أ. د. فرست مرعي
المقدمة
? عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضـر، وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن لياس بن مضـر بن نزار بن معد بن عدنان، العدوي القرشي. وهو ابن عمّ زيد بن عمرو بن نفيل، الموحد على دين إبراهيم، وأخوه الصحابي زيد بن الخطاب، والذي كان قد سبق عمر إلى الإسلام. ويجتمع نسبه مع الرسول محمد في (كعب بن لؤي بن غالب). وهو أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، المُلقب بالفاروق، ثاني الخلفاء الراشدين، ومن كبار أصحاب الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم-، وأحد أشهر الأشخاص والقادة في التاريخ
الإسلامي، ومن أكثرهم تأثيرًا ونفوذًا. وهو أحد العشـرة المبشرين بالجنة، ومن علماء الصحابة وزهّادهم. تولّى الخلافة الإسلامية بعد وفاة أبي بكر الصديق في 23 أغسطس سنة 634م، الموافق للثاني والعشـرين من جمادى الآخرة سنة 13 هـ .كان ابن الخطّاب قاضيًا خبيرًا، وقد اشتهر بعدله وإنصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وكان ذلك أحد أسباب تسميته بالفاروق، لتفريقه بين الحق والباطل.هو مؤسس التقويم الهجري، وفي عهده بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل العراق ومصـر وليبيا والشام وأذربيجان وفارس وسجستان وخراسان وشـرق الأناضول وجنوب أرمينية والجزيرة الفراتية، وهو الذي أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة، وهي ثالث أقدس المدن في الإسلام، وبهذا استوعبت الدولة الإسلامية كامل أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وحوالي ثلثيّ أراضي الامبراطورية البيزنطية.
تجلّت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حملاته المنظمة المتعددة التي وجهها لإخضاع الفرس الساسانيين، الذين فاقوا المسلمين قوة، فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خلال أقل من سنتين. كما تجلّت قدرته وحنكته السياسية والإدارية عبر حفاظه على تماسك ووحدة دولة كان حجمها يتنامى يومًا بعد يوم، ويزداد عدد سكانها، وتتنوع أعراقها.
وكان النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى (كسـرى أبرويز بن هرمز) برسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، إلا أن ازدراء الكبرياء الفارسي للعرب - قديماً وحديثاً - جعله يسخر من الرسالة، ومرسلها - صلى الله عليه وسلم-، فمزق كسـرى الرسالة، فدعا عليه رسول الله بأن يمزق الله ملكه كل ممزق. أجيبت دعوة النبي الكريم، ومزق الله ملك فارس. وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فارس نطحة أو نطحتين، أي معركة أو معركتين وتسقط فارس. وبالفعل سقطت فارس في القادسية وجلولاء ونهاوند، ولم تعد لها قوة ودولة، كما كانت عليه من قبل.
ويتجلى موقف النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم- من عمر بن الخطاب، في مثل قوله: [لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدَّثون، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر]، ومعنى محدَّثون: أي ملهم، وقيل هو الرجل الصادق الظن، وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: [إن الله جعل الحق على لسان عمر، وقلبه]. كذلك أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- أن: [لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب]، ففي هذا إبانة عن فضل ما جعله الله لعمر - رضي الله عنه- من أوصاف الأنبياء، وخلال المرسلين.
وقال الصحابي ابن مسعود عن إسلام عمر: إن إسلام عمر كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصـراً، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشاً، حتى صلى عند الكعبة، وصلينا معه. وقال: "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن قاتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: "وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام، كان مجوسياً من عباد النيران... فقتل عمر، بغضاً في الاسلام وأهله، وحباً للمجوس، وانتقاماً للكفار، لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم...". وقد ساغ لكثير من الفرس أن يعتنقوا المذهب الشيعي، على خلفية البغض للعرب، واكتسـى ذلك البغض العنصـري بلون ديني، يصور جمهور العرب بأنهم تآمروا على الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وعلى أهل بيته.
فتدخلت العصبية المذهبية، مع العصبية القومية الفارسية، الأمر الذي
يؤدي إلى تطرف بالغ يقترب من الهوس.
وفي هذا السياق، يقول المستشـرق البريطاني (أدوار براون) (المتوفى
سنة1930م)، في كتابه (تاريخ الأدب في إيران): إن من أهم أسباب عداوة أهل إيران
للخليفة الراشد الثاني عمر: "هو أنه فتح العجم، وكسـر شوكتهم، غير أنهم (أي
أهل إيران) أعطوا لعدائهم صبغة دينية مذهبية، وليس هذا من الحقيقة بشـيء...".
وهذا
الحقد على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-؛ لأن عمر هو الذي فتح بلاد إيران برمتها،
التي كانت تتضمن أقاليم عديدة تضم أكثر من حدود عشـرة دول معاصـرة، وأطفأ النار
المجوسية، التي كانت متقدة لمئات السنين، وأوصل لها الإسلام.
واعتبر الفرس يوم قتله على يد الفارسي المجوسي (أبا لؤلؤة) عيداً من
أعظم أعيادهم (=عيد بابا شجاع الدين)، ويعتبرون الزنديق (أبا لؤلؤة المجوسي)
الخبيث مسلماً من أفضل المسلمين.
كان
الخبيث أبا لؤلؤة المجوسي يمسح على رؤوس الصبيان الفرس، ويقول: أكلت العرب كبدي، أكل
عمر كبدي.
وقال عمر -
رضي الله عنه-: "وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى
بدر".
لقد تم فتح كثير من البلاد في عهد
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-، ففتح بيت المقدس على يده، وفتحت دمشق، وبلاد الشام،
والموصل، وبلاد الفرس، والترك، ومصـر، والمغرب العربي. وعرف عمر كيف يسوس الناس
بكتاب الله وسنة رسوله.
وبشأن
إرسال الجيوش إلى فتح العراق، وفي الأول من محرم سنة 14هـ، ركب عمر بن الخطاب في
الجيوش، من المدينة، عازماً على غزو العراق بنفسه، ولكنه استصوب رأي بعض الصحابة
في أن يبعث رجلاً، ويرجع هو إلى المدينة، لما في ذلك من المصلحة للمسلمين. ولما
سأل عمن يبعث إلى العراق، قيل له: الأسد في براثنه: سعد بن مالك الزهري، فاستجاد
قولهم، وأرسل إلى سعد، فأمّره على العراق. فسار سعد إلى العراق في أربعة آلاف،
وقيل أكثر، ولما وصل إلى محلة الجيوش في العراق، انتهت إليه رياستها وإمرتها، ولم
يبق بالعراق أمير من سادات العرب إلا تحت أمره. وأمده عمر بإمداد آخر، حتى اجتمع
معه يوم القادسية 30 ألفاً. وقال عمر: والله لأرمين ملوك العجم بملوك العرب.
وبعث عمر كتابه إلى سعد بن أبي وقاص، يأمره بالمبادرة إلى منطقة
القادسية، والقادسية باب فارس في الجاهلية، وأن يكون بين الحجر والمدر، وأن يأخذ
الطرق والمسالك على فارس، وأن يبدروهم بالضـرب والشدة، ولا يهولنهم كثرة عددهم،
وعُدَدهم، فإنهم قوم خدعة، مكرة. وأمره بمحاسبة نفسه، وموعظة جيشه، وأن يكثروا من
قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، وأن يوافيه بجميع أحواله،
وتفاصيلها، كأنه ينظر إليه. فأطاع سعد أمر عمر، ونفذ كل ما أمره إليه، وكتب إليه
يخبره بأن الفرس قد جردوا لحربه (رستم)، وأمثاله. وكتب إليه عمر بأنه قد ألقي في
روعه أنهم سيهزمون الفرس، فإذا هزمتهم، فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم (المدائن)،
فإنه خرابها، إن شاء الله. وجعل عمر يدعو لسعد خاصة، وللمسلمين عامة.
وتم النصـر
للجيش الموحد الإسلامي، وهزم الفرس شـر هزيمة، وسقطت إمبراطوريتهم الفارسية
الساسانية، وقتل ملكهم (يزدجرد) على يد أحد رعايا الفرس، في منطقة (خراسان)
عام31هـ/651م.
أولاً: الجذور التاريخية القديمة للحملة على عمر بن الخطاب:
من دون شك، فإن الصـراع السني – الشيعي، في
العصور العباسية المتأخرة، وتحديداً العصـر البويهي (334 – 447هـ)، والعصور التي
تلته، كان له دور كبير في تغذية الحملة الشديدة على الخليفة الراشدي الثاني، وإطلاق
التسميات غير اللائقة على حضـرته، وعلى بقية الصحابة الكبار، وأمهات المؤمنين - رضي
الله عنهن-. وفي الحقيقة، فقد كان سب الشيعة - وتحديد العناصـر الشعبية منهم،
والذين تسميهم بعض المصادر بالجهلة- للصحابة يمثل الشـرارة الأهم، والأكبر،
لعمليات الصدام المذهبي بين الطرفين. فقد أثارت عمليات السب هذه، حفيظة أهل السنة،
وبخاصة العوام منهم، الذين دفعتهم العاطفة للندب على صحابة رسول الله - صلى الله
عليه وسلم-". (ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام العرب والعجم
والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر، ج3، ص172، ج4، ص29).
فقد كانت
العناصر الشيعية - في أغلبها - تسب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، "وتصب
جام غضبها عليهم، وعلى زوجات الرسول - صلیٰ الله عليه وسلم -، تحديداً السيدة
عائشة. فمنهم من كان يقذف ويشتم بأفظع الشتائم، ومنهم من كان دون ذلك، يطعن وينال
منهم. فقد استحب غالبيتهم، وأوجب بعضهم، ضـرورة لعن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية،
والعديد من الشخصيات المكروهة لدى النفسية الشيعية، ولعنهم بأسمائهم، عقب كل صلاة".
( محمد عمارة، فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية، 2006م، ص76).
وقد اتخذ السب طرقاً، تدل بامتياز على العقلية
الشعبية؛ من نكاية وعناد، فكانت بعض الممارسات السلبية، والشاذة، التي عبرت – أيضاً
- عن هذا السياق، والتي من الممكن أن توصف بأنها بالغة في التطرف. وهناك نص تاريخي
يعبر عن ذلك الطرح، من أن رجلاً شيعياً ببغداد، كان لديه (بغلان)، فسمى الأول باسم
أبي بكر، والثاني باسم عمر. (ابن خلكان، وفيات الأعيان، 1968م، ج1، ص205),
وكذا ما قام به – أيضاً - بعض الشيعة في العراق،
بإحضار نعجة حمراء، أسموها عائشة، وأخذوا ينتفون شعرها. وعمد آخرون إلى تسمية
دوابهم باسماء أبي بكر وعمر، ويضـربونها بغير حق، ويعذبونها، ويحرمونها من الطعام
والشـراب، معتقدين أنها تحمل أرواح أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما-. وكذلك – أيضاً
- كانوا يضـربون النعجة التي يسمونها باسم عائشة، معتقدين أن روح (أم المؤمنين)
السيدة عائشة - رضي الله عنها- قد حلت في هذا الحيوان المسكين، حسبما اعتقدوا. (ابن
تيمية، منهاج السنة،ج1، ص85).
ومن
العادات السلبية – أيضاً - المرتبطة بهذه الممارسات الشاذة، هي عادة كتابة أسماء
الشيخين أبي بكر وعمر على كعبي القدمين. (محمد فياض، التشيع الشعبي في العراق،
2016، ص77)، فضلاً عما كان يقوم به البعض الآخر من سلوك شاذ، فكان بعضهم يسمون
كلابهم بأسماء أبي سفيان، ومعاوية. وكان ذلك في ذهنياتهم نوعاً من الثأر للحسين،
وكل من قتل من العلويين. وبصفة عامة، فقد كانوا يبغضون الأسماء ذات العقد
التاريخية القديمة، فيبغضون من كان اسمه (أبو بكر)، أو (عمر)، ويكون بعضهم أقرب - معنوياً
- للعنصـر الشيعي الشعبي، فقط لأن اسمه علياً، حتى لو كان سنياً. ( ابن تيمية،
منهاج السنة، ج1، ص82)، (خالد علال، التعصب المذهبي، ص18).
وهناك
حادثة أخرى تعبر – أيضاً - عن تلك الممارسات الشعبية السلبية، والتي تتعلق بذلك
المنحى، وهي ما حدث في بغداد سنة 582هـ/ 1186م، عندما أحيا
الشيعة مناسبة عاشوراء، فكان ما فعلوه أن سبوا أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والسيدة
عائشة، وكانوا يصيحون قائلين (ما بقي كتمان). وكانت فيهم امرأة تنشد لهم الأشعار
في ثلب الصحابة، فسبت السيدة عائشة، وقالت: "العنوا راكبة الجمل، وذكرت حادثة
الإفك بأقبح الشناعات...".(سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، 1987م،
القسم الأول، ج1، ص386). ولم يقتصـر الأمر على ذلك فقط، بل زاد نطاقه، وتطور،
ليأخذ شكلاً أشكال الحرب الدعائية، عبر استخدام دور العبادة، للتعريض بالصحابة،
وكتابة الشتائم واللعنات على جدران المسجد. ولم يقف أهل السنة مكتوفي الأيدي،
وإنما عمدوا إلى إزالة تلك الكتابات، وكتبوا - عوضاً عنها - لعن الله الظالمين لآل
محمد؛ من الأولين والآخرين، ...". (محمد فياض، التشيع الشعبي في العراق، 77 – 78).
ويبدو أن
إيمان الشيعي بالسب قد وصل إلى درجة كبيرة من درجات الإيمان، لدرجة أن بعض الذين
قاموا بهذه الممارسات، التي لم يتبرأوا منها في كثير من الأحيان، حتى واجه بعضهم
في كثير من الأحيان عقوبة القتل، وكان من الممكن أن ينجو من ذلك في حالة الإنكار.
( التنوخي، نشوار المحاضـرة، ج6، ص64).
وفي السياق ذاته – أيضاً - ما روي عن أحد العوام
من الشيعة، الذي آمن إيماناً قوياً بتلك القضية، فكان يسب الشيخين (أبا بكر، وعمر).
ويبدو أن ذلك الإيمان بتلك الممارسات السلبية، قد تمكن قوياً من ذهنية الشيعي،
وقلبه، لدرجة أنه قال لأحد أصحابه: لو أن لي رجلاً يضمن لي عيالي، لتكلمت في أبي
بكر وعمر أمام الناس، فضمن له صاحبه التكفل بعياله، فقام الأول وسب الشيخين، فقام
عليه الناس وضـربوه حتى الموت". (ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج4، ص409).
إن ما سبق
وعرضناه من نصوص، يدلل لنا دلالة قاطعة إشكالية مهمة، حيث تعرض لنا موقفين
مختلفين، موقف رجل بسيط، إيمانه الأكبر هو سب الصحابة، ومشكلته الأكبر اقتصادية،
تتعلق بإعالة أولاده وأسـرته. أما الآخر، فهو المستمع الذي يستطيع أن يكفل عائلة
أخرى، إذن فنحن أمام رجل ميسور من رجال الشيعة، لم يردع ذلك الرجل البسيط، بل
استحثه للقيام بذلك، مغرياً إياه بكفالته لأسـرته. وكان نتاج ذلك الأمر، مصـرع
الرجل العامي، نتيجة ما آمن به جداً، وأيضاً نتيجة هروبه من فقر وواقع اجتماعي
مرير، وأسـرة لا يستطيع كفالتها. وهكذا راح العوام ضحية أفكار شاذة، ومشوهة، آمنوا
بها، رغم عدم فهمهم لأبسط أبجديات القضية، وكذا ضحية أشخاص ساهموا في الدعم المادي
والمعنوي للأمر، مستغلين البسطاء، وحاجاتهم، وضحالة أفكارهم. (محمد فياض، التشيع الشعبي في العراق، ص78 –
79).
ثانياً:
الجذور التاريخية الحديثة للحملة على عمر بن الخطاب:
لقد تطرقت إحدى تقارير المنصـرين(= المبشرين) إلى
سيرة حياة سعيد بن ملا رسول (= سعيد كوردستاني) إمام أحد مساجد مدينة (سنندج) -
عاصمة كوردستان إيران -، وشقيقه (خاخا)، ومسقط رأسيهما في مدينة (سنندج)، وكيف
تمكنت إحدى إرسالياتهم من قنصه، مع شقيقه (خاخا)، وإدخالهما في النصـرانية، بعد
جهود طويلة استمرت سنوات من العمل الدؤوب، ومن ثم تهريبهما إلى مدينة (همدان)، في
غرب إيران، وتسليمهما إلى مبشـرين ذوي خبرة. "في شمال غرب إيران يقع إقليم في
الطرف الشـرقي من هلال يُدعى )كوردستان)، يجاور
شمال العراق، وجنوب شـرق تركيا، يسكنه شعب الأكراد، وهم من سلالة الآريين، الذين
احتفظوا إلى حدٍ كبير بصلات القبيلة، واللغة، والعادات. وهم سلالة صلبة، قوية،
اشتهروا في الماضي بكرم الضيافة، والتعصّب الديني، والخصال الحربية. والجزء الخاص
من كوردستان الواقع في إيران، هو أحد الأقاليم الأربعة عشـر الرئيسية التي تتكوّن
منها إيران. وهو يقع في قلب سلسلة جبال الزاغروف، التي تجاور العراق. وهي أرض
رائعة الجمال، تكسو الثلوج قممها، وتجري فيها روافد وأنهار تعجّ بالمياه،
وتتخلّلها أوديةٌ خضـراء، تكلّلها أزهار ونباتات الربيع. والمدينة الرئيسية في كوردستان
هي (سناج)، أو
(سنة)، كما يلفظها العامة، وهي عاصمة الإقليم، ومركز التجارة للقرى المجاورة،
يلتقي فيها علماء الإسلام، وأساتذة الفقه. (جاي رسولي بن محمد رسولي، أخوان من كوردستان،
دهوك، مطبعة الحياة).
ويتطرق
المرجع التنصيري إلى الأحوال الدينية والاجتماعية لأسـرة الملا رسول، إمام أحد
مساجد مدينة (سنندج)، فضلاً عن اتهام أهلها بالتعصب: "في هذه المدينة
المتعصِّبة، في القرن التاسع عشـر، سكن رجلٌ اسمه (رسول)، مع
عائلته، في بيت صغير، يتكوَّن من ثلاث غرف. وكان هو السابع في عائلةٍ اشتهرت
بولائها للإسلام، ولذلك كانوا يدعونه (رسول المُلاّ)،
ومعناه الإمام رسول. وكان مصدر رزقه، هو وعائلته، كتابة صلوات للمرضى، كما كان
يعالج كل أنواع المرض، ويلقِّن المشـرفين على الموت كيف يجيبون الملاكين عندما يحضـران
لاستجوابهم، حسب تعاليم الإسلام، ويعلّم أهل بلده أصول دينهم ومعتقداتهم. وكان
يدير مدرسة تضم نحو عشـرين، أو ثلاثين صبياً، يعلّمهم الفارسية والعربية. وكان
يؤمُّ الصلاة يومياً في مسجد القرية، ويذهب بين حينٍ وآخر لزيارة مستعمرة للبُرص،
خارج المدينة، غير خائف من العدوى، كما كان يعزي البؤساء في محنِهم. وكان للمُلاّ رسول، وزوجته، ثمانية أولاد،
مات أحدهم بعد الآخر، ولم يبقَ منهم سوى اثنين: أكبرهما محمد، والثاني سعيد، الذي
يصغر محمداً بثمانية أعوام. وحسب التقاليد والعادات الكردية كان سعيد الأصغر، لا
يخاطب أخاه محمد بالاسم، بل يدعوه خاخا، أو الأخ باللغة
الكوردية. وتبعاً لذلك عندما انتقلا إلى منطقة أخرى لا يعرف أهلها اللغة الكوردية،
وكانوا يسمعون سعيداً يدعو أخاه: (خاخا)، حذوا حذوه، فكان كل واحد يعرفه
باسم (خاخا).
ولهذا السبب سنُطلق عليه هذا الاسم. ومع أنهما أخَوان شقيقان، إلا أننا نرى فرقاً
كبيراً في اسميهما، لأنه في تلك الأيام الخالية كان لكل إنسان اسمٌ واحد. ولكن
عندما تقدم الأخَوان في العمر، طلبت الحكومة من كل رعاياها أن يختاروا اسماً
للعائلة، فاختار (خاخا) اسم والده، بينما اختار سعيد اسم الإقليم الذي يسكنه،
وأضاف كل واحد ياء النسب للدلالة على الأصل، فأصبح اسم الأخوين: محمد رسولي، وسعيد
كوردستاني. (جاي رسولي بن محمد رسولي، أخوان من كوردستان،
المرجع السابق).
وبشأن
وفاة الملا رسول، وتركه لولدين، يقول التقرير التنصيري: "وفي عام 1876م مات
المُلاّ رسول، تاركاً ابنه (خاخا)، البالغ الحادية والعشـرين من العمر،
رئيساً للعائلة. وكان عمر سعيد 13 سنة وقتئذ، لكنه كان قد اكتسب إلماماً مدهشاً
باللغتين الفارسية والعربية، كما كان يعرف القرآن معرفة جيدة، حتى أن الناس الذين
اجتمعوا في حفل تأبين المُلاّ رسول، خلعوا على سعيد لقب المُلاّ، واختاروه
خلَفاً لأبيه للتدريس في المدرسة. وإذ صار (خاخا) رئيساً للعائلة، أصبح مسؤولاً عن
إعالتها، لذلك ترك مواصلة دراساته، وصار يكتسب قوته وقوت العائلة من تلاوة القرآن
علَناً في الأضـرحة، وعند القبور. وكان خاخا، وسعيد، من
المسلمين الغيورين في معقل التعصب، حيث كانا يسكنان، فكانا يواظبان - بكل أمانة
واجتهاد - على الصلاة في المساجد، وعلى ممارسة فروض الصلوات الخمس يومياً، وفي
الصوم قطعياً عن الطعام والشـراب، من الفجر إلى الغروب، مدة شهر رمضان، كما تتطلب
الشـريعة الإسلامية.
وكانت
الإرساليات التنصيرية البروتستانتية، والكاثوليكية، قد وفدت إلى إيران، اعتباراً
من العصـر الصفوي(1501 – 1736م)، بسبب العلاقات الجيدة بينهم وبين الأوروبيين،
المعادين لعدوهم اللدود الدولة العثمانية. وقد استمرت هذه الإرساليات تترى في العصـرين
الأفشاري والزندي، وانتهاءً بالعصـر القاجاري (1796 – 1925م)، والبهلوي (1925 –
1979م). "وفي عام 1834م كان قد جاء إلى إيران مرسَلون بروتستانت، للعمل بين
الآشوريين(= النساطرة – أتباع كنيسة المشـرق)، في مدينة (يروميا) (= رضائية –
أرومية)، الواقعة في الركن الشمالي الغربي من البلاد. وفي خلال أربعين عاماً من
العمل المرسلي، رسَّخت الحركة البروتستانتية أقدامها في (يروميا)، ومجاوراتها،
بكنائس ومدارس في المدينة والقرى المجاورة. وتدرَّب قسوسٌ، ومعلّمون، وصاروا
يرسلون مبشـرين، وموزعي كتب مقدسة، إلى المدن الأخرى. وفي عام 1879م (لما كان عمر خاخا 24، وعمر سعيد 16) وصل إلى مدينة (سناندج)
(= سنندج) القس يوحنا، مع اثنين من موزعي
الكتاب المقدس، لتوزيع الكتب المقدسة، وليشهدوا للإيمان المسيحي. وكان الموزِّعان
ينويان قضاء فرصة قصيرة للزيارة، أما القس يوحنا فكان قد عزم على البقاء مدة
طويلة، لأنه كان يريد أن يحسِّن معرفته باللغة الفارسية. فأخذ يبحث عن معلّم،
فقدَّموا له (سعيداً)، وبعد أن أخذ سعيد إذناً من خاخا،
بوصفه رئيس العائلة، قبِل المهمة، وكان الكتاب المقرر للدراسة هو الكتاب المقدس.(المرجع نفسه).
وفي السياق نفسه، يذكر التقرير حول محاولة سعيد كوردستاني البحث عن
أصول أهل الحق (يارسان): "ولم يكن بحثه عن الحق قاصـراً على ميادين الطب
والإيمان المسيحي. بل - بما أنه من أصل كوردي - كان يهتم أعمق اهتمام لمعرفة (أهل الحق)، أو (علي الإلهي)، وهو مذهب
يُعتبر بدعة في الإسلام، نشأ في كوردستان. وقد قرأ مقالة ضليعة عن هذا الدين
الغريب، في المؤتمر المرسلي، الذي عقد في طهران عام 1926م. وكان بعض البابيين
الأوائل، ومنهم الباب نفسه (= الأصح: بهاء الله)، بين مرضاه، وأصدقائه، فأتاح ذلك
له معرفة وثيقة قريبة بنشأة حركة بابي بهاء (= البابية، والبهائية)، وجمع قدراً
كبيراً من المعلومات الثمينة النادرة، والمخطوطات البابية المكتوبة باليد، من
مصادرها الأصلية. وكثير من هذه الكتب، والمخطوطات الثمينة، موجودة الآن في مكتبة (جامعة
برنستون) (= في الولايات المتحدة الأمريكية). لكنه لم يجد في هذه الأديان جميعاً،
شيئاً يمكن أن يُقارن بالكنوز التي وجدها في المسيح.( المرجع نفسه).
وكان جل
ثقافة المنصـر سعيد كوردستاني تعتمد على كتابين، يرجع إليهما غالبية المنصـرين؛
الكتاب الأول: (ميزان الحق)، لمؤلفه (كارل غوتليب فاندر) (1803-1865)، وهو منصـر (مبشـر) مسيحي ألماني، وأحد مبشـّري
طاقم بعثة بازل التبشيرية في آسيا الوسطى والقوقاز،
ومن خطباء جمعية الكنيسة التبشيرية إلى شمال وغرب مقاطعة أجرا (= أغرة)،
في ولاية (أتر برديش)،
شمالي الهند . كان معروفًا بتنصير المسلمين إلى المسيحية. قام بتأليف كتب،
أشهرها: ميزان الحق، والاعتذار، وملاحظات عن الطبيعة المحمدية. لكن سـرعان ما
ناظره العالم المسلم الهندي الكيرواني (1818 – 1891م) - رحمه الله -، حيث لم يستطع الإفلات من مواجهته،
وهرب على إثرها إلى (استنبول)، عاصمة الدولة العثمانية. وقد لاقت المناظرة رواجاً،
واندلعت بعدها الثورة الهندية عام1857م.
والكتاب
الثاني (مصادر الإسلام)، لمؤلفه (تيسدال وليم سكلير)(1856 – 1938م)، وهو منصـر
ومؤرخ بريطاني، شغل منصب أمين كنيسة إنكلترا في
جمعية التبشير في أصفهان، وبلاد فارس. وقد شـرع في كتابه (مصادر الإسلام)، الذي
ألفه عام 1905م، في مهاجمة ضارية للإسلام، ورسوله، ونصه المقدس، في مقابل دفاع
مستميت عن المسيحية، ورموزها، ونصوصها. وكان هذا
الكتاب محل تبنٍ واجترار لمستشـرقين آخرين، جاءوا لاحقاً، لتُشكِّل توجهًا راسخًا
بدرجة كبيرة، يتمحور حول محاولات إثبات أن النص القرآني ليس وحيًا إلهيًا، وإنما
هو تأليف بشـري، أنجزه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم-، مُستفيدًا وناقلًا من
الحضارات، والديانات، التي عاصـرها، أو السابقة له، مثل اليهودية، والنصـرانية،
والصابئة، والمجوسية؟.
وتجدر الإشارة
إلى أن الطبيب سعيد بن ملا رسول، الملقب بـ (سعيد خان كوردستاني)، كان قد غادر مدينة
(سنندج) سنة 1881م، بصورة سـرية، إلى مدينة (همدان)، و تنصـر هناك رسمياً سنة 1887م، بتعميده من قبل المبشـر الأمريكي
الدكتور (الكساندر)، واستقر في مدينة (همدان)، إلى أن مات فيها عام 1942م. وكان له
دور في اكتشاف ثلاثة وثائق مدونة، عثر عليها في كهف (كوه- سالان)، في منطقة جبال
هاورامان التابعة لشهرزور، اثنتان منها كتبتا بالحروف اليونانية الكلاسيكية،
والثالثة دونت بالخط الآرامي القديم، عندما زار منطقة هاورامان في إحدى
زياراته المكوكية، بقصد علاج أحد سلاطين المنطقة. وهي عبارة عن ثلاث صكوك بيع
بستان كروم (باغ- رز-Bag-Reza).
وقد نشـرت
الوثيقتان الأوليتان في مجلة الدراسات الهيلينية، عام 1915م، من قبل البروفيسور (مينس MINS). أما الثالثة، فقد نشـرها السيد (كاوليA. COWLEY)، في مجلة (الجمعية الآسيوية الملكية
البريطانية)، عام 1919م. ويعتقد بأن جميع هذه الوثائق ترتقي إلى العصـر الفرثي
(الأشغاني – ملوك الطوائف).
وغني عن
القول أن الطبيب سعيد كوردستاني، قد تعاون مع الباحث الكوردي الإيراني الآخر:
الدكتور غلام رضا رشيد ياسمي (1896-1951م)، الذي
ينتمي إلى عشيرة الباجلان الكوردية، ومن أتباع المذهب الشيعي الغالي (العلي إلهية– أهل الحق – اليارسان)، في تزوير الوثائق الأصلية
الخاصة ببيع بستان العنب، المار الذكر آنفاً، وانتحال وثيقة جديدة مزورة؛ ولكنه
لغرض الانتقام من الإسلام، والدعاية للنصـرانية، زعم أن الوثيقة الأصلية عبارة عن
أبيات شعرية مدونة باللغة الكوردية – اللهجة الكرمانجية الجنوبية – السورانية، تخص
وقائع انتشار الإسلام في كوردستان، وكيف أن المسلمين الفاتحين قتلوا زعماء
الزرادشتيين، واطفأوا النيران المجوسية، ودمروا معابدهم، ونهبوا ممتلكاتهم، وسبوا
نساءهم!
تهدَمت معابدُ هرمز، وأُخمدت النيران
واختفى أحد أكبر الزعماء
لقد هزموا الأكراد
وانسحب الأكراد إلى حدود شاهريزور
ووقع في الأسـر النساء والفتيات
قتل الأبطال في الكمائن
وظل قانون – ملك – زرادشت لا حول له ولا قوة
ولم يعد لهرمز الشفقة لأي شخص
وقد تعاون
هذان الشخصان في انتحال هذه الوثيقة لتشويه سمعة الإسلام، كما هو ديدن
الحركات التبشيرية (=التنصيرية)، التي
تحاول جاهدة الاستفادة من شبهات المستشـرقين والمنصـرين، وتوظيفها في
خدمة مشـروعها القاضي بتنصير المسلمين، وخلق فجوة بين الأمم الإسلامية.
كما لا
يمكن نسيان إسهام (رشيد ياسمي) في هذا المخطط، بحكم عقيدته الباطنية،
وارتباطه المشبوه بمخطط الشاه الإيراني رضا بهلوي(1925 -1941م)، حيث تنسب
للعمل في (جامعة طهران) كأستاذ، اعتباراً من سنة 1934م، وكان يحاول هو الآخر
الدعاية لأفكار الشاه حول توحيد الأمم الآرية تحت رايته، واعتبار المجوسية الدين
القديم لهذه الأمم، وأنه يجب إحياؤه من جديد، ومحاولة إخماد الحركة الوطنية الكوردية
في كوردستان إيران، من خلال ربط تاريخ الكورد بتاريخ الفرس!! فلا عجب أن تلاقت
أفكار الرجلين في انتحال هذه الوثيقة؛ مهمة المبشـر الطبيب (سعيد خان) تتجلى في
تشويه سمعة الإسلام، وكيف أنه انتشـر عن طريق السيف، الذي أدى إلى تدمير مقدرات
الشعب الكوردي!، فيما كانت مهمة الأستاذ (رشيد ياسمي) تذهب إلى الدعاية
للديانة المجوسية من ناحية، وتشويه سمعة الإسلام، من ناحية ثانية، وتحديداً
الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، على أساس أن الفتح الإسلامي للهضبة
الإيرانية، ولكوردستان، جرى في عهده، وهو ما أودعه في كتابه المؤلف باللغة
الفارسية (كرد وبيويستكي نزادى وتاريخى) (= الكورد وروابطهم
العرقية والتاريخية) (الصفحة 120)، وادعى فيه بأنها تنسب إلى كهف يقع في
جنوب جيشانة، في كهف هزار ميرد (= كهف كبير يقع على بعد عدة
كيلومترات في سفح الجبل الواقع جنوب غرب مدينة السليمانية)، وهذا الكتاب مخصص
في غالبيته لكيل المدح والفخر للأسـرة الساسانية، التي أعادت الاعتبار للديانة
الزرادشتية، واعتبرتها الديانة الرسمية للدولة، في عهد عاهلها (أردشير بن بابك بن
ساسان) (224- 242م).
ولما كان
المؤرخ والصحفي الكوردي الناشئ (حسين حزني الموكرياني)(1893 – 1947م)، من أهالي
مدينة (مهاباد) الإيرانية، يحاول ملء حلقات مفقودة من تاريخ الشعب الكوردي،
وكعادته في نشـر مثل هذه الروايات دون تمحيص، أو دون الإشارة إلى المصدر الذي نقل
منه، فقد نشـر هذه الوثيقة المزورة المنتحلة في مجلته (زاركرمانجي)، العدد 21، في
6 نيسان 1930م، التي كانت تصدر في مدينة (رواندوز). ولم يدر بخلده بأنها تشوه صورة
الإسلام، دين غالبية الكورد بني قومه. ومن ثم، فإن العديد من الكتاب؛ الكورد
والفرس، نقلوا هذه الوثيقة في مؤلفاتهم، نقلاً عن رشيد ياسمي، دون التحقيق من
مصدرها الأصلي، أو التحقق في مدى وجود هذه الوثيقة أصلاً.
وقد تبنى
بعض المستشـرقين هذا الرأي، ومنهم الفرنسـي الدومنيكي (توماس بوا)
(1900 – 1975م)، في كتابيه (تاريخ
الاكراد)، و( الكورد والحق)، فذكر قائلاً: "غير ان هذا الاحتلال (الفتح
الإسلامي) كان بعيداً لجعل هذا البلد إسلامياً بالكامل، فقد اصطدمت جيوش الخليفة
عمر، مع أكراد الأهواز، ولم يكن ذلك دون إراقة الدماء، حيث استولت على (شهريزور (Chahrizor عام 643م، وعلى (برود Prud)، و(بالاسجان Balascan ) عام 645م، وإن ذكرى هذا الاعتناق العنيف، والشاق، مذكورة في نص
تمت قراءته قديماً! غير أن المستشـرق البر يطاني (ديفيد نيال ماكينزي Mackenzie) (1926 – 2001م)، المختص باللغات الآرية،
ومنها الكوردية، شكك في صحة هذا النص (الوثيقة المزورة).
ويسأل
الباحث هنا سؤالاً: لماذا غفل هؤلاء عن تلك الحملة العسـكرية الكبيرة التي قادها
الامبراطور البيزنطي هِرَّقل(610 -641م)، لمطاردة القوات الفارسية الساسانية، خلال
المنطقة الكوردية، عام 628م، والتي بقيت المنطقة بسببها تحت السيطرة البيزنطية حتى
سنة 619م؟ وكيف أنه قضـى على قدس الأقداس المجوسية (معبد بيت النار آذركُشناسب)،
الواقع في مدينة (شيز)، جنوب شرقي مدينة (أورميه)، في كوردستان إيران،
حيث ثأر من انتزاع الصليب (المقدس) من كنيسة القيامة، في مدينة (إيليا كابيتولينا)
(= القدس)، من قِبل الجيش الفارسي!، وكانت
منطقة (شهرزور) قد تعرضت لتخريبات وعمليات نهب كبيرة، من جراء تلك المعارك الطاحنة
بين الدولتين الفارسية الساسانية والرومية البيزنطية، وقد قضـى الإمبراطور (هرقل)
شهر فبراير/ شباط سنة 628م فيها،
ولم يترك مدينة أو قرية في هذه المنطقة الكوردية إلا وأعمل فيها يد النهب والسلب
والتدمير، ثم توجه نحو منطقة أردلان، في كوردستان إيران.
وهذا العصـر الذي وجدت فيه الوثيقة
المزعومة، يسبق عصـر الفتوحات الإسلامية بأكثر من ثمانية قرون، فضلاً أن
وثائق هاورامان مدونة باللغتين الآرامية واليونانية، أما الوثيقة
المزعومة، فهي مدونة باللغة الكوردية، لهجة منطقة هاورامان. وعند دراسة
اللغوي الكوردي الدكتور (كامل حسن البصير) لهذه الأبيات الشعرية، وجد - من خلال
النقد الداخلي لها - بأنها منحولة، "اصطنعها بعضهم من اللهجات الكوردية
المعاصـرة، لغرض ما".
كما أن
أقدم نص شعري كوردي وصل إلينا، هو ما نسب إلى الشاعر (بابا روح الهمداني)، الذي
عاش في القرن التاسع الميلادي/ الثالث الهجري، وتوفي سنة 841م، رغـم الشكوك التي
تساور هذه المعلومـة، على أسـاس أن الباحـثين الإيرانيين يعدونه شاعراً فارسياً،
أو على أقل تقدير شاعراً لُرياً، وأن العديد من المستشـرقين الأوربيين،
والباحثين الفرس، لا يعدون اللور من الكورد، رغم أن البلداني الإسلامي (ياقوت
الحموي) (المتوفى سنة626هـ) أدخلهم ضمن الجنس الكوردي في كتابه: معجم
البلدان، المجلد الخامس.
وفي
السياق نفسه، لا يمكن نسيان طروحات الكاتب الإيراني الدكتور (محمد إبراهيم باستانى
باريزى) (1925 – 2014م)، المشهور بكتاباته بالأسلوب القصصـي التاريخي السهل المبسط،
حيث جذبت إليها قراء كثيرين، منها: قوله بأن أبا لؤلؤة الفارسي كان من سكان مدينة (نهاوند)،
وأنه كوردي الأصل. وقد اقتبس أحد الباحثين الكورد العراقيين هذه المعلومة دون
تمحيص، وصنع منها سـردية كاملة، فحواها أن (أبا لؤلؤة)، البطل النهاوندي الفيلي،
قتل (عمر بن الخطاب)، انتقاماً لشهداء وسبي (معركة جلولاء)! ولم يدر بخلد الباحث
الإيراني (إبراهيم باستاني باريزى)، ولا الباحث الكوردي العراقي، أن مدينة (نهاوند)
كان سكانها - في صدر الإسلام - خليطاً من الفرس والكورد، وأن (أبا لؤلؤة) كان
فارسياً، بدليل أن شقيقه (أبو الزناد عبدالله بن ذكوان) الفارسي (65 – 130هـ)، كان
تابعياً. ولا يعقل أن يكون (أبو الزناد) فارسياً، وأن يكون أخوه (أبا لؤلؤة) كوردياً!؟.
ومن جانب
آخر، لو لم يكن (أبو لؤلؤة) فارسياً، لما أقام الفرس الإيرانيون ضـريحاً لقبره
المزعوم في مدينة (كاشان)؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق