شوان زنگنة
أجرى مركزُ (ميتروبول
للأبحاث) (MetroPOLL ) استطلاعاً للرأي حول موقفِ المواطنين الأتراك
من الأحزاب السياسية حسب أعراقِهم وإثنِيَّاتِهم، ويُعتبَر هذا الاستطلاعُ واحداً
من الاستطلاعات النادرة التي تدرُس توَجُّهاتِ الشّارِع التركيّ تِجاهَ الأحزاب،
حسب الإنتماءاتِ القوميّة والعِرقيّة ..
ولِأهمِّية هذا الاستطلاع، تَطلَّبَ تَحليلَهُ وبيان ما فيه من المُؤشّـِرات
السياسية والاجتماعية، والوقوف على نَبَض الشّارع وما يَحمِلُه من إمكانيّات
إستشراف المستقبل السياسي التركي.
ولإجراء تحليلٍ مُتكاملٍ، لا بُدَّ من الرُّجوع إلى بعض الإحصَاءات حول آخِر تِعدادٍ للسّكان، ونتائجِ آخرِ انتخاباتٍ برلمانيّة تمَّ إجراؤُها في تركيا.
الكلماتُ المِفتاحيّة:
* اليمينُ القوميُّ المُحافِظ: الإسلاميُّ القوميُّ، والإسلاميُّ
المُتديِّن، معظمُ قواعدِ حزب العدالة والتنمية(AKP)، وبعضُ قواعدِ حزب الخير((IYI Parti، وقليلٌ في
حزب الحركة القومية(MHP) .
* اليمينُ القوميُّ الأتَاتوركيُّ: قوميّ، تركيّ، طُورانيّ، معظمُ قواعدِ
حزب الحركة القومية.
* اليَسارُ الأتَاتوركيّ العَلمانيّ: عَلمانيّةُ الجمهوريةِ الحديثةِ الاشتراكيّةِ
الاجتماعيّةِ، التيّارُ اليَساريُّ العَولَميُّ العَلَويُّ داخلَ حزب الشعب
الجمهوري(CHP).
* اليَسارُ الاتَاتوركيُّ الوطنيّ: اليَساريّةُ الوطنيّة، التي يُمثِّلُها
الحرسُ القديم والقيادةُ الكلاسيكيّة لحزب الشعب الجمهوري .
1- تِعدادُ السُّكّان، والعّددُ التّخمِينيُّ لنُفوسِ الإثْنِيَّاتِ:
ليس هناك تِعْدادٌ رَسمِيٌّ لِنفُوس القوميّات القاطِنة في تركيا، ولكن
يُمكِن تَخمِينَها بالمُقارَنة بِبَياناتٍ تَدُلُّ عليها؛ كنتائجِ الانتخابات،
ومعلوماتِ مراكز الأبحات المحليّة والعالميّة، والتِّعدادِ السكانيّ للمُحافظاتِ
حسبَ الكثَافَة القوميّة. لذلك ستكون الأرقام تقريبيّة، ولكنها مُقارِبَة للواقِع.
* عددُ سكّان تركيا، حسب إحصاء 2019 = 83,154,797 ، ولنَقلْ أنّه الآن =
حوالي 84 مليون نَسَمة.
* عددُ مَنْ يَعتبِرون أنفسَهم من القوميّة التركية حوالي 62.4 مليون نسمة،
وبما يُعادِل 75% من السكّان .
* عددُ السكّان الأكراد، ومِن ضِمنِهم (الزازا)، حوالي 16.63 مليون نَسمة،
وبما يُعادل 20% من السكّان.
* عددُ السكّان العرب حوالي 0.83 مليون نَسمة، وبما يُعادل 1% من السكّان،
مِن غيرِ السوريّين المُتجنِّسين مُؤخَّراً .
* عددُ مُهاجِري القُوقاز (من أواسطِ آسيا) حوالي 1.66 مليون نَسمة، وبما
يُعادل 2% من السكّان.
* عددُ مُهاجِريّ البَلقَان ( شـرق أوروبا) حوالي 2.5 مليون نَسمة، وبما
يُعادل 3% من السكّان.
ولِعدم وجودِ إحصاءٍ رسميٍّ تركيّ بخصُوص نفُوس الإثنيَّات القاطِنة في
تركيا، لذا تمَّ الاعتمادُ على الأُسُس التّاليَة في تَخمين نفُوس هذه القوميّات،
وهي أرقامٌ تقريبيَّة قريبةٌ من الواقِع:
- تِعدادُ سكّان كلِّ محافظة، وتَخمِينُ الكثافَة السكّانية العِرقيّة
فيها.
- الأرقامُ الرسميّة وشبهُ الرسميّةِ بخصُوص المُهاجِرين القَفقاز،
ومُهاجِري البَلقَان.
- مجموعُ الأصواتِ التي حصلَ عليها حزب الشعوب الديمقراطي، إذ دخلَ الحزب
الانتخابات بمُفردِه، والذي يُعتبَرُ جُلّ أصواتِه من الأكراد، وإضافةُ هذه
الأصوات إلى أصواتِ الأكراد الّذين صَوتّوا لحزب العدالة والتنمية، والتي تكون
عادةً قريبةً من الأصواتِ التي حصلَ عليها حزب الشعوب الديمقراطي.
- الأخذُ بنَظرِ الاعتِبارِ، رأيَ المواطنِ نفسِه في انتمائِه القوميّ، إذ
يَعتبِرُ بعضُهم نفسَه مُنتمِياً للقوميّة التركيّة، وهو ليس كذلك في الأصل.
2- نتائجُ آخرِ انتخاباتٍ جَرتْ في 24 حزيران 2018:
جرَتْ في تركيا انتخاباتٌ برلمانية عامّة بتاريخ 24 حزيران 2018، حيث كان
عددُ الناخبين هو 59354840 ناخباً، وحصلتِ الأحزاب الرئيسيّة الخَمسة على النتائج
التالية:
حزب العدالة والتنمية 21335581 صوتاً ، وهي تعادل 42.56% من
مجموع الأصوات الصحيحة المَحسُوبَة.
حزب الشعب الجمهوري 11348878 صوتاً
، وهي تعادل 22.64% من مجموع الأصوات الصحيحة المحسوبة.
حزب الشعوب الديمقراطي
5865977 صوتاً ، وهي تعادل 11.7%
من مجموع الأصوات الصحيحة المحسوبة.
حزب الحركة القومية 5564514
صوتاً ، وهي تعادل 11.1% من مجموع الأصوات الصحيحة المحسوبة.
حزب الخير 4990710 صوتاً ، وهي تعادل 9.96%
من مجموع الأصوات الصحيحة المحسوبة.
علماً بأنّ حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، كانا قد شكّلا اتفاقاً
قبل الانتخابات باسم (اتفاق الجمهور)، الذي حصل على 26900095 صوت، وبما يُعادل
53.66% من مجموع الأصوات، كما وأن حزب الشعب الجمهوري، وحزب الخير، وحزب السعادة،
شكّلتْ اتفاقاً انتخابياً باسم (اتفاق مللت)، الذي حصل على 17013319 صوت، وبما
يعادل 33.94% من مجموع الأصوات. أما حزب الشعوب الديمقراطي، فقد خاض الانتخابات
لوحده منفرداً.
وكانت نسبة عدد الناخبين إلى عدد السكان هي : 59354840 /83154797 = 71.38%.
3- تحليل بيانات مؤسسة ميتروبول:
البياناتُ تُشيرُ إلى تَوجُّهِ
مُنتمِي القوميّات والأعراق الرئيسية القاطِنة في تركيا، وهي كالآتي:
A- الأتراك، أو الذين يَعتبِرون
أنفسَهم ينتمُون إلى القومية التركية:
لدى الأتراك ثلاثة توجُّهاتٍ رئيسية:
* التوجُّه الإسلاميّ، بنوعَيه: العربي الكلاسيكي، والعثماني القومي
الوطني. وغالبيّة هذا التوجّه يصوِّتون لحزب العدالة والتنمية. وينتشر هذا التوجّه
في كلّ انحاء تركيا، وتزداد كثافتُه في وسط وشـرق الأناضول، إضافةً إلى البحر
الأسود، وتقُلّ كثافتُه في السواحل الغربية والجنوبية من تركيا.
* التوجّه القومي، بنوعَيه: القومي الإسلامي المُحافِظ،الذي يُصوِّت
أكثريتُه لحزب الخير، ومنهم جماعةُ فتح الله غولن، والبعض الآخر يصوّت لحزب
العدالة والتنمية، ومناطقُ تَمركُزِه هي غرب الأناضول.. والقومي الأتاتوركي الوطني
اليميني، الذي يصوّت أكثريته لحزب الحركة القومية، بشكل رئيسي، والبعض الآخر يصوّت
لحزب العدالة والتنمية، وهم من يُديرُون شُؤونَ الدولة الداخلية والخارجية في
الوقت الراهن، ويَتمركَز هذا التوجّه في وسط الأناضول.
* التوجّه العَلماني الأتاتوركي، بنوعَيه: العَلماني الأتاتوركي الوطني،
ويُمثِّله الحرس القديم داخل حزب الشعب الجمهوري، وهو التيّار الضعيف داخل الحزب..
والعَلماني الأتاتوركي العَولَميّ اليساريّ، المُعادي للتيار القومي الوطني، وهي
الشـريحة العَلَويّة التي تُسيطر على زمام الأمور داخل حزب الشعب الجمهوري. ويُعتبَر
هذا التوجّه القاعدة الأساسية لحزب الشعب الجمهوري، وينتشر هذا التوجّه بالخصوص في
السواحل الغربية والجنوبية لتركيا وأسطنبول وأنقرة، إضافةً إلى مدينة (تونجالي)
العَلويّة اليسارية في شـرق الأناضول.
* قليلٌ جداً من الأتراك يصوِّتون لحزب الشعوب الديمقراطي، وتأتي هذه
الأصوات القليلة من الإسلاميين الأتراك المساندين للقضية الكوردية، والتيار التركي
العَلوي العَولَمي اليساري المُناهِض لسلطة نظام الحكم، والمُساند للقضية الكوردية.
B- الأكرادُ والزَازَا:
لدى الأكراد توجُّهان سياسيان رئيسيان، فحوالي 90% من أصواتهم تذهبُ
مناصَفة (تقريباً) إلى حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب العدالة والتنمية. فالتيار الإسلامي
الكوردي المُحافظ يصوِّت دوماً لحزب العدالة والتنمية، أما التيار اليساري القومي،
فهو يصوِّت دوماً لحزب الشعوب الديمقراطي، ويقفُ إلى جانب هذا التيار في تصويته
لحزب الشعوب الديمقراطي، تيار آخر هو التيار القومي المُحافِظ (المُتَديِّن).
هذان التوجُّهان يمثّلان ثُلثَي عدد الناخبين الأكراد، والذي يتناصَفه
(تقريباً) حزب الشعوب الجمهوري، وحزب العدالة والتنمية. أما الثُلثُ الآخر،
فمُعظمه من التيار الرافِض للسلطة وللانتخابات، ومِمّن يصوِّتون للأحزاب السياسية
الأخرى. ويتمركَز تواجدُ الأكراد في شـرق وجنوب شـرق تركيا، ومدن: أسطنبول، وأزمير،
وأنطاليا، وأنقرة، وأدنه، ومرسين.
C- القوميةُ العربيةُ:
العربُ في تركيا، مُحافِظون مُتديِّنون على العموم، وتشكَّلتْ توجّهاتُهم
السياسية حسب المحيط الذي تواجدوا فيه، ويتواجَدون بكثافة في مدينتي: ماردين،
وسيرت، بالإضافة إلى انتشارهم في المنطقة بين أدنة، وديار بكر، على الحدود
السورية، فالعرب الذين يعيشون في قرى هذه المناطق، يصوِّتون عادةً لحزب الشعوب
الديمقراطي، بحُكمِ جوارهم للأكراد (حوالي 7% من الناخبين العرب)، والعرب
القاطِنون في مراكز المدن الرئيسية في المنطقة، ينقَسِمون عموماً إلى قسمين:
الإسلاميون المُحافظون، الذين يصوِّتون لحزب العدالة والتنمية (حوالي 39% من
الناخبين العرب)، والقوميون المحافظون، وهم الذين يصوّتون لحزب الحركة القومية
التركي (19.5% من الناخبين العرب)، وهناك توجّه يساري عربي في مراكز المدن، وهو
توجّه سياسي أكثر مما هو توجه فكري، ويتمركَز عادةً في المدن الساحلية كإزمير
وأنطاليا التي تُعتبَر قلاعاً لليسار، ويصوّت هذا التيار لحزب الشعب الجمهوري بحكم
المُعايشة والجوار (حوالي 17% من الناخبين العرب).
D- مهاجرو البلقان:
وهم الذين هاجروا، أو هُجِّروا، من دول البلقان؛ كبلغاريا، واليونان،
ويوغسلافيا، وألبانيا، إبَّان الحرب العالمية الأولى وما بعدها، بسبب أصولهم
التركية، والذين سكنوا المناطق الغربية من تركيا، وبالأخص إزمير، وأدرنه، وبورصة،
وما جاور هذه المدن. وهم في العموم علمانيون، يساريون، ولكن هذا لا يعني عدم وجود
شريحة متدينة محافظة بينهم. ويمتاز هؤلاء بعزوفهم عن السياسة، وعدم مشاركتهم في
الانتخابات (حوالي 36.8% منهم من الرافضين)، ويصوت حوالي 26.3 % من ناخبيهم لصالح حزب الشعب الجمهوري،
بينما يصوت حوالي 15.8% من ناخبيهم لصالح حزب العدالة والتنمية، وكذلك يصوت 10.5%
من ناخبيهم لصالح حزب الخير، وهم الشـريحة التي تؤيد وتناصر جماعة فتح الله غولن. أما
حزب الشعوب الديمقراطي، فنصيبه من هذه القومية هو حوالي 5.3%.
E- مُهاجِرو القَفقاز:
وهم القفقاس والشركَس والأبخَاز المُهاجرون، والمُهجَّرون، من أواسط آسيا
إلى تركيا، والذين استقرُّوا في شـرق ووسط الأناضول، وبعض الأجزاء من البحر
الأسود، وهم قاطبةً قوميون، وكثيرٌ منهم إسلاميون قوميون، يذهبُ جُلُّ أصواتهم إلى
تلاتة أحزاب، حزب الحركة القومية (حوالي 33% من أصوات الناخبين)، وحزب العدالة
والتنمية (حوالي 22% من أصوات الناخبين)، وحزب السعادة (حوالي 22% من أصوات
الناخبين)، أما العازفون عن السياسة، فهم يمثلون حوالي 22% من ناخبيهم.
4- تحويلُ هذه التوجُّهات والمعلومات إلى لغةِ الأرقام:
يُمكن ترجمة التوجّهات القومية إلى لغةِ الأرقام، وكالآتي:
- لمّا كان مجموعُ نفوس سكّان تركيا هو 83154797 نسَمة، وعددُ الناخِبين هو
59354840 ناخِباً. وبالتالي، فإن نسبة عدد الناخبين إلى العدد الكلي للسكان سيكون
71.38%، لذا وجَب إيجادُ عدد الناخِبين لكلّ شـريحة قومية على حِدَة، ومن ثَمَّ
توزيعُ أصوات الناخِبين على الأحزاب،
وكالآتي:
أولاً: إيجادُ عدد الناخِبين لشـريحةِ القومية التركية:
عدد النفوس التَّخمينِيّ للقومية التركية هو حوالي 62400000 نسَمة.. وبالتالي،
فعددُ ناخِبيهم المُخمَّنُ سيكون: 62400000 × 0.7138 = 44541120 ناخباً. وتتوزَّع
أصواتُهم على الأحزاب الرئيسية كالآتي:
حزب العدالة والتنمية: 44541120×
0.297 = 13228712 صوتاً.
حزب الشعب الجمهوري: 44541120× 0.192 = 8551895 صوتاً.
حزب الخير: 44541120
× 0.106 = 4721358 صوتاً.
حزب الحركة القومية: 44541120 ×
0.082 = 3652371 صوتاً.
ثانياً: إيجادُ عدد الناخبين لشـريحة الأكراد( الأكراد والزازا) :
عدد النفوس التَّخمينيّ للأكراد (مع الزازا) هو حوالي 16630000 نسمَة، وعدد
الناخبين سيكون: 16630000× 0.7138 = 11870494 ناخباً، 90% من أصوات الناخبين
الأكراد ذهبتْ إلى حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب العدالة والتنمية، والباقي ذهبت
لبقية الأحزاب. وعلى هذا الأساس، سيكون نصيب الحزبين من الأصوات هو 10683444 صوتاً،
وقد حصل حزب الشعوب الديمقراطي فعلياً في هذه الانتخابات على 5865977 صوتاً، فيكون
حزب العدالة بذلك حاصلاً على: 10683444- 5865977 = 4817467 صوتاً كورديّاً.
ثالثاً: إيجادُ الناخبين للقومية العربية، وتوزيعُها على الأحزاب:
عدد النفوسُ التخمِينيّ للشريحة العربية هو 830000 نسَمة، وعددُ الناخِبين
للشـريحة العربية = 830000 × 0.7138 =
592454 ناخباً، وتتوزّع أصواتُهم على الأحزاب كالآتي:
حزب العدالة والتنمية: 592454 ×
0.39 = 231057 صوتاً.
حزب الشعب الجمهوري: 592454 ×
0.171 = 101309 صوتاً.
حزب الحركة القومية: 592454 ×
0.195 = 115528 صوتاً.
حزب الشعوب الديمقراطي: 592454 ×
0.073 = 43249 صوتاً.
رابعاً: إيجادُ عدد الناخبين لمُهاجِري البَلقان:
عدد النفوسُ التخمِينيّ لشـريحة مُهاجِري البَلقان هو 2500000 نسَمة، وعدد
ناخِبيهم هو 2500000 × 0.7138 = 1784500
ناخباً، وتتوزّع أصواتُهم على الأحزاب كالآتي:
حزب العدالة والتنمية:
1980000 × 0.158 = 312840 صوتاً.
حزب الشعب الجمهوري: 1980000 ×
0.263 = 520740 صوتاً.
حزب الخير:
1980000 × 0.105 = 207900 صوتاً.
حزب الشعوب الديمقراطي: 1980000 ×
0.053 = 104940 صوتاً.
خامساً: إيجادُ عدد الناخِبين لشريحة
مُهاجِري القَفقاز:
عدد النفوس التخمينيّ لشـريحة مُهاجِري القَفقاز هو 1660000 نسَمة، وعددُ
ناخِبيهم هو 1660000 ×0.7138 = 1184908 ناخباً، وتتوزّع أصواتُهم على الأحزاب
كالآتي:
حزب العدالة والتنمية:
1184908 × 0.222 = 263049 صوتاً.
حزب الحركة القومية:
1184908 × 0.333 = 394574 صوتاً.
حزب السعادة :
1184908 × 0.222 = 263049 صوتاً.
5- التحليلُ السياسيُّ للبياناتِ:
يَتبيَّنُ من البيانات أنّه هناك قوميَّتَين أساسيَّتَين تُوثِّران في
السياسة التركية ونظامِ الحكم فيها، هما: القوميةُ التركية، والقوميةُ الكوردية.
أما القوميّات الأخرى، كالقَفقاز، والشّـَركَس، والتُّركمان، ومُهاجِرو البَلقان،
واللَّاز (القاطِنون في سواحل البحر الأسود)، وغيرهم، فهم يَعتبِرون أصولَهم تركية.
كما أنّ الكثافة السكّانية للعرب في تركيا قليلة، ومَحدودَة في بُقعَة صغيرة،
إضافةً إلى أنّها ذائِبة ثقافياً داخل الشـرائح الاجتماعية الأخرى. ولم يُدرِج
المركزُ في إستِطلاعِه موقفَ العِرق الأرمَنيّ السياسي في تركيا، وأظنّه بسبب
قِلّة عدد السكان، وانقسامهم السياسي بين فئة راضِخة واقِعة تحتَ سُلطة الدولة،
وفئة مُضـرِبة عن السياسة ورافِضةٌ للسلطة. كما لم يُدرِج بقية الإثنيَّات،
كاليهود، ويهود الدُونمَة، والرُّوم، لقلّةِ عددهم، وعُزُوفِهم عن السياسة.
ومع قيام الجمهورية التركية بقيادة أتاتورك، نشبَ صراعٌ إثنيٌّ بين
القوميَّتَين، وانتهت بذلك فترةُ التَّحالُف التركي الكوردي، الذي أسَّسه الشيخ
إدريس البتليسـي بين أمراء الأكراد والسلطان سليم الأول سنة 1515م، أي بعد سنة من (معركة
جالديران)، التي انتصـر فيها السلطان سليم الأول على الشاه إسماعيل الصفوي، هذا
التَّحالفُ الذي حمَى شـرقَ الدولة العثمانية، وفتحَ أبوابَ الشام ومصـر لها بعد
إسقاط المماليك، وحقَّق التوازُن بين الفرس والأتراك.
جَلبَت الجمهورية، بعدَ (مُعاهَدة لوزان)، التي ألغَتْ حقَّ تقريرِ المصير
للكورد، الذي نَصَّتْ عليه (مُعاهَدة سيفر)، الصّـِراعَ والاضطرابات مع الأكراد،
فقامتْ ضدّها عدة حركاتٌ مناهِضة، أشهرُها، حركةُ الشيخ سعيد بيران، وآخِرُها حركة
حزب العمال الكوردستاني بقيادة عبدالله أوجلان، الذي أسَّس أوّل قاعدةٍ عسكرية له
في شَمال العراق سنة 1983م.
يمتاز المجتمعان التركي والكردي بكونهما مجتمَعَين مُحافِظَين على العموم،
فأكثرية أبنائهما من اليمين المحافظ (حوالي 70%)، إلى جانب اليسار العَلماني (حوالي
30%)، علماً بأن اليمين المُحافظ ينقسم إلى قسمين: يمين قومي محافِظ، ويمين إسلامي
مُحافظ، وأن اليسار العَلماني ينقسم إلى قسمين: يسار عَلماني أتاتوركي، ويسار
عَلماني قومي، الذي يُشكّل الأكرادُ اليساريُّون معظمَه.
بدأَ المَدُّ القومي التركي المُحافظ بالظُّهور والتَّرَعرُعِ في
الستِّينات من القرن الماضي، فتَمَّ تحريكُ المشاعرِ القومية التركية المُحافظة، واستغلالها
ضدَّ التوجُّهات الشيوعية التي توغَّلت إلى تركيا ضمن مُخطَّط تصدير الاتحاد
السوفيتي لفكرِه الماركسـيّ في ذلك الوقت، ومحاولات احتوائِها، فأسَّس العميد
المتقاعد (ألب أصلان توركيش) - أحد قادة الانقلاب العسكري في 27 أيار 1960م - (حزبَ
الأمة القروي الجمهوري) سنة 1965م.. وفتح بابَ الصِّراعِ السَّاخِن بينَه وبين
اليسار الماركسيّ، بِشِقَّيهِ التركي والكردي، والمُلفِتُ للنَّظر أنّ هذا الحزب
كان يَنظُر إلى الأكراد على أنّهم يساريُّون ماركسِيُّون.
جَرتْ أحداثُ عُنفٍ كبيرة، بَدْءاً من أواخر الستينات، والمُسمَّاةُ بـ(أحداث
السبعينات الدامية)، بين اليمين القومي المحافظ، واليسار الماركسي، بِشِقَّيهِ
الأتاتوركي والقومي الكردي، ولعدم قدرة اليمين القومي التركي على مقاومة المَدِّ
الشيوعي وحدَه، والتخَوُّفِ من دخولِ تركيا تحت المَظلّة السوفيتية، تمَّ السَّماح
للتيار الإسلامي بتَشكيلِ حزب سياسي، لإسنادِ اليمين مَعنويّاً ضدَّ المَدَّ
اليساريّ، فقامَ (نجم الدين أربكان) بتأسيس حزب (مللي نظام) سنة 1969م.
بعدَ الانقلاب العسكريّ سنة 1970م، وإغلاقِ حزب (مللي نظام)، أسَّس نجم
الدين أربكان حزب (مللي سلامت)، سنة 1971م. وكان الأكراد والأتراك الإسلاميُّون هم
اللَّبنَة الأساسيّة لهذا الحزب، فتَشكَّلتْ بذلك، ومنذ ذلك التاريخ، آلِيَّةُ
التَّعامُلِ التركي الكردي داخل الحزب، وتأثيرُها على تَحالُفات الحزب مع الأحزاب
الأخرى.
أوَّلُ فكرةِ تَحالفٍ مع التيار الكردي ظَهرتْ داخل حزب الرَّفاه، قُبَيلَ
الانتخابات البرلمانية سنة 1991م، حيثُ كان الحزب أمام خيارَين: إما التَّحالُفُ
مع حزب (الجهد الشعبي الكردي)، والاستِحواذُ على مُعظم الصَّوت الكردي في المدن
التي فيها كثافة سكانية كردية عالية، أو التَّحالفُ مع حزب الحركة القومية، والحزب
الإصلاحي الديمقراطي القومي، وهما حركتان تركيتان قوميتان، وحدثَ في حينه نزاعٌ
شديد داخل الحزب بين وُجهَتَي النَّظر، تَطوَّر إلى تَضارُبٍ بالأيدي بين بعض
أعضاء قيادة الحزب. وبعد جِدالٍ طويل قرَّر الحزبُ الدخول في تحالفٍ مع التيار
القومي التركي، وحصل على 17.4% من أصوات الأكراد قي تلك المدن، بينما تحالفَ
الحزبُ الاجتماعيُّ الديمقراطي الشعبي (التركي اليساري) مع حزب الجهد الشعبي
الكردي، فحصل على 32.7% من أصوات الناخبين، في حين لا يحصلُ في العادةِ من تلك
المناطق إلا على ما دون 5%.
استمرَّ الجناحان المُتعارِضان داخل حزب الرفاه، الجناحُ المُوالِي للتَّحالف
مع التيار السياسي القومي الكردي، والجناحُ المُوالِي للتَّحالف مع التيار القومي
التركي، بالصّـِراعِ والجَدلِ، حتّى تاريخَ غلقِ الحزب من قبل السلطات الحاكمة، وانتقال
معظم كوادرِ الحزب إلى حزب العدالة والتنمية، الذي تأسَّس في 2001م.
تَهيَّأتِ الظُّروفُ أمام حزب العدالة والتنمية، في ظلِّ النظام العالَميِّ
الجديد، لِيكونَ الحزبَ الحاكم بلا مُنازِعٍ في تركيا مع بداية القرن الحادي والعشـرين،
فتصَدَّى مع بدايةِ حُكمهِ لأربعِ قضايا مهمة: تَحيِيدُ الجيش وعزلُه عن السياسة،
عمليةُ السلام مع الأكراد، تَوازنُ العلاقة مع إيران، السَّعيُ لأن تكون تركيا
قوةً إقليمية فاعِلةً في بُؤَرِ الصِّراعِ، وذلك للمُساهَمة في ضَمان أمنِ
إسرائيل.
اختيارُ حزبِ العدالة والتنمية لِحَلِّ القضية الكردية كان مُوفَّقاً، كما
أن اختيارُه لإدارة الحُكم وجعلِ تركيا قوةً إقليمية كان مُوفَّقاً أيضاً، فحزبُ
العدالة والتنمية يَمتازُ عن بقية الأحزاب التركية الأخرى، بأنّه يَحكُمه جناحان،
جناحٌ كردي وجناحٌ تركي، وهما الجناحان اللّذان جَعلا الدولة العثمانية تَحلُق
فوقَ أوروبا الشرقية وأواسط آسيا والشـرق الأوسط.
بدأَ حزبُ العدالة والتنمية مشـروعَ حَلِّ القضية الكردية سنة 2009م من (أوسلو)،
وانتهى المشـروعُ بالفشلِ سنة 2015م، وأسبابُ الفشل مُتعَدِّدة ومُتناقِضة، إلّا
أنّ الذي أطلقَ رَصاصةَ الرَّحمة على حلّ القضية الكردية هو الانقلابُ العسكريّ في
15 تموز سنة 2016م، فَقد ارتَمى الحزبُ والحكومةُ والدولةُ في حُضنِ التيّار
القوميّ الأتاتوركيّ المُحافِظ داخل الحزب وخارجَه، وذلك بسبب تَولِّيهِ مُهمّة
تَصفيةِ جماعة فتح الله غولن من مَفاصِل الدولة، فمَسكتْ هذه العُصبَةُ بزِمام
أمورِ الدولة، وتوغَّلتْ فيها، وتَرَجَّحتْ كفَّةُ التيار القومي التركي، وتمَّتْ
عملياتُ تصفيةٍ لقياداتِ الجناح الكردي من الحزب والدولة.
استطاعَ الرئيسُ التركي إردوغان أن يُحقِّقَ التَّوازُنَ الإثنِيَّ داخل
الحزب والحكومة والدولة منذ توليه السلطة في تركيا، ولغاية تَعرُّضِ سلطتِه للانقلاب،
إذ تَولّى بعد ذلك التيار القومي الأتاتوركي السلطةَ داخل الدولة العَميقة
التركية، ولكن ليس بعيداً عن سلطة وإرادةِ الرئيس إردوغان. الأمرُ الذي يجعلُه
مُؤهَّلاً من جديد لقيادة التوَازُن الإثنِيِّ والسياسي داخل الحزب والدولة.. وقد
لا تكونُ قيادة هذا التوازُن سَهلاً، كما كانت في السابق، وذلك لوجود عاملٍ خطير
خارجَ الحزب والحكومة، مُتحَكِّمٍ فيهما، وهو وجُود شـريكِ حكم قومي تركي، متمثل
بحزب الحركة القومية، على الرئيس اردوغان التعامل السَّلس معه، وضمان انسجامه مع
منظومة التوازُن هذه.
وأعتقدُ أنّ النِّظامَ العالَميَّ الجديد، الذي يسعَى لِجعلِ تركيا قوةً إقليمية،
سيَفرِضُ على تركيا، وعلى الرئيس التركي، التعاملَ مع القضية الكردية بمنطقِ
الرَّابح للطَّرفَين، وهذا يَستوجِبُ صياغةً جديدة للعلاقاتِ التركية الكردية في
كلِّ المنطقة، تتشَارَك فيها كلٌّ من تركيا وأمريكا وإسـرائيل والطرفُ الذي
يُمثِّلُ الجانبَ الكردي، وجلُّ المسؤولية تقعُ على الجانب الكردي، الذي يجب عليه:
* طَمأنةُ التيار القومي التركي بعدمِ سعيِه للاستقلال واستِقطاعِ الأراضي، *
ونَزعُ سلاحِ حزب العمال الكوردستاني، * وحَلّ حزبه السياسي في تركيا، * وإنشاءُ
حزبٍ سياسي كردي مستقل، ومن صميم الشعب الكوردي.. ويَبدو أنه هناك بوادِرُ واقعية
تُشيرُ إلى هذا الاتِّجاه، فالضغوط العسكرية التركية على قنديل، وسنجار، بدعم
أمريكي، قد تَعاظَمتْ، والأصواتُ
المُنادِية بحظر حزب الشعوب الديمقراطي، المُوالي لقنديل، قد تصَاعَدتْ في تركيا، بمُوازاةِ
حِراكٍ شعبيِّ كوردي في المناطق ذات الكثافة الكوردية العالية لتأسيس حزب كوردي
مُستقِل، من قبل شخصيات كوردية معروفة.
هذه المسؤوليةُ الجَسيمةُ واقعةٌ على عاتِق حكومةِ إقليم كوردستان، باعتِبَارِها
الطرفَ الرسميّ المُعترَف به دولياً، وأنها حازتْ على أكثرية أصوات الأحزاب
السياسية في البرلمان الكوردستاني.
الخاتمة:
قَسَّمَ الاستطلاعُ المجتمعَ الإثنِيَّ في تركيا إلى ست شرائح: الأتراكُ،
والأكرادُ، والزازا، والعربُ، ومُهاجِرو البَلقان، ومُهاجِرو القَفقاز.. ولو اعتبَرنا
الزَازَا من الأكرادِ - وهم فعلاً كذلك - فإنّنا سنكون أمام خمس شرائح. أما
مُهاجروا البَلقان، والقفقاز، فهم أقوامٌ من أصول تركية، قطنت دول القَفقاز
والبَلقان، هاجرَ أو هُجِّرَ قِسْمٌ منهم إلى الأناضول قبل حوالي 200 عام، وانسجَموا
مع المجتمعِ الأناضوليّ، وأصبَحوا جُزءاً منه. ولم يَذكرِ الاستِطلاعُ شـرائحَ
إثنِيَّةً أُخرى في تركيا، كالأرمَن، والرُّومِ، واليَهودِ، ويَهودِ الدُّونمَةِ
(اليَهودُ الذين أعلنُوا إسلامَهم بعد تهجيرِهم من السيلانيك، وتَوطُّنِهم في
الأناضول)، إما بسبب قلّة عددِهم، أو بسبب ضَعف ثِقَلِهم السياسيّ.
أمّا الأتراكُ، أو لِنَقُلْ الّذين يَعتبرون أنفسَهم أتراكاً، كالتركمان
والآذر واللاز، والمُنحدِرين من أصولِ الأوغوز والسلاجقة، فهم يعتبرون أنفسهم من
سكَنةِ الأناضول الأساسِيِّين. وهم يُمثّلون حوالي 75% من السكّان، ويَمتازون
بالطابِع المُحافِظ عموماً، وعلى مرِّ التاريخ، ولكن ومع سقوط السلطنة العثمانية
ونُشوءِ الجمهورية التركية على يدِ مؤسِّسها أتاتورك، غَطَّى الطابعُ العَلماني
اليميني القومي على الساحة السياسية في تركيا، ثم أخذَ هذا الطابِع في التوَجُّهِ
نحوَ اليسار في عَهد )عصمت إينونو(، وأصبحَ حزبُ الشعب الجمهوري الحاكم حزباً عَلمانياً قومياً
يسارياً، ويَبدو أنّ هذا التوَجُّهَ قد أقلقَ الغربَ الرأسمالي، مِمّا حَدا به إلى
دفعِ النِّظام السياسي في تركيا إلى تَبَنِّي نظامَ تَعَدُّدِ الأحزاب، فتأسَّس
الحزبُ الديمقراطي على (مندريس)، الّذي وصلَ إلى السلطة سنة 1950، وبدأَ العَدُّ
التَّصاعُدي للتيار المُحافِظ من جديد.. ومنذ ذلك الحين تَتنافَسُ التيارات
الثلاثة: اليمينيُّ القوميُّ بِشِقَّيهِ المُحافِظ والأتاتوركي، واليساريُّ
العَلمانيُّ بِشِقَّيهِ الأتاتوركي والعَلويُّ، والإسلاميُّ بِشِقَّيهِ المُحافِظُ
والقوميُّ، تتَنافَسُ على توسيعِ قاعِدتها الشعبيّة، حتّى وصَلتِ اليومَ إلى ما
يُشيرُ اليه الاستِطلاعُ، وكالآتي:
29.7% من الناخبين صوّتوا لصالح حزب العدالة والتنمية، وغالِبيَّتُهم من
التيار الإسلامي بِشِقَّيهِ المُحافظ والقوميّ التركيّ.
19.2 من الناخبين الأتراك صوّتوا لحزب الشعب الجمهوري، ومعظمهم من اليسار
العلماني بِشقّيهِ الاتاتوركي والعَلَوي.
10.6% من الناخبين صوّتوا لحزب الخير، وغالبيَّتُهم من التيار القومي
المحافظ مع خليط من التيار القومي الأتاتوركي.
8.2% من الناخبين الأتراك صوّتوا لحزب الحركة القومية، وكلُّهم من التيار
القومي الأتاتوركي .
وللتوضيح، يَجدُر أنْ نُشيرَ هنا إلى التَّشَظِّي الذي عانَى منه التيار
القومي التركي، فقد أنشأَ (ألب أصلان توركيش)، حزب الحركة القومية، على أُسسٍ
قومية أتاتوركية يمينية بَحْتة، لكن في صـراعِ الحزب مع اليسارِ ظهرتِ الحاجةُ
عنده إلى دعم اليمين الإسلامي المُحافظ والمُعادي لليسار، فتوغّلَ هذا التيار داخل
الحزب، حتى انفصالِ (محسن يازجي اوغلو) في التسعينات من القرن الماضي، وتأسيسِه
لحزب الإتحاد الكبير، وهو حزب قوميٌّ مُحافظٌ يمِيل إلى الإسلام، فاستقطبَ هذا الحزبُ
غالبيةَ الإسلاميين المُحافظين داخلَ حزب الحركة القومية، فتأسَّسَ بذلك تيارٌ
قوميٌّ جديدٌ، يحملُ التوجُّهَ المَحافظ
القوميَّ، ثمّ انفصلتْ (ميرال أق شنر) لِتُؤسِّسَ (حزب الخير)، مُستقطِبةً عدداً
كبيراً من التيار القومي الأتاتوركي من داخل حزب الحركة القومي، إضافةً إلى قواعدِ
جماعةِ فتح الله غولن، وبعضِ القواعدِ من التيار القومي التركي المحافظ، وتأسَّسَ
بذلك تيارٌ قومي محافظ آخر ، يحملُ السِّمة المُحافظة بصِبغَةٍ أتاتوركية، وقد
عانَى هذا الحزب من صراعٍ داخلي بين التيار الأتاتوركي، وجماعة فتح الله غولن، حيث
انتصـرت فيه الجماعة، بعد طرد (أميد اوزداع) من الحزب، والذي كان من أهم أقطاب
الأتاتوركية الطورانية داخل الحزب .
كما يجب أنْ نُشيرَ هنا إلى أنّ التيار اليساري في تركيا، انحصَر بشكلٍ
رئيسي بين شريحة الأتراك القاطِنين على السواحل الغربية والجنوبية من تركيا، مُستقطباً
عدداً كبيراً منهم، لكنّه فشلَ بشكلٍ كبير في استقطابِ الأتراك في المقاطعات
التركية الأخرى، وتراجعت نسبةُ تمثيلِه لدى الأتراك خصوصاً، ولدى عموم الشعب
التركي، خلال التسعين سنة الماضية من عمره، بشكلٍ كبير ،حتّى إستقرَّت قريبا عند
حاجز الـ(20%) ، وليس هناك في الأُفُق على المدى القريب ما يُشير إلى تزايًد
نفوذِه وتاثيرِه السياسي على الساحة التركية.
أمّا الأكرادُ، وأكرادُ الزَّازَا، فَهُم بين إسلامي مُحافظ لا يَميلُ إلى
القوميّة، وقوميٌّ مُحافِظٌ، لا يَفصِلُ تَديُّنَهُ عن قوميِّتِه، وقوميٌّ يساريٌّ
يُناهِضُ الإسلامَ والمسلمين.. التيارُ اليساري القومي المُتمثِّلُ بحزب العمال
الكوردستاني المسلَّح، وامتدادُه السياسي المُتمثِّلُ بحزب الشعوب الديمقراطي،
أصبحَ عالةً على القضيةِ الكورديّة ، ولم يَعُدْ في نظرِ الأمريكان وإسـرائيل
حليفاً مناسباً، وحَصلتِ القناعةُ لديهما بضـرورةِ إنهاء هذا الوجودِ العسكريّ
وتصفيةِ تيّارِه السياسيّ، وبناءِ نموذجٍ جديدٍ يَشمُل كلَّ الوضع في تركيا وسوريا
والعراق، وقد نشطتْ أمريكا بهذا الاتِّجاهِ منذ عدةِ سنواتٍ في سوريا والعراق، على
أملِ إقناع الأتراك لإبرامِ صيغةِ التَّعاونِ التركيّ الكرديّ في المنطقة،
وتَحقيقِ سلامٍ كاملٍ فيها. وأعتقدُ أنّه لا مَفرَّ لأطرافِ النِّزاعِ إلّا سُلوكَ
هذا الطريق، طريقَ السَّلام، على مِنوال الإتِّفاقِيّة التي أُبرِمتْ بين الأكراد
والدولة العثمانية برعاية الشيخ البتليسـي سنة 1515م.. فهذه هي الفُرصةُ المُؤاتِيةُ
الوحيدَةُ للطّرفَين، فمِن جِهةٍ هناك حزبٌ تركيٌّ ثُلثُه من الأكراد المحافظين
القوميين، وثُلثُه الآخرُ من الأتراك المحافظين القوميين، يرأسُه رئيس تركي،
يُؤمِنُ بالقضية الكوردية بِحُكْمِ تَديُّنِه، وهو كان أولُ من لفظَ كلمةَ (كوردستان)
المَمنوعَة في تركيا. ومِن جِهةٍ أُخرى، هناك حكومةٌ مُعترَفٌ بها دوليّاً في
إقليمِ كوردستان، وقياداتٌ كورديّةٌ تدعَمُها، وقواعدٌ من الشـريحة الكوردية
تسانِدُها في كلٍّ من تركيا وسوريا والعراق.
هذا ما يُشيرُ إليه استطلاع الرأي، من تَعارُضِ التَّوجّهات الإثنية،
وتشابُكِ مصالِحها، وتخَوُّفاتِها، وهَواجسِها، التي ترسمُ الخارطة السياسية في
تركيا، وضرورةَ السَّعي إلى تأسيس حالة السّلم الوطنيّ، وتَحقِيقِ المَصالح
المُشتَرَكة، وتخفيفِ المَخاوِفِ والهَواجِسِ، وتشكِيلِ بُنيَةٍ داخلِيةٍ مَتينَةٍ
قادٍرَةٍ على بَسطِ النُّفوذِ المُشترَكِ في المنطِقةِ، وبُؤَرِ الصِّراعِ فيها .
ولم تَسقُطِ الدُّولُ والإمبراطورِيّاتُ والأنظِمَةُ السياسيّةُ الحاكِمَةُ
على مَرِّ التاريخِ، إلّا بعدَ أنْ انفَرَطَ عَقْدُها الدّاخليّ، وتَشَظَّت
بُنيَتُها، ودبَّ الخِلافُ بين أهلِها، وستَبقى هذه القاعِدةُ قائِمةً إلى يوم
القِيامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق