02‏/04‏/2018

(كنز ربا): الكتاب المقدس للصابئة المندائية


د. أكرم فتاح سليم
كثير من الباحثين لدراسة الأديان والفرق والطوائف، يكتبون عن نشأة وتاريخ وعقائد وفلسفات أديان العالم، وفرقهم، وأنواع عباداتهم، وطقوساتهم، بصورة مفصلة، ولا يتحدثون كثيراً حول محتوى كتبهم المقدسة، إن كان لهم كتاب. وليس المقصود من ذلك شرح وتوضيح أهمية ما ذكر في بطون هذه الكتب، بل الاطلاع على مواضيعها، ودراستها، ونقدها، وما هو موافق للقرآن الكريم، وما هو مخالف له.
(كنز ربا) كتاب ديانة الصابئة المندائية، الذين يعتقدون أن النبي (آدم) عليه السلام هو أول نبيّ أرسل إليهم، وأن (يحيى) عليه السلام آخر أنبيائهم. وهم يعيشون في جنوب شرق العراق، وكذلك في جنوب غرب إيران، ويتمركز وجودهم على ضفاف الأنهار الجارية، لممارسة عباداتهم؛ من التعميد والوضوء وغيرها..
ومعنى (كنز ربا) الكنز العظيم، وهو يحتوي على مفاهيم وكلام الرب العظيم، وتعاليمه إلى الإنسان. وهذا الكتاب لم يكتب في عصر معين، بل كتب وجمع في عصور مختلفة، واحتوى على تعاليم وحكم وقصص الأنبياء والمعلمين الأوائل للمندائية. ومعروف أن كلمة (كنز) في اللغة تدل على النَفَاسَة والكتمان.
كذلك يحتوي هذا الكتاب على جميع صحف الأنبياء والآباء الأوائل للمندائية، وهم (آدم، وشيتل، وسام، ويهيا يوهنا)، وكذا على الأسفار المتعلقة بخلق الله للعوالم النورانية، والأكوان، والأرض، وتاريخ شرعة الحياة الفطرية في معرفة البشر للرب العظيم، ومجموع النبوءات عما سيحدث في العالم، منذ خلقه حتى المنتهى. كما يحتوي على الشـرائع الإلهية، والتعاليم الروحية، والنصائح الدينية والأدبية، التي تناسب جميع البشـر في كل الأزمنة، والمدونة بطرق وبأساليب مختلفة، من نثر وشعر وتاريخ وقصص وحكم وأدب وتعليم ووعيد وفلسفة وأمثال..
ويعتبر (كنز ربا) مصدر الإيمان المندائي، والغذاء الروحي للمتهيمنين (المؤمنين). فيه كل ما يختص بالإيمان، والحياة، والتعاليم الروحية، التي تنير المعرفة والمحبة في الإنسان، حسب قولهم.
ينقسم (كنز ربا) إلى قسمين:
1.                   كنزا يمينا (الكنز اليمين)، ويحتوي على التعاليم والوصايا والتحذيرات، وعلى قصص الخلق والتكوين والنشوء، وكذلك على صحف آدم، وشيتل بن آدم، ودنانوخت، وعلى قصص الملائكة.
2.                   كنزا سمالا (الكنز الشمال)، يحتوي هذا القسم على مجموعة من التراتيل والقصص الخاصة برجوع وعروج النفس إلى موطنها الأصلي، الذي نزلت منه (المادنهورا – عالم النور)، ويسمى أيضاً (كنزا اد هيي)، أي (كنز الحي، أو الحياة). ويطلق مصطلح (بيت كنزي) على المكتبة الحاوية على الكتب الدينية المقدسة، أي: بيت الكنوز. والكلمة موجودة في العربية، والسريانية، والعبرية، وتأتي في اللغة بمعنى (الكثير). ومصطلح (كنزا) يأتي في عدة معان، منها: الأفكار المثالية، الكتب الدينية، الكنوز الفكرية، الطقوس، الصلاة، والأدعية، الأسرار الإلهية، وتطلق أيضاً مجازياً على عقل الإنسان، لأنه كنز.
كتب هذا الكتاب بلهجة آرامية شرقية أصيلة، وهي ما تعرف عندهم باللغة المندائية. لكننا سنلاحظ وجوداً حالياً للغة الآرامية في قرى (جبعدين)، و(صيدنايا)، و(معلولا)، السورية.
قراءة الـ(كنزا ربا) مصدر الغذاء الروحي للمندائيين. وعلى المرء المندائي أن لا يدع الحاجات المادية، أو الأفكار الشيطانية، تمنعه من قراءته. فيجب عليه أن يعود نفسه على أن يقرأ فصلاً من (كنزا ربا) يومياً، إلى أن يصبح بذلك عادة مألوفة لديه.. وبالطبع ليست القراءة لوحدها كافية، بدون الفهم الصحيح، المقرون بالفعل والعمل الإيجابي.. وهذا ما سوف يساعده بالتأكيد، ليصبح تلميذاً أميناً ومخلصاً للحياة.. فثباته في حياة الحي العظيم (مسبّح اسمه) يأتي عن طريق قراءته لكلمته، وتعاليمه، وحفظ وصاياه، والعمل بموجبها في حياتنا..
وقد ترجم هذا الكتاب، في أول الأمر، إلى اللغة الألمانية، على يد العالم البروفيسور (ليدز بارسكي)، وأيضاً إلى اللغة العربية مؤخراً، كما ترجم قسم منه إلى اللغة الإنكليزية.. ولا يحرّم الصابئة ترجمة الـ(كنز ربا) إلى اللغات الأخرى، بل يقولون إن ترجمته واجبة على المؤسسات المندائية كافة.. ويبقى كتاب (كنز ربا)، المخطوط باللغة المندائية الآرامية، موضع التقديس الأول عندهم، والمرجع في اتخاذ الأحكام الدينية المندائية.
وهم يقولون بأن عظمة هذا الكتاب، عندما يقرأ، ويفسـر، وينشـر نوره على الناس، ليفهموا معنى الرب، وتوحيده، وعلاقتهم بالحياة، وكذلك ليعرفوا أول من وحّده، وعبده، ويفهموا المعاني الإلهية والإنسانية العظيمة، التي يتكون منها الكتاب المقدس للمندائيين. فالديانة المندائية ليست منغلقة، بل هي تدعو للتبشير والدعوة بين الناس، وهم ملزمين دينياً بنشر عقيدتها بين الأمم، وبتعريفهم بشريعتها، وكتابها الذي تقدسه.

مقطع من مناجاة (كنز ربا:(
"معظّم هو النور السامي
إني نشأت من عالم النور
منك أيها المقام النوراني"
يمتلك المندائيون عدداً من الكتب، غير الكتاب الرئيسـي الـ(كنز ربا)، لكن ليست جميع كتبهم مقدسة ودينية وإلهية، فمنها: التاريخية، والعلمية، أو التراتيل، وأناشيد دينية، وغيرها، كتبها علماء دين كبار (ريشمي وناصورايي – رؤساء أمة وعلماء بالدين)، ومن هذه الكتب ما يلي:-

1. دراشا إديهيا: ويحتوي هذا الكتاب على حكم ومواعظ وتعاليم النبي (يهيا يوهنا) مبارك اسمه، وعلى قصص حوله أيضاً.
2. سيدرا اد نيشماثا: ويضم قصص هبوط النفس في جسد آدم، ويحتوي أيضاً على مجموعة كبيرة من التراتيل والأناشيد، التي تتلى في طقسـي: المصبتا (التعميد)، والمسخثا (الارتقاء).
3. حران كويثا: ديوان يتحدث عن نقاط مهمة في التاريخ المندائي.
4. القلستا: كتاب يضم تراتيل وأناشيد ترنم في مراسيم الزواج المندائي.
5. ترسر الف شيالة: وهو عبارة عن ديوان (درج) يتألف من سبعة أجزاء، يتناول أخطاء الكهانة الطقسية، وكيفية معالجتها، إضافة إلى بعض القوانين المندائية، وبعض الأسئلة والأجوبة حول الفلسفة واللاهوت المندائي.
6. نياني اد رهمي: كتاب خاص بالأدعية والصلوات، الرسمية وغير الرسمية.
7. نياني اد مصبتا: يضم تراتيل وشرح لطقس المصبتا (التعميد).
8. هناك مجموعة من الدواوين التي تهتم بمختلف المواضيع المندائية، وأهمها: الفلسفة والميثولوجيا المندائية.
ـــــــــــــــــــ
* أكرم فتاح سليم/ مدرس مساعد بجامعة دهوك.
ماجستير في العقيدة – جامعة أم درمان الإسلامية – السودان
عنوان الرسالة: (أساليب الحجاج في القرآن الكريم)
ماجستير في الفلسفة  - جامعة لندن للعلوم الإنسانية - بريطانيا
عنوان الرسالة: (الإلهيات والطبيعيات في فلسفة  ابن رشد)
دكتوراه في مقارنة الأديان – جامعة أم درمان الإسلامية – السودان
عنوان الرسالة: (الأديان وأثرها في التعايش السلمي في العراق – دراسة مقارنة(
دكتوراه في الفلسفة – جامعة لندن للعلوم الإنسانية - بريطانيا
عنوان الرسالة: (أساليب الحجاج الفلسفية بين أبي حامد الغزالي وابن رشد(
     
النشاطات:
باحث أكاديمي في مركز بشكجي للدراسات الإنسانية – رئاسة جامعة دهوك
رئيس قسم الشريعة والقانون – جامعة لندن للعلوم الإنسانية منذ عام 2012م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق