د. يحيى عمر ريشاوي
منذ ظهور الوسائل الإعلامية وهي في تحول وتغير وتطور مستمر، من مطبوعة إلى مسموعة فمرئية، إلى عصـر تكنولوجيا الإعلام والإعلام البديل والملتميديا وغيرها من المسميات، من (إعلام النخبة) إلى (الإعلام الجماهيري) إلى (إعلام الجماهير)، والتي غيرت بمجملها من شكل ومضمون العملية الإعلامية، ومن نمط التعامل مع البيئة الإعلامية، وكذلك من نظرتنا الشائعة والتقليدية للعملية الاتصالية: (مرسل، ورسالة، ومستقبل).
واقع جديد طرأ بسـرعة البرق على العملية الإعلامية، وفرض نفسه على الواقع الإعلامي والسياسي والاجتماعي والديني وغيرها، وصـرنا نسمع عن أرقام وإحصائيات جنونية في أعداد المؤسسات والمنابر
الإعلامية، وأعداد أكثر جنوناً في أعداد المنخرطين في الفضاء الإعلامي، والذين تجاوزوا مرحلة (التلقي)، إلى مرحلة (التفاعل والتشارك)، كما في تحليل (آلفن توفلر) للواقع الإعلامي في عصـرنا الحاضـر.ومن أبرز مظاهر هذا التحول الإعلامي في هذا العصـر، انتتشار ظاهرة (المواطن الصحفي)، الذي فرض نفسه على دنيا الإعلام، وأحدث جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، جدل انطلق من حقيقة التأثير الذي أحدثته هذه الظاهرة في طبيعة العمل الإعلامي، ومن الشكل التقليدي للعملية الإعلامية؛ من مؤسسات، ومراسلين، ومصورين، وحراس بوابة، وأجهزة، وأبنية، وغيرها من المتطلبات، جاءت هذه الظاهرة لتغير هذا الواقع إلى مواطن عادي مع جهاز صغير يسجل وينقل الحدث في اللحظة ذاتها وإلى أبعد مكان.
(المواطن الصحفي) صار الآن منافساً شـرساً للمؤسسات الإعلامية التقليدية، بل ربما وأكثر من ذلك، بأن صار هو المصدر للمؤسسات الإعلامية، كما في (إعصار تسونامي، وأحداث الحادي عشـر من سبتمبر، وثورات الربيع العربي) وغيرها من الأحداث العالمية، والذي كان للمواطن الصحفي حضور قوي وفعال، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من المنابر الإعلامية المتنوعة والحديثة.
الآن! المواطن الصحفي جزء لا يتجزء من العملية الإعلامية، يزاحم - وبصمت - الإعلام التقليدي، المتمثل بالمؤسسات الإعلامية الرسمية، ويوظف القنوات الإعلامية (السهلة الاستخدام، والرخيصة الثمن، والمنتشـرة في كل مكان) في إرسال رسالته، وتوصيل صوته، والترويج لرؤاه ومعتقداته. هذه الظاهرة، وإن رافقتها بعض النقاط السلبية، إلا أنها قدمت الكثير من الخدمات للجمهور، وسدت الكثير من الفراغات الإعلامية في التغطية الخبرية للمؤسسات الإعلامية التقليدية. وأجبرت المؤسسات الإعلامية على الاعتراف بها، والتعامل معها، بل وأكثر من ذلك، في تخصيص أوقات من برامجها للترويج لها.. هنا وهناك !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق