02‏/04‏/2018

مرافئ/ حلبجة.. جراحات لم تندمل


د. يحيى عمر ريشاوي
تعود بي ذاكرة الحزن والمآسي في وطني إلى ما قبل ثلاثين سنة، حين أغارت طائرات بلدي! على مدينتي (حلبجة)، وذلك على مرأى ومسمع من العالم المتحضـر والصامت!! فقبل 30 سنة أفاق العالم على وقع خبر جريمة إنسانية مروعة، حين أضاف النظام البعثي إلى سجل جرائمه المتكررة في الإبادة والتقتيل والتهجير جريمة أخرى، لا بحق عدوه إيران، ولا بحق غريمته إسرائيل - والتي قصفت العاصمة بغداد في وضح النهار - ولا بحق الدول التي أوقعته في فخ حرب دامت لأكثر من ثمان سنوات! وإنما بحق مواطنين ضحايا، مسالمين، جريمتهم الوحيدة: هويتهم الكوردية والإسلامية.
ويبدو أن حظ هذه المدينة المنكوبة من الظلم والتهميش لم ينته بزوال النظام البعثي، فلم تمض سوى خمس سنوات حتى تكررت مأساة الاقتتال الداخلي من قبل الأخوة الأعداء! فكان نصيب هذه المدينة مرة أخرى
القصف والدمار والحصار والتهجير، والتي لا تزال آثارها شاخصة حتى هذه اللحظة! وصدور قرار تحويل هذه المدينة إلى محافظة رابعة في الإقليم (في الوقت الضائع) لم يشف جراحاتها، وزائر حلبجة اليوم في  (16/3/2018) لا يحس بأي معلم من معالم محافظة حقيقية بمعنى الكلمة.
وربما تدني نسب مشاركة مواطني حلبجة عاماً بعد عام في المناسبة السنوية التي تقام لهذه الذكرى الأليمة، دليل واضح على هذا الإحساس بالتهميش. وحين تخاطب الساكنين في هذه المدينة، يسردون لك قائمة طويلة بالقرارات المؤلمة والمهمشة – بكسـر الميم- لمطالبهم وحقوقهم الطبيعية، ولسان حالهم يقول: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع الحسام المهند !
والأشد من هذه وتلك، وبالرغم من أن حكومة بغداد لا تريد حتى الآن التعامل مع هذه المدينة كمحافظة رقم (19) في العراق، ولم تخصص ميزانيات للتعويض والإعمار، و(حلبجة) ليست مسجلة في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات كمحافظة مستقلة، وغيرها من قرارات الغبن والتهميش، تجد المسؤولين العراقين يتقاطرون على هذه المدينة في (16/3)، ويعتلون المنابر، ويتنافسون في توجيه الكلمات، والخطابات المنمقة، والتي إن لم تزد من وطأة الحالة النفسية لأهالي هذه المدينة، فإنها لا تغني ولا تسمن من جوع، ومن تهميش!
يكفي قارئ هذه الكلمات زيارة واحدة لهذه المدينة المنكوبة، بمعنى الكلمة، حتى يرى بأم عينيه هذه الصورة المفرطة في التشاؤم، والتي تؤكد - بحق - أن جراحات هذه المدينة لم تندمل، ولا أمل بأن تندمل في المدى القريب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق