?لعل ما يعيق تحقق الوظيفة الحقيقية للعمل السياسي في بلداننا المتخلفة، ليس مرتبطاً بماهية السياسة وحدها، بقدر ما هو مرتبط بالدرجة الأولى بالبيئة المحيطة بالعمل السياسي، وذلك كوسيلة مهمة لخدمة البلاد والعباد، فمحتوى وتقنيات العمل السياسي هي هي، سواء مارسنا العمل السياسي في (ستوكهولم) و(برلين)، أم مارسناه في (القاهرة)، أو (عفرين)!، فالذي يسهل قيام العمل السياسي بوظيفته الواقعية والحقيقية، تتمثل في وجود بيئة مهيئة ومساندة لها، الأمر الذي نفتقده نحن الساكنون في الكوكب الآخر! ضمن كوكبنا الصغير، المسمى بالكرة الأرضية.
فالسياسة تحتاج أول ما تحتاج، إلى بيئة دستورية وقانونية، تكون بمثابة حصن حصين في وجه من أراد استغلالها والتلاعب بها، أو أراد أن يستغلها لأغراضه الشخصية.. في البلدان التي تتمتع بسمعة طيبة في دساتيرها المدونة القوية، وقوانينها المطبقة والسوية، نادراً ما تستغل السياسة لتحقيق الأغراض الشخصية والفئوية والحزبية، فحين يكون الحكام والقضاة في المؤسسات العليا بعيدين عن الأجندة السياسية، وحين
يشعر المواطن أن القانون يحميه ولا (يرميه!)، فإن العمل السياسي سيصب في خانة خدمة الجميع، لا فئة أو جماعة معينة.إلى جانب ذلك، فإن العمل السياسي ينتعش وينمو في بيئة واعية ومدركة لأهمية العمل السياسي. فالبلدان التي عملت من أجل رفع مستوى التوعية لدى مواطنيها، في المفاهيم الديمقراطية وغيرها، تتقبل الفوز والخسارة، والرأي والرأي الآخر، ويوم لك ويوم عليك.. التداول السلمي للسلطة، ثقافة وسلوك حكم، ينتقل من الفئة الحاكمة، مروراً بالأحزاب ومؤسسات الدولة، حتى يصل إلى المواطنين والناخبين، بمعنى أنه كلما زاد المستوى التعليمي والثقافي للمواطنين، فإن درجة تفهمهم لطبيعة العمل السياسي تنمو وترتفع.. ونظرة إلى البيئات السياسية من حولنا خير شاهد ودليل.
وإلى جانب هذا وذاك، فإن البيئة السياسية السوية مرتبطة أشد الارتباط بفلسفة فصل السلطات التشـريعية والتنفيذية والقضائية، صحيح أن الذين يتسنمون مقاليد الحكم في السلطتين التشريعية والقضائية سياسيون، أو ممثلون للتيارات والأحزاب السياسية، ولكن السياسي المقلد لمنصب برلماني، عليه أن يقوم بعمله كمراقب للسلطة والحكومة، لا كبوق لحزبه والسلطة الحاكمة، وكذلك شأن السياسي المقلد لمنصب وزاري أو حكومي.
ولا يفوتني أن أنوّه إلى أن السياسة السليمة ربما بإمكانها أن تخلق بيئة مساندة ومساعدة لها، ولكن الغالب دائماً، أن البيئات القانونية والدستورية والتوعوية السليمة تدفع بالعمل السياسي إلى الأمام، وتحفظه من الانحراف عن مساره الحقيقي والصحيح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق