02‏/04‏/2018

المنصات الإعلامية والإلكترونية.. والمستقبل المظلم


صالحة علام

توظيف منصات إعلامية مدربة، ومدفوعة الأجر، للقيام بحملة تشويه متعمدة لكل ما هو مخالف لتوجه سياسي أو استراتيجي معيّن، من الأشياء القديمة التي عرفها العالم في الحروب والخلافات السياسية التي تظهر هنا أو هناك.. ولعل أقدمها تلك المنصات التي استخدمتها الحركة الصهيونية العالمية في حربها ضد العرب والفلسطينيين، والتي تمّ عن طريقها إبراز الكيان الصهيونى وكأنه جنّة الديمقراطية على الأرض، فيما ظهر العرب والفلسطينيون ككائنات بدائية همجية تسعى لتدمير الإنسانية والمدنية والقضاء على حركة التطور الذى يشهده العالم.. وهي الاستراتيجية التي نجحت نجاحاً باهراً في ترسيخ تلك المفاهيم المغلوطة، في أذهان الغرب تحديداً، سواء على مستوى النخب السياسية الحاكمة، أو على  مستوى الرأي العام فيه، والذي لا يزال يتعامل
معنا حتى اللحظة من خلال تلك الرؤية القاصرة، دون تبديل أو تغيير.
 الاحتذاء بالصهاينة
دفع نجاح التجربة الصهيونية النخب الحاكمة في دول الشـرق الأوسط إلى الاحتذاء بها، والسعي لتطبيقها، بكافة تفاصيلها الدقيقة، ليس على صعيد مواجهة الخلافات والمشاكل الخارجية، وتشويه الأعداء المتربصين بالأوطان، وإنما في مواجهة المعارضة الداخلية، التي ترفض الممارسات الديكتاتورية لتلك النخب الحاكمة في دولها.. حيث بات لكل نظام من أنظمة المنطقة منصاته الإعلامية الناطقة باسمه، المسوّقة لسياساته، والمؤيّدة بقوة لكافة تصرفاته وأفعاله – حتى وإن كانت تندرج ضمن خانة العمالة والخيانة – وإظهارها على أنها أعمال وطنية بحتة، تصب في صالح أمن الوطن وسلامة مواطنيه.
تلك المنصات الإعلامية، التي يعتليها دوماً زمرة من ضعاف النفوس أصحاب المصالح المادية، وراغبي التمسح في أحذية السلطة والمنتمين لها، الباحثين عن النفوذ والقوة، أصبحت تمثّل أهمية كبرى للمستفيدين منها، ومموليها، والقائمين عليها، وحتى العاملين بها، الذين لا ناقة لهم في الأمر ولا جمل، سوى ارتباط مصدر دخلهم باستمراريتها في أداء المهام المنوطة بها، حتى وإن كانت تبيع الوهم للبسطاء من أبناء الشعب. لذا تجدهم يدافعون عنها، وعن ما يبث من خلالها، بكل ضراوة.

اللجان الإلكترونية
ومع التقدم التكنولوجي، وظهور العديد من وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت تلك الوسائل إلى أداة جيدة في متناول قوى المعارضة، لمواجهة النخب الديكتاتورية، وتعرية أكاذيبها أمام الرأي العام، الذي أضحى مهتماً بمتابعة ما يحدث، وما يُكشف عنه من المسكوت عنه أو المستور عليه، في مواجهة أكاذيب التسلط الإعلامي الذي تمارسه السلطة الحاكمة.. وهو ما اضطر تلك النخب الحاكمة لتوظيف الوسائل نفسها – أي وسائل التواصل الاجتماعي - للرّد على المعارضين، حيث ظهر على الساحة مؤخراً ما أصبح يعرف باسم (اللجان الإلكترونية)، التي أوكل لها مهمة الرد على المعارضين، وتوجيه السباب والشتائم لهم، واتهامهم بالخيانة والعمالة والتآمر على الوطن، ورموزه الوطنية .
   
إعلام شعبي
اللجان الإلكترونية تلك تحولت بين ليلة وضحاها إلى الوسيلة الوحيدة الأكثر ملائمة وقدرة على التعاطي مع جموع المواطنين، على اختلاف مشاربهم الثقافية، ومستوياتهم الاجتماعية.. ولهذا الغرض تمّ توظيف آلاف العاطلين عن العمل، إلى جانب عدد من أصحاب الفكر والقلم، المؤيدين لهذا الطرف أو ذاك، واستخدامهم في تسويق الأفكار، وتمجيد السياسات، وتشويه الأطراف الأخرى، التي تخالفهم الرأي والمنهج، وإظهار تلك اللجان الناشطة في هذا العالم الافتراضي كإعلام شعبي ينقل بدقة نبض الشارع، ويتبنى وجهة نظر الرأي العام، ورؤيته للأحداث، بعيداً عن الإعلام الرسمي، أو الموجه، دون رقابة عليه على الإطلاق، مما حول الأمر إلى ساحة قتال بين كافة أطراف العملية السياسية، حيث أصبح لكل طرف مجموعته التي تحمل لوائه، وتدافع عن مواقفه، وتتبنى وجهات نظره، وتروّج لما يقول ويزعُم ، حتى وإن كانت مجرد مجموعة من الأكاذيب، أو الأوهام ، فيما الرأي العام في العالم الحقيقي يتابع بشغف تفاصيل تلك المعارك، ينحاز إلى هذا حيناً، وإلى ذلك أحياناً أخرى، وتحول الأمر إلى ما يشبه دوري كرة القدم الذي يلعب فيه أكثر من فريق، ويتابعه الملايين بدقة بالغة وبشغف ما بعده شغف، حيث لم تعد النتيجة مهمة، بقدر أهمية ما تكشفه أحداث المباراة من حقائق، وما تسقطه من أقنعة عن وجوه وشخصيات طالما احترمها الناس، وأثنوا عليها، ووصفوها بالشرف والوطنية.
الغريب في الأمر أن هذا التطور دفع بعدد لا يستهان به من الإعلاميين، والصحفيين، والنخب المثقفة، غير المحسوبين على أي طرف من الأطراف، إلى الدخول في غمار الصـراع الدائر على وسائل التواصل الاجتماعي، وتبني إحدى وجهات النظر المطروحة، بل والتعصب لها، والدفاع عنها بشدة، وتسفيه الآراء المعارضة لوجهة النظر تلك، تحت دعاوى وحجج متباينة من جانبهم، حتى أصبح التعصب هو سمة التعاطي في كافة القضايا الوطنية المصيرية، التي لا تحتمل جدالاً، ولا تحتاج نقاشاً.
التعصب الأعمى
المنحى الذي اتخذته تلك الفئة المستنيرة، أوجد تياراً شعبياً أكثر منها تعصباً، وأشد حدة، في مواجهة الأمور، حيث أصبح الجميع بلا استثناء خبراء استراتيجيين، وناشطين سياسيين، ومفكرين، تتملكهم رغبة محمومة في قيادة الأمور، وتوجيه دفتها، وفق رؤيتهم الخاصة، التي تبلورت من خلال ما يتلقونه من معلومات، هي - في الأغلب - كاذبة.. رؤية خاطئة يمجدونها، ويتعصبون لها، تعصب الأعمى الذى لا يرى، ولا يعترف إلا بما يعتقده هو ، أو كمن يشجع فريقاً لكرة القدم يراه دوماً هو الأفضل، ولا فرق لديه إن كان فريقه بالفعل جديراً بالفوز، أو يستحق الخسارة، مما زاد حالة التشنج الشعبي، وساهم في اتساع هوة الفرقة، وكرّس حالة الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، الأمر الذي يجعلنا قاب قوسين أو أدنى من مرحلة انفجار داخلي، من شأنه أن يطيح بكل المفاهيم والقيم والمبادئ التي ترتكز عليها حياة الأوطان، انفجار ستتناثر معه أشلاء المستقبل الذي نعول عليه من أجل التغيير للأفضل الذي نطمح إليه جميعاً، وسيحوله من مستقبل مشرق، إلى مستقبل مظلم، بل ومجهول العواقب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق