02‏/04‏/2018

الهاربون دائماً..


أحمد الزاويتي
ليس كل هروب هزيمة!!.. هكذا كان هروبنا المليوني ربيع عام 1991 نصراً جلب للكورد من المكتسبات ما لم تجلبه ثورات وانتفاضات.. أجمع عليه الكورد، فهربوا، بمختلف طبقاتهم، وأفكارهم، وأحزابهم، شعباً ومسؤولين، فقراء وأغنياء..
لأول مرة يجتمع الكورد على كلمة سواء بينهم؛ الهروب نحو المجهول، مهما كانت النتيجة!
هزّ ذلك ضمير العالم، ليجتمع (مجلس الأمن الدولي) - لأول مرة - بحق الكورد، فيقرر في الخامس من نيسان من عام 1991 القرار 688، لتكون نتيجته كيان كوردي معترف به، وهو ما نسميه حالياً بإقليم كوردستان العراق.
لم يستطع الجيش العراقي اجتياح ذلك الكيان، وإلغائه! فحتى (صدام حسين) عندما دخل عام 1996 بهيله وهيلمانه (أربيل)، انسحب منها – فوراً - بطلب أمريكي.. وعندما جاء (حيدر العبادي) منتصراً من حرب (داعش)،
ليجتاح إقليم كوردستان، وقف عند الحدود التي حددها القرار 688، ولم يأخذ غير المناطق التي هي خارج تلك الحدود، في اليوم الأسود؛ السادس عشر من اوكتوبر عام 2017.. هذا ما قصدته بالتحديد (هروبٌ نحو القمة)، كعنوان لروايتي التي صَدرت أواخر عامنا الماضي 2017.

القصة:
الرواية هي قصة (أوميد)، في الخامس والعشرين من عمره، واسمه يعني الأمل – رمز التفاؤل بالمستقبل - يواجه مع عائلته المؤلفة من: زوجته (كانيك) (بمعنى: العين= النبع) – رمز العطاء -، وطفلاه: (بهيفان) (بمعنى: المعزّي) – رمز النكسات والمأساة - عمرها سنتان، و(سرهلدان) (بمعنى: الانتفاضة) – رمز الثورة والانتصارات - عمره أسبوعان..
 يواجه (أوميد) مع عائلته الهروب واللجوء إلى الحدود التركية، ضمن الهجرة المليونية عام 1991، هرباً من تقدم الجيش العراقي نحو كوردستان، لسحق انتفاضة الكورد المندلعة في 5 مارس آذار من عام 1991 وحتى الثلاثين من الشهر نفسه.
أخرج المنتفضون مؤسسات السلطة والجيش من مناطقهم، بعد خسارة الجيش العراقي معركة الكويت، وانسحابه منها، بداية عام 1991.. يعود الجيش ليعيد السيطرة على المحافظات الكوردية: دهوك، أربيل، والسليمانية.. فيهرب شعب بكامله، خشية أن تطاله أحداث سيئة الصيت وقعت لهم، كقصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، وكذلك عمليات الأنفال (وهي أحداث مهولة، عاشها شعب كوردستان عام 1988).. بعد عشرة أيام من السير على الأقدام، وفي ظروف مناخية قاسية، يموت طفلا أوميد: بهيفان وسرهلدان، وزوجته كانيك، فيَصِل هو وحده (مخيم جَلي)، الذي كان يتجه إليه غالبية اللاجئين.. هذا هو ملخص قصة تاريخ الكورد عندما يفقدون كل شيء؛ العطاء (كانيك)، والمآسي (بهيفان)، والانتصارات (سرهلدان)، لا يفقدون الأمل بالمستقبل (أوميد)..

الحدث
الرواية تعرض من خلال قصة هذه العائلة، الحدث الرئيس، وهو المأساة التي وقعت بسبب الهروب، إضافة إلى مقاطع مهمة من التاريخ الكوردي خلال المائة سنة الأخيرة، والمظالم التي تعرض لها هذا الشعب في كل من تركيا والعراق وإيران، في مناسبات مختلفة، ذلك عندما يعود (أوميد)، بعد ست وعشرين سنة ليتعقب الطريق الذي هربوا فيه من مدينتهم في دهوك يوم 31 من مارس آذار 1991، ويستمر حتى 10 من نيسان/ابريل 1991، حتى يصلوا مخيم جَلي على الحدود التركية العراقية.
عودة (أوميد) لتعقب طريق الهروب هذا، هو ليوم واحد، في 31 مارس/ آذار من عام 2017.. يمر فيه بسيارته حتى الحدود التركية، وأثناء مروره يستذكر تفاصيل الأحداث التي وقعت حينها، التي وقعت له، أو التي وقعت لغيره، وكان هو شاهداً عليها، أو التفاصيل التي سمعها من الناس، ليضمها الراوي في هذه الرواية.

المكان
إذن مكان الرواية الرئيس هو طريق الهروب من دهوك باتجاه الأراضي التركية، لكن في ثنايا ذلك تتداخل أماكن كثيرة أخرى، حيث يستغل الراوي روايته ليتذكر كل ما يرى له علاقة وبطريقة ما بأحداث الرواية، فيكون ذلك المكان جزءاً من أماكن الرواية. فكل رقعة كوردستان، التي تبدو للراوي أنها لا تنتهي، هي مكان للرواية: فإذ تنتهي الحدود العراقية لتبدأ حدود الدولة التركية؛ فإن كوردستان لا تنتهي ولا تبدأ، بل تتمدد شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، هناك أينما تولّي وجهك فثمة كوردستان.

الزمان:
أما الزمان، فرغم أنه زمنين رئيسين:
-                     24 ساعة من يومي الحادي والثلاثين من مارس/ آذار، والأول من نيسان/ أبريل من عام 2017، الزمن الذي يعود فيه (أوميد) بعد ست وعشرين سنة، ليتذكر تفاصيل هروبهم
-                     زمن الهروب الذي بدأ في الحادي والثلاثين من مارس/ آذار، واستمر حتى العاشر من أبريل نيسان، سنة 1991..

لكن هناك أزمنة أخرى مختلفة تدخل في الرواية، تمتد إلى مائة سنة، حيث يستغل الراوي الرواية ليأتي بأحداث مختلفة ومتشعبة لها علاقة - بطريقة من الطرق - بالحدث الرئيس الذي يحدث، وهو الهروب..

الأسلوب:
الرواية واقعية تاريخية، لكنها تمزج بين نظريتين:
-                     الرواية من كونها واقعاً مستمداً من الخيال..
-                     الرواية كخيال مستمد من الواقع..
حتى درجة أن كل ما يذكر الراوي من أحداث هي حقيقية ووقعت فعلاً، ومنها ينطلق الراوي ليطلق العنان للخيال، لتصنع العالم الخاص بالرواية.. الأحداث واقعية، وكذلك الشخصيات، لكن هناك مزج يحصل بين الأحداث وبين الشخصيات.. كمثال؛ فأوميد - مثلاً- يستخدمه الرواي ممثلاً عن كل الهاربين الذين تجاوزوا المليون في ذلك الحدث العظيم، في الوقت الذي أوميد هو شخص واحد.. لهذا يعطي الراوي الحرية لنفسه ليدخل في شخصية أوميد شخصيات كثيرة، ويمنحه أحداثاً حقيقية، أوسع بكثير من مدى الحدث الحقيقي الذي عاشه أوميد بنفسه في الهروب.

قصة كتابتي لهذه الرواية:
منذ ست وعشرين سنة أكتب في هذه الرواية! منذ زمن وقوع الحادثة 31/آذار/ 1991 إلى 10/نيسان/1991، وحتى عندما انتهيت منها في نوفمبر من العام الماضي 2017.
كلما حاولت مراجعتها كنت أعيد صياغتها، كنت أكتب فصولاً دون أن أختمها، كنت أغيّر في الشخصيات، أجدّد فيها، أضيف وأنقص، حتى في شخصية البطل الرئيس (أوميد)، بل حتى في عنوان الرواية.. وبقيت كل تلك المراحل التي تطورت فيها روايتي هذه محفوظة عندي؛ منذ مرحلتها الأولى، والتي كانت عبارة عن مذكرات بسيطة أكتبها كأحداث تقع أثناء هروبي كـ (أحمد الزاويتي) مع الهاربين، تلك المذكرات كتبتها على قصاصات ومسودات، ثم سردتها في دفاتر خاصة، هي ما أصبحت المادة الخام الرئيسة لهذه الرواية. ثم بدأت الخاطرة الأدبية، لتعمل عليها وتبنيها وتصنعها، وينطلق الخيال في ذلك العالم الخاص (المادة الخام).
 بداية كنت أخرج قصصاً من ذلك الخام، ومن ثم تأتي مرحلة الرواية، التي بدأت بالتحديد عام 2000. ثم بدأت أراجعها كلما رأيت الفرصة إلى ذلك، بل كلما شدّني الشوق إليها، حتى خطر ببالي أن أجهزها للنشر بطابعها الحالي.

ما بعد الطبع:
لم أتوقع النجاح الذي حققته الرواية في هذا الوقت القصير، وهو 4 أشهر بعد طبعها، حيث تفاعلت معها المؤسسات الأدبية في كوردستان العراق.. فألقيت حولها وعنها ثلاث مؤتمرات في (اتحاد الكتاب الكورد) في كل من دهوك وأربيل، إضافة إلى مؤتمر في (جامعة سوران).. وعُرض عليّ، من قبل أطراف مختلفة، للقيام بترجمة الرواية للغات الكوردية والتركية والإنكليزية، وكذلك طبعة ثانية خاصة لمصر والدول العربية، من قبل مركز القاهرة للدراسات الكوردية، وكذلك عرض عليّ تحويلها لفلم سينمائي. كل ذلك لا يزال البحث فيه مستمراً.

الهدف من الرواية:
توثيق ذلك الحدث التاريخي العظيم، أدبياً وعربياً.. فالرواية توثيق، مثلما هي أدب، خاصة إذا كانت تاريخية واقعية كروايتي هذه. وفي ذلك أهمية كبيرة من كونها حاجة كوردية عربية مشتركة؛ ففي الوقت الذي لم يستطع الجانب الكوردي إيصال قضيته الى الجمهور العربي، لا كسلطة، ولا كسياسيين، ولا أحزاب، تأتي هذه الرواية لتوصل هذه القضية، بهدوء الكتاب المعهود، للقارئ العربي؛ الذي سيعرف -من خلال هذا الكتاب- مرحلة تاريخية مهمة لهذا الشعب، وجزءاً مما وصل إليه الأدب الكوردي المصاغ عربياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق