيجابياً كان أو سلبياً على الآخر.. وأطلق على هذا النوع من العلاقة تسمية (الفصل) أو (الانقطاع) النظري والمؤسسي بينهما.
ثالثاً: التمييز، ويعني توزيع المسؤوليات والوظائف على الأشخاص والمؤسسات وفق التخصصات، لكن ضمن إطار كيان واحد منظم. وسنأتي على ذكره بشيء من التفصيل لاحقاً.
حقيقة العلاقة:
الحركات الإسلامية، ومنذ بداية نشأتها، تنظر إلى الدعوة والسياسة كجزء لا يتجزأ، وترى السياسة حاجة وضرورة دعوية، لا يمكن للداعية الاستغناء عنها، أو تهميشها، لأنها عامل مساعد ومكون قوي للنجاحات والوصول إلى الأهداف، ومصدر لإعلاء المشروع الاسلامي على كافة المستويات.
وقد اجتهدت الحركات الإسلامية في تأصيل هذه الفكرة بعدّة أدلة، مباشرة وغير مباشرة، من القرآن والسنة.. كما حذرت تلك الحركات الإسلامية من اتساع دائرة الاشتغال بالسياسة على حساب الدعوة، وظهر ذلك جلياً في كتابات القادة الأوائل لهذه الحركات عموماً، والقسم المعروف بالاعتدال والوسطية على وجه الخصوص، لذلك تراها تشدّد على التدقيق في المساحة الطبيعية التي يجب أن تشغلها السياسة من مجمل الحجم العام للدعوة، وكذلك داخل النسق الديني العام.
وهذه السياسة القصيرة والطويلة تتسع وتتقلص تبعا للظروف وأولويات المرحلة، لكن لا يسمح لها أن تتمدد كالأخطبوط، لتستحوذ على جميع فروع ومكونات الدين الأخرى، بشكل تجعل الدعوة سياسة، والسياسة دعوة.
وإذا كان منطق السياسة يقتصر على تحقيق مصالح الناس، وتأمين معايشهم، عندها سيكون من الواضح أنه لا يمكن - ولن يحدث - بالانقطاع عن وجود منظور ورؤية، تحدّد الحسن والسيء، والمصالح وأضدادها، ووضعها داخل إطار محدد، وواضح، ومعرّف، وفق مرجعية واضحة المعالم، بعيداً عن أي هيمنة وإرغام من الواقع والرغبات الإنسانية.
وهنا تلعب الدعوة دوراً واضحاً ومؤثراً في تهيئة المجتمع، وتصنيفه، وتنظيم استراتيجية المصالح الخاصة والعامة. بمعنى أن الدعوة قادرة، من مسار قناعتها الذاتية، على تشكيل رأي عام حول قواعد وتوجيه ومواقف طبيعة المجتمع، وعلاقاته، وطرق الحياة المتعددة التي ينتظرها الأفراد والجماعات. في الوقت الذي تجد السياسة دورها في إطار استثمار هذه الحالة، والاستفادة من هذا الاجتهاد، ومن فرض الشروط الموضوعية، بشكل إجابات على تلك القواعد..
وإذا كانت كذلك، فإن تعطيل الدعوة، أو إضعافها، أو إرجاء أهميتها، على حساب توسيع دائرة الفعل السياسي المجرد، ربما يشكل تهديداً جدياً على الدعوة والسياسة معاً.
إن وجود الفروع الأخرى للدعوة يقف في وجه نشوء هذه الحالة من التهديد، ويشكل حصانة قيمية دينية، ولن يسمح بتضخم السياسة، وتحولها إلى تهديد لبقية الفروع والأسس الأخرى، بما فيها السياسة ذاتها. هذا في الوقت الذي تعد السياسة مثل فرع من فروع الدعوة، مسؤوليتها تحقيق المصالح العامة، في ظل القيم القائمة. وهذا سيؤدي إلى بلورة مستويين من الوظيفة: الأول: شامل وثابت، الثاني: جزئي ومتغير، وهذه الحقيقة في ظاهرها تعطي نوعاً من التمييز والخصوصية لمنطق الدعوة والسياسة، أو تعطي نوعاً من التكامل، من موقع أن السياسة جزء من مسألة الدعوة.
إنّ انتهاج الدعوة ذات مسار ممارسة السياسة، وتهميش باقي الفروع الأخرى، هو من الأخطاء الكبيرة والفتاكة الشائعة.. إذ حينئذ ستتوسع دائرة المشكلة، وتؤدي إلى تحجيم متطلبات الدعوة.. وهنا يلعب الشخص بذاته - أي الفاعل السياسي والدعوي - دوراً هاماً في الحفاظ على التوازن بين وظيفة الدعوة والعمل السياسي.
عوامل تأزّم العلاقة بين الدين السياسة:
إحدى المشكلات التي تواجه الفكر السياسي للإسلاميين، ولم يجدوا لها حلاً، مسألة تعريف الحزب، ومهامه، من منظور الدين الإسلامي، وفي إطار الفكر الإسلامي، وما هو متوفر حالياً، ويتم الأخذ به، هو نتاج الفكر الأوروبي. ونحن ندرك أن الجذور الفلسفية لهذا النموذج تنادي بفصل الدين عن مرافق الحياة والمجتمع، خاصة مرفق السياسة، ولهذا الطرح حضور مؤثر، فهو يردد بأن الحزب ليس وسيلة وحاضنة لترسيخ الفضائل الأخلاقية، ولا يشكل مصدراً للتنشئة والتربية الروحية، ولا باعثاً للتدين.
فالحزب وفق هذا الطرح الفلسفي، ما هو إلا مشروع سياسي ينحصر هدفه في إحداث تغييرات في كافة المرافق العامة. ولكننا نجد في الفكر والفلسفة الإسلامية، وحسب النموذج الذي صاغه (القرآن الكريم)، تلاحماً بين هذين البعدين، أي تربية وتنشئة الفرد الصالح، وإحداث تغييرات في المرافق العامة، فالبعد الأول يشكل أساساً للبعد الثاني.
وهنا تثور إشكالية فكرية وتنظيرية، هذه الإشكالية مردها عدم تقصّي العوامل الحقيقية وراء بعض الانتكاسات التي تواجه الإسلاميين، حيث يسارع في إرجاع الأسباب إلى دمج الدعوة بالسياسة، متناسين أن غالبية التيارات الإسلامية ذات الجماهيرية المؤثرة، خاصة في كوردستان، هي التي تنشط في المجالين الدعوي والسياسي معاً. 
وباعتقادي إن بعض المشتغلين بالتنظير في هذا المجال – مع احترامي – مصابون بشكل من الأشكال بـ(فايروس) العلمانية، فهم يرددون ببساطة: الدين بهذه الطهارة ميدانه الدعوة فقط، وأما السياسة بهذا التحايل والتعقيد، فميدانها العمل الحزبي، ولا يمكن دمج الدعوة بالسياسة! وهناك البعض ممن يفتقد تصوراً واضحاً وخطاباً صريحاً حيال هذه المسألة، ويعيش باستمرار في قلق دائم وتردد بين الحزبية والجماعية.. كما أن هناك البعض ممن لم يجهد نفسه في البحث عن إجابات، من خلال التصور الإسلامي، على أسئلة من قبيل، ماذا يعني الحزب؟ ما هي خصائص الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية؟ ما هي واجبات الحزب، وآليات عمله؟
للأسف، معظم الطروحات الواردة هي ترديد لمقولات العلمانية، ونسخة منها، ولذلك فإن إحدى مهام المنظرين الإسلاميين الجسيمة هي التركيز على تعريف الحزب، وتحديد خصائصه، وتأشير دوره، وفقاً للمنظور الإسلامي.
تلك الحقيقة التي تحدثت عنها أعلاه، هي بعينها العامل الأساسي لتأزّم وتعقيد العلاقة بين الدعوة والسياسة، وربما هناك عوامل أخرى، لكن من وجهة نظري هي هامشية، مثل: طبيعة الثقافة الدينية السائدة في المجتمع، السياق التاريخي، طبيعة وخصائص المجتمع، وفهم السياسة، وتعريفها.
نمط العلاقة بين الدعوة والسياسة:
في الحقيقة إن الحديث عن فصل الدعوة عن السياسة، وفق التعريف الذي أوردنا، يظهر وكأن المصطلحين شيئان مختلفان من حيث  السياق والوظيفة، وهذا التعريف غير منطقي للغاية، لأن هذا النوع من المقارنة والفصل بين شيئين متوازيين، لهما نفس المسؤولية والوظيفة، بل أحياناً يشكل أحدهما بديلاً للآخر، بل ويكمّل أحدهما الآخر في مجالات أخرى، من حيث العموم والخصوص، كأن نقول: سلطتين، أو جيشين ...إلخ، غير مقبول بالمرّة.
وعليه لا يمكن أن نلزم جهة ما تمارس العمل السياسي، بالامتناع عن ممارسة وظيفة الدعوة. وهنا يبرز السؤال: ماذا تسمي عملية إقناع الآخرين بالمشروع السياسي؟ وكذلك الذي يمارس وظيفة الدعوة، إلى أي مرجعية وفكر وسياسة يدعو؟ لذلك وفق هذا الفهم لا بد من ممارسة الدعوة والسياسة معاً، ومن غير الملائم أن ندعو إلى فصل الدين عن السياسة، أو الدعوة عن السياسة، في أي مجتمع كان، لأن الدين لدى الفرد المنتمي - وإنْ لم يكن مسلماً، ملتزماً كان أو غير ذلك - يشكل مصدر تنشئة الفرد ذاته، حتى بالنسبة للدين - أي دين كان - يعرض منظومة من القيم في المجتمع، يهدف من خلالها إلى تنظيم سلوك الفرد ويوجه بها المسيرة الحضارية، مثل العدالة والأخوة والمساواة والحرية وصون كرامة الإنسان، والوضوح والشفافية، ويتوخى الدين أن تنعكس هذه القيم والمبادئ على علاقات الأفراد والحياة والأفعال السياسية، لذا فإن الدين في السياسة هو مثل القيم والمعايير والأهداف، مثل الروح والمحرك والدافع، مثل المحور والقوة الجامعة للشعب والأمة، وبالإمكان ممارسة العمل السياسي ضمن مؤسسات مستقلة بعيدة عن أي سلطة دينية كهنوتية، وإن توزيع الواجبات واستقلالية مؤسسات المفصلين معاً ضروري، ويجب التأكيد على ذلك، فالخطاب السياسي ولغة إعداد البرلمانيين والمقاعد والمواقف السياسية والمشاريع الاقتصادية تختص بها مؤسسة مختصة ومحددة الوظيفة هي المؤسسة السياسية، وأما الدعوة والإرشاد فمكانهما المجتمع على اعتبار أن المجتمع مؤسسة عامة.
والحقيقة التي لا لبس فيها، ويعلمها جميع المختصين، أن طبيعة الإسلام كدين لا تسمح بفصل الدين عن السياسة، لأن جوهر الإسلام حقيقة كلية، هذا الجوهر يجمع بين القول والفعل، فالسياسة تستقي من الدين، ويحكم كلا الأمرين نوع واحد من الأخلاقيات، لكن هذه الحقائق أيضاً لا تمنع التمييز الوظيفي والإجرائي بين وظيفة الدعوة وممارسة العمل السياسي، والأبعد من ذلك أن الواقع الراهن يفرض هذا التمييز الوظيفي، وللاطلاع أكثر يمكن الرجوع إلى كتاب (مستقبل الإسلام السياسي) ص 46. 
كما أشرنا سابقاً إلى احتمال تولي الإسلاميين السلطة، خاصة التيار الاعتدالي الوسطي، المعروف عنه فهمه الصحيح للإسلام ودور الدين في حياة الأفراد، هذه الرؤية لا تثير مخاوف من نشوء سلطة دينية بمعناها الضيق.
في الواقع إن دمج مؤسسة نظم الممارسة السياسية والسلطة، مع نظم التعاملات المجتمعية على مستوى الأفراد، يعد شيئاً طارئاً على المجتمعات الإسلامية، وقد تسربت هذه المفاهيم من مصادر أخرى إلى منظومة الأعراف والممارسة الإسلامية. 
فالفقهاء - وفي مقدمتهم الأئمة الأربعة - لم يسمحوا لأنفسهم بإصدار فتاوى حول مسألة من المسائل المتعلقة بالسلطة الحاكمة، والتي يطلق عليها اليوم (التعامل السياسي).. إن مشروع ربط المواقف الفكرية والآيديولوجية بالنظم الإجتماعية لا يظهر سوى في المجتمعات النامية. (المدخل لدراسة التراث الإسلامي ص 236). 
التمييز الأكاديمي والإجرائي بين وظيفة الدعوة والعمل السياسي في التراث والتجربة الإسلامية، وفق مقولات بعض العلماء والمفكرين:
ولتوضيح العبارة الواردة في المقدمة، نقول: إن التمييز على المستويين الأكاديمي والإجرائي بين المسائل الدينية والدنيوية، المبادئ الثابتة والمتغيرة، السياسية والدينية بمعناها الضيق، أو بعبارة أخرى تلك المواضيع المرتبطة بالأفعال السياسية والحكم، وتلك المرتبطة بالأبعاد الفكرية والنظريات في التاريخ الإسلامي، واضحة للغاية.. وعلى عكس الفهم الشائع المألوف فإنّ دمج الدعوي بالسياسي هو نوع من الثيوقراطية، هذه الحقيقة معلومة ومعترف بها - نوعاً ما - من قبل الأصوليين وعلماء الشريعة، وهذه الحقيقة تظهر في بعض أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومن أبرز الأدلة على ذلك:
أولاً: يتفق أغلب العلماء على تصنيف وتقسيم تصرفات الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى:
1-                ما صدر عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) باعتباره بشراً له تصرفات خاصة.
2-                ما صدر عنه (صلى الله عليه وسلم) على وجه الإمامة والقيادة في الحرب والسلم، والاجتهاد في حصر أحاديث الأحكام التي خرجت على هذا الوجه، وبيان أثر هذا الحصر في تقليل الخلاف.
3-                ما صدر عنه (صلى الله عليه وسلم) على وجه القضاء أو الإصلاح بين الناس، والاجتهاد في حصر أحاديث الأحكام التي خرجت على هذا الوجه، وبيان أثر هذا الحصر في تقليل الخلاف.
4-                ما صدر عنه (صلى الله عليه وسلم) وسبيله التشريع العام، لكنه خرج على غير سبيل العزم والعموم، والاجتهاد في حصر أحاديث الأحكام التي خرجت على هذا الوجه، وبيان أثر هذا الحصر في تقليل الخلاف.
وقد ذهب هذا المنحى من التقسيم الكثير من العلماء، يتقدمهم (الإمام القرافي)، في مصنفه (الفروق)، ومن العلماء المعاصرين الفقيه المقاصدي (أحمد الريسوني)، في مؤلفه (مقاصد المقاصد).
ثانياً: التمييز بين المفاهيم والمصطلحات (الدنيوية) و(الدينية)، وقد ورد في الكتابات الفقهية وتراث وتجارب المسلمين، فغالبية كتب الأصوليين تتحدث في محتواها عن الأحكام الدينية والأحكام الدنيوية، وعن المصالح الدنيوية والمصالح الدينية، وعند النظر في كتاب (الموافقات) للإمام الشاطبي، أو كتاب (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) للإمام العز بن عبد السلام، أو أي كتاب أصولي آخر، سنلمس هذا التمييز الأكاديمي تماماً بين مفهومي (الديني) و(الدنيوي)، حتى الإمام (الماوردي)، المعروف عنه مقولاته السياسية إلى جانب أنه فقيه أصولي، يذكر هذا التمييز في كتابه (أدب الدنيا والدين)، ويصنف كتابه هذا ضمن علم الاجتماع السياسي. وقد أشرنا أعلاه كيف أن الفقهاء امتنعوا عن الخوض في الشؤون السياسية، أو إصدار فتاوى في هذا المجال، فقد تركوا هذا الأمر لأهله. 
بعض الخطوط العامة المقترحة لتجسيد هذا الشكل من العلاقة:
يجب على الحزب أن يمارس السياسة وفق شمولية الدين الإسلامي، الإسلام دين شامل، وهذه الشمولية يجب أن تظهر في كافة ممارسات الحزب، الدعوة الفردية والعامة، العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنقابي والتوعوي والفكري ...إلخ، مع الأخذ بنظر الاعتبار النقاط التالية: 
1-                يجب أن لا ينسى أن المجتمع مجتمع مسلم، ومن الوارد وجود بعض الانحرافات والتقصير، لكنه لم يخرج عن الإسلام. بمعنى آخر: إن الدعوة ليست لأسلمة المجتمع، بل لإعادة المرجعية الإسلامية إلى المجتمع.
2-                يجب على الحزب أن لا يعتبر نفسه بديلاً عن الجميع، بل هو تجربة من التجارب، تضاف إلى مكاسب المجتمع الأخرى. 
3-                في البعد السياسي، يدخل كأي قوة سياسية معترك العمل السياسي والتنافس على تقديم مشروع بديل، ويسعى للوصول إلى السلطة، لكن في الأبعاد الأخرى يطرح نفسه كتجربة مكمّلة للمكتسبات الوطنية.
4-                تسيير جميع تلك الأبعاد بتوازن، ودون الإخلال بجزء لصالح جزء آخر، وضمن مؤسسات خاصة، وأشخاص مختصين.
5-                يجب أن يعكس السمة الإسلامية من خلال التقيد بمرجعية الإسلام، ويكون ذلك عبر مؤسسات مختصة تسعى للتنظير وتأصيل المصطلحات والمفاهيم. 
6-                ينبغي أن يكون توزيع المهام والواجبات بشكل يتم فيه إحالة العمل السياسي بالكامل إلى مجلس أو مكتب، أو مؤسسة سياسية مختصة.. وأن يحال العمل الاجتماعي إلى الجمعيات والمجاميع المختصة.. فيما تحال الخطب الدينية والإرشادية والتوعية إلى الدعاة والعلماء.. وكذلك العمل المهني محلّه النقابات والمنظمات المهنية،  بينما يمارس العمل الثقافي والفكري عن طريق المراكز المختصة بهذا الشأن.
لكن يتوجب مراعاة النقاط التالية: أ- المرجعية الفكرية للجميع هي الإسلام. ب- المرجعية العامة للعمل هي الحزب، ولكنها تمتلك الحرية من حيث الهيكل المؤسسي والتنظيمي لها. ج- التكامل في المشروع الإسلامي من حيث اشتراكها جميعاً في إقامة الدين، واختلافها الوظيفي في المسؤوليات. د- ولتحقيق التنسيق والتعاون فيما بينها، يستحسن تنظيم مؤتمرات سنوية لهذا الغرض.
7-                أثناء ممارسة العمل السياسي لا يمكن بأي شكل من الأشكال استخدام الرموز والشعارات الدينية، وإقحام الرموز الدينية، المكتسبة للشعبية عن طريق الخطب والمواعظ، في الصراعات السياسية والمنافسات الانتخابية.. وإذا رغب رمز الولوج في هذا المضمار، فعليه ترك وظيفة الدعوة، والتفرغ للسياسة.
8-                عدم السماح للرموز الدينية والشخصيات الاجتماعية التحدث باسم الأحزاب السياسية، لأنها ملك للجميع، بعكس الرموز السياسية فهي الممثلة لأحزابها، ويمكنها التزاحم مع مثيلاتها في الشؤون العامة.
الخاتمة:
في الختام، أؤكد على عدة نقاط أراها مطلوبة، وهي:
أولاً: إن أي طرح فكري، أو اقتراح، لا بد من إخضاعه للتحليل، وتقييم نتائجه بشكل علمي وموضوعي، وبدون ذلك لن تظهر جوانبه الإيجابية والسلبية، ولا علامات نجاحه أو فشله، ويبقى ذلك الطرح الفكري – بعد ذلك - مجرد تجربة. ولذا، فلا يمكن الدعوة لأي فكر، دون تحليل وتقييم، على أنه العصا السحرية والمنقذ من الأزمات الفكرية.
ومن هنا أطرح رأيي، وأرى بأنه شكل من الأشكال التي يمكن في ظلها، أن نفهم الإسلام، كدين شمولي متكامل، يربط الدنيا بالآخرة، والجوانب المعنوية بالجوانب المادية، والسياسة بالأخلاق..إلخ.
ثانياً: إنّ التأكيد على الشكل الذي تتزامن فيه وظيفة الدعوة والعمل السياسي في كيان حزبي واحد، لم يعترض طريق التجديد والتنمية الفكرية والانفتاح على الآخر، بل على العكس بإمكانه استيعاب متغيرات العصر، وأن يطور الخطاب السياسي والديني، بالاستفادة من وسائل العصر مع تغيير أساليب التعامل، واستثمار مختلف الكفاءات، وإدامة النضال السياسي والمدني، بالتزامن مع الدعوة، بهدف تعزيز القيم العليا، والمعايير الدينية، وإعادة مرجعية الإسلام إلى المجتمع، من جهة، وترسيخ مبادئ الحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بالفرد، وصيانة كرامته، والمحافظة على هويته القومية، من جهة أخرى. وكل ذلك – في الحقيقة- هي أغصان وفروع لشجرة الإسلام.
ثالثا: أؤكد أن المقصود من الدعوة ليس الخطاب الوعظي والإرشادي فقط، بل الدعوة هي تلك العملية التي تقوم بنقل القيم العليا والمعايير الإسلامية إلى المجتمع، وترسيخ أسس المرجعية الإسلامية فيه، وتنشئة الفرد على الالتزام بالقيم الأخلاقية والفضائل التي يدعو إليها الإسلام، وإعادة المعايير الأخلاقية إلى المفاصل العامة، ومنها الممارسة والعلاقات السياسية... إلخ.

رابعاً: هذه الرؤية لعلاقة الدعوي بالسياسي لا تشكل عقبة أمام تشكيل أحزاب سياسية على أسس قومية، أو مشاريع وطنية.. بمعنى آخر: لا يتم التعامل بمنطق الحلال والحرام مع تأسيس الأحزاب، بل إن السلوكيات والمشاريع هي التي تخضع لعملية التحليل والتقييم، وليس الشكل والوسائل فحسب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق