شوان زنكنة
ماجستير في الاقتصاد الإسلامي
? أعلنَ الرئيسُ التركيُّ في 12/3/2021 عن حُزمةِ إصلاحاتٍ اقتصاديةٍ، وذلك لدفعِ عَجلةِ الاقتصادِ إلى الأمام، كي تكونَ ضمنَ اقتصاداتِ الدولِ العشـرِ الأولى. وتركّزتْ هذه الإصلاحاتِ – كما صـرّحَ إردوغان- في أربعةِ محاور، هي: الاستثمارُ، وتوفيرُ فُرَصِ العَملِ، والتّصديرُ، والإنتاجُ، واِستهدَفتِ الاقتصادَ الكليَّ والجزئيَّ التركيَّ، وتعزيزَ بُنيَتهِ، وحمايةَ الليرةِ التركيةِ، وتخفيضَ نسبةِ التضخَمِ وسعرِ الفائدةِ، وتوفيرَ فُرصِ العملِ، ونُموَّ الإنتاجِ، وزيادةَ الصادراتِ، وتقليلَ العجزِ في الميزانِ التجاريِّ، واللِّحاقَ بالتقدّمِ التكنولوجيِّ العالميِّ.
وقبلَ الوُلوجِ في
ثَنايا حُزمةِ الإصلاحِ، لا بُدَّ من ذكرٍ مُختصـرٍ عن الاقتصادِ التركي، وكما
يَلي:
تقعُ تركيا، ذاتُ
الموقعِ الاستراتيجيّ بين الشـرقِ الآسيَويِّ، والغربِ الأوربيّ، على أرضٍ
مساحتُها حوالي 784 ألف كم2، ومجموعُ سكانِها حوالي 84 مليون نَسمَة، ويحكمُها
نظامٌ ديمقراطيٌّ جَمهوريٌّ رِئاسيٌّ، وسلطةٌ تشـريعيةٌ برلمانيةٌ.
الاقتصادُ فيها
ليبراليٌّ، أشبهَ ما يكونُ بالاقتصادِ الكِينزِي، تمارسُ السلطةُ فيه دورَ
المُوجِّهِ، والمُؤثِّرِ، والدَّاعِمِ، من خلال سياستَيها الماليةِ والنقديةِ،
ونفوذِها السياسيِّ الإقليميِّ والعالميِّ.
أنهكتِ الحكوماتُ
التركيةُ المُتعاقِبةُ، بعد إعلانِ الجمهورية، الاقتصادَ التركيَّ، وأضعفتْ
مفاصِلَه، بسوءِ إدارةِ الإنتاجِ، والصحةِ، والتعليمِ، والبُنى التحتيةِ، فتَعرّضَ
إلى عدةِ انهياراتٍ، كان آخرَها اِنهيارُ العملةِ التركيةِ سنة 2001م، والذي
أعقبَهُ تسلُّمُ حزبِ العدالةِ والتنميةِ، برئاسةِ إردوغان، للسلطةِ. ومنذ ذلك
التاريخ، سَعتْ حكومةُ إردوغان إلى دفعِ عجلةِ الاقتصادِ، ومعالجةِ أعطابِه، وخَطت
في ذلك خطواتٍ جيدةٍ، ولكنّها لم تستطعْ معالجةَ العطبِ الأساسيِّ في الاقتصادِ
التركي، الذي جعلَه هشًّا لا يَقوى على تحمُّلِ الضـرباتِ والمدخلاتِ السلبيةِ،
هذه الهشَاشةُ تكمُنُ في مُثلّثِ: الإنتاجِ، والتصديرِ، والتكنولوجيا.
ولا بُدَّ للحكومةِ
من أنْ تُعالجَ مشكلةَ تكلفةَ الإنتاجِ، وتستهدفَ تقليلَها، كي تُسيطرَ على
التضخّمِ وسعرِ الفائدةِ، ولا بُدَّ لها من أنْ ترفعَ مستوى التصديرِ، كي تُوفِّرَ
حاجتَها من العملاتِ الاجنبية، والتي تُوازِنُ بها ميزانَها التجاري أيضًا، ولا
بُدَّ لها من التّوجُّهِ نحو الصناعاتِ التقنيةِ المتطورةِ، كي تُحقِّقَ النموَّ
بمستوياتٍ عاليةٍ..
وخلال سنواتِ حكمِها
الماضيةِ، لم تُقدّمْ حكومةُ إردوغان حلولًا ومعالجاتٍ جذريةٍ في طبَابَةِ هشاشةِ
الاقتصادِ التركي، وقد تكونُ مَعذورَةً طيلةَ هذه الفترة، لأنّ الاستثمارَ في
معالجةِ هذه الهشَاشَةِ لا يكون مَنظُورًا من قِبَلِ المواطنِ، وبالتالي لا يُدرُّ
لها نفعًا سياسيًّا انتخابيًّا، إلا أن الوضعَ اليوم يختلفُ كثيرًا، فقد استكملتِ
الحكومةُ تثبيتَ أركانِها من جهةٍ، والتقدُّمُ التقنيُّ العالميُّ يحتاجُ إلى
ملاحقةٍ، ومزامنةٍ، من جهةٍ أُخرى. وبالتالي، فلا بُدَّ من إصلاحٍ اقتصاديٍّ
جذريٍّ، يستهدفُ هشاشَةَ الاقتصادِ. وأعتقدُ أن إردوغان أدرك هذه الحقيقة عندما
أعلن عن هذه الحزمةِ التي يمكن اعتبارَها الخطوةَ الأوليةَ بالاتّجاهِ الصحيحِ،
ولكن لا يمكن اعتبارَها إصلاحًا جذريًّا. وأعتقدُ أن الخطوةَ الأخرى الأكثرَ
جَرأةً ستأتي بعد انتخابات 2023م، بعد أن تَضمَنَ الحكومةُ أربعَ سنواتٍ قادمةٍ من
الحكم، عندها ستقومُ الحكومة بالنّقلةِ الجذريةِ للاقتصاد، إذا توفَّرتْ لها
الفرصةُ بالطبع.
وبلا خَوضٍ في
التفاصيلِ، يمكن تلخيصُ محتوياتِ الحزمةِ، مع تعليقاتي عليها، بالبنودِ الأساسية
التّالية:
1- تأسيسُ صندوقِ ضَمانٍ، لِتمويلِ الشـّركاتِ
والمؤسّساتِ الاقتصادية، في حالِ تعَثُّرِها عن سَدادِ ديونِها المُستَحَقَّةِ،
وذلك لمنعِ اِنهيارها، وضَمانِ اِستمرارِيَّتِها داخلَ العمليةِ الاقتصاديّةِ..
وهذه خطوةٌ إصلاحِيَّةٌ حقيقيّةٌ، تدعمُ البنوكَ والشـركاتِ، من خلالِ تَحمُّلِ
الصندوقِ لأعباءِ التَّعَثُّراتِ المَاليّةِ.
2- تسهيلُ عمليّاتِ عرضِ حِصَصِ وأسهُمِ
الشـّركاتِ العامَّةِ، والخاصّةِ، للاِكتِتابِ العامِّ.. ويمكن القول عن هذه
الخطوة: أن هذه العملياتُ جاريةٌ حاليًّا، ولكن الجديدَ فيها هو التّعديلاتُ التي
تُسَهّلُ عملياتِ العَرضِ، وهي خُطوةٌ مهمّةٌ تساعدُ في تقليلِ عمليات القروضِ من
البنوكِ، وتُساهِمُ في توسيعِ قاعدَةِ المُشاركةِ الشّعبيةِ في حِصصِ الشـّركاتِ،
وبالتّالي، تُعتبَرُ هذه الخطوةُ إيجابيةً، وفي الاِتّجاهِ الصّحيحِ
.
3- وضعُ المصارفِ التّشارُكِيّةِ (الإسلاميّةِ)
تحتَ سقفٍ واحدٍ، وذلك لتعزيزِ أنشطتِها.. ومعلومٌ أنّ هذه المصارفَ منضَويةٌ تحت
اتحادٍ باسمِ: (اتّحادُ المصارفِ التّشارُكيّةِ)، ولا أدري كيف سيكون شكلُ السقفِ
المذكورِ في الحُزمةِ، وكيف سيكون تأثيرُه الاقتصادي، ولكني أعتقد أنه كان يجب أن
تُعالجَ الحُزمةُ علاقةَ هذه المصارفِ بالبنكِ المركزيِّ، وما ينتجُ عنها من
مشاكلَ فنيةٍ وإداريّةٍ وشـرعيّةٍ.
4- سَيتمُّ تحديدُ أسعارِ السّلعِ بشكلٍ عامٍّ
سنويًّا، استِنادًا إلى نسبةِ التّضخُّمِ الحاصلِ في حينهِ فعلًا، وليسَ قياسًا
إلى نسبةِ التّضخُّمِ في السنةِ الماضيةِ.. وهذه خطوةُ إصلاحيّةٌ مهمّةٌ، إذ ستكون
الأسعارُ الحقيقيّةُ السائدةُ في السوقِ هي الأسعارُ التي تعلنُ عنها مؤسسةُ
الإحصاءِ التركيّةِ، وليستِ الأسعارُ التخمينيةُ التي تُعلنُ عنها حاليًّا. وبالتّالي،
ستَتحلَّى الحكومةُ ومؤسّساتُها الاقتصاديةُ بالشفافيّةِ، ويَرتفعُ مُستوى الثقةِ
بها.
5- سيتمُّ تشكيلُ لجنةِ (اِستقرارُ أسعارِ
السّلعِ)، مهمّتُها مراقبةُ أسعارِ السّلعِ، والتّخفيفُ من وَطأَةِ التّضخُّمِ..
وهذه خطوة جيدة، إذا حافظتِ اللجنةُ على استقلاليّتِها، وأدّتْ وظيفتَها في
المراقبةِ، والمُعالجةِ، بكفاءَةٍ.
6- تفعيلُ وتوسيعُ (نظامُ بنك الغذاء)، الذي
أقامتْهُ الحكومةُ قبل فترةٍ للسّيطرة على أسعارِ الموادِّ الغذائيةِ، وذلك
لتحسينِ كفاءةِ التَّوقُّعِ المُسبَقِ لحركةِ أسعارِ السّلعِ الزراعيةِ والحيوانيةِ
في الأسواقِ، ومنعِ تذَبذُبِها، والتّلاعُبِ فيها.. وهذه خطوةٌ مهمّةٌ جدًّا
باتّجاهِ تقليلِ الكُلفةِ، وتخفيضِ مُستوى التضخّمِ.
7- إيقافُ العجزِ في الميزانية العامة بِحدود
3.5%، علمًا بأنّ العجزَ الحاليّ بحدود 3% من الميزانية العامّة.. هذا هدفٌ وليس
إصلاحٌ، وتحقيقُه ضـروريٌّ لتحسينِ الوضعِ الاقتصاديِّ، وذلك من خلالِ تَرشيدِ
الإنفاقِ، وتَنويعِ المَوارِدِ.
8- مَأْسَسَةُ التّعاونِ بين القِطاعَين، العام
والخاصّ، وتعزيزُ الشـراكاتِ بينهما، وتسهيلُ إجراءاتِها.. وهذه خطوةٌ جيدة،
خاصّةً وأن هناك إجراءات وتعليمات حكومية بهذا الخصوصِ، وهناك مشاريعٌ قائمةٌ على
هذا الأساس فعليًّا، وسوف يكون لتَأْطيرِ ومَأْسَسةِ هذا التعاونِ الأثرَ الملموسَ
في الاقتصادِ التركيِّ مُستقبلًا.
9- تكونُ للمنتجاتِ التركية، وخدماتِ المؤسسات
التركيةِ، الأولويّةُ في مُناقَصاتِ وعُقودِ المؤسساتِ العامّة الحكومية، وذلك
لدعمِ وتَنشيطِ حركةِ الإنتاجِ والخدماتِ المحليّةِ.. وهذه خطوةٌ ضـرورية ستُحرّك
الركودَ في الأسواقِ، وستَنشّطُ حركةَ التجارةِ، وترفعُ مستوى الإنتاجِ.
10- تحويلُ النّظامِ الضـريبيِّ إلى نظامٍ إلكترونيٍّ
متكاملٍ.. وهذا إصلاحٌ جيد وضـروري في النظامِ الضريبيِّ، وذلك لتسهيلِ اِستحصالِ
الضـرائبِ، وتقليلِ التَّهرُّبِ منها، وتعزيزِ السيطرةِ عليها.
11- الإعفاءُ الضـريبيُّ للقِطاعَاتِ الاقتصاديةِ
الصغيرةِ لمدةٍ معينةٍ.. وهذه الخطوةُ ستوفّرُ مواردَ ماليةً تساعدُ هذه
القطّاعاتِ على تَخطّي أزمةَ الركودِ، وتساهمُ – في الوقت نفسه - في تنشيطِ حركة
التجارةِ الداخليةِ.
12- ترشيدُ الإنفاقِ الحكوميِّ في المصاريفِ،
وعقودِ الشـّراءِ، والإجارةِ.. وهذه الخطوةُ ستُساهِمُ في تقليلِ العجزِ في
الميزانيةِ العامّةِ، إذا ما اِستطاعَتِ الحكومةُ من تنفيذِها بشكلٍ كَفوءٍ.
13- يتمُّ تأسيسُ رئاسَتَينِ جديدَتَينِ: رئاسةُ
الصّناعاتِ الصّحيةِ، ورئاسةُ صناعاتِ البرمجيّاتِ وأجهزتِها، وتكونان مرتبطَتينِ
برئاسةِ الجمهوريةِ، ومهمّتُهما: إنتاجُ وتطويرُ الأجهزةِ الصّحيةِ الألكترونيةِ،
وتوظيفُ الشبابِ، ومنافسةُ الأسواقِ التقنيةِ العالميةِ.. وهذه خطوةٌ إصلاحيةٌ
حقيقيةٌ، فالتكنولوجيا هي محورُ الاقتصادِ المستقبليِّ، ومؤشـّرُ تقدمِ الشعوبِ.
14- إعادةُ تفعيلِ (بنك
إكزيم/ Exim Bank Turk)، وهو بنك مُختصّ بدعمِ الصّادِراتِ
التركيةِ، وكان له دورٌ فاعلٌ في زيادةِ وَتيرةِ التّصديرِ في حينهِ.. وهذه خطوةٌ
فعّالةٌ في زيادةِ الصّادِراتِ التركيّةِ، والتخفيفِ من وطأةِ العَجزِ في الميزانِ
التجاريِّ، وفي توفيرِ العُملةِ الصّعبَةِ.
15- تأسيسُ مراكِزَ دعمٍ لوجستيٍّ في كثيرٍ من
الدولِ، وذلك لدعمِ الصّادِراتِ التركيّةِ، وتوصيلِ المُنتِجين الأتراكِ بالأسواقِ
العالميةِ، وتقديمِ الخدماتِ لهم، وإمدادِهم بالمعلوماتِ اللّازِمة.. وهذه خطوةٌ
جيدةٌ بالاتّجاهِ الصحيحِ، وستخدمُ المنتجين، إذا ما تمَّ تفعيلهُا بكفاءَةٍ
ونَزاهَةٍ.
16- تقديمُ الدّعمِ اللّازمِ للاستخدامِ الأمثلِ
للطّاقةِ، وتَرشيدِ استهلاكِها، وذلك بهدفِ تقليلِ العجزِ في الميزانية، وتوفيرِ
المواردِ الماليّةِ.. بِحسبِ الإحصَاءاتِ الحكومة، فإنّ 45% من مُشتركي الغازِ
والكهرباءِ هم أصحابُ الأبنيةِ التجارية والسكنية، وأنّ 85% من هذه الأبنيةِ
تُعاني من هَدْرٍ في الطاقةِ، وسيكونُ لتقديمِ الدّعمِ لهذه الأبنيةِ الأثرَ
الكبيرَ في مُعالجةِ مشكلةِ الهَدرِ هذه.
17- يقومُ صندوقُ ضمانِ القرضِ بالدّعم
الانْتِقائِي، وذلك بتَحديدِ المَجالاتِ المُحتاجَة للدعمِ، وتصميمِ الوسائلِ
الدّاعِمَة لها، حسبَ حاجتِها، وأولوياتِ تنشيطِها.. هذه الخطوةُ ستُؤتِي ثمارَها
إذا ما تمَّ توجيهُها لدعمِ الأنشطة التكنولوجية، وتوفيرِ فُرصِ العمل فيها، وكذلك
التصديرِ. أما إذا ما تمَّ توجيهُها في الصناعاتِ الكلاسيكية، فستكونُ مضيعةً
للجُهودِ، ولا تنفعُ الحكومةَ إلا في جلبِ أصواتٍ إضافية للانتخابات. علماً بأنه
يجب على تركيا أن تُواكبَ التقدمَ التكنولوجي خلال السنواتِ الثلاثِ القادمةِ،
وإلّا فإنّها ستجدُ نفسها في رِكابِ الدولِ المُتأّخّرةِ.
18- دعمُ عمليةِ توفيرِ فُرصِ العمل للشباب،
ومعالجةُ مشكلةِ البطالةِ، إذ يَبدو أن الحكومةَ تشعرُ بخطورةِ البطالةِ، لذلك
وضعتْ جهدها في مشـروع الإصلاح هذا لمعالجة مشكلةِ البطالة لدى الشباب.. وهي خطوةٌ
جيدةٌ جدًّا لو صَبَّتِ الحكومةُ جهدَها في دعمِ الصناعاتِ التكنولوجيةِ
المُتقدِّمةِ، وتوفيرِ فُرص العمل فيها.
19- تشكيلُ لجنةِ (الاستقرارِ المالي)، وتعملُ
جنبًا إلى جنبٍ مع (مؤسسة إدارة الاقتصاد)، بهدفِ تنظيمِ السياسة المالية والنقدية
للدولة.. ويبدو أن أزمةَ الليرة التركية، والتضخّمَ، وسعرَ الفائدة، دفَعتِ
الحكومةُ إلى تشكيلِ لجانٍ، وتفعيلِ مؤسساتٍ متعدّدةٍ، بشكلٍ متوازٍ، وذلك للوصولِ
إلى معالجةٍ جماعيةٍ مشترَكةٍ، والخروجِ الآمِنِ من أزمةِ الاقتصادِ الحاليةِ.
20- تحويلُ مؤسسةِ الإحصاءِ التركيةِ، من مؤسسةٍ
حكوميةٍ تابعةٍ إلى مجلس الوزراء، إلى مؤسسةٍ مرتبطةٍ بها، وبمعنى آخر: مؤسسةٌ
مستقلةٌ مرتبطةٌ بالحكومةِ، وغيرُ تابعةٍ لها، حالُها حالُ البنك المركزي التركي..
هذه الخطوةُ تُعتبَرُ خطوةً إصلاحيةً بِجِدٍّ، لأن البيانات والإحصاءات التركية
ستكونُ بعيدةً عن سلطةِ الدولة، وهذا يعني إضفاءُ طابِعِ الشّفافيّةِ على
بياناتِها، وتَلَقِّي هذه البيانات من قِبل المؤسسات العالمية بالقَبولِ
.
21- إعطاءُ الأولويةِ للمشاريع الاستثمارية
المُموَّلةِ بالرأسمالِ الذّاتيِّ، والابتعادُ قدرَ الإمكانِ عن المشاريع
المُموَّلة من البنوك وبضمانةِ الدولة.. وهذا يعني التوقُّفُ عن تنفيذ المشاريع
العِملاقة المُموَّلةِ من قبل البنوك، والمَضمونَةِ حكوميًّا، ويَبدو أن
الانتِقاداتِ اللاذعةَ من المعارضةِ بهذا الخصوص، وعدمَ وجودِ مَردودٍ سياسيٍّ
مَلموسٍ فيها للحكومةِ، جعلتْها تَصـرِفُ النّظرَ عنها في مشاريعِها المستقبليةِ.
22- توسيعُ قاعدةِ الدعمِ للمشاريع الزراعيةِ
والحيوانيةِ، وذلك لتخفيضِ أسعارِ السّلع الغذائيةِ.. لو اِستطاعتِ الحكومةُ تقديم
هذا الدعم بكفاءَةِ، وحسبَ حاجةِ العاملين والمُستثمرين في هذا المجال، فإن أسعارَ
السّلعِ الغذائية ستَنخفِضُ بشكلٍ مَلموسٍ، بل ولنْ تتَذَبذبَ مُستقبلًا.
23- سيكونُ التوَجُّهُ الحكوميُّ نحو الاقتراضِ
بالليرة التركية، ومن خلال أُذوناتِ الخِزانَةِ، بفوائِدَ مُحدّدةٍ، ولمُدَدٍ
محدّدةٍ، مدروسةٍ وواقعيةٍ، وتوسيعِ قاعدةِ المشاركةِ الشعبيةِ في المؤسساتِ
الاقتصاديةِ الحكوميةِ، من خلال عرضِ بعضِ أسهمِها للاكتِتَابِ العامِّ، وتوفيرِ
السّيولَةِ للحكومةِ.. هذه خطوةٌ إصلاحيةٌ جيّدةٌ، لأنها تُعزِّزُ دورَ الليرة
التركية في الاقتصادِ، وتُحافِظُ على قيمتِها بشكلٍ متّزنٍ .
24- وضعُ اللّمساتِ الأولية، للبُنيّةِ القانونية
والاقتصادية التَّحتِيّةِ للعُمْلاتِ المُشفَّرَةِ.. يَبدو أن تركيا لا ترغبُ في
أن تكون بعيدةً عن التوجُّهاتِ العالمية (الصينية، الأوروبية، الأمريكية) نحو
إصدارِ العملاتِ المُشفّرةِ الرسميةِ الخاصّة بها، وأعتقدُ أن تركيا ستُصدِرُ
عملتَها المُشفّرةَ خلال السنوات القليلة القادمة.
25- توسيعُ قاعدةِ نظامِ التقاعدِ الفرديِّ، بحيث
يشملُ من هم دون 18 سنة، وسيتمُّ إنشاءُ (مركز المخاطر) بمساهمةِ المؤسساتِ
الحكومية، والخاصّة، والجمعيات، والأوقاف، والنقابات، وغيرها، وذلك بحلولِ سنة
2023م.. هذه الخطوةُ مهمّةٌ جدًّا لضمانِ مستقبلِ المواطن في سِنِّ التقاعدِ.
26- توسيعُ مصادرِ تمويلِ المشاريعِ الخاصّةِ
بالبيئةِ، وذلك لمُواكبَةِ إجراءاتِ رعايةِ البيئةِ والحِفاظِ عليها.. هذه خطوةٌ
جيدةٌ مُنسجمَةٌ مع التنميةِ المُستَدامةِ المطلوبةِ للحفاظِ على مُستقبلِ
الأجيالِ القادمةِ.
27- تشكيلُ لجنةِ متابعةٍ باسم (لجنة متابعة
مشـروع الإصلاح)، تجتمعُ كلَّ ثلاثةَ أشهرٍ لمتابعةِ تطوراتِ تنفيذِ بنودِ هذه
الحُزمةِ.. هذه اللجنةُ ضـروريةٌ، فكلُّ قرارٍ يحتاج إلى متابعةٍ، وبِقَدرِ
كفاءَةِ هذه اللجنةِ ستكونُ الحزمةُ كفوءَةً وفعالةً ومُثمرةً.
وختامًا
..
ولأن هذه الحُزمةُ
ليستْ إصلاحًا جذريًّا، بل هي خطوةٌ صحيحةٌ في هذا الاتِّجاهِ، فإنّ الأسواقَ
الماليّةَ في تركيا لن تَتأثَّر بها على الفورِ، بل ستُتابِعُ هذه الأسواقُ عن
كَثبٍ التطوراتِ التي ستَلي هذه الحُزمةَ مُستقبَلًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق